ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ

شٌبهات وردود

المكتبة المرئية

خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ

المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين

البحث
عرض المادة
أسباب تملص أهل الكتاب من تطبيق حكم الله من شريعتهم
د\احمد نصير
أسباب تملص أهل الكتاب من تطبيق حكم الله من شريعتهم
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) (41) ألمح الشيخ الشعراوي أن قوله تعالى (لاَ يَحْزُنكَ) نهي تضمن توضيحا من الله لرسوله بأنهم لم يسارعوا في الكفر تقصيراً منه ، وقد أدى واجبه نحوهم بالبلاغ) ، وإنما أصل المسألة أنهم لم يؤمنوا ثم كفروا ، إذ لو كان الأمر كذلك لقال الله «يسارعون إلى الكفر» لكنهم لم يؤمنوا ابتداءً ، يقول الشعراوي (والحق يريد أن يوضح لنا : أنهم يسارعون في دائرة الكفر ، ويعلمنا أنهم في البداية في الكفر ، ويسارعون إلى كفر أشد) .
قوله تعالى (..مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) (41) يقول ابن عاشور (ولعل المنافقين ممن يبطنون اليهودية كانوا مشاركين لليهود في هذه القضية) ، فلم يتكلفوا غير القول وإدعاء الإيمان ، وما أسهل ذلك ، وهم من العمل بعيدون كل البعد ، فالله لم يثبت لهم الإيمان بذلك الإدعاء ، بل يجب السمع والطاعة لله ولرسوله ، وتطبيق شرعه ، لكن ولأن قلوبهم لم تؤمن فسوف تجد منهم أمارات وعلامات الكفر كالتالي :-
- السماع للكذابين من رؤسائهم وقبول قولهم ، وتداوله ونشره بين الناس .
- تحريف أحكام الله لتوافق أهوائهم .
- يبيعون ذممهم بأكلهم للسحت وقبول الرشاوى .
في قوله تعالى (وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) تبين الآية موقف أهل الكتاب من تحريف أحبارهم لأحكام الله تعالى ، وسماع جمهور الناس لهذه الافتراءات والأكاذيب على الله تعالى وتصديقهم لها أكثر من تصديقهم للنبي ، فهم لا يتحرون عن الحق ، بل يستلطفون الكذب ، ويثقل الحق علي قلوبهم .
ففي الآية تصريح بأهم نقاط ضعف اليهود ، وهو تصديق الإشاعات والإفتراءات ، فذلك هو السبب الذي ضلوا به ، وبه أضلوا غيرهم ، حيث أنهم لا يبحثون عن الحق ، بل يقبلون إلا ما يوافق هواهم وإن كان كذبا ، أي (يسمعون الكذب من رؤسائهم ويقبلونه منهم ، فالسمع المراد منه القبول) .
قال الثعالبي (يراد به –بالذين يسارعون في الكفر- اليهودُ ، ويحتمل أن يراد به اليهود مع المنافقين؛ لأن جميعهم يَسْمَعُ الكذبَ ، بعضَهُم مِنْ بعض ، ويقبلونه) ؛ (ولذلك جاءَتْ عبارة سَمَاعهم في صيغَةِ المبالغة؛ إذِ المرادُ أنهم يُقْبِلُونَ ويستزيدون من ذلك) .
وقد جاء في وصفهم أنهم سماعون للكذب مطلقا غير معطوف ولا مقيد برشوة أو بباطل كناية على عدم دقتهم في التحقق من الأخبار ، وأن هذا دأبهم ، بعدم الاحتراز من تلفيق الأخبار ، والمجتمع الذي يحصل فيه ذلك يسهل اختراقه وتأليبه ، واللعب بعواطفه من خلال التأثير الإعلامي ونشر الأخبار الكاذبة ، فمن كان هذا شأنه فلا ينضبط بقاعدة ولا ينتظم على سلوك معين ، فهو الدمى التي تحركها الإشاعات ، وبالتالي يكثر فيه الظلم والافتراء على الله وعلى أهل الحق ، ويترتب على ذلك (أَنْ يَحْكُمَ فِي دِينِ اللَّهِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ دُونَ إعْمَالِ نَظَرٍ وَلَا اسْتِدْلَالٍ بِدَلِيلٍ) ، وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا"
ولذلك قال رسول الله (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) أَي (تُحَدِّثُ بِأَمْرٍ عَلَى مَا تَظُنُّهُ فَتَنْقُلُهُ عَلَى أَنَّك قَدْ عَلِمْته) .
وقَالَ رسول الله (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ) ، قال الصنعاني (إنما كان الظن أكذب الحديث لأن الكذب مخالفة الواقع من غير استناد إلى أمارة ، وقبحه ظاهر لا يحتاج إلى إظهاره ، وأما الظن فيزعم صاحبه أنه استند إلى شيء فيخفى على السامع كونه كاذبا بحسن الغالب فكان أكذب الحديث) ، (وَمَعْنَاهُ أَنْ تُعَادِيَ أَهْلَكَ وَصَدِيقَكَ عَلَى ظَنٍّ تَظُنُّهُ بِهِ دُونَ تَحْقِيقٍ) .
قوله تعالى (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) بيان لسبب الضلال والإضلال ، بتلفيق الأخبار والكذب على الرسول والمسلمين ، ذلك أن ضعاف النفوس لا يتحرون عن الحق ، ولا يكترثون لمصدر المعلومة التي تصل إليهم ، فهم متبعون لكل ناعق ، ومروجون لأي إشاعة بصرف النظر عن ماهية الخبر وصدقه أو كذبه ، ينقلون ما يقال لهم من أخبار كاذبة وإشاعات مغرضة ، رغم علمهم أن ما ينقلونه ليس عن أناس معروفون حق المعرفة ، بل يسمعون من أناس بينهم وبين النبي خصومة .
وقد سماهم العلماء (يعني اليهود الذين تجافوا عن مجلس الرسول ) ، ويعزى هذا الجفاء أن بينهم وبين النبي على وجه الخصوص وأهل الحق على وجه العموم خصومة حالت بينهم وبين مقابلتهم للنبي ، وهو ما يعني أن اليهود ومن على شاكلتهم صموا آذانهم عن مجالسة النبي وأصحابه ، واتصلوا بآخرين –أي المنافقين- الذين لا يأبهون لمصالحهم ولا لمصلحة هذا الوطن ، بل يتبعون ما تمليه عليهم قوى الظلام من خطط وأهداف خبيثة ، يتبعونهم رغم إعلان تلك القوى العداوة والبغضاء للنبي ومجاهرتهم له بذلك ، لكنهم يستمعون لهم ولنصائحهم وإرشادهم خفية ، ولا يعلنون عن اجتماعهم معهم حتى تظل بينهم وبين النبي وأصحابة "تقية" ، وهو ما يعني أن قوى الشر تحارب أهل الحق من وراء جدر ، فيتخذون من ضعاف النفوس عرائس يحركونها بما يخدم أغراضهم الدنيئة .
والواجب على المسلمين ألا يعاونوا هؤلاء على الشر بنشر تلك الشائعات ، فالذي يحدث بالكذب دون أن يتحقق من صدق الخبر فهو كاذب مثلهم ، وإن لم يكن عامدا ، يقول النبي (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) ، قال المناوي (والكذب الإخبار عن الشئ على غير ما هو عليه وإن لم يتعمد) ، قال ابن الجوزي (وذلك لأن من حدث بكل ما سمع من غير أن يميز بين ما تقبله العقول مما لا تقبله أو من يصلح أن يسمع ما يحدث به ممن لا نسب إلى الكذب) .
قال تعالى (يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ) واللفظ سيق لأجل مناسبة تحكيمهم النبي في شئونهم الخاصة ، وذلك حين دب نزاع بين اثنين أو أكثر من أهل الذمة ، وليس أحد من المسلمين طرف فيه ، ولم يكن لجوئهم إليه إيمانًا به وتصدبقا لما جاء به ، وإنما تحايلا على سلطانه أن يطبق عليهم شرع الله قهرًا وقسرًا ، فبادروا باللجوء للتحكيم إليه لا ليمضي شرعه عليهم كرهًا، فلجؤوا إليه ليحملوه على ما يوافق هواهم ، فلا ينزل حكم الله عليهم ، فتكون لهم سابقة يحكم بعد ذلك علي أساسها ، وكأنهم يساومونه بأن يخضعوا لحكمه ظاهرًا على أن يطبق عليهم ما يوافق هواهم عملياً .
قال ابن عاشور (وأحسب أن التجاء اليهود إلى تحكيم الرسول في ذلك ليس لأنهم يصدقون برسالته ولا لأنهم يعدون حكمه ترجيحا في اختلافهم ، ولكن لأنهم يعدونه ولي الأمر في تلك الجهة وما يتبعها ، ولهم في قواعد أعمالهم وتقادير أحبارهم أن يطيعوا ولاة الحكم عليهم من غير أهل ملتهم ، فلما اختلفوا في حكم دينهم جعلوا الحكم لغير المختلفين لأن حكم ولي الأمر مطاع عندهم ، فحكم رسول الله حكمًا جمع بين إلزامهم بموجب تحكيمهم ، وبين إظهار خطئهم في العدول عن حكم كتابهم) .
فقد روي في أسباب النزول حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا ، فَدَعَاهُمْ فَقَالَ هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ قَالُوا نَعَمْ فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ قَالَ لَا وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ نَجِدُهُ "الرَّجْمَ" وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ قُلْنَا تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ) إِلَى قَوْلِهِ (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ) يَقُولُ ائْتُوا مُحَمَّدًا فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) ، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) ، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ) فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا) .
قال تعالى (وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا) والمقصود اختبارهم بـأوامر الشرع وتكاليفه ، قال تعالى (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(الأنبياء/35) ، فالابتلاء لا اختيار فيه للإنسان ، فهو محض قدر ، إنما يبدأ الابتلاء بقبول أو عدم قبول القدر ، فالقبول بأحكام الشريعة أو الرفض لها هو اختيار الإنسان ، فإذا رفضها كشف الله عما في قلبه من نفاق إن كان يكتمه أو كفر وإن أظهر خلافه ، قال القطان (ومن يُرد الله اختباره في دينه فيُظهر الاختبارُ ضلالَه وكفره ، فلن تملِك له شيئاً من الهداية ، فهؤلاء المنافقون واليهود قد أظهرت فتنةُ الله لهم مقدارَ فسادهم ، فهم يقلبون الكذب ويحرفون كلام الله، اتباعاً لأهوائهم ومرضاة رؤسائهم) .
فاليهود ورد في كتابهم آية الرجم ، لكن لم يعلنوها ، بل عملوا بخلافها ، بينما أراد الله من أمة الإسلام أن تطبق حد الرجم على الزناة المحصنين ، رغم أن هذا الحد لم يثبت في كتاب الله ، وإنما ثبت في سنة الله تعالى العملية ، لتظل هذه السنة محفوظة ومتوارثة ، ولا ينكرها أحد ، وبالرغم من أن هذا الحد ليس منصوصا عليه في القرآن إلا أن كل علماء المسلمين يجمعون على ثبوته ، ولا خلاف بينهم في ذلك ، ليستبين الفارق بين علماء الإسلام الذين يدعون لتطبيق شرع الله ولا ينكرون حكما منه واحدا ، وبين علماء اليهود الذي يخفون شرع الله بالكلية ويبدلونه ، بهذا استبانت الحكمة في عدم النص على هذا الحد ليستبين الفارق بين أهل الملتين في التمسك بشرعهما .
قال تعالى (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (أي سبق لهم في علم الله ذلك ، وأن يكونوا مدنسين بالكفر) ، قال الشعراوي (كان ذلك كونا) أي أنه لم يرده أن يطهرهم "كونًا" وقدرا ، (لكنه أراد الطهر لهم شرعا ودينا) ، قال تعالى (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) (الزمر/7)
والمراد (لم يرد الله أن يطهر قلوبهم من الكفر حين كتموا أمر الرجم) ، بمعنى أنهم لما أضمروا الكذب والنفاق في قلوبهم فقد تجافوا عن الحق فكيف يهديهم الله إليه وقد أعرضوا عنه واستكبروا ، قال تعالى (فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ) (النحل/22) ، وبالتالي كان الجزاء من جنس العمل بأن يمدهم الله في طغيانهم يعمهون.
قال تعالى (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) جاء وصفهم هنا بسماعهم للكذب مقترنًا بأكلهم السحت ، وجاء مقيد بعد أن أُطلق - ابتداءً - في الآية السابقة ، وذلك يعني أن هذه الصفة وإن كانت نابعة ابتداء من عدم دقتهم في التحري ، وغلبة الهوى عليهم ، فإنهم بعد أن احترفوا نقل الأخبار الكاذبة اتخذوها "صنعة" ، فدأبوا على الرشوة ، وأكل أموال الناس بالباطل ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (لعن رسول الله الراشي والمرتشي في الحكم) ، قال الحسن : (يسمعون الكلام ممن يكذب عندهم في دعواه فيأتيهم برشوة فيأخذونها) .
(وسُمي سحتًا؛ لأنه يسحت البركة ويستأصل المال) ، وقد قيل «من جمع المال من نهاوش ، أذهبه الله في نهابر» ، أي مهالك ، والمراد أن من أخذ شيئاً من غير حله له كنهب أذهبه الله في غير حله) .
فمن كان هذا شأنهم فكيف يعول عليهم في حمل أمانة الدين للأجيال القادمة ، وكيف يحملون الأمانات ، وقد خانوا عهد الله ورسوله ؟ قال رسول الله (لا إيمان لمن لا أمانة له و لا دين لمن لا عهد له) ، فلا تؤمن خيانتهم ، وغدرهم ، ولا يؤتمنون على عهد ولا مسئولية .
قال الإمام ابن تيمية (فإذا تعذر إقامة الواجبات –فروض الكفاية-من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب، كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيرا من العكس)
يقصد بذلك أن المفسدة لا يؤمن حصولها عند الاستعانة بهم في تدريس العلم للطلاب أو أعمال الطب والتمريض أو في توكيلهم على الحراسة مع الجند كما استعان النبي بهم في تأمين ظهره في غزوة الأحزاب فخانوه ..وهكذا ، كأعمال الزراعة لما ترك عمر بن الخطاب يهود خيبر على الأرض التي استعملهم عليها رسول الله زمنا ، لانشغال المسلمون بالجهاد ، فخصص لهم الانتفاع بزراعتها على أن يعطوا نسبة من خراجها لبيت مال المسلمين ، فهذه الأعمال قد يتعذر تحصيلها بتمامها دون الاستعانة بهم ، فأجاز الإمام الاستعانة بهم مع الحذر من أهوائهم وطريقتهم في قبول الرشى وأكل السحت وأموال الناس بالباطل ، باعتبار أن جلب المصلحة مع تقليل المفسدة قدر الإمكان مقصد من مقاصد الشرع .
-
الاربعاء PM 02:15
2025-12-03 - 30



