المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 681609
يتصفح الموقع حاليا : 545

البحث

البحث

عرض المادة

تهرب بني إسرائيل من الجهاد مع نبي الله موسى

د/احمد نصير

تهرب بني إسرائيل من الجهاد مع نبي الله موسى

قال تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23) قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (26)

سوف ندرس في هذا الصدد قصة نكول بني إسرائيل عن الجهاد مع نبي الله موسى عليه السلام ، وتطبيق ذلك على جريمة التهرب من أداء الخدمة العسكرية ، وقبل أن نشرع في بيان هذه القصة نود أن ننوه إلى بنود الاتفاق العسكري مع اليهود في المدينة المنورة – تلك التي أشرنا إلي بنودها من قبل - والتي كانت توجب عليهم القتال مع رسول الله  ضد من يحاول الهجوم على المدينة المنورة ، ولكن اليهود لم يحترموا هذا الميثاق الدستوري الذي يؤمن لهم دولتهم ، وخانوا رسول الله  أكثر من مرة حتى لم يكن به بد إلا أن أجلاهم منها من أجل خيانتهم ، ولذلك كان في ذكر القرآن الكريم لقصة اليهود مع موسى في الجهاد وتخاذلهم عنه خير مثال لتوصيف حال اليهود في المدينة مع النبي  ، يقول أبو حيان (مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى بين تمرّد أسلاف اليهود على موسى ، وعصيانهم إياهم ، مع تذكيره إياهم نعم الله وتعداده لما هو العظيم منها ، وأن هؤلاء الذين هم بحضرة الرسول هم جارون معكم مجرى أسلافهم مع موسى) .

قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ) (20) الغاية من ذكر هذه القصة تذكيرهم بواجب نشر الدعوة ، وأنهم مكلفون بأداء هذا الواجب مثلما كلف به بنو إسرائيل لاعتبارين اثنين :-

الأول : أن الأنبياء كانت تسوسهم ، فلا حجة لهم في أنهم ينتظرون من يقودهم ، فليس لهم أن يتذرعوا بعد ذلك بشيء وقد ساستهم الأنبياء ، فعَنْ النَّبِيِّ  قَالَ ( كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ) ، أي (يرأسهم الأنبياء تترى تابعا بعضهم بعضا) ، قال ابن الأثير (أي تتولّى أمورهم كما تفعل الأمراءُ والولاةُ بالرَّعيَّة ،والسِّياسةُ :القيامُ على الشيء بما يُصْلِحُه) ، فكانوا بذلك أعلم أهل زمانهم بالتوراه وأحكام الله

الأمر الثاني أن الله تعالى آتاهم الملك ، إذ منَّ عليهم به بعد أن كانوا مستضعفون في الأرض ، قال سبحانه (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص/5-6) ، فورثوا جنات وعيون وكانت من قبل للظالمين ،قال تعالى (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ * كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ) (الدخان/24-28) ، فآلت إليهم بعد أن نصرهم الله ، لما نصروا موسى  على فرعون .

والمقصود بـ"الملك" الذي آتاهم الله في السياق "القوة" التي بها يترشحون للسياسة لا أنهم كلهم متولين للأمر ، قال الراغب الأصفهاني ("الملك" اسم لكل من يملك السياسة) ، وقال السدي: (وجعلكم ملوكا) أي (أحرارا تملكون أمر أنفسكم بعدما كنتم في أيدي القبط يستعبدونكم) ، وقال الضحاك (كانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية فمن كان مسكنه واسعا وفيه ماء جار فهو ملك) ، وبذلك أضحوا أكثر الناس استعدادا للجهاد لما ملكوا أمر أنفسهم ، وأوتوا المال والسعة والقدرة للتجهيز .

ومؤدى ذلك أن يفضلهم الله تعالى على العالمين بتكليفهم الجهاد في سبيله ، وليدافعوا عن غيرهم من المستضعفين كما دافع موسى عنهم ضد فرعون عندما كانوا هم المستضعفين كما في قوله تعالى (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) (طه/16-17) ، فكان اختيار الله لهم نتيجة لأنهم مروا بذات التجربة من الاستضعاف، وتحملوا معه إيذاء فرعون وجنوده ، قال تعالى (قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الأعراف/129) ، فأولى أن يردوا الدين وينصروا أمثالهم من المستضعفين من ظلم الجبارين كما نصروا نبيهم موسى على فرعون .

ففي قوله (مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ) قال ابن كثير أي (بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان؛ فإن لكل زمان عالما) ، كما في قوله تعالى (وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين) [ الدخان : 32 ] ، فهو تفضيل نسبي وليس مطلق، (أراد به عالم ذلك الزمان) ، ما يعني أنهم أوتوا كل القوة اللازمة للجهاد في سبيل الله ، فلم يكن أحد غيرهم في زمانهم مؤهلا لأداء فريضة الجهاد ، ولذلك جاء اختيار الله لهم لأداء هذه المهمة ، لاسيما وقد تخطوا مرحلة الاستضعاف بثبات مع موسى عليه السلام، لكن عليهم أن يتخطوا –كذلك- مرحلة الشكر على نعم الله ، فقد رزقوا الملك والقوة بعد الاستضعاف والمسكنة .

قوله تعالى (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) (21) ناداهم نبيهم للجهاد بنية الدفاع عن المقدسات الإسلامية ، وتلك هي الغاية الأساسية التي استنفرهم من أجلها ، لاسيما وأنها قد اغتصبت من جبارين بما يدل على أنهم يعثون في الأرض فسادًا ، ما يعني أن هذه المقدسات لم تكن بمنأى من إفسادهم ، فالمساس بالمقدسات كناية عن رغبة الجبار في إذلال المسلمين وتحقيرهم ، ومن ثم سفك دمائهم ، فكان يتعين علي المسلمين أن يجاهدوا –أولا- لإعلاء كلمة الله والحفاظ على مقدسات الإسلام ، وإعلاء شعائره في هذه الأرض المباركة التي هي (بيت المقدس) أولى القبلتين ، لرفع الظلم عن المظلومين من بطش الجبارين ، فالجبار الذي يحترم المقدسات ، يعصف بحرية الاعتقاد ، وممارسة الشعائر الدينية ، فإذا فعل ذلك هانت عليه الدماء فيسفك منها بلا احتراز ، فلا يكون للمال حرمة ولا للنساء عصمة .

والأرض المقدسة هي الأرض طهرها الله من الشرك والوثنية بعد أن أرسل الله إليها أنبيائه قال ابن عباس ومجاهد أنها الطور وما حوله ، وقال معاذ بن جبل هي ما بين العريش إلى الفرات ، وقال السدي هي أريحة ، وقال قتادة هي الشام كلها وقال الزجاج هي دمشق وفلسطين والأردن .
وقال الطبري (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: هي الأرض المقدّسة، كما قال نبي الله موسى  ، لأن القول في ذلك بأنها أرض دون أرض، لا تُدرك حقيقةُ صحته إلا بالخبر، ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به. غير أنها لن تخرج من أن تكون من الأرض التي ما بين الفرات وعريش مصر، لإجماع جميع أهل التأويل والسِّير والعلماء بالأخبار على ذلك) .

فالآيات أكدت قدسية بيت المقدس ، وأن الأرض التي حوله مباركة ، كما في قوله تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الإسراء/1) ، وقوله سبحانه(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) (الأنبياء/81) ، فقدسية المكان تعني أنه مطهر من الشرك والأوثان ، كما في قوله تعالى (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) (طه/12) أي بسيناء تأكيدا لهذا المعنى , كما في قوله تعالى (إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) (النازعات/16) وجبل الطور في سيناء ، وقال الله تعالى (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) [الأعراف: 137) ، أي أرض مصر ، وقال سبحانه (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/71) ، قيل هي الأردن .

وقد ورد في فضل المسجد الأقصى قول النبي  (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى) ، ولم يصح من الأحاديث لبيان فضل المسجد الأقصى فضلا عما تقدم غير ما يدل على أنه ثاني أقدم مسجد في التاريخ ، لما روي عَنْ أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ ؟ قَالَ "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ" قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ "الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى" قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ) .
وعَنْ النَّبِيِّ  قَالَ (لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا
 حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ
 وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ
 وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
فَقَالَ النَّبِيُّ  أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ) )
قال ابن حجر في الفتح: ("وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة، - لقوله تعالى (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ) - ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس، فقد روينا أن أول من بنى الكعبة "آدم" ، ثم انتشر ولده في الأرض، فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس، ثم بنى "إبراهيم" الكعبة بنص القرآن، (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت)

من هنا نفهم أن الاعتداء على المقدسات يعني الاعتداء على كل حقوق الإنسان ، وهذا لا يفهمه غير المسلمين ، ذلك أن المختصين بعلوم النفس يرتبون الحقوق الإنسانية من حيث أهميتها ترتيبا هرميا ، ويجعلون في أعلى الهرم حرية الاعتقاد ثم حرية ممارسة الشعائر الدينية ، باعتبارها متعلقة بتقدير الذات

هرم ماسلو
فماسلو يؤكد أن تلبية الحاجات الأساسية مثل الطعام والشراب والمسكن تأتي في قاعدة الهرم ويجب إشباعها أولاً قبل الانتقال إلى مستويات أعلى مثل تقدير الذات. بدون تلبية الاحتياجات الفسيولوجية، من الصعب التركيز على تحقيق أي شيء آخر .

لكن المسلمون يجعلون الحريات الدينية تتقدم حق الإنسان ذاته في تلبية حاجاته الفسيولوجية من الأكل والشرب والغذاء والملبس والمسكن ، ولذلك يضحي المسلمون بحاجاتهم الأساسية لأجل إعلاء كلمة الله ، فيقتلون ويقتلون ليس ابتغاء الدنيا ، وإنما لأجل نصرة المستضعفين في كل مكان كما أخبر الله ، (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) (75) ، ولذلك فإن انتهاك هذه الحرية ، أي (الاعتقاد) يعني أن المغتصب قد تجاوز بفعله انتهاك ما يسبقها من حريات وحقوق للإنسان ، لأنها في مصاف الحريات العامة ، فهي حريات تستعصي على التنظيم التشريعي ، أي أنها حريات مطلقة لا يجوز لقوة في الأرض أن تجبر إنسان على أن يترك دينه وعقيدته .

فقوله (الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ) تضمن إخبار بقدر لله ، ووعد بنصره لهم ، إذ لا ولاية لكافر على مساجد الله ، فلا ولاية علي المقدسات إلا للمؤمنين ولا ولاية لغيرهم عليها ، كما قال تعالى (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) .

والأرض المقدسة التي كتبها الله للمسلمين ليست قاصرة على جهة واحدة ، فكل مسجد يضع فيه المسلم جبهته ساجدا لله هي أرض مقدسة ، قال سبحانه (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (105) ، وكل مساجد الله مباركة ، ويجب أن تقتصر الولاية عليها للمؤمنين، لا لغيرهم ، قال العلماء (ولا يجوز أن يكون للكفار والمشركين من الوثنيِّين والقبوريِّين سلطة على مساجد الله)

بقوله (وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) أعقب النداء نهي وتحذير ، فنهاهم عن التولي عن الاستجابة لنداء الجهاد ، قال ابن كثير أي: (ولا تنكلوا عن الجهاد) وهو ما يعني أن التولي يوم الزحف كالردة ، فظاهر السياق يدل على أن المعنى الردة عن الإسلام وهو ما فسره كثير من المفسرين ، والمناسبة بين المعنيني هي رغبتهم في ألا يلزمهم أحد بالجهاد ، فارتدوا عن الدين لهذا السبب ، لأنهم لم يصدقوا نبيهم بأن الله كتب هذه الأرض للمؤمنين .
قال البيضاوي (ولا ترجعوا مدبرين خوفاً من الجبابرة ، أو لا ترتدوا عن دينكم بالعصيان وعدم الوثوق على الله سبحانه وتعالى) ، قال الرازي ما معناه (لما كان الله قد وعدهم بالنصر ، فإنهم لو لم يقطعوا بهذه النصرة لصاروا شاكين في صدق موسى عليه السلام فيصيروا كافرين بالإلهية والنبوّة) .

قوله تعالى (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ) (22) أثاروا شبهة قوية ، لكنها غير صحيحة ولا مشروعة ، تتمثل في عجزهم عن مجابهة هؤلاء الجبارين ، فهل هذا عذر شرعي لإسقاط الجهاد عنهم ؟ وتناسوا قدرة الله تعالى ، وأنه سبحانه يسخر أضعف خلقه ليغلب بهم أعتى الجبارين ، كما سخر الطير الأبابيل لإهلاك أبرهة ، وسخر أصغر الدابة لإهلاك النمرود ....الخ ، قال ابن القيم الجوزية (نسوا قدرة جبار السموات والأرض الذي يذل الجبابرة لأهل طاعته ، وكان خوفهم من أولئك الجبارين الذين نواصيهم بيد الله أعظم من خوفهم من الجبار الأعلى سبحانه ، وكانوا أشد رهبة في صدورهم منه) .

فالمكلف إذا كُلف بالفعل ولم يكلف بتحقيق النتائج ، فعليه أن يكل النتائج إلى الله ، ولا ينشغل بها ، فهم مكلفون بالقتال ، ولم يكلفوا بأن يغلبوا عدوهم ، فليس هذا شأنهم ، وليس مطلوبًا منهم ، بل هم مكلفون بأن يواجهوا عدوهم ويجاهدوهم بكل طاقتهم ووسعهم ، وليس بيدهم تحقيق النتائج بحسب ما أرادوا ، فذلك هو تدبير الله وتقديره ، وليس عليهم أن يقيسوا قوتهم على قوة أعدائهم وقد كلفهم الله تعالى بالقتال وحسب ، وإنما يكون قياس القوة مشروعا عندما يكون القتال مندوبا إليه ، لكن هؤلاء لم ينتدبوا لقتال وإنما كلفوا به .
وهكذا – وقياسا على ذلك - يجب التفرقة بين أن يكون القتال فرض عين أم فرض كفائي أم مندوب إليه ومستحب ، فحيث يكون قتال الدفع فهو فرض عين ، وحيث يكون جهاد الطلب فهو فرض كفائي على الأمة ومندوب لآحادها .

والذي منعهم من الاستجابة لموسى والجهاد معه عدة عوائق من أهمها ما ذكره ابن الأزرق في عوائق الملك المانعة من دوام ، فقال العائق الأول (حصول الترف والنعيم للقبيلة ، وذلك لأنها إذا غلبت بعصبيتها بعض الغلب استولت على النعمة بمقداره ، وبحسب استظهار الدولة به ، وإذا بلغت الدولة غايتها من الغلب قنعوا بما سوغوا من نعمتها به ، وشوركوا به جبايتها ، فلا تسمو هممُهم إلى شيء من منازع الملك ، ولا يهتمون إلا بالكسب وخصب العيش والأخذ بمذاهب الملك في المباني والملابس، فتذهب خشونة البداوة ، وتضعف العصبية والبسالة ، وتنشأ بنوهم وأعقابهم في مثل ذلك، حتى يصير لهم سجية وخلقا، فتنقص عصبيتهم وبسالتهم مع تعاقب الأجيال، إلى أن تنقرض جملة....) .

والعائق الثاني لحاق المذلة للقبيل وانقيادهم لسواهم ، وذلك لأن مذلتهم وانقيادهم دليل على فقدان العصبية ، وعجزهم لذلك عن المدافعة ، وأولى عن المطالبة اعتبار) ، وذلك بسبب تعودهم على ذل العبودية للقبط وفرعون زمنا طويلا

وقال ابن خلدون: (واعتبر في ذلك ببني إسرائيل، لما دعاهم موسى عليه السلام إلى ملك الشام مخبراً لهم بأن الله تعالى قد كتبه لهم، كيف عجزوا ؟ وقالوا: إن فيها قوماً جبارين وأنا لن ندخلها حتى خرجوا منها ، أي بضرب من القدرة غير العصبية، بل من معجزاتك يا موسى ، ولما عزم عليهم، لجوا في ارتكاب العصيان. وقالوا " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون " ، وذلك لما ألفوا من العجز من المطالبة، بما حصل فيهم من خلق الانقياد، وبما ألفوا من الذل للقبط أحقاباً، حتى ذهبت عصبيتهم جملة ، مع أنهم لم يؤمنوا حقاً بما أخبروا به من ملك الشام، فأقصروا عن ذلك، بما استحكم فيهم من خلق المذلة، وطعنوا فيما أخبروا به، وأمروا لأجله، فعوقبوا بالتيه) .

قوله تعالى (قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (23) (هذان الرجلان أنعم الله عليهما بالخوف من الله) ، فلما خافوا الله جنبهم مخافة غيره ، وعصمهم من الجبارين ، فمن خاف الله بحق لم يأبه بغيره ، (وترتب على ذلك أن أنعم الله عليهما بالشجاعة) ، والعكس كذلك صحيح ، فمن خلا قلبه من الخوف من الله خاف مما سواه .

قال أبو حيان الأندلسي (قالا ذلك ثقة بوعد الله في قوله (التي كتب الله لكم) ، وقيل : رجاء لنصر الله رسله ، وغلب ذلك على ظنهم) ، وقال ابن كثير أي (متى توكلتم على الله واتبعتم أمره، ووافقتم رسوله، نصركم الله على أعدائكم وأيدكم وظفركم بهم، ودخلتم البلدة التي كتبها الله لكم. فلم ينفع ذاك فيهم شيئًا) ، لا سيما وأنه (لن يغلب إثنا عشر ألفا من قلة) ، قال العلقمي : أي) إذا بلغ الجيش اثني عشر ألفا لن يغلب من جهة قلة العدد) أي (إذا صبروا واتقوا) .

قوله (ادْخُلُواْ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) وبشرهم بالغلبة رغم أنهم مكلفون بالقتال فقط ، لأن النفس تميل إلى ذلك ، فحببهم في القتال ليتأهلوا بعد ذلك لكل صور القتال التي فيها الغلبة أو الشهادة ، فهذا من باب التدرج في التربية على الجهاد في سبيل الله ، فالمجاهد الصادق يرغب في الشهادة أكثر من رغبته في رؤية النصر والغلبة .

فهذا التكليف بالجهاد أتبعه تبشير بالغلبة بمجرد الأخذ بتلك الأسباب شريطة التوكل على الله حق توكله ، قال الشيخ صالح بن فوزان (فإذا حصل هجوم صحيح ودخل المجاهدون عليهم الباب سيقع الرعب في قلوبهم ويخرجون منها ، لكن هذا لا يكون إلاَّ من أهل الإيمان وأهل الصدق والعزيمة والبأس كما في رجال محمد  الذين كانوا يجاهدون ويهجمون على الكفار ويقتحمون الأبواب ويخاطِرون بأنفسهم .
وأيضاً فإنه لا يكفي دخول الباب، بل (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فهذا لا يحصل إلاَّ بالعزيمة الصادقة، والإقدام في سبيل الله، وتقديم النفس في سبيل الله، مع التوكُّل على الله وعدم الاعتماد على القوة، بل يعتمد على الله مع الأخذ بالقوة المناسبة) .

قوله تعالى (قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (24) قال ابن الجزي في مقولة (اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ) إفراط في العصيان وسوء الأدب بعبارة تقتضي الكفر والاستهانة بالله ورسوله) ، قال صاحب الظلال (إن جبلة يهود لتبدو هنا على حقيقتها ، مكشوفة بلا حجاب ولو رقيق من التجمل . ذلك أنهم أمام الخطر؛ فلا بقية إذن من تجمل؛ ولا محاولة إذن للتشجع ، ولا مجال كذلك للتمحل ، إن الخطر ماثل قريب ؛ ومن ثم لا يعصمهم منه حتى وعد الله لهم بأنهم أصحاب هذه الأرض ، وأن الله قد كتبها لهم - فهم يريدونه نصراً رخيصاً ، لا ثمن له ، ولا جهد فيه ، نصراً مريحاً يتنزل عليهم تنزل المن والسلوى!) .

وهذا السلوك الذي ظهر من أهل الكتاب يبرر تخاذلهم عن نصرة النبي  في المدينة المنورة ، حيث تطابق تماما مع سلوك أسلافهم ، ولذلك خلا جهاد النبي  للمشركين من نصرة يهود المدينة له رغم أنهم تحالفوا معه على النصرة ، يعزى ذلك لفقدهم أهم عنصرين من عناصر الجندية كما أشار إلى ذلك ابن الأزرق وابن خلدون.:-
الأول : الجلد والخشونة وقد رغبوا في حياة الترف والراحة .
والثاني : الانقياد لأحبارهم ورهبانهم ، كما أخبر النبي  بذلك فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه .

والجدير بالذكر أن صحابة رسول الله  كان لهم موقف مغاير لهؤلاء اليهود مع نبيهم موسى عليه السلام ، لما تميزوا به من خشونة العيش ، والسيادة وعدم الانقياد أو الاتباع لأحد ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ الْمِقْدَادُ يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ) وَلَكِنْ امْضِ وَنَحْنُ مَعَكَ فَكَأَنَّهُ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ )

ولذلك جعل الله تعالى أمة محمد خير أمة أخرجت للناس ، ومن ثم جاء الأمر بتحويل القبلة إيذان من الله تعالى لأن تتولى هذه الأمة قيادة البشرية بإذنه سبحانه ، فتهدي الناس للحق بعد الضلال (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران/110).

قوله تعالى (قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (25) قال حقي (أي لا أقدر إلا على نفسي وأخي) ، فلم يملك أن يجاهد إلا بنفسه وأخيه هارون ، وليس بيده أن يجبر بني إسرائيل على الجهاد معه ، من هنا نفهم أن سياسة التجنيد الإجباري هي سياسة فاشلة ، وإنما يجب التربية على الجهاد ، ويسبقها بالطبع اختيار من يتأهل لهذا الشرف وتلك المسئولية ، فلم يملك موسى أن يوقع عليهم عقوبة زمنية ليردع المتخلفين عن التجنيد ، كما لم يتمكن من أن يحفظ الجيش من إعلان عصيانه والانقلاب عليه ، وذلك قبل أن يأتيهم عقاب الله بالتيه في الأرض .

قال الرازي (كأنه لم يثق بهم كل الوثوق لما رأى من إطباق الأكثرين على التمرد ، وأيضاً لعلّه إنما قال ذلك تقليلاً لمن يوافقه)
قال الزمحشري (وهذا من البث والحزن والشكوى إلى الله والحسرة ورقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة)
قال الشيخ علي الشحود هي (دعوة فيها الألم ، وفيها الالتجاء ، وفيها الاستسلام، وفيها - بعد ذلك - المفاصلة والحسم والتصميم! وإنه ليعلم أن ربه يعلم أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه.. ولكن موسى في ضعف الإنسان المخذول ، وفي إيمان النبي الكليم ، وفي عزم المؤمن المستقيم ، لا يجد متوجهاً إلا لله ، يشكو له بثه ونجواه ، ويطلب إليه الفرقة الفاصلة بينه وبين القوم الفاسقين ، فما يربطه بهم شيء بعد النكول عن ميثاق الله الوثيق.. ما يربطه بهم نسب ، وما يربطه بهم تاريخ ، وما يربطه بهم جهد سابق ، إنما تربطه بهم هذه الدعوة إلى الله، وهذا الميثاق مع الله ، وقد فصلوه ، فانبت ما بينه وبينهم إلى الأعماق ، وما عاد يربطه بهم رباط.. إنه مستقيم على عهد الله وهم فاسقون.. إنه مستمسك بميثاق الله وهم ناكصون.. ) .

وفي قوله (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (26) توقيع للجزاء ، وبيان لعاقبة النكوص والتخلف عن الجهاد في سبيل الله ، لتكون العاقبة نقيض مقصودهم ، ذلك أنهم تنكبوا عن متابعة نبيهم واللحوق به في ميدان الجهاد رغبة منهم في طلب الدنيا وسعيا وراء الاستقرار في الأرض ، فعاملهم الله بنقيض ذلك فلم يجعل لهم أرضا يستقرون عليها وظلوا في هذا التيه قدر العقوبة المقدرة لهم
قال شيخ المجاهدين أحمد ياسين (لقد جعل الله بني إسرائيل يتيهون في الأرض أربعين سنة ليتغير الجيل، الأجيال تتغير كل أربعين سنة) ، وهكذا شأن أي أمة أو قوم يتخلفون عن الجهاد في سبيل الله ، فلا هم يحافظون على ما أنعم الله عليهم من ملك وسعة رزق ، ولا هم يفتحون القرى التي جعلها الله لهم عندما يجاهدون ويتوكلون عليه ، وإنما يستبدل الله غيرهم بهم ليقوموا بما نكصوا عن القيام به ، أما الناكصون فهم المحرومون من خيري الدنيا والآخرة .

  • الاثنين PM 02:45
    2025-12-01
  • 34
Powered by: GateGold