المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417661
يتصفح الموقع حاليا : 212

البحث

البحث

عرض المادة

نصوص بعض النبوءات عن النبى محمد صلى الله عليه وسلم من سفر أشعياء

(الوجه الثالث عشر): قوله في نبوة أشعياء :قيل لي أقم نظاراً فانظر ما يرى تخبر به ، قلت أرى راكبين مقبلين أحدهما على حمار والآخر على جمل ، يقول أحدهما لصاحبه : سقطت بابل وأصنامها على الأرض.

وصاحب الحمار عندنا وعند النصارى هو المسيح ، وراكب الجمل هو محمد صلوات الله وسلامه عليهما ، وهو أشهر بركوب الجمل من المسيح بركوب الحمار ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم سقطت أصنام بابل لا بالمسيح ، ولم يزل في إقليم بابل من يعبد الأوثان من عهد ابراهيم الخليل إلى أن سقطت بمحمد صلى الله عليه وسلم.

(الوجه الرابع عشر): قوله في نبوة أشعياء أنه قال عن مكة : ارفعي إلى ما حولك بصرك ، فستبهجين وتفرحين من أجل أن الله تعالى يصير إليك ذخائر البحر ، وتحج إليك عساكر الأمم ، حتى تعم بك قطر الإبل المؤبلة ، وتضيق أرضك عن المقطرات التي تجتمع إليك ، وتساق إليك كباش مدين ، وتأتيك أهل سبأ وتسير إليك أغنام فاران ، وتخدمك رجل نبايوت.

يريد سدنة الكعبة وهم أولاد نبايوت بن اسماعيل.

قالوا : فهذه الصفات كلها حصلت لمكة ، فإنها حملت إليها ذخائر البحر ، وحج إليها عساكر الأمم ، وسيق إليها أغنام فاران هدايا وأضاحي وقرابين ، وضاقت الأرض عن قطرات الإبل المؤبلة الحاملة للناس وأزوادهم ، وأتاها أهل سبأ وهم أهل اليمن.

)الوجه الخامس عشر : (قول أشعياء في مكة أيضاً: وقد أقسمت بنفسي كقسمي أيام نوح أني أغرق الأرض بالطوفان إني لا أسخط عليك ولا أرفضك ، وإن الجبال تزول وإن التلاع تنحط ورحمتي عليك لا تزول.

ثم قال : يا مسكينة ، يا مضطهدة ، ها أنا ذا بان بالحسن حجارتك ، ومزينك بالجواهر ، ومكلل باللؤلؤ سقفك ، وبالزبرجد أبوابك ، وتبعدين من الظلم فلا تخافي ، ومن الضعف فلا تضعفي ، وكل سلاح يصنعه صانع فلا يعمل فيك ، وكل لسان ولغة تقوم معك بالخصومة تفلحين معها ، ويسميك اله اسماً جديداً - يريد أنه سماها المسجد الحرام - فقومي فأشرقي فإنه دنا نورك ، وقار الله عليك ، انظري بعينيك حولك ، فإنهم مجتمعون.
يأتونك بنوك وبناتك عدواً فحينئذ تسرين وتزهوين ، ويخاف عدوك ، وليتسع قلبك ، وكل غنم قيدار تجتمع إليك ، وسادات نبايوت يخدمونك.

ونبايوت هم أولاد نبايوت بن اسماعيل .

وقيدار جد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أخو نبايوت بن اسماعيل.

ثم قال : وتفتح أبوابك بالليل والنهار لا تغلق ، ويتخذونك قبلة، وتدعين بد ذلك مدينة الرب.

)الوجه السادس عشر) : قوله أيضاً في مكة : سرى واهتزي أيتها العاقر التي لم تلد وانطقي بالتسبيح ، وافرحي ولم تحبلي ، فإن أهلك يكونون أكثر من أهلي.

يعني بأهله : بيت المقدس ، ويعني بالعاقر : مكة ، لأنها لم تلد قبل محمد النبي ، نبياً ولا يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس لأنه بيت الأنبياء ومعدن الوحي، وقد ولد أنبياء كثيرين.

(الوجه السابع عشر): قول أشعياء أيضاً لمكة شرفها الله :إني أعطي البادية كرامة لبنان وبهاء كرمل ، وهما الشام وبيت المقدس ، يريد أجعل الكرامة التي كانت هناك بالوحي ، في ظهور الأنبياء بادية بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالحج.

ثم قال : ويشق البادية مياه وسواق في الأرض الفلاة ، ويكون بالفيافي والأماكن العطاش ينابيع ومياه ، ويصبر هناك محجة وطريق الحرم ، لا يمر به أنجاس الأمم ، والجاهل به لا يضل هناك ، ولا يكون بها سباع ولا أسد، ويكون هناك ممر المخلصين .

)الوجه الثامن عشر): قول أشعياء أيضاً في كتابه عن الحرم : إن الذئب والجمل فيه يرتعان معاً، وإشارة إلى أمنه الذي خصه الله به دون بقاع الأرض ، ولذلك سماه البلد الأمين ، وقال : أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ، ويتخطف الناس من حولهم ، قال يعدد نعمه على أهله : لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .

(الوجه التاسع عشر): قول أشعياء أيضاً معلناً اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني جعلت أمرك يا محمد بالحمد يا قدوس الرب اسمك موجود من الأبد.
فهل بقي بعد ذلك لزايغ مقال أو لطاعن مجال؟! وقوله : يا قدوس الرب معناه يا من طهره الرب وخلصه واصطفاه ، وقوله : اسمك موجود من الأبد مطابق لقول داود في مزمور له اسمك موجود قبل الشمس.

(الوجه العشرون) : قول أشعياء في ذكر الحجر الأسود ، قال :الرب والسيد ها أنذا مؤسس بصهيون حجراً في زاوية ركن منه ، فمن كان مؤمناً فلا يستعجلنا ، وأجعل العدل مثل الشاقول والصدق مثل الميزان ، فيهلك الذين ولعوا بالكذب.

فصهيون تعادل مكة عند أهل الكتاب ، وهذا الحجر الأسود الذي يقبله الملوك فمن دونهم ، وهو ما اختص به محمد وأمته.

(الوجه الحادي والعشرون) : قول أشعياء في موضع آخر : إنه ستملأ البادية والمدن قصوراً إلى قيدار ومن رؤوس الجبال ، وينادونهم الذين يجعلون لله الكرامة ويثنون بتسبيحه في البر والبحر.

وقال :ارفع علماً لجميع الأب من بعيد ، فيصفر بهم من أقصى الأرض فإذا هم سراع يأتون.

وبنو قيدار هم العرب ، لأن قيدار هو ابن اسماعيل بإجماع الناس والعلم الذي يرفع هو النبوة، والصفير بهم دعائهم من أقاصي الأرض إلى الحج فإذا هم سراع يأتون ، وهذا مطابق لقوله عز وجل : وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً ، وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق .

(الوجه الثاني والعشرون) : قول أشعياء في موضع آخر :سأبعث من الصبا قوما يأتون من المشرق مجيبين أفواجاً كالصعيد ثرة ، ومثل الطيان الذي يدوس برجله الطين.

والصبا يأتي من نحو مطلوع الشمس ، بعث الله سبحانه من هناك قوماً من أهل المشرق مجيبين بالتلبية كالتراب كثرة .

وقوله : ومثل الطيان الذي يدوس برجله الطين إما أن يراد به الهرولة بالطواف والسعي ، وإما أن يراد به رجال قد كلت أرجلهم من المشي.

(الوجه الثالث والعشرون): في كتاب أشعياء أيضاً: عبدي وخيرتي ورضا نفسي ، أفيض عليه روحي ، أو قال : أنزل عليه روحي ، فيظهر في الأمم عدلي ويوصى الأمم بالوصايا ، لا يضحك ، ولا يسمع صوته ، يفتح العيون العمي العور ، ويسمع الآذان الصم ، ويحيي القلوب الغلف ، وما أعطيه لا أعطي غيره ، لا يضعف ولا يغلب ، ولا يميل إلى اللهو ، ولا يسمع في السواق صوته ، ركن للمتواضعين ، وهو نور الله الذي لا يطفى ولا يخصم ، حتى يثبت في الأرض حجتي ، وينقطع به المعذرة.

فمن وجد بهذا الوصف غير محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه؟! فلو اجتمع أهل الأرض لم يقدروا أن يذكروا نبياً جمع هذه الأوصاف كلها – وهي باقية في أمته إلى يوم القيامة – غيره ، لم يجدوا إلى ذلك سبيلاً.

فقوله عبدي موافق لقوله في القرآن وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ، وقوله تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، وقوله وأنه لما قام عبد الله يدعوه ، وقوله سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً .

وقوله : وخيرتي ورضا نفسي مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم: إن اله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفاني من بنيي هاشم .

وقوله : لا يضحك مطابق لوصفة الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم ، قالت عائشة: ما رؤى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً حتى تبدو لهواته : إنما كان يتبسم تبسماً وهذا لأن كثرة الضحك من خفة الروح ونقصان العقل ، بخلاف التبسم فإنه من حسن الخلق وكمال الإدراك.

وأما صفته صلى الله عليه وسلم في بعض الكتب المتقدمة بأنه الضحوك القتال فالمراد به أنه لا يمنعه ضحكه وحسن خلقه إذا كان حداً لله وحقاً له ، ولا يمنعه ذلك عن تبسمه في موضعه ، فيعطي كل حال ما يليق بتلك الحال فترك الضحك بالكلية من الكبر والتجبر وسوء الخلق ، وكثرته من الخفة والطيش ، والاعتدال بين ذلك.

وقوله : أنزل عليه روحي مطابق لقوله تعالى : وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ، وقوله : ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ، وقوله يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ، فسمي الوحي روحاً لأن حياة القلوب والأرواح به ، كما أن حياة الأبدان بالأرواح.

وقوله : فيظهر في الأمم عدلى مطابق قوله تعالى : فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم ، وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ، وأمرت لأعدل بينكم ، وقوله عن أهل الكتاب : فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط .

وقوله : يوصى الأمم بالوصايا مطابق لقوله تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه وقوله في سورة الأنعام : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا إلى قوله ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ، ثم قال : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده إلى قوله : ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ، ثم قال : وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون .

ووصاياه صلى الله عليه وسلم هي عهوده إلى الأمة بتقوى الله وعبادته وحده لا شريك له ، والتمسك بما بعثه الله به من الهدى ودين الحق ، والإيمان بالله وملائكته ، وكتبه ورسله ولقائه .

وقوله : ولا تسمع صوته يعني ليس بصخاب له فديد كحال من ليس له حلم ولا وقار.

وقوله يفتح العيون العمي والآذان الصم والقلوب الغلف إشارة إلى تكميل مراتب العلم والهدى الحاصل في القلوب والأبصار والأسماع ، فباينوا بذلك أحوال الصم البكم العمي الذين لهم قلوب لا يعقلون بها ، فإن الهدى يصل إلى العبد من هذه الأبواب الثلاثة ، وهي مغلقة عن كل أحد لا تفتح إلا على أيدي الرل ، ففتح الله بمحمد صلى الله عليه وسلم الأعين العمي فأبصرت بالله ، والآذان الصم فسمعت عن الله ، والقلوب الغلف فعقلت عن الله ، فانقادت لطاعته عقلاً وقولاً وعملاً، وسلكت سبل مرضاته ذللاً.
وقوله : وما أعطيه فلا أعطي غيره مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم أعطيت ما لم يعط أحد من أنبياء قبلي .

ولقول الملائكة لما ربوا له المثل : لقد أعطي هذا النبي ما لم يعطى نبي قبله ، إن عينيه ينامان وقلبه يقظان فمن ذلك أنه بعث إلى الخلق عامة ، وختم عامة ، وختم به ديوان الأنبياء ، وأنزل عليه القرآن الذي لم ينزل من السماء كتاب يشبهه ولا يقاربه ، وأنزل على قلبه محفوظاً متلواً ، وضمن له حفظه إلى أن يأتي اله بأمره ، وأوتي جوامع الكلم ، ونصر بالرعب في قلوب أعدائه وبينهما مسيرة شهر ، وجعلت الأرض له ولأمته مسجداً وطهوراً ، وأسرى به إلى أن جاوز السموات السبع ورأى ما لم يره بشر قبله ، رفع على سائر النبيين ، وجعل سيد ولد آدم ، وانتشرت دعوته في مشارق الأرض ومغاربها ، واتبعه على دينه أتباع سائر النبيين من عهد نوح إلى المسيح ، فأمته ثلثا أهل الجنة ، وخصه بالوسيلة وهي أعلى درجة في الجنة ، وبالمعام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون ، وبالشفاعة العظمى التي يتأخر عنها آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى ، وأعز اله به الحق وأهله عزاً لم يعزه بأد قلبه ، وأذل به الباطل وحبه ذلاً لم يحصل بأحد قبله ، وآتاه من العلم والشجاعة والصبر والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة والعبادات القلبية والمعارف الإلهية ما لم يؤته نبي قبله ، ، وجعلت الحسنة منه ومن أمته بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وتجاوز له عن أمته الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، وصلى عليه هو وجميع ملائكته عليهم صلوات الله وسلامه ، وأمر عباده المؤمنين كلهم أن يصلوا عليه ويسلموا تسليماً ، وقرن اسمه باسمه فإذا ذكر الله ذكر معه كما في الخطبة والتشهد والآذان ، فلا يصح لأحد أذان ولا خطبة ولا صلاة حتى يشهد أنه عبده ورسوله ، ولم يجعل معه أمراً يطاع لا ممن قبله ولا ممن هو كائن بعده إلى أن تطوى الدنيا ومن عليها ، وأغلق أبواب الجنة إلا عمن سلك خلفه واقتدى به ، وجعل لواء الحمد بيده ، فأدم وجميع الأنبياء تحت لوائه يوم القيامة ، وجعله أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع وأول مشفع ، وأول من يقرع باب الجنة ، وأول من يدخلها فلا يدخلها أحد من الولين والآخرين إلا بشفاعته ، وأعطى من اليقين والإيمان والصبر والثبات والقوة في أمر الله والعزيمة على تنفيذ أوامره والرضا عنه والشكر له والقنوع في مرضاته وطاعته ظاهراً وباطناً وسراً وعلانية في نفسه وفي الخلق ما لم يعطه نبي قبله.

ومن عرف أحوال العالم وسير الأنبياء وأممهم تبين له أن الأمر فوق ذلك ، فإذا كان يوم القيامة ظهر للخلائق من ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر أنه يكون أبداً.

وقوله: ولا يضعف ولا يغلب هكذا كان حاله صلوات الله وسلامه عليه ما ضعف في ذات الله قط ، ولا في حال انفراده وقلة أتباعه وكثرة أعدائه واجتماع أهل الأرض على حربه ، بل هو أقوى الخلق وأثبتهم جأشاً وأشجعهم قلباً ، حتى أنه يوم أحد قتل أصحابه وجرحوا وما ضعف ولا استكان ، بل خرج من الغد في طلب عدوه على شدة القرح حتى أرعب منه العدو وكر خاسئاً على كثرة عددهم وعددهم وضعف أصحابه ، وكذلك يوم حنين أفرد عن الناس في نفر يسير دون العشرة والعدو قد أحاطوا به وهم ألوف مؤلفة فجعل يثب في العدو ويقول: أنا النبي لا أكذب أنا ابن عبد المطلب ويتقدم إليهم ، ثم أخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم فولوا منهزمين.

ومن تأمل سيرته وحروبه علم أنه لم يطرق العالم أشجع منه ولا أثبت ولا أصبر ، وكان أصحابه مع أنهم أشجع الأمم إذا حمى البأس واشتد الحرب اتقوا به وتترسوا به فكان أقربهم إلى العدو ، وأشجعهم هو الذي يكون قريباً منه وقوله : ولا يميل إلى اللهو هكذا كانت سيرته ، كان أبعد الناس من اللهو واللعب ، بل أمره كله جد وحزم وعزم ، مجلسه مجلس حياء وكرم وعلم وإيمان ووقار وسكينة.

وقوله : ولا يسمع في الأسواق صوته أي ليس من الصاحبين في الأسواق في طلب الدنيا والحرص عليها كحال أهلها الطالبين لها.

وقوله : ركن للمتواضعين فإن من تأمل سيرته ، وجده أعظم الناس تواضعاً للصغير والكبير والمسكين والأرملة والحر والعبد .

يجلس معهم على التراب ، ويجيب دعوتهم ، ويسمع كلامهم ، وينطلق مع أحدهم في حاجته ، ويأخذ له حقه ممن لا يستطيع أن يطالبه به ويخصف نعله ، ويخيط ثوبه.

وقوله : وهو نور الله الذي لا يطفا ولا يخصم حتى يثبت في الأرض حجته وينقطع به العذر وهذا مطابق لحاله وأمره ، ولما شهد به القرآن في غير موضع كقوله تعالى: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، وقوله : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وقوله : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ، وقوله : يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً وقوله فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ، ونظائره في القرآن كثيرة.

وقوله :حتى ينقطع به العذر وتثبت به الحجة مطابق لقوله تعالى: رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، قوله : والمرسلات عرفا - إلى قوله - فالملقيات ذكرا * عذرا أو نذرا وقوله : ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين ، وقوله : أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فالحجة إنما قات على الخلق بالرسل ، وبهم انقطعت المذرة ، فلا يمكن من بلغته دعوتهم حافها أن يعتذر إلى الله يوم القيامة إذ ليس له عذر يقبل منه.

 

(فصل)

وهذه البشارة مطابقة لما في صحيح البخاري أنه قيل لعبد الله بن عمرو أخبرنا ببعض صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ، فقال : أنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ، ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يجزي بالسيئة الحسنة ويعفو ويغفر ، ولي أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء ، فأفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً ، وقلوباً غلفاً : بأ، يقولوا لا إله إلا الله.
وقوله : إن هذا في التوراة لا يريد به التوراة المعينة التي هي كتاب موسى ، فإن لفظ التوراة والإنجيل و القرآن والزبور يراد بهالكتب المعينة تارة ، ويراد به الجنس تارة، فيعبر بلفظ القرآن عن الزبور ، وبلفظ التوراة عن القرآن ، وبلفظ الإنجيل عن القرآن أيضاً وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : خفف على داود القرآن فكان ما بين أن تسرج دابته إلى أن يركبها يقرأ القرآن فالمراد به قرآنه وهو الزبور.

وكذلك قوله في البشارة التي في التوراة : نبياً أقيم لبني إسرائيل من أخوتهم ، انزل عليه توراة مثل توراة موسى.

وكذلك في صفة أمته صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة أناجيلهم في صدورهم.
فقوله أخبرني بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة إما أن يريد التوراة المعينة أو جنس الكتب المقدمة ، وعلى التقديرين فإجابة عبد الله بن عمرو بما هو في التوراة أي التي هي أعم منالكتاب المعين ، فإن هذا الذي ذكره ليس في التوراة المعينة بل هو في كتاب أشعياء كما حكيناه عنه.

وقد ترجموه أيضاً بترجمة أخرى فيها بعض الزيادة :عبدي ورسولي الذي سرت به نفسي ، أنزل عليه وحيي فيظهر في الأمم عدلي ويوصيهم بالوصايا ، لا يضحك ، ولا يسمع صوته في الأسواق ، يفتح العيون العور ، والآذان الصم ويحي القلوب الغلف ، وما أعطيه لا أعطيه أحد! يحمد الله حمداً جديداً يأتي به من أقطار الأرض ، وتفرح البرية وسكانها ، يهللون الله كل شرف ، ويكبرونه على كل رابية ، لا يضعف ، ولا يغلب ، ولا يميل إلى الهوى مشفع ، ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة ، بل يقوى الصديقين ، وهو ركن المتواضعين ، وهو نور الله الذي لا يطفى ، أثر سلطانه على كتفيه.

وقوله : مشفح بالشين المعجمة والفاء المشددة بوزن مكرم ، وهي لفظة عبرانية مطابقة لاسم محمد معنى ولفظاً زقارباً كمطابقة موذ بل أشد مطابقة ، ولا يمكن العرب أن يتلفظوا بها بلفظ العبرانية فإنها بين الحاء والهاء ، وفتحة الفاء بين الضمة والفتحة ، ولا يستريب عالم من علمائهم منصف أنها مطابقة لاسم محمد.

قال أبو محمد بن قتيبة: مشفح محمد بغير شك ، واعتباره أنهم يقولون شفحالاها ، إذا أرادوا يقولوا الحمد لله ، وإذا كان الحمد شفحا فمشفح محمد بغير شك، وقد قال لي ولغيري بعض من أسلم من علمائهم إن مئذ مئذ هو محمد ، وهو بكسر الميم والهمزة ، وبعضهم يفتح الميم ويدنيها من الضمة ، قال : ولا يشك العلماء منهم بأنه محمد وإن سكتنا عن إيراد ذلك ، وإذا ضربنا عن هذا صفحاً فمن هذا الذي انطبقت عليه وعلى أمته هذه الصفات سواه؟! ومن هذا الذي أثر سلطانه وهو خاتم النبوة على كتفيه رآه الناس عياناً مثل زر الحجلة ؟!! فماذا بعد الحق إلا الضلال ، وبعد البصيرة إلا العمى ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور .

فصفات هذا النبي ومخرجه ومبعثه وعلاماته وصفات أمته في كتبهم يقرؤونها في كنائسهم ويدرسونها في مجالسهم لا ينكرها مهم عالم ولا يأباها جاهل ، ولكنهم يقولون لم يظهر بعد ، وسيظهر ونتبعه.

قال ابن اسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعهث ، فلما بعثه ، فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كنوا يقولون فيه ، فقال معاذ ين جبل وبشر بن البراء بن معرور وداود بن سلمة : يا معشر يهود : اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك ، وتخبرونا بأنه نبي مبعوه ، وتصفونه بصفته ، فقال سلام بن مسلم أخو بني النضي : ما جاءنا بشء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكر لكم ، فأنزل الله عز وجل : وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين .

وقال أبو العالية : كان اليهود إذا استنصروا بمحمد على مشركي العرب يقولون : الله ابعث هذا النبي الذي نجده مكتباً عندنا حتى يعذب المشركين ويقتلهم ، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسداً للعرب وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات: فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين .

وقال ابن اسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن رجال من قومه ، قالوا: ومما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله وهداه ما كنا مسمع من رجال اليهود ، وكنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس عندنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور ، وفإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا تقارب زمان نبي يبعث الآن نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم ، فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله ، وعرفنا ما كانوا يتوعدونا به، فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ، ففينا وفيهم نزلت هذه الآيات التي في البقرة : ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين .

)الوجه الرابع والعشرون): في كتاب أشعياء : أشكر حبيبي وابني أحمد فلهذا جاء ذكره في نبوة أشعياء أكثر من غيرها من النبوات ، وأعلن أشعياء بذكره ووصفه ووصف أمته ، ونادى بها في نبوته سراً وجهراً لمعرفته بقدره ومنزلته عند الله.

وقال أشعياء أيضاً :إنا سمعنا من أطراف الأرض صوت محمد.

وهذا إفصاح باسمه صلى الله عليه وسلم ، فليرنا أهل الكتاب نبياً نصت الأنبياء على اسمه وصفته ونعته وسيرته وصفة أمته وأحوالهم سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.

 

  • الاثنين PM 05:09
    2015-06-08
  • 10503
Powered by: GateGold