المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412550
يتصفح الموقع حاليا : 336

البحث

البحث

عرض المادة

علمانية الأدب والفن: عصر النهضة الأوروبية .. الكلاسيكية الجديدة

[توطئة]

الأدب -ومثله الفن -مجال رحب وميدان فسيح تنوء به الدراسات المتخصصة المستفيضة، فضلاً عن البحوث المنهجية الدراسية، والأدب الأوروبي -خاصة- له قصته الطويلة وتاريخه السحيق، فوق أن معظم قضاياه كانت وستظل مثار نزاع، ومدار جدل شديد بين الباحثين والنقاد، وتلعب الاتجاهات السياسية والخلافات القومية والمذهبية دورها في ذلك.

وإذا وافقنا الرأي القائل بأن الأدب هو (صورة الحياة وانعكاسها الواضح)، فما بالك بصورة حياة كحياة أوروبا حائرة مضطربة متهافتة متناقضة؟!!

وهذه الأمور وغيرها - مما لا يخفى على المطلعين - تجعل البحث في هذا المجال محفوفاً بالمتاعب، وتستنفد جهد الباحث دون أن يستطيع أن يخرج بخلاصة متناسقة، تعبر على الأقل عن مدى جهده، إن لم تعط الصورة المطلوبة للموضوع.

ومن الجلي أننا لا نبحث في الأدب من حيث هو أدب، وإنما ننظر إليه من خلال المنظار العام للموضوع، أي: من جهة علاقته بالدين، كما أننا مقيدون بالحجم الذي لا ينبغي أن يتجاوزه هذا الجانب من جوانب الحياة البشرية.

ومراعاة ذلك تستدعي عرض الموضوع، وصياغته ضمن منهج خاص يتميز بأمور:

1 - التركيز على ماله صلة قوية بموضوع بحثنا، وعرضه بما يتناسب مع مقتضى الحال حجماً وأسلوباً.

2 - البعد -ما أمكن - على الخلافات حول المذاهب الأدبية، وتصنيف المدارس والانتماءات وتقويم المواد والشخصيات.

3 - البعد عن الغموض الذي يكتنف الدراسات العصرية، والذي سيظهر طرف منه - رغم إرادتنا - عند الحديث عن مدارس الضياع.

وهذا وسنراعي كالعادة - التسلسل التاريخي في عرض المعالم الكبرى لعملية التحول إلى العلمانية التي بلغت ذروتها في الأدب والفن المعاصرين.

أولاً: عصر النهضة الأوروبية .. الكلاسيكية الجديدة:

يقترن مسمى عصر النهضة الأوروبية بالحركة التي نشأت في إيطاليا -المركز الحضاري الإسلامي الثاني في أوروبا- واستهدفت بعث الآداب الإغريقية القديمة التي أطلق عليها اسم الآداب الإنسانية، (1) تمييزاً لها عن كتابات رجال الكنيسة اللاهوتية!

لقد فوجئت أوروبا الغارقة في سبات القرون المظلمة بنور الحضارة الإسلامية، فانبهرت به وأحست بواقعها المرير تحت ضغط الكنيسة التي جثمت على فكرها وشعورها وسلوكها، وأفقدتها الإحساس بإنسانيتها.

وهذه اليقظة المفاجئة أوقعت النفسية الأوروبية في مأزق حرج، إذ تصادم في داخلها دافع ومانع قويان: الأول دافع الاستمتاع بنور الإسلام والدخول في فردوس حضارته حيث التوازن الفريد بين الدنيا والآخرة، وبين الروح والجسد، ففي ظله تنطلق إنسانيتهم لتعبر عن ذاتها بعيداً عن أغلال الرهبانية وشطط الكنيسة.

والآخر مانع التعصب المقيت والعداوة الحاقدة للإسلام وحضارته تلك التي عمقتها الحروب الصليبية، وبلغت أقصى مداها في المد الإسلامي الذي قام به المجاهدون الأتراك.

وكان المانع أقوى من الدافع فخرجت أوروبا من ذلك التناقض النفسي بالبحث عن وسيلة تتيح لها الخلاص من براثن السلطة الكهنوتية الطاغية دون أن تتخلى عن تعصبها وعداوتها للإسلام وأهله، ولم تكن تلك الوسيلة سوى عملية اجترار الماضي ببعث تراثها الوثني الإغريقي والالتصاق به لاسيما جوانبه الشهوانية البهيمية!

وهذا الاتجاه -بطبيعة الحال- أزعج الكنيسة، وإن كان أفضل لديها بكثير من احتمال إقبال أتباعها على الإسلام، وحاولت جهدها أن تسير الموجة لصالحها، وتسيطر على الوضع بحيث تبقى عقائدها وتصوراتها تصبغ الأدب وتوجهه، وتظل بصماتها بارزة في فنه المنحوت والمرسوم.

ولكن عوامل التحرر والانطلاق كانت أقوى من حواجزها، واستطاع عصر النهضة أن يخطو خطوات كبيرة وجريئة للوصول إلى علمانية كاملة للأدب والفن، عليها قام الأدب العلماني الحديث وارتكز.

ونستطيع أن نستعرض بعض ملامح الأدب والفن في ذلك العصر معتمدين على بحوث وتحليلات بعض المفكرين الأوروبيين، فنجد أن أبرزها ما يلي:

1 - بعث التراث الوثني الإغريقي: هذه هي الخطوة الأولى نحو الانفلات من سلطة الكنيسة، والانقضاض على فكر وتقاليد القرون الوسطى، فعن طريق إحياء الآداب الإغريقية استطاع أدباء وفنانو النهضة النفاذ إلى عالم آخر خارج من مألوف عصرهم ولا أثر فيه لشيء من اللاهوتيات، لقد نفذوا أول الأمر من كوة صغيرة، لكنها ظلت تتسع حتى انتقض بناء الكنيسة والتقاليد من أساسه، وطلعوا على الفكر الأوروبى بمفهومات جديدة ومعايير مغايرة سبقوا بها النهضة الفكرية العقلانية، وذلك ما يعده الفكر الحديث أعظم مآثر النهضة.

يقول برنتن:

إنه طالما كانت العصور الوسطى في الواقع عصوراً دينية، وطالماً أن عصر النهضة يعنى على الأقل محاولة العودة إلى الوثنية اللادينية إن لم نقل الزندقة، فإن فن العصور الوسطى يرتبط بالكنيسة، أما فن عصر النهضة فيتمتع بحرية بوهيمية، وهذه هي حقيقة الأمر، وكان النحاتون والرسامون في ذروة عصر النهضة يقلدون العري الكلاسيكى كما يقلدون كل شيء كلاسيكي آخر، فالفنان بدأ يقود شيئاً يشبه نوع الحياة وحشياً فاحشاً مجازفاً، ولكنه عظيم الأهمية، ومن المفروض أنه لا يزال يقوده.

لقد كان فنانو عصر النهضة الذين كرسوا جل حياتهم الفنية لغرض جعل المعتقدات المسيحية واضحة تبدو في أجمل مظاهرها للعيان يستمرون في القيام بالأعمال التي ورثوها عن الرواد السابقين للعصور الوسطى، هذا وقد تحول الفن في العصور الحديثة إلى فن علماني تقريباً، حتى أن الفن الديني كاد يختفي أو بالأحرى أصبح في الدرجة الثانية استنتاجياً وتقليدياً.

إن الكتاب الخياليين هم الفنانون القريبون من قلب الوضع الإنسانى نحو الحياة، إن بترارك ورابله وشكسبير وسرفانتس والرسامين والنحاتين والموسيقيين الذين لا نزال نعلم أسماءهم هم نوع من الرجال الذين ينشدون طريقاً وسطاً بين المسيحية التقليدية كما خلفتها العصور الوسطى، وبين العلمانية الحديثة التي يبدو أنها تقلع جذور السحر والسر من الكون!!

كان هؤلاء الفنانون في تمرد مدرك كثيراً ضد التقليد المسيحي خلال العصور الوسطى، لقد أنكروا مستنداً، وبات عليهم - وهذا أكثر أهمية - أن يبحثوا بل يقيموا مستنداً آخر، فقبول هؤلاء العلماء المجرد لأي شيء كتبه قدماء اليونانيين والرومانيين لم يكتف به رجال الفكر، وككل شخص ألمَّ بكل ما له علاقة بالعقل عاد هؤلاء الفنانون إلى اليونانيين والرومانيين، وكانوا بذلك كالمهندسين المعماريين حيث أعادوا تجديد موادهم (2).

2 - الاهتمام بالحياة الدنيا والوجود الإنسانى فيها: وذلك الاهتمام نشأ رد فعل لتركيز الكنيسة على عالم الآخرة وحصر كل النشاط الفكري والفني لاتباعها في مجال الحديث عن الثالوث والقديسين والملائكة والمعجزات، وكبت المشاعر والأحاسيس الإنسانية أياً كانت ما لم تكن في حدود دائرتها اللاهوتية، ومن هنا أطلق على الحركة بكاملها وصف الإنسانية.

وقد قام دانتي (ت:1321م) في هذا المجال بمثل ما قام به مكيافيللي في مجال السياسة، فقد خرج على الكنيسة خروجاً صريحاً، وناقض تقاليدها ومقاييسها، وابتداءً منه أخذ الأدب الأوربي يحل الإنسان شيئاً فشيئاً محل الإله، فالاهتمام بالإنسان الذي نبه إليه دانتي ومعاصروه كان المنطلق لمحاولة تأليه الإنسان وتصويره على أنه إله حقيقي، وهي المحاولة التي بدأت في القرن التاسع عشر، واكتملت على يد سارتر وأشياعه في هذا القرن مروراً بتأليه الطبيعة الذي دعا إليه عصر التنوير، يقول داونز:

((يقف دانتي كما وقف صديقه ومعاصره المصور الرسام جيوتو على رأس حقبة جديدة في تطور الفكر البشري، ولما كان كلاهما فناناً عظيماً فإنهما عبرا أصدق تعبير عن ذلك الشيء الجديد الذي ربما كان يجيش في صدور الكثير من معاصريهم، ولكنهم لم يستطيعوا الإفصاح عنه كما أفصحا.

وهذا الشيء الجديد هو الإنسانية، هو الاهتمام بشئون الإنسان في الحياة الدنيا، ونستطيع أن نتفهم خطورة هذا الجديد الذي يزاحم القديم إذا قارناه بالعقائد المسيطرة على أذهان الناس في ذلك العصر عن الحياة والكون، ومؤداها أن الحياة الدنيا ليست إلا تمهيداً لاستقبال الحياة الأخرى، وقد هيمن هذا الاعتقاد على الناس في القرون الوسطى جيلاً بعد جيل تحت سطوة الكنيسة وسيطرتها العاتية على جميع نواحي النشاط الإنساني، وجميع المؤسسات الاجتماعية، بينما كان علم العلماء كله يدور حول المبادئ الدينية والعقائد الكنسية)).

((ثم جاء عقب ذلك عصر الاستنارة، وهو أول تبدل جديد طرأ على الناس في نظرتهم للحياة، فاتجهوا إلى أحضان الطبيعة يسوحون منها أسرار الكون ووضعوا ثقتهم المطلقة في مقدرة العقل الإنساني)).

((وقد نادى بهذا نفر من عباقرة ذلك العصر، ... كان مجالهم الفكري في ناحية الاهتمام بشئون الإنسان في هذه الدنيا وترك الاهتمام بشئون الآخرة)).

وأما جيوتو فكان فنان هذه النهضة كما كان دانتي شاعرها، فقد أخذ جيوتو يرسم على جدران كنائس مدينة (أسيزي) صوراً وأقاصيص لحياة القديس فرانسيس عرض بها رسوماً من الناس، والطبيعة والطير والحيوان والزهور من واقع الحقيقة والمشاهدة، وهو حدث جديد في الفن وخروج عن التقليد القديم في تصوير العذراء والطفل وتصوير القديسين.

((إن ملحمة الكوميديا (3) كانت حدثاً جديداً في الأدب، حدثاً ضخماً لم يسبق له مثيل، فليس إذن من العجب أن يدعوها الناس بلقب الإلهية، لأنهم شعروا عند ظهورها أن أدبا أوروبياً جديداً قد انبثق فجره)).

((إن الناس كانوا يعتقدون ما علمتهم الكنيسة إياه من أن كل إنسان يكفر بالمسيحية جزاؤه جهنم، وأما من يؤمن بها فمآله إلى الجنة، وجاء دانتي فخرج على تلك العقيدة القديمة، وأقام موازين جديدة للعقاب والثواب على أساس من الأخلاق، وعندما ننظر اليوم إلى الوراء نجد شاعراً يوزع بالقسطاس العقاب والثواب بدلاً من أن يوزعها البابا، فإننا لا نرى في عمله شيئا خارقاً غير أنه بالقياس إلى عصره كان لا شك انقلاباً خطيراً)).

((وقد صدق الشاعر بوب عندما عبر عن فلسفة القرن التالي (18) بقوله: "إن خير دراسة يقوم بها البشر هي دراستهم للإنسان" وقد كان شكسبير قبله خير من قام بهذه الدراسة، والحق أن شكسبير يمثل أرقى ما بلغت إليه حركة النهضة الأوروبية بأجمعها، وهي في لبابها تتلخص في اكتشاف الجنس البشري لقيمته، وأهميته التي كانت قد ضاعت على مر العصور)) (4).

وجدير بالذكر أن دانتي في ملحمته قد أدخل البابوات كلهم قاع جهنم إلا باباً واحداً أدخله الجنة، ودلالة ذلك لا تخفى، (5)

3 - العودة إلى الإباحية الرومانية: رد فعل للرهبانية والتزمُّت المغالي اللذين كانا يسيطران على الحياة الاجتماعية الأوروبية في ظل الكنيسة قام رواد النهضة بتجديد شباب الكلاسيكية، وبعث المذهب الأبيقوري في التمتع بضروب الملذات والانغماس في الشهوات الجسدية، ومن هنا أهمل أولئك أو كادوا جانب الآلهة وأساطيرها وصراعها من التراث الكلاسيكي الإغريقي والروماني، وانصب اهتمامهم على الجانب الإباحي، فليس مرد ذلك إلى قوة إيمانهم بالعقيدة المسيحية بقدر ما كان الرغبة في إشباع نزواتهم المكبوتة وميولهم العاطفية قبل أي شيء آخر.

وهكذا كان عصر النهضة يتسم بطابع كلاسيكي خاص، يقدس الجسد ويعبد اللذة في وقت لا تزال الرهبانية فيه هي المثل الأعلى، ووجه زعماء ذلك العصر أنظار الناس إلى مثالب الرهبانية بحجة منافاتها للإنسانية، وهو الوصف الذي كانوا يتسترون به.

يقول مؤلف تكوين العقل الحديث: "الحقيقة أن هذا الاهتمام بالإنسانية عاش بصورة قوية واضحاً منذ العصور التي سبقت غزوة المسيحية للبرابرة، فالحياة التي صورها هوميروس في الملاحم الوثنية تعكس لنا الوجود الإنساني ... ، وجل ما استطاع التقليد المسيحى هو أن يشوه سمعتها، وقد انتشر خلال القسم المتأخر من القرون الوسطى تيار من الأغانى المبتذلة تمجد التمتع الصريح بالحياة وملذاتها، وكانت هذه الأغاني كثيرة التحرر مفرطة في وصف النواحي الحيوانية".

((على النحو التالي:

نحن في تجوالنا مغتبطون مشرقون ...

نأكل حتى الشبع، نشرب حتى الثمالة ...

نمرح إلى الأبد، ننهل من الجحيم ...

تلتصق صدور بعضنا ببعضنا ... )).

وحالما نشأ أدب علماني عامي فقد صدر نفس التمتع الوثني بخيرات الحياة الرفيع منها والوضيع، فالشعراء المغنون التروبادور حولوا الفروسية المسيحية إلى تمجيد للحب الإنساني، ومن الجدير بالملاحظة أن أكثر هذه القصائد صراحة وواقعية نشأت من الثقافة البرجوازية في المدن، فالأقاصيص الفرنسية البذيئة وصفت بصورة حاذقة التمتع بضروب الحياة كما كان يحصل في الواقع، وتميزت بشغف خاص بسرد قصص الماكرين الأوغاد ومثالب الكهنة، كما نجد ذلك في قصائد شوسر، ومعرض صور الأوغاد التي رسمها بوكاشيو.

((والحقيقة أنه ابتداءً من القرن الثاني عشر فما بعده زاد احتدام هذا الموقف وهذه الاهتمامات، ويتحدث الفن عن نفس القصة التي يتحدث عنها الأدب، فالعذراوات والقديسون والأقدمون، يتحولون إلى رسوم واقعية، وتنقلب صور العذراء التقليدية البيزنطية إلى فتيات قرويات إيطاليات.

ولكن أهم ما أخذ العلماء الإنسانيون عن الإغريق كان التمتع السعيد الطبيعي السليم بخيرات الحياة في حضارة رفيعة.

ووجدوا هنا أن اللذات غير الضارة والميول الطبيعية تعتبر الوسائل التي بواسطتها ينظم العقل حياة صالحة، وأنها ليست من الشيطان، فلا داعي إذن إلى اعتبارها ذنباً إما أن يقهر بعون إلهي أو ينهل منه في خجل وشعور بالعار ... )).

((أدى كل هذا بالطبع إلى ثورة على الأخلاق المسيحية، فبدلاً من المحبة حل الفرح باستعمال الإنسان للقوى التي وهبه الله إياها، وحلت الحرية والمسئولية بتوجيه العقل محل الخضوع لإرادة الله، وأخذ البحث الفكري الجريء يحتل بالتدريج مكان الإيمان.

وانفجرت العاصفة بكامل عنفها على رأس الراهب، ذلك أن فشل الراهب في تحقيق الطهارة التي بشر بها جعلت أدب القرون الوسطى منذ ولادته يعطي لزلات الراهب صورة أكثر بشاعة، وصورته بأنه أكثر حيوانية من سواه، وجاء أحذق الإيطاليين وأجرؤهم إطلاقاً لورنزفالا ... ، فأنكر في كتابه حياة الرهبانية كل قيمة للتقشف والقداسة وذهب أبعد من ذلك في رسالته عن اللذة التي يتفق فيها مع المذهب الأبيقوري، فأعلن أن المرأة المتزوجة بل المستهترة أيضا هي أفضل من الراهبة، لأنها تسعد الرجل أما الراهبة فهى تعيش في تبتل لا فائدة منه، وينعت موت الإنسان في سبيل بلاده أو من أجل أي مثل أعلى بأنه لا يقره العقل)).

((هذا التحول المفاجئ يوحي في بعض الأحيان بالرجوع إلى ما يشبه الوثنية الخالصة، ويمثل الفن الإيطالي أحسن تمثيل المزج الكامل بين المسيحية والوثنية، فلو ألقينا نظرة على بعض الرسوم الشهيرة هل نستطيع التفريق بين الله والملاك والعذراء والصبي وكيوبيد والقديس ..... )).

ثار الإيطاليون على الأخلاق المسيحية واستبدلوا بها مجرد التمتع بالملايين من أشكال الجمال، لكن الشعوب الشمالية وجدت في الحياة أكثر من الجمال، وقد مثل هذه الروح فيما كتب رابليه الكبير ...

وتتجسم روح ثورة النهضة في مقطع يطلب منا رابليه فيه أن نهرب من أولئك الرعاع ذوي العقول الزائفة الماكرين والقديسين المزورين الوقوري الهيئة المرائين مدعي الإيمان، الإخوان الخشنين الرهبان الذين يلبسون النعال ... اهرب من هؤلاء الرجال عليك بكراهيتهم واحتقارهم قدر ما أكرههم أنا، وإنني لأقسم لك أنك إن فعلت فستجد نفسك أفضل حالاً (6).

هكذا كان عصر النهضة ثورة على المسيحية التقليدية وإعلاناً للعودة إلى الوثنية، وهذه وإن كانت في الواقع عملية سلبية إلا أنها خطوة لا بد منها لكل حركة جديدة، فمن الطبيعي أن تنصب أنظار رواد النهضة إلى هدم كيان الواقع الذي خضعت له أوروبا ألف عام قبل أن يفكروا في ماهية الواقع الجديد.

 


(1) من العجيب أن تستورد الجامعات في العالم الإسلامي هذه التسمية دون وعي مع العلم بأن الإسلام ليس فيه ذلك التناقض بين ما هو إلهي وما هو إنساني في هذا المجال.

(2) منشأ الفكر الحديث: (27، 28، 33).

(3) أثبت كثير من الباحثين أن هذه الملحمة مقتبسة عن رسالة الغفران للمعري، انظر مثلاً مقال الدكتورة: عائشة عبد الرحمن بسلسلة تراث الإنسانية: (2/ 424).

(4) كتب غيرت وجه العالم: مقتطفات: من (362 - 368).
(5) انظر تاريخ أوروبا في العصور الوسطى: فيشر: (2/ 277).

(6) مقتطفات من: راندال (2/ 185 - 198).

 

  • الاثنين PM 06:54
    2022-06-27
  • 1407
Powered by: GateGold