المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417538
يتصفح الموقع حاليا : 278

البحث

البحث

عرض المادة

إبراهيم

إبراهيــم
Abraham
«إبراهيم» هو «أبرام» بالعبرية وتعني «الأب الرفيع» أو «الأب المتكرم». أما كلمة «إبراهيم» ويقابلها «أبورهام» فتعني «أبو الجمهور» (من الأمم) (تكوين 17/5). وقد تغيَّر اسمه من أبرام إلى إبراهيم بعد أن رُزق ذرية. وإبراهيم أول الآباء: أبو إسماعيل وإسحق. وهو أيضاً، حسب الرواية التوراتية، أبو الشعب اليهودي. ويُستَدل من قصص التوراة، ومن بعض الوثائق التاريخية، على أن إبراهيم ظهر نحو عام 1850 ق.م ولكن بعض المؤرخين يرون أنه عاش فيما بعد ذلك التاريخ وأنه دخل مصر في عهد الأسرتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة (في القرنين السادس عشر والخامس عشر قبل الميلاد، أي في عصر الهكسوس). ومن ناحية أخرى، يُقال إن موطنه الأصلي مدينة حران في مملكة ميتاني الحورانية. وفي بعض الروايات الأخرى أنه نشأ في أور الكلدانية. ويُقال كذلك إنه وُلد في أور ثم انتقلت أسرته إلى حران. وحسب الرواية التوراتية، تلَّقى إبراهيم في حران أول وعد إلهي بأن يخرج من صلبه شعب قوي وأن يُورَّث هذا الشعب أرض كنعان، وهذا ما يُشار إليه بالعهد. ويعود الاختلاف في العهد القديم إلى تَعدُّد المصادر، فالمصدر الكهنوتي يجعل أور مكان ولادته في حين يجعلها المصدر اليهودي حران.


وتدل الروايات على أن إبراهيم كان يعيش مع أهله في الخيام حياة البدو الرعاة، وينتقل من مكان إلى آخر في أعقاب قبائل العموريين وغيرهم من الأقوام السامية التي هاجرت في تلك العصور من بلاد الرافدين وجزيرة العرب إلى سوريا وفلسطين. وتَذكُر النقوش الكتابية التي عُثر عليها في بابل أسماء تشبه اسم إبراهيم كانت شائعة في صيغ مثل: إبراموه وإبمرام وإبراما. كما ترد في نصوص مدينة ماري أسماء عمورية معروفة مثل يعقوب وإسحق وإسماعيل ويوسف وبنيامين وهم من ذرية إبراهيم. ويُعَدُّ ظهور إبراهيم بداية فترة الآباء في تاريخ اليهودية وكذا في تاريخ العبرانيين.

رحل إبراهيم مع زوجته سارة وأبيه تارح وابن أخيه لوط من أور إلى كنعان (فلسطين) عن طريق تَدمُر فدمشق حتى وصل إلى شكيم حيث تلقَّى الوعد الإلهي للمرة الثانية حسب الرواية التوراتية ثم إلى بيت إيل.

وقد انتقل إبراهيم بعد ذلك إلى مصر بسبب المجاعة، ولكنه عاد إلى كنعان حيث تركه لوط بسبب الخلاف الذي نشب بينهما على أرض المراعي. وقد أعقب هذه الواقعة تأكيد الوعد الإلهي للمرة الثالثة. ثم تحوَّل إبراهيم بعد ذلك إلى قائد عسكري فأنقذ لوطاً (ابن أخيه)، وهزم أربعة ملوك. وعند عودته، باركه الملك الكاهن ملكي صادق (ملك القدس).

ولما كانت سارة عاقراً، فقد استحثَّت زوجها على الزواج من هاجر المصرية التي أنجبت له إسماعيل. عندئذ، أكد الإله وعده مرة أخرى لإبراهيم بأن إبراهيم وسارة سيَخرُج من صلبهما عدة أمم وملوك (تكوين 17/1ـ 8) وقد تغيَّر اسماهما من أبرام وساراي إلى إبراهيم وسارة ثم فُرضت شعيرة الختان علامة دائمة على ميثاق الإله مع إبراهيم. ووعد الإله سارة بابن اسمه إسحق، وقام إبراهيم بتختين نفسه وبتختين إسماعيل وكل الذكور في أسرته. ثم جاءت البشرى لسارة بأنها ستلد إسـحق. وذهب إبراهيم وأسـرته إلى مدينة جرار. ثم أنجبت سارة إسحق. وقد دفعتها الغيرة إلى التخلص من هاجر وابنها، فانصرفت هاجر مع إسماعيل وهو لا يزال بعد صبياً. وقد أراد الرب امتحان إبراهيم فأمره في الرؤيا بأن يضحي بولده، فلم يتردد في الامتثال للأمر. ولكن الإله افتدى الولد في اللحظة الأخيرة بكبش عظيم. وتلَّقى إبراهيم الوعد الإلهي للمرة الأخيرة. واختلفت الآراء حول الذبيح: هل هو إسحق أم هو إسماعيل. وقد اتبع الطبري رواية التوراة التي تقول «خذ ابنك وحيدك الذي تحبُّه إسحق » (تكوين22/2). إلا أن المفسرين المحدثين يذهبون إلى أن اسم إسحق قد أُقحم هنا فيما بعد، لأن أمر التضحية قد جاء في وقت لم يكن فيه لإبراهيم سوى ولد واحد هو إسماعيل. وبالتالي، لا تنطبق على إسحق صفة «الوحيد». وقد ماتت سارة في قريات أربع (حبرون أو الخليل)، فاشترى إبراهيم من أحد الحيثيين الحقل الذي تقع فيه مغارة المكفيلة حيث دفن زوجته سارة (وهو نفسه المكان الذي دُفن هو أيضاً فيه بعد أن بلغ عمره مائة وخمسين عاماً). ثم طلب إبراهيم إلى خادمه أن يذهب إلى حران ليجد زوجة لإسحق لأنه لم يكن يرضى أن يتزوج ابنه من امرأة كنعانية، فتزوج إسحق من رفقة وتزوج إبراهيم نفسه مرة أخرى من قطورة وأنجب منها عدة أبناء. ولكنه أوصى بكل أملاكه لإسحق، واكتفى بإعطاء أبنائه الآخرين هدايا، حسب الرواية التوراتية.

وتنسب التوراة إلى إبراهيم أخلاقيات نفعية. فقد ذكرت على لسان إبراهيم بمناسبة اعتزامه التوجه هو وزوجته سارة إلى مصر، هرباً من القحط، أنه قال: «... إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر، فيـكون إذا رآك المصـريون أنهـم يقـولون هـذه امرأته فيقتلونني ويستبقونك. قولي إنك أختى ليكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من أجلك » (تكوين 12/11 ـ 13) وأضـافت التـوراة أن ذلك قد حدث فعلاً: « فأُخذت المرأة [أي سارة] إلى بيت فرعون، فصنع إلى أبرام خيراً بسببها وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأُتُن وجمَال » (تكوين 12/15 ـ 16). ثم أعادت التوراة هذه القصة ذاتها مرة أخرى حين نزل إبراهيم وامرأته مغتربين في أرض جرار إذ أخذها الحاكم، ولكنه حينما اكتشف الحقيقة عنَّف إبراهيم على خداعه له، ولكنه في الوقت نفسه أعطاه غنماً وبقراً وعبيداً وإماء وألفاً من الفضة ورد إليه امرأته (تكوين 20). وقد حدثت نفس القصة مع ابنه إسحق. وثمة تفسير جديد لهذه الواقعة يذهب إلى أن الرجل في الحضارة الحورانية، كان إن اعتز بزوجته وأراد أن يعبِّر لها عن حبه، جعلها بمنزلة أخته وصار يشير إليها بذلك. ولكن العبرانيين القدامى نسوا، كما هو واضح، المغزى الأصلي للقصة وجعلوا من التسمية اتجاراً بالعرض للحصول على الثروة!

ورغم أن الدارسين يتحدثون عن إبراهيم باعتباره مُحطِّم الأوثان بعد أن توصل إلى عبادة الإله الواحد، فإن عبادة إبراهيم ـ كما جاء في العهد القديم ـ لم تكن هي نفسها عبادة يهوه، ذلك على الرغم من الميثاق الذي عقد بينه وبين الرب. فالإله يُعرَف في ديانة إبراهيم باسم «إيل شدَّاي» (أي «الرب القديم»)، أما يهوه فلم يظهر إلا في عهد موسى. ويُلاحَظ أن الميثاق أو العهد بين الرب وإبراهيم يختلف عن العهد بين الرب وبين موسى، فالأول يشبه منحة ملكية لا تُلقي أية التزامات أو أعباء على الشعب بينما نجد أن العهد مع موسى تتبعه أعباء معينة.

ويُصوَّر إبراهيم، في الفلكلور اليهودي، جالساً على أبواب جهنم ليحمي أي يهودي مُختَّن من دخولها. وترى الأجاداه أن إبراهيم اتبع الوصايا العشر وكل الوصايا والنواهي ومتطلبات الشريعة الشفوية رغم أنها لم تكن قد أُنزلت بعد. وهو الذي فرض صلاة الصباح والأهداب (تسيت تسيت) وتمائم الصلاة (تيفلين). وقد كان يتَّسم بالتقوى وطاعة الإله والشجاعة والوفاء، وكان يشفع للمذنبين. وهو من أعظم الأنبياء حسب الرؤية التوراتية، إذ كان يتحدث الإله معه لا من خلال الأحلام أو الرؤى وإنما مباشرة. ولذا، فهو تجسيد للمقدرة الخارقة للحوار مع الرب. وتروي الأجاداه قصة إبراهيم ابن صانع الأوثان الذي يهرب إلى كهف في الصحراء حيث يتأمل في فكرة الخالق، وحينما يرى الشمس تصعد إلى كبد السماء يرى أن الشمس هى ربه. ولكنها تَغرُب فيظن أن القمر هو إلهه، ولكن النهار يأتي بالشمس مرة أخرى. ولذا، يتوصل إبراهيم إلى أنه لا الشمس ولا القمر إلهه. وترد في كتب المدراش والتلمود قصته. وقد ذاعت شهرته في رأي الأجاداه بسبب نقود سُكَّت باسمه عليها صورته. وكان يُعلِّق على رقبته حجراً كريماً اجتذب إليه الجماهير لأن كل من كان ينظر إليه كان يشفى من الأمراض. وقد كان إبراهيم سخياً يخدم ضيوفه بنفسه ويعلِّمهم أن يحمدوا الإله بعد كل وجبة. ولذا، كان يُعَد من أوائل المبشِّرين. ويقرِّر التلمود أن إبراهيم قد عوقب في مصر، كما استُعبد أبناؤه لأنه سمح بتجنيد العلماء في الخدمة العسكرية وتردَّد في تختين نفسه. أما في الكتب الخفية، فهو مُؤسِّس مدن على طريقة اليونانيين.

ولبعض الفلاسفة اليهود رؤيتهم الخاصة لإبراهيم، ففي رأي موسى بن ميمون أن إبراهيم قد وصل إلى أعلى درجات النبوَّة (مع استثناء موسى)، وهو أول من توصَّل إلى فكرة الخلق من العدم من خلال التأمل، وأول من توصَّل إلى الإيمان بالإله من خلال التفكير العقلي. أما يهودا اللاوي، فيرى أن إبراهيم علامة على أن أعضاء جماعة يسرائيل لهم قوة إلهية خاصة تُمكِّنهم من الدخول في حوار مع الرب، وأنها مقدرة يتَّسم بها آدم وورثها عنه إبراهيم وانتقلت إلى موسى ثم إلى الأنبياء ومنهم إلى الشعب اليهودي كله. وفي التراث القبَّالي، يُعَدُّ إبراهيم التجلي النوراني الرابع أو الحسيد أو الرحمة.

  • السبت PM 06:52
    2021-04-17
  • 1022
Powered by: GateGold