المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414069
يتصفح الموقع حاليا : 201

البحث

البحث

عرض المادة

تعرّف إلى أخلاق اليهود المذمومة

بقلم: أ. عبدالمجيد فاضل

أوَّلًا – أخلاق اليهود في القرآن الكريم

قال الشيخُ سعود بن عبد العزيز الخلف: "إن الاحتكاك بين النبي ﷺ والمسلمين وبين اليهود في المدينة بحكم وجود اليهود بها كشف كثيراً من أخلاقهم وسماتهم.

وقد فصَّل لنا الله جل وعلا في كتابه الكريم أخلاقهم الظاهرة والخفية، ومقاصدهم في الأعمال والأقوال، فيستطيع الناظر في القرآن أن يدرك حقيقة اليهود حق الإدراك، ويفهم نفسياتهم وما جُبِلوا عليه من فساد وانحراف عن الخلق القويم والصراط المستقيم". [دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية، سعود بن عبد العزيز الخلف، مكتبة أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الرابعة، 1425هـ/2004م، ص153].

وهذه بعض صفات اليهود المذمومة في القرآن الكريم:

* سوء الأدب مع الله – سبحانه وتعالى عمّا يقولون – قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ} [المائدة: 64].

وقال تعالى: {لّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران: 181].

* الغُلُوُّ في الدين، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنّىَ يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30]

* تكذيبُ الأنبياءِ وقتلُهم، قال تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ. وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:87 – 88].

* كِتْمان الحق، قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146].

* الجُرأة على الله بتحريف التوراة، قال تعالى: ﴿فَوَیۡلࣱ لِّلَّذِینَ یَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِأَیۡدِیهِمۡ ثُمَّ یَقُولُونَ هَـٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِیَشۡتَرُوا۟ بِهِۦ ثَمَنࣰا قَلِیلࣰاۖ فَوَیۡلࣱ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَیۡدِیهِمۡ وَوَیۡلࣱ لَّهُم مِّمَّا یَكۡسِبُونَ﴾ [البقرة: 79]

وتحريفُ التوراة صفةٌ كافِيَة لإسقاط الثقة بأقوالهم؛ ولذلك فإنّه لَمّا كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَأونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لِلصّحابة، قَالَ لهم رَسُولُ اللهِ ﷺ: "لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} الآيَةَ". [رواه البخاري]

قال شرف الدين الطيبي (743 هـ): "قوله: «لا تصدقوا أهل الكتاب» يعني إذا حدّثَتِ اليهودُ والنصارى بشيء من التوراة والإنجيل لا تصدقوهم، لعلهم حدّثوكم بما هو مُحرَّف ومختلط منهما، ولا تكذبوهم أيضاً لاحتمال أن يكونوا حقا وصدقاً، بل قولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ ومَا أُنزِلَ إلَيْنَا ومَا أُنزِلَ إلَى إبْرَاهِيمَ} الآية، إنْ كان حقّاً آمنا به لأنا آمنا بجميع الرسل، وبما أُنزِل إليهم من الله تعالى، وإن لم يكن حقّاً فلا نؤمن به، ولا نُصدِّقه أبداً" [الكاشف عن حقائق السنن، شرف الدين الطيبي، تحقيق: د. عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز/ مكة المكرمة – الرياض، الطبعة الأولى، 1417 هـ - 1997 م، ج2 ص623].

وأمّا قول النَّبِيِّ ﷺ: «بَلِّغوا عني ولو آية وحَدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومَن كذب علي متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار». [رواه البخاري].

فلقد أوضح الأستاذ الدكتور نورالدين عتر أنّ هذا الحديث أباح "أن يُحدِّثوا عما وقع لبني إسرائيل من الأعاجيب للعبرة والعِظَة، بشرط أن يعلموا أنه ليس مكذوبا”. [علوم القرآن الكريم، الأستاذ الدكتور نور الدين عتر، مطبعة دار السلام – دمشق، الطبعة الأولى، 1441هـ – 2020م، ص 75]

وذلكَ لأنَّه: "مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَا يُجِيزُ التَّحَدُّثَ بِالْكَذِبِ"، كما قال الإمامُ الشافعي، ونقله عنه ابن حجر العسقلاني عند شرحه لهذا الحديث في فتح الباري.

* الحسد، قال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54]

وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109]

* الخيانة ونقض العهود والمواثيق: قال تعالى: {وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} [المائدة: 13]

وقال تعالى: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة:27]

* الإفساد في الأرض، قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة:64]

وقال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً} [الإسراء: 4]

* الجبن عند لقاء أعدائهم، قال تعالى: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر: 14]

* ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال تعالى: {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78-79]

* الكذب في كلامهم وأخبارِهم، قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا یَحۡزُنكَ ٱلَّذِینَ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡكُفۡرِ مِنَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا بِأَفۡوَ ٰ⁠هِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡۛ وَمِنَ ٱلَّذِینَ هَادُوا۟ سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ سَمَّـٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِینَ لَمۡ یَأۡتُوكَۖ یُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِۦۖ یَقُولُونَ إِنۡ أُوتِیتُمۡ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ فَٱحۡذَرُوا۟ وَمَن یُرِدِ ٱللَّهُ فِتۡنَتَهُۥ فَلَن تَمۡلِكَ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِ شَیۡـًٔاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُرِدِ ٱللَّهُ أَن یُطَهِّرَ قُلُوبَهُمۡۚ لَهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا خِزۡیࣱۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمࣱ﴾ [المائدة: 41]

قال الإمامُ ابنُ الجوزي (597 هـ) في «زاد المسير» في تفسيره لقوله تعالى: {سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ}: "وفي مَعْناهُ: أرْبَعَةُ أقْوالٍ.

أحَدُها: سَمّاعُونَ مِنكَ لِيَكْذِبُوا عَلَيْكَ.

والثّانِي: سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ، أيْ: قائِلُونَ لَهُ.

والثّالِثُ: سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ الَّذِي بَدَّلُوهُ في تَوْراتِهِمْ.

والرّابِعُ: سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ، أيْ: قابِلُونَ لَهُ".

هذا، ولقد شهِدَ عَلَيْهِم شَاهد من أنفسهم في عهد رسول الله ﷺ، بعد أن هداه الله إِلَى الْإِسْلَامِ، فقد روى أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قصَّة إِسْلَام عبد الله بن سَلام رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لرسول الله ﷺ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَجَاءَت الْيَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ). قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ). قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، وَتَنَقَّصُوهُ، قَالَ: هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ". [رواه البخاري].

 

ثانياً –  ادعاؤهم بِنقاء جنسهم:

يدّعي الصهاينة أن جميع يهود العالم حافظوا على نقائهم العرقي على مدار التاريخ، وأنهم لم يختلطوا بالأجناس والشعوب الأخرى، وهذه المقولة يُكذِّبها التاريخُ وتُكذِّبُها التوراةُ رغم تحريفها.

قال الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي، في كتابه «اليهود والتحالف مع الأقوياء»، في مبحث (الحـق القـومـي): "مِمّا أخذه الصهاينةُ عن مواطنيهم في أوروبا (القومية)، فادّعَوْا أنهم شعب واحد، حتى قال هـرتزل (إن اليهود بَقْوا شعبا واحدا وعِرقا متميزا، إن قوميتهم المتميزة لا يمكن ولن، ويجب أن لا تتقوض، لذلك لا يوجد غيرُ حل واحد فقط للمسألة اليهودية، هـي الدولة اليهودية) الصهيونية والعنصرية 1 / 24.

وما أظن أن في العالم – خارج اليهود – من يصدِّق أن اليهودي العربي والكردي والتركي والفارسي والهندي والصيني والياباني والأوروبي والفلاشة، كل هـؤلاء ينتمون لقومية واحدة، وينحدرون من تلك القبائل العبرانية البدوية، التي غزت فلسطين واستوطنتها حيناً من الدهر. خصوصا إذا أخذنا بتعريف اليهودي بأنه (من كانت أمُّه يهوديةً)، في ضوء هـذا التعريف المعتمد أَدْعو لقراءة هـذا النص من التوراة (... فَسَكَنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، وَاتَّخَذُوا بَنَاتِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً، وَأَعْطُوا بَنَاتِهِمْ لِبَنِيهِمْ وَعَبَدُوا آلِهَتَهُمْ) القضاة الإصحاح 3 / 5 – 6.

فإذا تزوج اليهود من كل هـذه الشعوب، فأبناؤهم ليسوا يهودا، لأن الأمهات غير يهوديات، وأبناءُ غير اليهود ليسوا يهودا بالطبع، ومن ولد لتلك الشعوب هـو اليهودي، فهل هـناك مفارقة أغرب من هـذه، سوى ادعاء الشعب الواحد؟!!.

بل التوراةُ تذْكر أنبياء بني إسرائيل، وبمن تزوجوا من النساء، فكلُّهم تزوج أجنبية.. والتوراة تقول بصراحة.. ”واختلط الزرع المقدس“ .. فهذا الاختلاط يقضى على.. نقاء.. العرق، ذلك الشيء الذي أخذه اليهود عن رجال العنصرية، أو علّمه اليهودُ لهم، يقول (أحمد نسيم سوسه) وهو مهندس عراقي يهودي الأصل أسلم ومات مسلما: (انتشر الدين اليهودي بين مختلف الأمم والأجناس، وهذه الأمم اعتنقت الدين اليهودي، وهي تعيش في ديارها وأوطانها، وتتكلم بلغاتها، وتمارس عاداتها وتقاليدها، فقد بدأ التبشير بالدين اليهودي، منذ تكوين الديانة اليهودية، بعد كتابة التوراة، واستمر حتى العصور الوسطى، وعندما أغلق باب التبشير في أواسط القرن الثالث عشر الميلادي، فقد قضى اليهود أكثر من عشرين قرنا، يعملون بجد ونشاط لنشر ديانتهم، بين شعوب وأمم لا تَمُتُّ إلى قوم موسى بأدنى صلة، وليست لهم علاقة بفلسطين أو سكان فلسطين، لا من بعيد ولا من قريب، وهؤلاء الدعاة إلى الدين، لم يكونوا دائما من فلسطين، بل ممن اعتنقوا الدين اليهودي وتحمسوا له)/ العرب واليهود في التاريخ/ سوسة ص 551.

هـذه شهادة خبير لا يجادل فيها أحد. وقد رأيت بنفسي خلال رحلة في أفريقيا جماعة من اليهود السود، ينفخون بالبوق، ويُعَلِّمون الشباب الأفريقي، الديانة اليهودية، ولهم أكثر من مركز للتبشير باليهودية.

وأختم هـذا بما قاله عالم الأنثربولوجي (أوجين بتار) أستاذ علم الأجناس بجامعة (جنيف): (إن اليهود عبارة عن طائفة دينية، اجتماعية، انضم إليهم في جميع العصور أشخاص من أجناس شتى، جاءوا من جميع الآفاق، فمنهم الفلاشة سكان الحبشة ، ومنهم الألمان ذو السَّحْنة الجرمانية، ومنهم التامل السود في الهند، والخَزَرُ، والمفروض أنهم من الجنس التركي، ومن المستحيل أن نتصور أن اليهود ذوي الشعر الأشقر الكستنائي والعيون الصافية اللون الذين نلقاهم في أوروبا الوسطى، يمتون بصلة القرابة – قرابة الدم – إلى أولئك الإسرائيليين القدماء، الذين كانوا يعيشون بجانب نهر الأردن)/ الاستعمار والمذاهب الاستعمارية/ د. محمد عوض ص 154.

ويذهب الكاتب اليهودي (إبرا هـام ليون) لأبعد مما ذهب غيره فيقول: (إن اليهود يشكلون في حقيقة الأمر خليطا عرقيا متنافرا، والسبب الرئيس في ذلك هـو طابع التشتت، الملازم لليهودية، وحتى في فلسطين كان اليهود بعيدين عن تشكيل عرق صاف)/ الماركسية والدولة الصهيونية/أديب ديمتري ص32.

والخلاصة: من كل ما تقدم يمكن القول بأن اليهود طائفة دينية وليست شعبا ولا قومية، فلا عِرْق يجمعهم، ولا لغة واحدة، ولا ثقافة موحدة، فادعاء الحق القومي أيضا لا قيمة له ولا سند". [اليهود والتحالف مع الأقوياء، الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي، الناشر: رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية – قطر، الطبعة: الأولى 1413هـ/1992م، ص 150–152].

(*) كتاب (اليهود والتحالف مع الأقوياء) نُشِر ضمن كتاب ”الأُمّة“، وهو الكتاب الثاني والثلاثون في سلسلة الكتب، التي يُصْدرها مركزُ البحوث والمعلومات برئاسة المحاكم الشرعية والشئون الدينية في دولة قطر.

ونعمان عبد الرزاق صالح السامرائي (ت 2021)، أكاديمي عراقي وأستاذ في الشريعة الإسلامية، درّس وحاضر في عدة جامعات في العراق والسعودية، ولديهِ العديد من المؤلفات الفكرية والإسلامية.

هذا، ولقد فسّر المسيحيُّ القُمُّص تادرس يعقوب ملطي، النص (وَاتَّخَذُوا بَنَاتِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً، وَأَعْطُوا بَنَاتِهِمْ لِبَنِيهِمْ وَعَبَدُوا آلِهَتَهُمْ) بقولِه: "أمّا علامةُ الانحراف فهي: "وَاتَّخَذُوا بَنَاتِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً، وَأَعْطُوا بَنَاتِهِمْ لِبَنِيهِمْ وَعَبَدُوا آلِهَتَهُمْ". هذه هي العلامة المزدوجة: الارتباط بغير المؤمنين خلال العلاقة الزوجية، وعبادة الآلهة الغريبة، والعجيب أنه يبدأ بذكر الزواج بغير المؤمنين قبل عبادة الآلهة الأخرى؛ لأن الأُولى هي العلةُ والسببُ، والثانيةَ هي ثمرةٌ طبيعيةٌ للإنسان الشهواني الذي يقبل الزواج خارجَ دائرة الإيمان". [تفسير الإصحاح الثالث من سِفْر القضاة، للقُمُّص تادرس يعقوب ملطي، بموقع الأقباط اليوم، رابط التفسير: https://www.coptstoday.com/Interpretation-of-the-Holy-Bible/Judges.php?Chapter=3

(*) النّص الكامل للجملة ”واختلط الزرع المقدس“: جاء في سِفْر عزرا هكذا: «لأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا مِنْ بَنَاتِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ وَلِبَنِيهِمْ، وَاخْتَلَطَ الزَّرْعُ الْمُقَدَّسُ بِشُعُوبِ الأَرَاضِي. وَكَانَتْ يَدُ الرُّؤَسَاءِ وَالْوُلاَةِ فِي هذِهِ الْخِيَانَةِ أَوَّلًا» (عز 9: 2)

(*) الخَزَر: قبيلة من أصلٍ تركي عاشت في منخفض الفولجا جنوب روسيا وكوَّنت مملكة كان حكامها وبعض سكانها يدينون بعبادات وثنية ولكنهم تحولوا إلى اليهودية. / انظر: يهود الخَزَر، بموقع الدرر السنية، رابط الَادة: https://dorar.net/adyan/101

تعقيب: لا شَكَّ أنّ كلَّ مَن تهوّدَ تخلَّق بأخلاق اليهود – إلّا مَن رحِم اللهُ –، فعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أن النَّبيّ ﷺ قَالَ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَليَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ». رواه أَبُو داود والترمذي وَقال: «حديث حسن غريب»، وقال المحدث شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.

وجاء شرحه في موقع ”سحنون“ كما يأتي: "قوله عليه الصلاة والسلام (على دين خليله) أي: على سيرة صاحبه، فإنّ مخالطةَ أهلِ الخير ومجالستَهم تزرع في القلب محبّةَ الخير والعملَ به؛ ومخالطةَ أهل الشر ومجالستَهم تغرس في القلب حُبَّ الشر والعملَ به".

 

ثالثاً – ادعاؤُهم بأنهم شعبُ الله الْمُخْتَار:

اليهود يعتقدون أنهم شعبُ الله الْمُخْتَار، جاء في توراتهم المحرَّفة في (سِفْر التثنية 14: 2): "لأَنَّكَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ، وَقَدِ اخْتَارَكَ الرَّبُّ لِكَيْ تَكُونَ لَهُ شَعْبًا خَاصًّا فَوْقَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ".

وردّ عليهم الله في القرآن الكريم بقوله: {وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ نَحۡنُ أَبۡنَـٰۤؤُا۟ ٱللَّهِ وَأَحِبَّـٰۤؤُهُۥۚ قُلۡ فَلِمَ یُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُمۖ بَلۡ أَنتُم بَشَرࣱ مِّمَّنۡ خَلَقَۚ یَغۡفِرُ لِمَن یَشَاۤءُ وَیُعَذِّبُ مَن یَشَاۤءُۚ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَاۖ وَإِلَیۡهِ ٱلۡمَصِیرُ} [المائدة: 18]

قال الإمامُ البيضاوي (ت 685 هـ) في تفسيره «أنوار التنزيل وأسرار التأويل»: "{قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم} أي: فإن صح ما زعمتم فلم يعذبكم بذنوبكم؟ فإنّ مَن كان بهذا المنصب لا يفعل ما يوجب تعذيبه، وقد عذبكم في الدنيا بالقتل والأسْر والمسخ، واعترفتم بأنه سيعذبكم بالنار أياماً معدودات {بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} ممن خلقه الله تعالى. {يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء} وهم من آمن به وبرسله {وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء} وهم مَن كَفَر، والمعنى: أنه يعاملكم معاملة سائر الناس، لا مَزِيَّةَ لكم عنده {وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} كلها سواء في كونها خلقاً وملكاً له {وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ} فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته". انتهى كلام البيضاوي.

هذا، ولقد وردتْ نصوصٌ من «العهد القديم» تُثبت عصيانَ اليهود وشِرْكَهم، وغضَبَ اللهِ عليهم، وتعذيبَهم؛ من هذه النصوص، ما جاء في «سِفْر التثنية» الإصحاح 31:

27 لأَنِّي أَنَا عَارِفٌ تَمَرُّدَكُمْ وَرِقَابَكُمُ الصُّلْبَةَ. هُوَذَا وَأَنَا بَعْدُ حَيٌّ مَعَكُمُ الْيَوْمَ، قَدْ صِرْتُمْ تُقَاوِمُونَ الرَّبَّ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ بَعْدَ مَوْتِي!

28 اِجْمَعُوا إِلَيَّ كُلَّ شُيُوخِ أَسْبَاطِكُمْ وَعُرَفَاءَكُمْ لأَنْطِقَ فِي مَسَامِعِهِمْ بِهذِهِ الْكَلِمَاتِ، وَأُشْهِدَ عَلَيْهِمِ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ.

29 لأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِي تَفْسِدُونَ وَتَزِيغُونَ عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ، وَيُصِيبُكُمُ الشَّرُّ فِي آخِرِ الأَيَّامِ لأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ الشَّرَّ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى تُغِيظُوهُ بِأَعْمَالِ أَيْدِيكُمْ».

ولكن الذين شرحوا هذه النصوص من أهل الكتاب حرَّفوا معناها، وزعموا أن الله لا يُعذبهم أبداً، وإنَّما يُهذِّبهم!

قال ابن قيم الجوزية (751هـ) في بيان الفرق بين التهذيب والتعذيب: "وهاهنا نكتةٌ لطيفةٌ جدًّا قلَّ من يَنْتَبِهُ لها، ونحن نُقَرِّرها بسؤالٍ وجوابٍ.

فإن قيل: معلومٌ أن الأبَ قد يؤَدبُ وَلَدَهُ إذا أذنبَ، والحبيبُ قد يهجُرُ حبيبَه إذا رأى منه بعض ما يكرهُ.

قيل: لو تأمَّلْتَ أيُّها السائلُ قوله: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} لعلمتَ الفرقَ بين هذا التعذيبِ وبين الهجران والتأديب، فإنَّ التعذيبَ بالذنب ثمرةُ الغَضَب المُنافي للمحبَّةِ، فلو كانت المَحبةُ قائمةً كما زعموا لم يكنْ هناكَ ذنوبٌ يستوجبون عليها العذابَ، من المسخِ قردةً وخنازيرَ، وتسلُّطِ أعدائهم عليهم يستبيحونهم ويستعبدونهم، ويُخرِّبون مُتعَبَّدَاتِهم ويَسْبُونَ ذرارِيَهم؛ فالمُحبُّ لا يفعلُ هذا بحبيبِه ولا الأبُ بابْنهِ.

ومعلومٌ أنَّ الرحمن الرحيم لا يفعلُ هذا بأمَّةٍ إلا بعد فَرْط إجرامِها وعُتُوِّها على الله، واستكبارِها عن طاعتِهِ وعبادتِه، وذلك يُنافي كونَهم أحبابَهُ، فلو أحبُّوه لما ارتكبوا من غضبهِ وسَخَطِهِ ما أوجبَ لهم ذلك، ولو أحبَّهم لأدَّبهم ولم يُعذِّبْهم، فالتأَديبُ شيءٌ والتَّعذيبُ شيء، والتأديبُ يُرادُ به التهذيبُ والرحمةُ والإصلاحُ، والتعذيب للعقوبةِ والجزاءِ على القبائحِ، فهذا لونٌ وهذا لونٌ". [بدائع الفوائد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: علي بن محمّد العمران، دار عطاءات العلم/ الرياض - دار ابن حزم/ بيروت، الطبعة الخامسة، 1440هـ - 2019م، ج4 ص170-171.

 

تعقيب: لا وجود للشعب المختار في دين الإسلام:

قال تعالى: ﴿كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَـٰبِ لَكَانَ خَیۡرࣰا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110].

وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أُعْطِيتُ ما لَمْ يُعْطَ أحَدٌ مِنَ الأنْبِياءِ؛ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وأُعْطِيتُ مَفاتِيحَ الأرْضِ، وسُمِّيتُ أحْمَدَ، وجُعِلَ التُّرابُ لِي طَهُورًا، وجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الأُمَمِ».

قال الإمامُ ابنُ عطية (546 هـ) في تفسيره «المحرر الوجيز»: "وهَذِهِ الخَيْرِيَّةُ الَّتِي فَرَضَها اللهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ إنَّما يَأْخُذُ بِحَظِّهِ مِنها مَن عَمِلَ هَذِهِ الشُرُوطَ مِنَ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَهْيِ عَنِ المُنْكَرِ والإيمانِ بِاللهِ".

فهذه الخَيْرِيَّةُ عامّةٍ لجميع المسلمين، سواء أكان عربيا أم غير عربي؛ لأن هذه الخَيْرِيَّةَ غيرُ مرتبطة بشعب من الشعوب، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرࣱ﴾ [الحجرات 13].

قال الشيخُ  محمد الأمين الشنقيطي (1394 هـ) في تفسيره «أضواء البيان»: "لَمّا كانَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا خَلَقْناكم مِن ذَكَرٍ وأُنْثى﴾ [الحجرات: 13]، يَدُلُّ عَلى اسْتِواءِ النّاسِ في الأصْلِ؛ لِأنَّ أباهم واحِدٌ وأُمَّهم واحِدَةٌ وكانَ في ذَلِكَ أكْبَرُ زاجِرٍ عَنِ التَّفاخُرِ بِالأنْسابِ وتَطاوُلِ بَعْضِ النّاسِ عَلى بَعْضٍ، بَيَّنَ تَعالى أنَّهُ جَعَلَهم شُعُوبًا وقَبائِلَ لِأجْلِ أنْ يَتَعارَفُوا أيْ يَعْرِفُ بَعْضُهم بَعْضًا، ويَتَمَيَّزُ بَعْضُهم عَنْ بَعْضٍ لا لِأجْلِ أنْ يَفْتَخِرَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ ويَتَطاوَلَ عَلَيْهِ.

وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ كَوْنَ بَعْضِهِمْ أفْضَلَ مِن بَعْضٍ وأكْرَمَ مِنهُ إنَّما يَكُونُ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الأنْسابِ.

وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ ذَلِكَ هُنا بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ أكْرَمَكم عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الحجرات: 13]، فاتَّضَحَ مِن هَذا أنَّ الفَضْلَ والكَرَمَ إنَّما هو بِتَقْوى اللهِ لا بِغَيْرِهِ مِنَ الِانْتِسابِ إلى القَبائِلِ، ولَقَدْ صَدَقَ مَن قالَ: ”فَقَدْ رَفَعَ الإسْلامُ سَلْمانَ فارِسٍ وقَدْ وضَعَ الكُفْرُ الشَّرِيفَ أبا لَهَبٍ“..

وَهَذِهِ الآياتُ القُرْآنِيَّةُ، تَدُلُّ عَلى أنَّ دِينَ الإسْلامِ سَماوِيٌّ صَحِيحٌ، لا نَظَرَ فِيهِ إلى الألْوانِ ولا إلى العَناصِرِ، ولا إلى الجِهاتِ، وإنَّما المُعْتَبَرُ فِيهِ تَقْوى اللهِ – جَلَّ وعَلا – وطاعَتُهُ، فَأكْرَمُ النّاسِ وأفْضَلُهم أتْقاهم لِلَّهِ، ولا كَرَمَ ولا فَضْلَ لِغَيْرِ المُتَّقِي، ولَوْ كانَ رَفِيعَ النَّسَبِ".

شُبْهَةٌ ورَدُّها: قال تعالى: ﴿یَـٰبَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ءِیلَ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتِیَ ٱلَّتِیۤ أَنۡعَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ وَأَنِّی فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [البقرة: 47].

زعم بعضُهم أنّ هذه الآيةَ دليلٌ على أن إسرائيل هي أفضل الأُمَم، وهي أفضل من الأُمّة الإسلامية!

أوّلاً – لم يثبت عن اليهود في عهد النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُم احتجّوا بهذه الآية على أفضليتهم على باقي الأمم. ولو كان هذا الفهمُ صحيحاً، لما غاب عنهم، ولما سكتوا، وهم معروفون بحب الذات والجدال. 

ثانياً – قال الشيخُ العلاّمةُ حَسَنِين محمد مخلوف – مفتي الديار المصرية السابق – في تفسيره «صفوة البيان، لمعاني القرآن»: "{على العالَمين} أي: على الموجودين في زمانهم بالفعل؛ فلا يتناول اللّفظُ مَن مضى ولا مَن يوجد بعدهم".

وقال الإمامُ البيضاوي (685 هـ) في تفسيره «أنوار التنزيل وأسرار التأويل»: "{عَلى العالَمِينَ} أيْ: عالَمِي زَمانِهِمْ، يُرِيدُ بِهِ تَفْضِيلَ آبائِهِمُ الَّذِينَ كانُوا في عَصْرِ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وبَعْدَهُ – قَبْلَ أنْ يُضَرُّوا – بِما مَنَحَهُمُ اللهُ تَعالى مِنَ العِلْمِ والإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ، وجَعَلَهم أنْبِياءَ ومُلُوكًا مُقْسِطِينَ".

وقال الإمامُ ابن كثير (ت 774 هـ) في تفسيره: "يذكِّرُهم تعالى بسالف نِعمِه إلى آبائهم وأسلافهم، وما كان فضلهم به من إرسال الرسل منهم، وإنزال الكتب عليهم وعلى سائر الأمم من أهل زمانهم، كما قال تعالى {وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَـٰهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ} (الدخان32) وقال تعالى {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَـٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَءَاتَـٰكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَـٰلَمِينَ} (المائدة 20) قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى {وَأَنِّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ} قال بما أُعْطُوا من المُلك والرسل والكتب على عالَمِ مَن كان في ذلك الزمان، فإنَّ لكل زمان عالَماً، ورُوي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد نحوُ ذلك، ويجب الحمْل على هذا؛ لأن هذه الأمةَ أفضلُ منهم لقوله تعالى، خطاباً لهذه الأمة {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} (آل عمران 110) وفي المسانيد والسنن عن معاوية بن حيدة القشيري، قال: قال رسول الله ﷺ: "أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله "، والأحاديث في هذا كثيرة تُذْكَر عند قوله تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمران 110) وقيل المرادُ تفضيلٌ بنوعٍ ما مِن الفضل على سائر الناس، ولا يلزم تفضيلهم مطلقاً، حكاه الرازي، وفيه نظرٌ، وقيل إنهم فُضِّلوا على سائر الأمم لاشتمال أمتهم على الأنبياء منهم، حكاه القرطبي في تفسيره، وفيه نظرٌ؛ لأن العالَمين عامٌّ يشمل مَن قبلَهم ومَن بعدَهم مِن الأنبياء، فإبراهيمُ الخليل قبلَهم، وهو أفضل من سائر أنبيائهم، ومحمد بعدَهم، وهو أفضلُ من جميع الخلق، وسيدُ ولد آدم في الدنيا والآخرة، صلوات الله وسلامه عليه".

وقال الإمامُ العلاّمةُ الطاهر بن عاشور (1393 هـ) في تفسيره «التحرير والتنوير»: "ومَعْنى هَذا التَّفْضِيلِ أنَّ اللَّهَ قَدْ جَمَعَ لَهم مِنَ المَحامِدِ الَّتِي تَتَّصِفُ بِها القَبائِلُ والأُمَمُ ما لَمْ يَجْمَعْهُ لِغَيْرِهِمْ وهي: شَرَفُ النَّسَبِ، وكَمالُ الخُلُقِ، وسَلامَةُ العَقِيدَةِ، وسَعَةُ الشَّرِيعَةِ، والحُرِّيَّةُ والشَّجاعَةُ وعِنايَةُ اللَّهِ تَعالى بِهِمْ في سائِرِ أحْوالِهِمْ. وقَدْ أشارَتْ إلى هَذا آيَة ﴿وإذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكم إذْ جَعَلَ فِيكم أنْبِئاءَ وجَعَلَكم مُلُوكًا وآتاكم ما لَمْ يُؤْتِ أحَدًا مِنَ العالَمِينَ﴾ [المائدة: 20] وهَذِهِ الأوْصافُ ثَبَتَتْ لِأَسْلافِهِمْ في وقْتِ اجْتِماعِها، وقَدْ شاعَ أنَّ الفَضائِلَ تَعُودُ عَلى الخَلَفِ بِحُسْنِ السُّمْعَةِ وإنْ كانَ المُخاطَبُونَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَكُونُوا بِحالِ التَّفْضِيلِ عَلى العالَمِينَ، ولَكِنَّهم ذُكِّرُوا بِما كانُوا عَلَيْهِ؛ فَإنَّ فَضائِلَ الأُمَمِ لا يُلاحَظُ فِيها الأفْرادُ ولا العُصُورُ".

 

وكتبه: أ. عبد المجيد فاضل/ بتاريخ: الجمعة 29 جمادى الآخرة 1445 هـ – 12 ديسمبر 2023 م

 

 

  • الاربعاء PM 04:55
    2024-01-17
  • 580
Powered by: GateGold