المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417524
يتصفح الموقع حاليا : 251

البحث

البحث

عرض المادة

فــارس بعـد انتشـــار الإســـلام

فــارس بعـد انتشـــار الإســـلام
Persia after the Spread of Islam
بعد الفتح الإسلامي للمنطقة ودخول الفرس إلى الإسلام، تم دمج أعضاء الجماعة اليهودية في فارس في الإطار الإسلامي الأكبر، وأصبح أعضاء الجماعة تابعين لرئيس اليهود في بغداد الذي كان يُسمَّى «رأس الجالوت (أمير يهود المنفى)»، وكانوا يعتمدون على الفتاوى التي تصدرها الحلقة التلمودية في العراق. وقد ازدهرت حياة اليهود الثقافية وتأثروا بالمحيـط الإسـلامي وظهر المذهـب القرّائي تعبيراً عن هـذا التفاعل. وتمتع يهود فارس بحرية الحركة والانتقال التي تمتع بها أهل الذمة آنذاك نتيجة توحيد المنطقة تحت راية الإسلام ولاستتباب الأمن والأمان.


ولم يكن وضع اليهود الاقتصادي مختلفاً عن وضع بقية أهل الذمة، فكان منهم النساجون والصباغون وصائغو الذهب والفضة، وكان منهم التجار وتجار الخمور. وظهرت طبقة من التجار اليهود الأثرياء في أصفهان وشيراز والأهواز. وتزايدت أهمية بعض أثرياء اليهود (الصيارفة) ابتداءً من القرن العاشر الميلادي، فكان منهم الجهابذة أي صيارفة البلاط الذين كانوا يُقرضون الوزراء والخلفاء العباسيين والسلاجقة من بعدهم. وظهر في القرن الثاني عشر الميلادي داود الرائي الماشيَّح الدجال.

وحينما غزا المغول الدولة الإسلامية، تعاون معهم أعضاء الجماعة اليهودية، وبرز نجم سعد الدولة الذي أصبح وزير مالية الإمبراطور المغولي وظـل يشـغل هـذا المنـصب حتى اغتياله عام 1291. وقد عُيِّن بعده رشيد الدولة الذي أُعدم عام 1318. ثم ظهرت الأسرة الصفوية التي فصلت اليهود عن المحيط الحضاري السني، فدخلوا المحيط الحضاري الشيعي.

فارس (إيران) منذ حكم الأسرة الصفوية حتى الوقت الحاضر
Persia (Iran) from the Safavid Dynasty to the Present
حكمت الأسرة الصفوية، وهي أسرة فارسية إسلامية، بلاد فارس في الفترة 1502 ـ 1736، وجعلت المذهب الشيعي دين الدولة، كما جعلت طبقة رجال الدين الشيعة (الملالي) عمودها الفقري. واتسم حكمها باضطهاد الأقليات، فطُبِّق على اليهود المفهوم الشيعي الخاص بنجاسة أهل الذمة. وانقطعت العلاقة تماماً بين أعضاء الجماعة اليهودية ورأس الجالوت (المنفى) في بغداد، وأصبحت لهم قيادتهم المحلية.


وتحت حكم أسرة القاجار (1795 ـ 1925)، زادت عملية قمع اليهود، كما كان الحال في مشهد عام 1839. وقد فُرض الإسلام قسراً على بعض أعضاء الجماعة اليهودية، فتحولوا إلى يهود متخفين، أي أبطنوا اليهودية وأظهروا الإسلام، وأُطلق عليهم مصطلح «جديد الإسلام». وأصبح من حق اليهودي الذي يعتنق الإسلام أن يرث ممتلكات كل أعضاء أسرته الذين ظلوا على دينهم.

وتَدنَّى وضع اليهود الاقتصادي وازداد إقبالهم على صناعة الخمـور، الأمر الذي أدَّى إلى زيادة التـوترات بينـهم وبـين الأغلبيـة المسلمة. وهذا على عكس وضع اليهود في الدولة العثمانية حيث كان آخذاً في التحسن، الأمر الذي نتج عنه تَزايُد اندماجهم في المجتمع، حتى أن يهود أوربا كانوا يفرون من بلادهم طلباً للسلام والأمن والعدالة في الدولة العثمانية. وفي هذه الفترة، اشتهر اليهود في فارس بأنهم يعملون بأمور التسلية والترفيه في بلاط النبلاء، فكان منهم الراقصون ولاعبو السيرك والمغنون.

وحتى هذا التاريخ، كان أعضاء الجماعة اليهودية يشكلون جزءاً من التشكيل الحضاري الشرقي في فارس. ولكن، مع منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وظهور الإمبريالية الغربية وما صاحب ذلك من تَزايُد نفوذ الدول الغربية في بلاد العالم الإسلامي، بدأت هذه الدول تتدخل في شئون الأقليات الدينية بحجة حمايتها والدفاع عن هويتها، وذلك لاستخدامها كرأس حربة في مشروعها الاستعماري. وكان يهود العالم الإسلامي من أوائل العناصر التي تَوجَّه إليها الغرب، فأخذت حكومات الغرب تتدخل لصالح يهود إيران كما راحت القيادات اليهودية في الغرب التي تدور في إطار المصالح الغربية، تقابل المسئولين الإيرانيين الذين يزورون العواصم الأوربية وتطلب إليهم تحسين أحوال اليهود. ولعل من أكثر الأمثلة إثارة ما حدث عام 1873 أثناء زيارة الشاه نصر الدين لأوربا، إذ قابله وفد يهودي في برلين في 4 مايو، وآخر في أمستردام في 10 يونيه، وثالث في بروكسل في 17 يونيه، ورابع في لندن (مندوبو الرابطة الإنجليزية اليهودية) في 24 يونيه، وخامس في باريس (الأليانس) في 12 يوليه، وسادس في فيينا في 16 أغسطس، وسابع في القسطنطينية في 20 أغسطس. وحينما كان الشاه في لندن، اجتمع على انفراد (في قصر بكنجهام) مع السياسي الإنجليزي المتنصر دزرائيلي، وهو من أصل يهودي، وكذلك مع سير موسى مونتفيوري زعيم يهود إنجلترا آنذاك. كما اجتمع الشاه في باريس مع أدولف كريمييه الوزير الفرنسي اليهودي، ومع البارون إدموند دي روتشيلد أشهر يهود عصره وأكثرهم ثراءً.

وثمة واقعة مهمة حدثت أثناء مقابلة الشاه لروتشيلد يتعين التعليق عليها، إذ اقترح الشاه على المليونير اليهودي أن يشتري قطعة أرض يجمع فيها كل اليهود المشتتين ويؤسس مملكة يهودية يصبح روتشيلد ملكاً لها. فضحك المليونير اليهودي ولم يُجب. والواقع أن اقتراح الشاه اقتراح صهيوني يسبق ظهور الحركة الصهيونية، وربما كان تعبيراً عن مُخطَّط إستراتيجي كامن تَكشَّف فيما بعد.

وبدأ التدخل الأمريكي لصالح يهود إيران عام 1897 حين قام القنصل العام الأمريكي في طهران بمحاولة الظهور بمظهر حاميهم والمدافع عن حقوقهم. ومع أوائل القرن الحالي، تظهر في الوثائق الدبلوماسية الأمريكية أول إشارة لأعضاء الجماعة اليهودية في إيران. وفي عام 1918، قامت وزارة الخارجية الأمريكية بتحويل بعض المعونات الأمريكية اليهودية إلى يهود فارس، ثم استمر يوسف شاؤول كونفلد، وهو حاخام يهودي وممثل للولايات المتحدة في طهران، في التدخل لصالح يهود إيران (عام 1924). وواكب هذا حركة من جانب جماعة الأليانس تمثلت في فتح مدارس يهودية حيث فُتحت مدرسة عام 1898 في طهـران وأخرى في أصـفهان عام 1901 وثالثـة في شـيراز عام 1903.وبعد الحرب العالمية الثانية، قامت الولايات المتحدة بالمساهمة في تمويل التعليم اليهودي في إيران.

وتغيَّر وضع اليهود تحت حكم أسرة بهلوي (1925 ـ 1979)، ومع ظهور الاتجاهات نحو إدخال القيم الغربية والعلمانية، قامت النخبة الحاكمة الإيرانية بتأكيد أهمية القيم الإيرانية المحلية السائدة في فارس قبل دخول الإسلام لتأكيد العنصر القومي. ومن هنا تغيير اسم الدولة إلى «إيران»، تماماً كما فعل الكماليون في تركيا حينما بعثوا القومية الطورانية المرتبطة بالتاريخ التركي قبل الإسلام. وقد واكب ذلك كله تَزايُد نفوذ أعضاء الجماعة اليهودية في إيران كما يتضح في انتخاب أول يهودي للبرلمان.

ومع هذا، أدَّى تَزايُد معدلات العلمنة وتعميق النفوذ الغربي إلى ظهور خطرين أساسيين: أولهما التبشير وثانيهما البهائية، فيُلاحَظ أن البعثات التبشيرية المسيحية التي نشطت آنذاك في العالم الإسلامي زادت من نشاطها بين اليهود فقامت ببناء المدارس لأبناء أعضاء الجماعة ووفرت لهم الكثير من النشاطات الاجتماعية حتى تيسر تنصيرهم إلى حدٍّ ما وتَحقَّق شيء من النجاح في هذا المجال.

ولكن التحدي الأكبر كان البهائية التي رحب أعضاء الجماعة اليهودية بظهورها باعتبارها سبيل الخلاص لهم. وقد كرس أحد أتباع بهاء الله، ميرزا أبو الفضل، كل جهوده للتبشير بالبهائية بين اليهود، وقام بتفسير بعض آيات العهد القديم، وخصوصاً سفر أشعياء (الإصحاح التاسع) ودانيال (الإصحاح السابع)، للبرهنة على صدق العقيدة البهائية. وتُرجمت بعض المقطوعات المختارة من النصوص البهائية إلى العبرية، الأمر الذي ساهم في ذيوع الأفكار البهائية بين اليهود. وقد نجحت البهائية في اجتذاب أعداد كبيرة من اليهود إلى صفوفها. وربما يكون التركيب الاجتماعي للبهائيين، الذي كان مقارباً إلى حدٍّ ما للتركيب الاجتماعي لليهود، قد ساهم في هذه العملية.

ويُلاحَظ أن معرفة يهود إيران باليهودية كانت ضعيفة إلى حدٍّ ما بسبب انفصالهم عن المراكز الرئيسية لليهودية في العالم، وبسبب عدم وجود حاخامات مدربين التدريب الديني اللازم. فقد كانوا لا يعرفون تمائم الصلاة (تيفلين)، كما كانوا يتبعون عادات دينية لا تعرفها اليهودية الحاخامية مثل الحج إلى قبر إستير وموردخاي (في حمدان) وقبر دانيال (في سوسة) وغيرهم من شخصيات العهد القديم التي يزعم يهود فارس أنهم مدفونون فيها.

ويُلاحَظ كذلك أن يهود فارس يتحدثون بعدة رطانات هي عبارة عن اللغة أو اللهجة السائدة في المنطقة التي عاشوا فيها، في مرحلة تاريخية سابقة، مضافاً إليها بضع كلمات عبرية. وهذه الرطانات تفيد علماء اللغة إذ تحتفظ بصيغ لغوية مندثرة. وإلى جانب الجماعة اليهودية الفارسية، وُجدت جماعة يهودية كردية في المنطقة التي يعيش فيها الأكراد داخل حدود إيران. ولكن لم تقم مؤسسات لتشرف على شئون الجماعة بسبب الخلافات الدائمة بين أعضائها.

وقد بلغ عدد يهود إيران عام 1948 نحو 95 ألفاً. ومع هجرة يهود البلاد العربية إلى إسرائيل، أصبحت الجماعة اليهودية في إيران أكبر جماعة يهودية في الشرق، وبلغ عدد أعضائها ثمانين ألفاً عام 1968 من مجموع السكان البالغ عددهم آنذاك خمسة وعشرين مليوناً. وبعد نشوب الثورة الإيرانية في عام 1979، تناقص عددهم إلى ثلاثين ألفاً في حين زاد عدد سكان إيران إلى ما فوق الأربعين مليوناً، وبلغ عددهم ستة عشر ألفاً عام 1992. ويتركز يهود إيران في المدن، وخصوصاً في طهران. ففي عام 1948، كان 60% منهم يعيشون في طهران وأصفهان وشيراز، ثم زادت النسبة إلى 72% عام 1968. وقد هاجرت أعداد كبيرة من يهود إيران إلى إسرائيل حاملين معهم ممتلكاتهم من السجاد الإيراني الذي تعتبره إيران ضمن ثروتها القومية. ولكن يُلاحَظ أن أعداداً كبيرة منهم تنزح من إسرائيل وتستقر في الولايات المتحدة، وخصوصاً في كاليفورنيا.

  • الاثنين AM 12:07
    2021-04-19
  • 1043
Powered by: GateGold