المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414061
يتصفح الموقع حاليا : 319

البحث

البحث

عرض المادة

فلسطينُ عربيةٌ وإسلاميةٌ

بقلم: أ. عبدالمجيد فاضل

أوَّلًا – التاريخ يشهد أن فلسطين عربيةٌ:

قال الأستاذ المؤرخ الدكتور شوقي أبو خليل: "سكن الكنعانيون أرض كنعان (فلسطين) منذ 2500 ق.م، وفي عام 1200 ق.م هاجر موسى وجماعتُه إلى أرض كنعان، وأقام يشوع بن نون – بعد موسى – كياناً بسبب ضعف وانقسام الكنعانيين العرب. واحتلّ داود القدس سنة 1000 ق. م، والباقي من أرض كنعان بقي بيد الكنعانيين والشعب الفِلِسْتي، وفي عام 931 ق.م انقسم العبرانيون إلى:

  • السامرة في الشمال، وقضى الآشوريون عليها بقيادة سرجون الثاني سنة 722 ق.م.
  • ويهوذا في الجنوب وعاصمتها القدس، قضى الكلدانيون عليها بقيادة نبوخدنصَّر*، سنة 586 ق.م.

كلُّ ذلك والسكانُ الأصليون لم يغادروا البلاد ولم يتركوا الأرض، وأَثّروا باليهود حضارةً ولغةً وعاداتٍ.

فكان اليهود في أرض كنعان (فلسطين) كياناً جُزئياً فاصلاً طارئاً في تاريخ الأُمَّةِ العربية، وفي تاريخ الأرض الفلسطينية". [أطلس التاريخ العربي الإسلامي، شوقي أبو خليل، دار الفكر، دمشق – سورية، الإعادة الثانية عشر: 1425هـ - 2005م، ص13].

(*) وفي مصادرَ أخرى: (بُخْتَ نَصَّرَ) عوض (نبوخدنصَّر)

وقال الأستاذ الدكتور مَحْمُود عبد الرَّحْمَن قدح – عُضْو هَيْئَة التدريس بالجامعة الإسلامية بِالْمَدِينَةِ المنورة –: "وَأمّا تاريخها فقد سَكنَها الفينيقيون – من الْقَبَائِل الْعَرَبيَّة المهاجرة من شبه الجزيرة الْعَرَبيَّة – فِي الْألف الثَّالِث قبل الميلاد (سنة 3000 ق.م)، وَإِلَى الْجنُوب مِنْهُم نزلت قبائلُ عَرَبِيَّةٌ أُخْرَى، أشهرُها قبائلُ الكنعانيين حوالي سنة 2500 ق.م. على ضفة الْأُرْدُن الغربية وَسُميت المنطقةُ باسمهم فَأَصْبَحت تُدعى (أَرض كنعان) ووردت كثيرا بِهَذَا الاسم فِي التَّوْرَاة أَيْضا، وَفِي حوالي سنة 1200 ق.م. نزلت بالسَّاحل المُطل على الْبَحْر الْأَبْيَض جماعاتٌ تسمى قبائل فلستين جَاءَت من جَزِيرَة كريت (اقريطش) واختلطت بالكنعانيين فَأَصْبَحت الْبِلَاد تُعرَف بفلسطين [قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص685، 789، الْيَهُودِيَّة ص41 د. أَحْمد شلبي]، وَقد كَانَت تسمى بـ (أَرض كنعان) فِي التَّوْرَاة قبل دُخُول إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَيْهَا [سِفْر التكوين 12/5] وَبعده إِلَى زمن دُخُول بني إِسْرَائِيل إِلَيْهَا بعد مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أما إِطْلَاق اسمهم عَلَيْهَا فقد كَانَ فِي آخر عهد الْقُضَاة تَقْرِيبًا فِي زمن نَبِيٍّ لَهُم اسْمُه صموئيل، مَعَ بَقَاء الكنعانيين فِيهَا [سفر صموئيل 13/9، وأخبار الْأَيَّام الأول 22/2]. [موجز تاريخ اليهود والرد على بعض مزاعمهم الباطلة، محمود بن عبد الرحمن قدح، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، السنة: التاسعة والعشرون – العدد (107) – (1418/1419هـ)، ص 236].

ولقد أثبت الدكتور إياد يونس في بحث له بعنوان (أصل تسمية الفينيقيين) أنّ "كثيراَ من المؤرخين يذكرون أن الفينيقيين نزحوا من شبه الجزيرة العربية، واستقروا في السهول المنخفضة على سواحل بلاد الشام، سورية ولبنان وفلسطين، بينما استقر الكنعانيون في الداخل". رابط البحث:

https://www.kawalees.net/?p=95794

وقال محسن الخزندار: "ويقول الدكتور أحمد سوسة في كتابه “العرب واليهود في التاريخ“: «ومن الثابت أن سكان فلسطين الأصليين القدماء قد كانوا كلهم عرباً هاجروا من جزيرة العرب إثر الجفاف الذي حلَّ بها، فعاشوا في وطنهم الجديد “كنعان“ أكثر من ألفي عام قبل ظهور النبي موسى وأتباعه على مسرح الأحداث، وقد أخذ الموسويون بعد ظهورهم في أرض كنعان بلغة الكنعانيين وثقافتهم وحضارتهم وتقاليدهم، هذه حقيقة تاريخية ثابتة، أيدتها المكتشفات الأثرية الأخيرة وأخذ بها العلماء بالإجماع تقريباً، إلاَّ أن أكثر الكتاب العرب الذين كتبوا في تاريخ حضارة العرب لم يتناولوا هذا الدور في بحوثهم إلاَّ عرَضاً، ولعل مَرَدّ ذلك إلى اصطباغ مصادره بصبغة اختصاصية تنحصر بالبحوث الآثارية.

لذلك انحصرت بحوثهم في عصور الجاهلية على الأكثر فتركوا بذلك فراغاً في تاريخ فترة ما قبل عهد النبي موسى في الأدب العربي، وهي الفترة التي عدَّها اليهود بداية تاريخهم من غير أي سند علمي أو واقع تاريخي، وقد جاراهم في ذلك حتى الكُتاب العرب معتمدين على الكتابات اليهودية والأجنبية التي قبلوها على علاَّتها من غير تمحيص».

ويقول المؤرخ مصطفى الدباغ في الجزء الأول من موسوعته الضخمة “بلادنا فلسطين“: «إن هؤلاء الساميين هم جميعاً طبقات متتابعة من العرب وإن اختلفت أسماؤهم، وإنّ بلادَهم جزيرةَ العربِ ظلت منذ العصور المتناهية في القدم خاصةً بهم، وما دراستُنا لتاريخهم إلاَّ دراسةٌ لتاريخ بعض الأقوام العربية البائدة، ويرى عدد من ثقات المؤرخين الأوروبيين أن العرب والساميين شيء واحد وقال سْبرنْغر أن جميع الساميين عرب»". [مقال للكاتب نُشِر بعنوان (من كتاب اليهودية في العراء بين الوهم والحقيقة) بموقع ”رابطة أدباء الشام“].

(*) محسن الخزندار: كاتب وشاعر فلسطيني.

وجاء في بحث بعنوان «حقائق تاريخية عن اليهود والصهيونية وإسرائيل»، نشرته وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية بمجلة (دعوة الحق) – العدد 44 –، ما يأتي: "يقول البروفسور آلبريت Prof. W. F. Albrigt أحد كبار الثقات العالميين في تاريخ فلسطين القديم، في كتابه العلمي: Arehacology of Palestine – 1949  «أنه ليس في فلسطين أية أثار يهودية يرجع تاريخها إلى ما قبل العهد الروماني الانطوني»..

وهو ينص في وضوح لا يحتمل اللبس أو الشك على إثبات هذه الحقيقة فيقول: «كان كثير من العلماء يعتقدون قبل أن يبسط (كهل Kohl) و(ووتزنجر Watzinger) ومن بعدهما (سوكينيك Sukenik) نتائج أبحاثهم أن بعض الكنائس الخربة في الجليل ترجع إلى عهد المسيح، قبل الثورة الأولى.. أما اليوم فلم يبق أي ريب في أن هذه النظرية كانت خاطئة، وأنه ما من أثر باق في فلسطين يرقى إلى ما قبل العهد الانطوني على أبعد تقدير..»

ويزعم الصهاينة.. والصهاينة وحدهم اليوم.. أن ما يسمى (بحائط المبكى) في مدينة القدس القديمة.. هو بقية من هيكل سليمان.. وهو زعم لا تدعمه الأسانيد التاريخية، فإنه من الثابت علميا عند علماء الآثار أن ذلك الجدار هو الهيكل الذي بناه حوالي سنة 20 قبل الميلاد هيرودوس الكبير الأدومي.. الملك الذي اعتنق الديانة اليهودية رغم أنف اليهود ورغم معارضتهم الدامية له وقتئذ.. ويؤكد البروفسور ألبريت أن اعتناق هيرودوس الكبير لليهودية (إنما كان لأغراض سياسية).

وهيرودوس الكبير نفسه هو ذلك الملك المُتهوّد الضعيف المعروف بفجوره.. الذي هام حبا بابنة زوجته وربيبته الفتاة اليهودية الفاتنة (سالومي) هياما جعله لا يتورع عن ذبح نبي الله يحي بن زكريا أو (يوحنا المعمدان) إكراما لليلة شهوانية حمراء يقضيها بين أحضان هذه الشيطانة الساحرة.. والتمتع بجسمها اللعوب.. ورقصاتها النارية السبعة..

ويقول رينان في مقال نشره بالجريدة الأسيوية سنة 1882: «يستفاد من أعمال الرسل الفصل 2-9، أن اللغة العربية كانت في حياة المسيح من جملة اللغات المتداولة في القدس».

وكان ذلك في نهاية حكم هيرودوس الكبير المذكور.. وكان هيرودوس ملك إسرائيل يقيم في عاصمته (سبسطية) السامرة اليوم.. التي كان الإمبراطور الروماني أغسطس قيصر قد أهداها له في سنة 20 قبل الميلاد.. وكان قد بناها من قبل (عمري) ملك إسرائيل واتخذها عاصمة له.. ويعتقد البعض أن سبسطية هذه هي المكان الذي دفن فيه سيدنا يحي عليه السلام.. بعد ذبحه.. وهي تبعد مسافة 27 كيلومترا إلى الشمال من القدس قرب مدينة نابلس الحالية (وأصل اسمها محرف من اسمها الروماني القديم (فلافياثيابوليس- أي المدينة الجديدة).

وليس أدل على عروبة فلسطين منذ القدم أن أول الأسوار العديدة التي أقيمت حول القدس كان اليبوسيون هم أول من فكر في تسويرها به. وبنوه فعلا حولها سنة 2500 قبل الميلاد، ولم تزل بقاياه قائمة حتى اليوم في مكانه بالقدس شاهدا على ذلك.. واليبوسييون كما سبق أن بينتُ هم سكانها الأوائل من بطون الكنعانيين العرب الذين سكنوا فلسطين منذ فجر التاريخ.. وحكموها قبل أن يولد إبراهيم نفسه.. أبو الأنبياء". رابط البحث:  https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/1008

(*) (دعوة الحق) مجلة شهرية تُعْنَى بالدراسات الإسلامية وبشؤون الثقافة والفكر، أُسِّسَتْ سنة 1957.

 

تعقيب: جريمة تهويد الآثار الفلسطينية العربية:

 ولأنه لا يوجد في فلسطين أيُّ آثار يهودية يرجع تاريخها إلى ما قبل العهد الروماني الأنطوني؛ فإن الصهيونية العالمية قامت بعدة محاولات لتهويد الآثار الفلسطينية العربية، قال الكاتب والباحث فلسطيني نبيل السهلي: "وقد اهتمت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 بالآثار الفلسطينية الدالة على عروبة فلسطين وهُوِيَّتها الحقيقية. وقد تم تشكيل لجان من علماء الآثار الإسرائيليين بُغية البحث الأركيولوجي في كافة أماكن فلسطين التي أنشئت عليها إسرائيل في الخامس عشر من أيار/ مايو من عام 1948، وكان الهدف من وراء ذلك تزوير التاريخ عبر تزوير الآثار الفلسطينية وإعطاء صبغة يهودية لها. ولم تسلم الأوابد التاريخية في المدن الفلسطينية الرئيسية، مثل عكا ويافا والقدس وطبريا، من الإجراءات الإسرائيلية لجهة تهويدها عبر تزوير الكتابات على جدران تلك الأوابد.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل حاولت إسرائيل عبر مؤسساتها المختلفة تهويد الأزياء الفلسطينية، سواء تلك المتعلقة بلباس المرأة أو الرجل، من خلال عمليات سرقة وتزوير ممنهجة".‏ [انظر مقالاً للكاتب بعنوان «إسرائيل وتزوير التاريخ الفلسطيني»، نُشِر بتاريخ: 5 نوفمبر 2019]

رابط المقال: https://arabi21.com/story/1220473

 

وقفة: وشهد شاهد من أهلها:

الشاهد الأول: لقد اعترف أحدُ مؤسسي وزعيمي الحركة التصحيحية الصهيونية بأن الفلسطينيين هم السكان الأصليون.

قال نواف الزرو: «فالصهيوني زئيف جابونسكي، كان قد خاطب الطلاب اليهود في فيينا بالقول بأن ”التوراة والسيف أنزلا علينا من السماء معاً“، مؤكداً في موضع آخر ”أن الاستعمار الصهيوني سيتحقق رغم إرادة السكان الأصليين، وأن سياسة الجدار الحديدي الذي سيقاوم ضغط هؤلاء السكان، هي سياستنا الشاملة تجاه العرب”». [مقال للكاتب نُشِر بعنوان (وثيقة: فلسفة الارهاب والعنصرية الصهيونية: نصوص توراتية وسياسية)، في موقع “مركز الناطور للدراسات والأبحاث“، بتاريخ: 11-9-2023].

(*) جابوتنسكي، زئيف فلاديمير، قيادي في الحركة الصهيونية، ولد سنة 1880 في أوديسا – روسيا. مؤسس وزعيم الحركة التصحيحية الصهيونية. توصل إلى قناعة بأن مصير الصهيونية مرتبط إلى حدّ كبير بمسألة (تحرير فلسطين من أيدي الأتراك).

(*) نواف الزرو: عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو نقابة الصحفيين الأردنيين، وكاتب ومحلل سياسي في صحيفة الدستور الأردنية وبعض الصحف العربية، ومحرر الشؤون الفلسطينية والاسرائيلية في صحيفة صوت الشعب الأردنية بين عامي 1982 و 1990، ورئيس القسم العبري والابحاث الفلسطينية الإسرائيلية.

الشاهد الثاني: لقد اعترف أحدُ المؤرخين الإسرائيليين الكبار بتزوير الصهاينة للتاريخ، لإنكار حق الفلسطينيين في أرضهم، قال عثمان أمكور: "يرى إيلان بابيه (Ilan Pappé) المؤرخ الإسرائيلي الكبير، وأحد أبرز منتقدي السياسات العنصرية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، أن فهم جوهر الصراعات يكمنُ في التاريخ؛ لأنه يوفر الفهم الحقيقي غير المتحيز للماضي، كما أن فهم التاريخ بشكل سليم كفيل بتحقيق السلام، في المقابل، فإن تشويه التاريخ أو التلاعب به يؤزِّم المشهد ويجعله أكثر تعقيدا وبعيدا عن الحل، وهو أمر متجسدٌ بشكل كبير في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي اليوم، فانتشار المغالطات التاريخية المرتبطة بالقضية الفلسطينية يجعل المنطقة بعيدة عن السلام، في حين أن تشويه التاريخ يشجع على انتشار الاضطهاد، ويحمي نظام إسرائيل الذي يصفه بابيه بالاستعماري والاستيطاني، لذلك تحافظ إسرائيل على تشويه التاريخ بُغية التضليل، وهو ما يؤدي دورا مهما في إدامة الصراع، ويترك القليل من الأمل لإقامة السلام.

في هذا السياق، يرى بابيه أن هناك عشرَ أساطير محورية حول القضية الفلسطينية تسعى إسرائيل للترويج لها، هذه المغالطات المبنية على تشويه حقائق الماضي والحاضر تمنعنا من فهم أصول الصراع الدائر، وهو ما يتيح استمرار إراقة الدماء من طرف الجانب الإسرائيلي الذي ينتهكُ حرمة كلِّ المواثيق الدولية الرامية للدفاع عن السكان المدنيين.

يرى بابيه أن السَّرْدِيةَ التاريخية الصهيونية حول كيفية تحويل الأرض الفلسطينية إلى أراض لدولة إسرائيل قائمة على هذه الأساطير العشر، ومنها بَثُّ الشك حول حق الفلسطينيين الأخلاقي في أرضهم، وهو ما تقبله كثير من الأحيان وسائل الإعلام الغربية وتسهم في ترويجه بين النخب السياسية، فضلا عن سعي دولة الاحتلال من خلال هذه الأساطير لتبرير إجراءاتها ضد المدنيين الفلسطينيين على مدار أكثر من 60 عاما. يؤكد بابيه أيضا أن القبول الضمني لهذه الأساطير يعكس عدم رغبة الحكومات الغربية في التدخل بأي طريقة ذات مغزى في الصراع المستمر منذ عقود.

حول هذه الأفكار، قدم إيلان بابيه كتابه "عشر أساطير حول إسرائيل (TEN MYTHS ABOUT ISRAEL)" الصادر عن دار نشر "فيرسو (Verso)" سنة 2017 من أجل إظهار تهافت الدعاية اليهودية التي تُجْحِفُ الفلسطينيين حقهم في أرضهم، ودَحْضِها من خلال فحص دقيق للسياق التاريخي، وذلك عبر دراسة كل أسطورة على حدة والنظر إلى مدى تناغمها مع وقائع التاريخ الحقيقية، وتقديم الحجج المضادة لها التي تتوافق مع المنطق والوقائع التاريخية بشكل منهجي ومنضبط". [مقال بعنوان «أساطير إسرائيل العشر.. حوار ميدان مع المؤرخ إيلان بابيه»، نُشِر بموقع الجزيرة نت، بتاريخ: 2021/7/21]. 

(*) المؤرخ إيلان بابيه، أستاذ بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكسيتر بالمملكة المتحدة، ومدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية بالجامعة، والمدير المشارك لمركز إكسيتر للدراسات العرقية والسياسية، وصاحب كتب أخرى مهمة، من بينها "التطهير العرقي في فلسطين (The Ethnic Cleansing of Palestine)" الصادر سنة 2006.

 

ثانياً – القرآنُ الكريمُ يشهد أنّ فلسطينَ لا ينبغي أنْ تكونَ مُلْكاً لليهود.

أ) قال تعالى: ﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِیكُمۡ أَنۢبِیَاۤءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكࣰا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ یُؤۡتِ أَحَدࣰا مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ. یَـٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُوا۟ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِی كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّوا۟ عَلَىٰۤ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُوا۟ خَـٰسِرِینَ. قَالُوا۟ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّ فِیهَا قَوۡمࣰا جَبَّارِینَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ یَخۡرُجُوا۟ مِنۡهَا فَإِن یَخۡرُجُوا۟ مِنۡهَا فَإِنَّا دَ ٰ⁠خِلُونَ. قَالَ رَجُلَانِ مِنَ ٱلَّذِینَ یَخَافُونَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمَا ٱدۡخُلُوا۟ عَلَیۡهِمُ ٱلۡبَابَ فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَـٰلِبُونَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤا۟ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ. قَالُوا۟ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَاۤ أَبَدࣰا مَّا دَامُوا۟ فِیهَا فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَـٰتِلَاۤ إِنَّا هَـٰهُنَا قَـٰعِدُونَ. قَالَ رَبِّ إِنِّی لَاۤ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِی وَأَخِیۖ فَٱفۡرُقۡ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِینَ. قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَیۡهِمۡۛ أَرۡبَعِینَ سَنَةࣰۛ یَتِیهُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِینَ﴾ [المائدة 20-26].

قال الشيخُ طنطاوي (ت 1431 هـ) في تفسيره «الوسيط في تفسير القرآن الكريم»: "للمفسرين أقوالٌ في المراد من الكتابة في قوله – تعالى – {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، أشهرُها قولان: أولهما: أن معنى {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} أمركم بدخولها، وفرضه عليكم كما أمركم بالصلاة والزكاة، فالكَتْبُ هنا مثله في قوله – تعالى – {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ}، أي: فُرِض عليكم، وهذا قول قتادة والسدي. والثاني: أن معنى {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قدّرها لكم وقضى أن تكون مساكن لكم دون الجبارين. وهذا القضاء مشروط بالإِيمان، وطاعة الأنبياء، والجهاد في سبيل نصرة الحق، فإذا لم يكونوا كذلك – وهم لم يكونوا كذلك فعلا – لم يتحقق لهم التمكين في الأرض المقدسة؛ ولذا بعد أن أغراهم نبيهم موسى – عليه السلام – بدخولها، حذّرهم من الجبن والعصيان، فقال لهم: {وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}. قال الآلوسي: "وترتيب الخيبة والخسران على الارتداد يدل على اشتراط الكَتْبِ بالمجاهدة المترتبة على الإيمان قطعاً". وقال ابن عباس: "كانت هبةً من الله لهم؛ ثم حرّمها – سبحانه – عليهم بشؤم تمردهم وعصيانهم". وقال الفخر الرازى: "إن الوعد بقوله {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} مشروط بقيد الطاعة، فلما لم يوجد الشرط لا جَرَمَ لمْ يوجدِ المشروط".

والخلاصة: أن الكتابة في قوله – تعالى – {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} إمّا أن تكون تكليفي، على معنى أن الله – تعالى – كتب عليكم وفرض أن تدخلوها مجاهدين مطيعين لنبيكم، فإذا خالفتم ذلك حقت عليكم العقوبة. وإمّا أن تكون كتابة قدرية، أي: قضى وقدّر – سبحانه – أن تكون لكم متى آمنتم وأطعتم. وبنو إسرائيل ما آمنوا وما أطاعوا، بل كفروا وعصوا فحرمها – سبحانه – عليهم. وبذلك ترى أن دعوى اليهود بأن الأرض المقدسة ملك لهم، بدليل قوله – تعالى – {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} لا أساس لها من الصحة ولا يشهد لها عقل أو نقل".

وقال الدكتور دروزة محمد عزت في تفسيره «التفسير الحديث»: "احتوت الآيات تذكيراً بموقف بني إسرائيل من موسى عليه السلام، حينما أخرجهم من مصر، وأرادهم على الدخول إلى الأرض المقدسة. وما كان من جبنهم وخوفهم من قوة سكانها وجبروتهم. وما كان من دعوة موسى عليهم. وقضاء الله عليهم بالتيه أربعين سنة. ووصفهم بالفاسقين. وعبارتها واضحة...

ولقد وقفوا [أي: المفسرون] عند كلمة {الْمُقَدَّسَةَ} فرَوْوا عن أهل التأويل أنها بمعنى المباركة أو المطهرة من الشرك، أو أن الله قدّسها وباركها؛ لأن حكمته شاءت أن تكون مهبط وحيه ومخرج أنبيائه. وأنها جميع بلاد الشام أو منطقة الطور. أو فلسطين والأردن.

وتأويل المقدسة بالمباركة متسق مع نصوص القرآن حيث جاء في آية سورة الأعراف جملة {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها} (الآية 173) وفي الآية الأولى من سورة الإسراء {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ} وفي آية سورة الأنبياء {وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها} (الآية 71). ونصُّ آية الإسراء بخاصة يفيد أن المقصود هو أرض فلسطين التي كان المسجد الأقصى فيها كما هو المتبادر.. ولقد نعتت هذه الأرض في الأسفار المتداولة بأرض كنعان، نسبةً إلى القوم الذين كانوا يعمرونها كما جاء ذلك في الإصحاح (12) من سِفْر التكوين في سياق ذكر هجرة إبراهيم وامرأته ولوط ابن أخيه. ثم ذكرت بهذا النعت مرارا في هذا السِّفْر وفي الأسفار الأخرى، وفي سِفْر التكوين خبر تجلّي الله لإبراهيم ووعْدُه له بأن تكون هذه الأرض ثم بلاد أخرى بعدها لنسله. ثم تجلّي الله لإسحاق ويعقوب وتوكيد وعْدِه لهما. ويتخذ اليهود عبارات أسفارهم سندا لدعواهم في ملك فلسطين وما حولها شمالا وشرقا وجنوبا حتى تصل هذه الدعوى من (النيل إلى الفرات) أبدِيّا ويتخذون عبارات القرآن وبخاصة في هذه الآيات وآية الأعراف (الآية 137) وسيلة إلى إقناع المسلمين بذلك.

والأسفار التي يستندون إليها كُتِبتْ متأخرة عن موسى فضْلاً عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب الذين سبقوا موسى بمئات السنين، وتأثرت بالأحداث التي جرت لبني إسرائيل والتي تملّكوا نتيجة لها أرض كنعان وبعض أنحاء مما جاورها شرقا وشمالا على ما ذكرناه في سياق تعليقنا على كلمة التوراة في سورة الأعراف. ولم تخلص لهم قَطُّ، وظل سكانها الأولون يسكنون معهم؛ ثم بعْدُ تشردوا عنها عن أنحاء الأرض كما هو مسجّل في أسفارهم. بحيث يصحّ القولُ – بجزم – إن تلك الدعوى لم تتحقق لهم في أي وقت ليكون لهم حقّ استئنافها. فضلا عن أن ذلك التملك كان بالقوة وإراقة الدماء ونهب الأموال ولا يمكن أن يكون العدوان مانحا لأي حق. وهذا إذا قصُر الكلامُ على وِجْهة نظرهم. وبالنسبة للنصوص القرآنية فإن وجهة نظر المُؤولين والمفسرين هي أن ما ورد في الآيات التي نحن في صددها وفي آية الأعراف لا يفيد تأبيدا ولا استمرار، وأنه بمثابة إيذان لموقف رباني إزاءهم مقابل موقف لهم. وبالنسبة لما مضى من الزمن والظروف وحسب. وقد تغير موقفهم بموقف الله منهم كما حكت ذلك آيات كثيرة على ما ذكرناه في تعليقنا على آية سورة الأعراف المذكورة، ونصُّ هذه الآية يفيد أن الله أورثهم الأرض بما صبروا. ولقد حكت أسفارُهم إنذاراتٍ ربانيةً رهيبةً لهم إذا انحرفوا عن حدود الله، بالتدمير والتحطيم وسلب كل ما منهم، وتشتيتهم في الأرض وتسليط الأمم والطبيعة عليهم. ولقد انحرفوا عن وصايا الله وحدوده. على ما ذكرته آيات القرآن وأسفارهم معا (*)، ففقدوا منحة الله وذلك السند القرآني. وحَقَّ عليهم الشتات والدمار والذلة والمسكنة وتسليطُ الله عليهم مَنْ يسومُهم سوءَ العذاب إلى يوم القيامة، مما سجلته آيات القرآن وأسفارهم معا. وشرحناه في تعليقنا على آية الأعراف المذكورة بما يُغْنِي عن التكرار، إلَّا أنْ نقول إنّ عباراتِ الآيات هنا هي حكايةٌ لقصةٍ وردت في الأسفار المتداولة في أيدي اليهود. بقصد العبرة والموعظة (**). وأن من الواجب على المسلمين أن ينتبهوا إلى تضليل اليهود ودعاياتهم الكاذبة ويحذروها.

وأن يعتقدوا أن ذلك الوعد القرآني قد مضى وانقضى، وأنّ ما كتبه الله عليهم من ذلة ومسكنة وغضب وعذاب هو حقّ ومانع لكل إمكان لخلافه. وأن ما قد تيسّر لهم من نجاح في فلسطين في الوقت الحاضر هو عابِر لامتحانِ المسلمين وحسب، وأن الله محقق وعده وتقريره فيهم". [التفسير الحديث، دروزة محمد عزت، دار إحياء الكتب العربية - القاهرة، الطبعة: 1383 هـ، ج9 ص89 وما بعدها].

 (*) انظر: الإصحاح 26 من سِفْر الأحبار واقرأ أسفار القضاة والملوك وأخبار الأيام وارميا وحزقيال، وانظر كتابنا تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم وبخاصة – 82- 95 و 135- 195 و 272- 317 وآيات البقرة [40- 146] وآل عمران [71- 120] والنساء [43- 56] والأعراف: [162- 169]

 (**) انظر الإصحاحات 14 و 15 من سفر العدد.

وقال الشيخُ محمد متولي الشعراوي (ت 1418هـ) في تفسيره: "والحق سبحانه وتعالى – في آياتِ سورة المائدة التي نحن بصدد خواطرنا عنها – يأتي بلقطة عن بلاغِهِ لسيدنا موسى بعد خروجه مع قومه من مصر، فقال: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 21].

وقلنا إن الكتابة هنا تشريعية وليست كونية، فلو كان الأمر كونياً لدخلوا الأرض المقدسة بدون عَقَبات وبدون صراع وبدون قتال.

والدليل على أن الكتابة تشريعية هو قوله الحق: {وَلاَ تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}، أي: أنكم إن ارتددتم على أدباركم انقلبتم خاسرين. فإن أطعتم الله ودخلتم الأرض دون إدبار، فستدخلون الأرض، وإن لم تفعلوا فلن تدخلوها. إذن ليست كتابة الأرض هنا كونية، ولكنها تشريعية". [تفسير الشعراوي – الخواطر، الناشر: مطابع أخبار اليوم، ج: 5  ص 3056 – 3057].

ب) قال تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَاۤبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ. ٱلَّذِینَ عَـٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ ثُمَّ یَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِی كُلِّ مَرَّةࣲ وَهُمۡ لَا یَتَّقُونَ. فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ یَذَّكَّرُونَ﴾ [الأنفال 55-57].

لقد وصف الحقُّ تعالى اليهودَ الَّذِينَ حَتَّمَ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم لا يُؤْمِنُونَ بأنهم شَرُّ ٱلدَّوَاۤبِّ عِندَه؛ لأنهم جمعوا بين الكفر، والإصرار عليه، ونَكْثِ العهود. وشَرُّ ٱلدَّوَابِّ عند اللهِ لا يستحقون نيْلَ شَرف مِلْكية الأرض المُقَدَّسَة!

قال ابن عطية (546 هـ) في تفسيره «المحرر الوجيز»: "وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ شَرَّ الدَوابِّ﴾ إلى ﴿يَتَّقُونَ﴾، المَعْنى المَقْصُودُ تَفْضِيلُ الدَوابِّ الذَمِيمَةِ كالخِنْزِيرِ والكَلْبِ العَقُورِ عَلى الكافِرِينَ الَّذِينَ حَتَّمَ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم لا يُؤْمِنُونَ، وهَذا الَّذِي يَقْتَضِيهِ اللَفْظُ، وأمّا الكافِرُ الَّذِي يُؤْمِنُ فِيما يَسْتَأْنِفُهُ مِن عُمْرِهِ فَلَيْسَ بَشَرِّ الدَوابِّ...

وأجْمَعَ المُتَأوِّلُونَ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في بَنِي قُرَيْظَةَ، وهي بَعْدُ تَعُمُّ كُلَّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِفَةِ إلى يَوْمِ القيامة".

وقال الإمامُ البيضاوي (685 هـ) في تفسيره «أنوار التنزيل وأسرار التأويل»: "﴿إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أصَرُّوا عَلى الكُفْرِ ورَسَخُوا فِيهِ. ﴿فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ فَلا يُتَوَقَّعُ مِنهم إيمانٌ، ولَعَلَّهُ إخْبارٌ عَنْ قَوْمٍ مَطْبُوعِينَ عَلى الكَفْرِ بِأنَّهم لا يُؤْمِنُونَ، والفاءُ لِلْعَطْفِ والتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ تَحَقُّقَ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ يَسْتَدْعِي تَحَقُّقَ المَعْطُوفِ، وقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنهم ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهم في كُلِّ مَرَّةٍ﴾ بَدَلٌ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَدَلَ البَعْضِ لِلْبَيانِ والتَّخْصِيصِ، وهم يَهُودُ قُرَيْظَةَ عاهَدَهُم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ لا يُمالِئُوا عَلَيْهِ فَأعانُوا المُشْرِكِينَ بِالسِّلاحِ وقالُوا: نَسِينا ثُمَّ عاهَدَهم فَنَكَثُوا ومالَؤُوهم عَلَيْهِ يَوْمَ الخَنْدَقِ، ورَكِبَ كَعْبُ بْنُ الأشْرَفِ إلى مَكَّةَ فَحالَفَهم. ومِن لِتَضْمِينِ المُعاهَدَةِ مَعْنى الأخْذِ والمُرادُ بِالمَرَّةِ مَرَّةُ المُعاهَدَةِ أوِ المُحارَبَةِ.

﴿وَهم لا يَتَّقُونَ﴾ سُبَّةُ الغَدْرِ ومَغَبَّتُهُ، أوْ لا يَتَّقُونَ اللَّهَ فِيهِ أوْ نَصْرَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وتَسْلِيطَهُ إيّاهم عَلَيْهِمْ".

وقال الإمامُ النسفي (710 هـ) في تفسيره «مدارك التنزيل وحقائق التأويل»: "﴿الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنهُمْ﴾ بَدَلٌ مِن " الَّذِينَ كَفَرُوا " أيِ: الَّذِينَ عاهَدْتَهم مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وجَعَلَهم شَرَّ الدَوابِّ، لِأنَّ شَرَّ الناسِ الكُفّارُ، وشَرَّ الكُفّارِ المُصِرُّونَ، وشَرَّ المُصِرِّينَ الناكِثُونَ لِلْعُهُودِ. ﴿ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهم في كُلِّ مَرَّةٍ﴾ في كُلِّ مُعاهَدَةٍ ﴿وَهم لا يَتَّقُونَ﴾ لا يَخافُونَ عاقِبَةَ الغَدْرِ، ولا يُبالُونَ بِما فِيهِ مِنَ العارِ، والنارِ".

 

ثالثاً – متى بدأ الفتح الإسلامي لفلسطين؟

قال الأستاذ الدكتور مَحْمُود عبد الرَّحْمَن قدح: "بَدَأَ الْفَتْح الإسلامي لهَذِهِ الْبِلَاد مُنْذُ عهد النَّبِي ﷺ الَّذِي سيّر جَيْشًا سنة ثَمَان من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة إِلَى (مُؤْتَة) لمقاتلة الرّوم، ثمَّ كَانَت غَزْوَة تَبُوك سنة تسع من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة، وَفِي آخر عَهده ﷺ جهّز جَيش أُسَامَة بن زيد رَضِي الله عَنهُ إِلَى تخوم البلقاء من الشَّام، وَقد سيّر الصّديق رَضِي الله عَنهُ ذَلِك الْجَيْش بعد وَفَاة النَّبِي ﷺ. وَفِي عهد الْخَلِيفَة الصّديق رَضِي الله عَنهُ كَانَت موقعة (أجنادين) الَّتِي نصر الله فِيهَا جَيش الْمُسلمين بقيادة خَالِد بْن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ ونتج عَنْهَا فتح عدَّة مدن بفلسطين مِنْهَا: نابلس وعسقلان وغزة والرملة وعكا وَغَيرهَا، وَبِهَذَا مُهّد الطَّرِيق للزحف إِلَى بَيت الْمقدس، ودعم ذَلِك موقعة (اليرموك) الَّتِي انتصر فِيهَا الْمُسلمُونَ.

وَفِي عهد الْخَلِيفَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وجّه جَيْشًا بقيادة أبي عُبَيْدَة بْن الْجراح رَضِي الله عَنهُ لفتح بَيت الْمقدس الَّتِي حاصرها مُدَّة أَرْبَعَة أشهر حَتَّى طلب أَهلُهَا الصُّلْح واشترطوا أَن يتَوَلَّى الْخَلِيفَةُ عمرُ بِنَفسِهِ استلام الْمَدِينَة، وَهَكَذَا كَانَ، فجَاء عمر رَضِي الله عَنهُ وَكتب لَهُم وَثِيقَة الْأمان وَبنى مَسْجده فِي بَيت الْمقدس.

وَبِهَذَا الْفَتْح أصبح بَيت الْمقدس مُنْذُ شهر رَجَب سنة 16 هجرية دَار إِسْلَام يجب على الْمُسلمين فِيهَا إِظْهَار أَحْكَام الْإِسْلَام وشعائره والدفاع عَنْهَا، وَإِذا مَا استولى الْكفَّار عَلَيْهَا وأصبحت (دَار الْإِسْلَام المحتلة أَو المغتصبة) فَإِنَّهُ يتَعَيَّن على الْمُسلمين المقيمين فِيهَا الْجِهَاد لاسترداد حَقهم وأراضيهم من الْكَفَرَة المغتصبين، كَمَا يتَعَيَّن على الْمُسلمين المجاورين لَهَا الْقيام بِالْجِهَادِ مَعَ أَهلهَا كَمَا فعل الْملك صَلَاح الدّين الأيوبي رَحمَه الله تَعَالَى حينما استردها من الصليبيين الْكَفَرَة وأعادها إِلَى الْمُسلمين". [موجز تاريخ اليهود والرد على بعض مزاعمهم الباطلة، محمود بن عبد الرحمن قدح، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، السنة: التاسعة والعشرون – العدد (107) – (1418/1419هـ)، ص 236-237].

 

وكتبه: أ. عبد المجيد فاضل/ بتاريخ: الجمعة 29 جمادى الآخرة 1445 هـ – 12 ديسمبر 2023 م

 

  • الاربعاء PM 04:51
    2024-01-17
  • 514
Powered by: GateGold