المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417534
يتصفح الموقع حاليا : 245

البحث

البحث

عرض المادة

تهويد القدس

القـــــدس: تهـــويدها
Jerusalem: Judaization
«التهويد» هو عملية نزع الطابع الإسلامي والمسيحي عن القدس وفرض الطابع الذي يُسمَّى «يهودياً» عليها. وتهويد القدس جزء من عملية تهويد فلسطين ككل، ابتداءً من تغيير اسمها إلى «إرتس يسرائيل»، مروراً بتزييف تاريخها، وانتهاءً بهدم القرى العربية وإقامة المستوطنات ودعوة اليهود للاستيطان في فلسطين).


وقد بدأت عملية التهويد منذ عام 1948، وزادت حدتها واتسع نطاقها منذ يونيه 1967. وقد ارتكزت السياسة الإسرائيلية على محاولة تغيير طابع المدينة السكاني والمعماري بشكل بنيوي فاستولت السلطات الإسرائيلية على معظم الأبنية الكبيرة في المدينة واتبعت أسلوب نسف المنشآت وإزالتها لتحل محلها أخرى يهودية، كما قامت بالاستيلاء على الأراضي التي يمتلكها عرب وطردهم وتوطين صهاينة بدلاً منهم.

وقد أعلن بن جوريون في مجلس الشعب المؤقت (الكنيست فيما بعد) يوم 24 يونية 1948 أن مسألة إلحاق القدس بإسرائيل ليست موضع نقاش، فما يُناقش هو كيفية تحقيق هذا الهدف. وقد أُعلنت القدس عاصمة لإسرائيل في 23 يناير 1950.

وقد قامت السلطات الإسرائيلية بنقل وزاراتها إلى القدس (الغربية) وأنفقت موازنات كبيرة على تطويرها. وبعد أن كان المستوطنون الصهاينة لا يملكون سوى 18% فقط من الأرض قبل عام 1948، أصبح الوجود العربي في هذا الجزء لا يُذكَر وبخاصة مع طرد 30 ألف فلسطيني من القدس (الغربية) نفسها و40 ألف آخرين من القرى المجاورة التي دخلت غالبيتها فيما بعد في نطاق بلدية القدس.

وحينما نشبت حرب 1967 اجتاحت القوات الإسرائيلية المدينة بأكملها. وحينما ظهرت إمكانية صدور قرار عن مجلس الأمن يقضي بوقف إطلاق النار قبل تنفيذ خطة الاستيلاء على المدينة تقرر اقتحام المدينة القديمة، وتم الاستيلاء عليها في السابع من يونيه ودخل ديان إلى القدس ليُعلن أمام حائط المبكى: "لقد أعدنا توحيد المدينة المقدَّسة، وعدنا إلى أكثر أماكننا قداسة، عدنا ولن نبارحها أبداً".

وقد صدر في 26 يونيه 1967 قانون يسري بموجبه قانون الدولة وقضاؤها وإدارتها على القدس (ثم تكرَّست هذه السيطرة القانونية بقرار ضم مدينة القدس في 30 يوليه 1980، حين أقر الكنيست قانوناً أساسياً يعتبر القدس الكاملة والموحَّدة عاصمة لإسرائيل). ثم شرعت بعد ذلك في استكمال التهويد حيث هوَّدت القضاء النظامي والشرعي الإسلامي، ثم عملت على تهويد التعليم العربي من خلال إخضاعه لبرامج التعليم اليهودي. كما هوَّدت اللوائح والإجراءات والقوانين التي كانت تحكم الأوضاع المهنية والتجارية والاقتصادية. ثم استكمالاً لهذه العملية، قامت بتغيير أسماء الشوارع والطرق والساحات واستبدلتها بأسماء صهيونية.

ورغم أن القانون القاضي بضم القدس قد صدر بعد 18 يوم من احتلال المدينة، إلا أن عملية تغيير معالمها بدأت في اليوم التالي للحرب، حين قامت الجرافات الإسرائيلية بهدم 135 بيتاً يسكنها 650 شخصاً في حي المغاربة، وهدمت مسجدين في المنطقة نفسها و200 بيتاً ومخزناً كانت تقع في المنطقة الحرام. وفي الأيام المعدودة اللاحقة هدمت 38 بيتاً ضمنها 14 بيتاً من البيوت الأثرية التي تُعتبَر من معالم المدينة القديمة. وعلقت تميمة الباب (ميزوزاه) على أبواب القدس باعتبار أنها «بيت» اليهود.

وحتى يمكننا فهم عملية تهويد القدس يجب أن نراها لا باعتبارها عملية التهام عشوائية نهمة، وإنما باعتبارها مخططاً بارداً له أهدافه الواضحة ويُترجَم من خلال إجراءات محدَّدة. هذا المخطط يهدف إلى "تأسيس القدس الكبرى الموسعة، اليهودية الخالصة: كتلة استيطانية ضخمة تُمزِّق وإلى الأبد الوحدة الجغرافية للضفة الغربية" (كما ورد في إحدى وثائق حزب الليكود). ويستهدف هذا المخطط أن تكون القدس الكبرى عام 2000 بمنزلة متربو ليتان، تمتد غرباً باتجاه تل أبيب، وجنوباً باتجاه حلحول والخليل، وشمالاً إلى ما وراء رام الله، وحتى حدود أريحا شرقاً. وكل هذا يعني ضم حوالي 1250 كم (ثلاثة أرباعها من الضفة الغربية)، وأن تبلغ مساحة القدس الكبرى 21% من مساحة الضفة، بحيث يبلغ طول المدينة 45 كم وعرضها 25 كم.

ولتنفيذ هذا المخطط، قامت القوات الإسرائيلية ابتداءً بتشريد حوالي 60 ألف فلسطيني وأصبحت ممتلكاتهم وأراضيهم، وفقاً لقانون أملاك الغائبين، عُرضة لعمليات استيلاء متواصل عليها. وحرصت السلطات الإسرائيلية على استغلال القانون السابق وقانون الاستملاك للمصلحة العامة من أجل مصادرة الأراضي العربية التي لم يمكنها الاستيلاء عليها "بصورة قانونية" بدونهما.

واستولت السلطات الإسرائيلية على أراضي تُقدَّر في مجموعها بحوالي 40% من القدس المحتلة في 1967 وأقامت عليها مستعمرات ومستوطنات وأحياء ومصانع ليصل عدد اليهود في نهاية السبعينيات فيها إلى 19 ألف يهودي. كما صادرت أيضاً 6000 دونم لبناء وتوسيع أحياء عديدة مثل نافي يعقوف وراموت وإيست تيلبوت، وفي عام 1990 تمت مصادرة بضعة آلاف دونم لتوسيع أحياء قديمة وبناء مطار دولي. وفي عام 1995 استولت السلطات على 4400 دونم بهدف دعم الاستيطان، وهو ما كان نتنياهو يُعنى بتنفيذه. وإذا كان للفلسطينيين حسابياً في نهاية 1995 حوالي 21% من أراضي القدس فإن النسبة الفعلية بعد حذف المناطق الوعرة وخلافه تصل إلى 4% فقط من القدس. وقد بلغ مجموع سكان القدس عام 1993 حوالي 555 ألف نسمة منهم 155 ألف فلسطيني مقابل 400 ألفاً من الإسرائيليين. ورغم هذا لا يحصل الفلسطينيون إلا على 5% فقط من موازنة بلدية القدس.

وكانت السلطات الإسرائيلية تفرض قيوداً على بناء العرب لمساكنهم حيث لم تكن تسمح لهم إلا ببناء 56% فقط من الدونم في حين كان يُسمَح في المساحات المملوكة لغير العرب ببناء تزيد نسبته على 300%، حيث كانت تسمح ببناء أبنية شاهقة، أما المناطق العربية فكان معدل الارتفاع فيها لا يزيد عن طابقين أو ثلاثة. وفي السنوات الخمسة والعشرين التالية لحرب 1967 شكلت الوحدات السكنية الفلسطينية 12% من 72 ألف وحدة سكنية بُنيت في القدس الكبرى.

وقد شهدت عملية التهويد من ناحية الإسكان طفرة بعد مجىء رئيس الوزراء الليكودي بنيامين نتنياهو للحكم في إسرائيل. وكان أول ما شرعت فيه حكومته بعد توليها الحكم أن استكملت مشروع شارون القديم الذي يقوم على إقامة 26 بوابة حول القدس. وهو المشروع الذي كان قد وضعه إبان حكومة شامير الليكودية مستهدفاً به سد الفجوات الموجودة في الطوق الاستيطاني الإسرائيلي داخل الأحياء الفلسطينية، بإقامة تجمعات سكنية يتم من خلالها الدمج التام بين شرق المدينة وغربها وتحويل الأحياء العربية إلى جيتوات فقيرة معزولة، يتم تفتيتها إلى وحدات سكنية صغيرة جداً، كما كان يهدف المخطط إلى إنجاز تطويق القدس بالحزام الاستيطاني. وتقوم طريقة شارون في العمل الاستيطاني على ثنائية الأحزمة والبؤر لتطويق التجمعات الفلسطينية بالمستوطنات والأحياء اليهودية، ثم الاندفاع في تركيز هذه البؤر (التي لن تلبث حتى تتوسَّع) لتُفتت ما تبقَّى من تجمعات عربية.

ولم تَسلَم آثار المدينة من عملية التهويد التي سارت في مسارين متوازيين أولهما الاتجاه لتصفية الآثار الإسلامية بسبب طابعها الواضح، وهو ما تم أغلبه عن طريق الهدم والجرف أو تحت مسمَّى الكشف عن الجدار الغربي للحرم القدس وكذلك الحائط الجنوبي، حيث أُزيلت بعض الآثار لهذا الغرض وتصدَّعت أخرى بسبب الجهود نفسها.

ولقد استخدمت إسرائيل أساليب مختلفة لتحقيق هذا الهدف، آخرها حفريات بطول 400 متر، بزعم البحث عن قواعد الهيكل وإنشاء نفق طولي تحته يصل إلى بيت لحم بمحازاة السور الجنوبي للمسجد الأقصى. وتستخدم إسرائيل آليات ضخمة وأجهزة تحدث موجات اهتزازية عنيفة (بدلاً من الحفر اليدوي) بهدف تقويض دعائم المسجد. وعلى مستوى مواز تحرص إسرائيل على تهويد الآثار غير الإسلامية ونسبتها إلى ما تسميه «التاريخ اليهودى».

ومن أهم الآثار التي تعرضت لعملية تدمير، وكانت مُستهدَفة من قبَل الجرافات الإسرائيلية، المسجد الأقصى، حيث يبقى وجوده تعبيراً عن هوية وتاريخ وعقيدة. وبصرف النظر عن محاولات التسلل للمسجد أو المطالبة بفتحه لليهود لأداء صلواتهم دون قيد، فإن هناك محاولات جادة لتخريبه ومن ثم هدمه. فمحاولات الاقتحام وفتح النيران العديدة في المسجد أصابته بالعديد من التشققات والتصدعات، وقد تم إحباط العديد من محاولات المتطرفين تفجير المسجد بسبب ارتفاع التكلفة الساسية والأمنية لمثل هذه التصرفات، وكان أخطرها ما تم إحباطه في 27 يناير 1984 حيث حاولت جماعة مسلحة يهودية تسلق جدار الحرم القدسي من الناحية الشرقية لكن الحراس تنبَّهوا للأمر، وهو ما أدَّى إلى هروب المقتحمين مخلفين وراءهم كمية كبيرة من القنابل والمتفجرات. كما أن محاولات حرق المسجد الأقصى معروفة، وكان أبرزها الحريق الذي تم في 15 سبتمبر 1969 والذي أدانه قرار مجلس الأمن رقم 271. إلا أن أخطر خطط الهدم هي تلك الكشوف الأثرية المزعومة والتي لم تتوقف حتى مع صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 36/15 الصادر في 28 أكتوبر 1981 والذي يطالب إسرائيل بالكف عن هذا العبث. وتتطلع بعض العناصر الدينية الصهيونية إلى إعادة بناء الهيكل (ليحل محل المسجد الأقصى).

ويعيش بمدينة القدس حالياً 564 ألف نسمة منهم 413.7 يهودي (أي حوالي 10% من سكان إسرائيل اليهود) بنسبة 73.3% و150.6 ألف غير يهودي بنسبة 26.7% (يُلاحَظ أن تعداد القدس عام 1967 كان حوالي 266.300 نسمة، فزاد عدد اليهود بنسبة 99% ولم يزد عدد السكان غير اليهود عن 20%). وفي ظل التوسعات الصهيونية في المدينة فإن مساحتها أصبحت تعادل عُشر مساحة الضفة الغربية. وهذه الزيادة المشار إليها لم تأت نتيجة تكثيف تهجير اليهود أو ارتفاع معدلات الخصوبة بشكل كبير بين الجماعات اليهودية في إسرائيل، بل أتت من خلال محاولة التحكم العددي في السكان الفلسطينيين من خلال مجموعة من الآليات مثل التهجير والإخلاء والإرهاب، والتضييق عليهم في مستوى معيشتهم، ومن خلال التضييق في إصدار تراخيص البناء، كما أسلفنا.

وقد استطاعت إسرائيل في اتفاقها مع منظمة التحرير الفلسطينية (إعلان المبادئ الإسرائيلي الفلسطيني الصادر في 13 سبتمبر 1993) تأجيل بحث موضوع القدس إلى ما بعد عامين من الحكم الذاتي الفلسطيني أي حتى قبل يونيه 1996 (حيث كان المُفترض أن تبدأ المفاوضات النهائية في منتصف عام 1996) وذلك ضمن موضوعات مهمة أخرى (اللاجئين - السيادة - المستوطنات - المياه).

ومع هذا وافقت إسرائيل في تشرين الأول 1993 على الاعتراف بأن كل المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية، وكذلك الأماكن المقدَّسة لدى المسيحيين والمسلمين، تقوم بدور حيوي بالنسبة للمواطنين الفلسطينيين، واستناداً إلى ذلك تعهدت إسرائيل بعدم المساس بأنشطتها. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل مصطلح «القدس الشرقية» في إطار معناه الجغرافي والاجتماعي وفي إطاره السياسي أيضاً. وتقوم 13 مؤسسة فلسطينية مرتبطة بالسلطة الفلسطينية بممارسة أنشطتها المختلفة في القدس. ويُعَدُّ بيت الشرق أهم هذه المؤسسات، وقد بدأ العمل فيه منذ انعقاد مؤتمر مدريد في عام 1991، كمركز لقيادة الوفد الفلسطيني لمحادثات السلام، وكمفوضية سياسية غير رسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية في مجال العلاقات الخارجية. وتُجرى، في الأساس، في هذه الدائرة مراسم يُقصَد منها إظهار الهوية العربية للقدس الشرقية. وقد استلم فيصل الحسيني مهمة معالجة شئون القدس بتكليف من سلطة الحكم الذاتي، بمرتبة وزير غير رسمية، لتجاوز القرار الإسرائيلي الذي يحظر على السلطة الفلسطينية العمل من داخل حدود مدينة القدس، كذلك بدأ جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، في ممارسة نشاطاته في المدينة.

ورداً على النشاطات الفلسطينية داخل مدينة القدس أقر الكنيست الإسرائيلي في السادس والعشرين من ديسمبر 1994، قانوناً بمنع السلطة الفلسطينية من مزاولة نشاطاتها داخل أراضي إسرائيل، واستناداً إلى القانون نفسه في القدس أيضاً. وفي مايو 1995، أمرت إسرائيل بإخلاء جزء من المؤسسات الفلسطينية الموجودة في القدس. كذلك أسرعت في تنفيذ خطط إسكان مختلفة، مثل خطة الإسكان في جبل السور جنوبي المدينة.

ويُلاحَظ أن عمليات التهويد والتوسع أخذت في التسارع قبل حلول مناقشات الوضع النهائي التي كان من المفترض إجراؤها في منتصف عام 1996، بهدف تغيير وضع القدس من الناحية البنيوية. وكما قال أحد المسئولين الإسرائيليين: "سيستحيل على السيد عرفات أن يَزعُم أن القدس الشرقية عاصمته. قد ينجح في القيام بعمل رمزي، غير أن عمليات البناء التي قمنا بها ستجعل تقسيم المدينة من جديد أمراً مستحيلاً".

وقد جرت محاولة التباحث مع الطرف الفلسطيني بصورة غير رسمية لاختبار نياته، وهو ما كشفته الصحف الإسرائيلية أخيراً، وينص على إشراف فلسطيني على المسجد الأقصى والقبول بجعل ثلاث قرى من منطقة القدس هي أبو ديس والعيزرية والسلوان عاصمة للضفة الغربية وقطاع غزة التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية وطبقاً لمخطط العمل فإن هذه القرى الثلاث ستحمل اسم «القدس» أما بقية القدس الشرقية والغربية فستحمل اسم «أورشليم».

وفقد دخل نتنياهو في حلبة المزايدات، وتجلت هذه المزايدات في تزييف تاريخ القدس. وتحرك بمزيد من الإثارة في مسألة النفق ومنطقة رأس العامود التي هدف منها منع التواصل بين القرى الثلاث المذكورة والمسجد الأقصى.

  • السبت PM 06:50
    2021-04-17
  • 769
Powered by: GateGold