المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417552
يتصفح الموقع حاليا : 235

البحث

البحث

عرض المادة

أيزيــاه برلـين (1909- ) - ســيمون فـاي (1909-1943)

Isaiah Berlin
فيلسوف بريطاني يهودي، وُلد في لاتفيا وتعلم في لندن ثم في أكسفورد حيث قام بالعمل معظم حياته، وحصل على عدة شهادات دكتوراه فخرية من الجامعات الإسرائيلية.


من أهم مؤلفاته، السـيرة التي كتبها عن ماركـس، كارل ماركس: حياته وبيئته (1939) حيث درس فكره ووضعه في سياقه الفكري، و في الحتمية التاريخية (1953)، و أربع مقالات في الحرية (1969). وتدور كتاباته أساساً حول فكرة الحقيقة الثابتة العالمية وفكرة الحتمية، لا سـيما في كتابيه فيكو و هردر (1976)، و ضد التيار (1979).

ويميِّز برلين بين الرؤية التعددية للحرية والرؤية الأحادية، فالرؤية التعددية هي رؤية تقبل تعدد الطرق والوسائل التي تؤدي إلى الحرية، أما أصحاب الرؤية الأحادية فهم يرون أن ثمة طريقاً واحداً للحرية على الجميع أن يسلكوه. وكان برلين عضواً في جماعة من المفكرين والفلاسفة في أكسفورد اهتموا بالفلسفة اللغوية والتحليلية، ولكنه مع هذا لم يقبل قط رؤيتهم الضيقة للفلسفة. فالفلسفة بالنسبة له تهتم بالأسئلة الأساسية التي لا يمكن التوصل لإجابتها من خلال الملاحظة والأساليب الإمبريقية (التجريبية) في التحقق ولا من خلال مناهج المنطق الصوري. فهذه الأسئلة النهائية تخص المعرفة والعقيدة وطبيعة التاريخ والسياسة وسمات الإنسان في علاقته بالعالم. وهو يدرس هذه القضايا الأساسية من خلال بعض المقولات التفسيرية لا من خلال المناهج العلمية (أي أنه يحاول أن يسترجع بعض الثنائية المعرفية). وثمة تفرقة هنا بين ما أسماه برلين الرؤية الأحادية والرؤية التعددية. فالمفكر الأحادي يحاول أن يفرض على الظواهر الاجتماعية تفسيراً علمياً واحدياً بحيث يمكن التوفيق بين كل الاختلافات وحسم كل الصراعات وإخضاع كل الأهداف والغايات الفردية لهدف اجتماعي واحد نهائي (يشبه القانون الطبيعي). ولذا، فإن التناقض بين الحرية والمساواة، والمنفعة والعدالة، وصالح الجماعة وحقوق الفرد (وهي تناقضات توجد في أي موقف أخلاقي)، تتم إزالتها تماماً باسم قيمة واحدة يفرضها المجتمع.

أما الرؤية التعددية فهي تنظر إلى العالم باعتباره مجموعة من المصالح والأهداف المختلفة، وعلى أساس أن عالم الأخلاق والسياسة توجد فيه مجموعة من القيم المتصارعة في حالة عدم اتساق دائم ولا يمكن بأية حال التوفيق بينها تحت مبدأ واحد « فكل شيء هو هذا الشيء ولا شيء سواه »، فالحرية هي الحرية وليست المساواة والعدالة أو الحضارة أو السـعادة الإنسـانية، فهذه جميعاً أهداف مختلفة وليست متسقة، بل لا يمكن الحوار العقلاني بشأنها، فالحوار السياسي يفترض وجودها وأسبقيتها وتتم إدارة الحوار السياسي من منظورها. وكما هو واضح، فإن برلين يطرح تعددية للقيم ونقط الثبات والمطلقات حتى لا تتمتع قيمة واحدة بالمطلقية الكاملة، كما يرى أن الاعتراف بهذه التعددية أمر أساسي لاستمرار الحضارة والمدنية وللحفاظ على هذه القيم والمؤسسات التي ساهمت في إسعاد الإنسان. فجوهر الإنسان هو عقلانيته واستقلاليته وحريته، وإن أنكرنا عليه فرصة الاختيار بين القيم والأهداف، كما تفعل الفلسفات الأحادية، فنحن نحطم هذا الجوهر.

ويميِّز برلين بين الحرية السلبية والحرية الإيجابية. فمنظرو الحرية السلبية يعرّفون الحرية باعتبارها غياب القهر وحسب، فالحرية هي وجود مجال حول الفرد يمكنه فيه أن يختار بين القيم والأهداف، سواء أكان هذا الاختيار خيِّراً أم شريراً، عقلانياً أم غير عقلاني. أما دعاة الحرية الإيجابية فهم يُعرِّفون الحرية باعتبارها المقدرة على كبح جماح الذات والتحكم فيها، فالفرد يحقق حريته لا عن طريق غياب القهر، وإنما حين يحقق أهدافاً رشيدة، أي أن الحرية الأولى لا أهداف محددة لها بينما يوجد هدف محدد في المفهوم الثاني. ولذا، يمكن، بل يجب من منظور الحرية الإيجابية، أن يتم قهر الدوافع اللاعقلانية للإنسان (ذاته السفلي) لأنها تعوقه عن تحقيق أهدافه العقلانية. ومن ثم، فإذا مورس القهر على إنسان ما لإزالة دوافعه اللا عقلانية، فإن هذا ليس بقهر على الإطلاق، حيث إن الهدف منه هو تعظيم الحرية الإيجابية العلىا. كما أن القانون الذي يستند إلى أساس عقلاني لا يمكن من وجهة نظر دعاة الحرية الإيجابية أن يعوق الحرية. ويرى برلين أن هذا المفهوم للحرية الإيجابية مفهوم شمولي لأنه يعيد تعريف كل القيم المتصارعة ويوفق بينها باسم قيمة واحدة هي الحرية العقلانية، فهي إذن رؤية شمولية لأن الحرية الوحيدة الحقيقية قد قُرنت بأهداف أو أغراض جماعية معيَّنة ومن ثم لا يوجد مجال للاختيار الفردي. أما الحرية السلبية، فهي التعددية الحقة لأنها تعترف بالصراع والاختيار، ولذا فهي نظرية المجتمعات الحرة.

ومن الواضح أن برلين يحاول أن يفتح بعض الثغرات في عالم العلم المصمت حيث يخضع كل شيء للقوانين الصارمة. وقد تصوَّر أنه حقق هذا بالفعل بأن جعل كل قيمة أمراً قائماً بذاته مستقلاًّ لا يمكن أن يُدمج مع قيمة أخرى. فالعدالة هي العدالة والحرية هي الحرية وكلاهما مطلق رغم تناقضهما الواحد مع الآخر، ولا يمكن إخضاع مطلق لمطلق آخر. وينتج عن ذلك تعددية المطلقات. ولكن برلين لا يؤمن في واقع الأمر بأية قيم نهائية، ويرى أنه لا توجد أية مطلقات، ومن ثم فإن عالمه ليس عالماً مفتوحاً تعددياً، وإنما هو عالم ذراتي لا مركز له (عالم ما بعد الحداثة). وكذلك لا توجد وسيلة للتوفيق بين القيم (المطلقة) المختلفة، ومن ثم لا يوجد أساس للاختيار أو الحرية. وقد لاحظ هو نفسه أنه، منذ القرن الثامن عشر، بدأ تحوُّل الفكر الغربي من الموضوعية إلى الذاتية، ومن الإيمان بالمطلقية إلى النسبية، وأن هذا التحول هو سبب انتشار الرؤية العلمية ونتيجة له في آن واحد.

ورغم موقفه التعددي هذا، يؤيد برلين الصهيونية كل التأييد. وهو يُعرِّف بالكثيرين من مفكريها وزعمائها. وقد ألَّف عن بعضهم دراسات، فله على سبيل المثال كتاب عن موسى هسّ (1959). بل إنه يرى أن ظهـور الدولـة الصهـيونية، كدولة علمانية ديموقرّاطية، هو انتصار لا نظير له للجهد الأخلاقي الحر. والدولة الصهيونية قد وُجدت ـ في رأيه ـ لتفي بحاجة شعب يريد أن تكون له علاقة بأرضه وتاريخه، ذلك أن الدولة الصهيونية ضرورية للشعب اليهودي العضوي. والدولة الصهيونية ستقوم بتطبيع اليهـود، فتجعل منهـم شـعباً مثل كل الشـعوب. وهو في رؤيته هذه، يهمل بطبيعة الحال التاريخ وحقوق الفلسطينيين وحريتهم (السلبية والإيجابية!)، ويُسقط المقولات الأساسية لمنظومته المعرفية والأخلاقية.

ولا يمكن تفسير هذا التناقض الذي وقع فيه برلين (بين الرؤية التعددية المنفتحة التي يتسم بها نسقه الفلسفي والرؤية العنصرية المنغلقة التي تتسم بها رؤيته للمشروع الصهيوني) على أساس أنه من أصل يهودي. فكثير من المفكرين غير اليهود في الغرب وقعوا في هذا التناقض، كما أن كثيراً من المفكرين من أعضاء الجماعات اليهودية لم يقعـوا فيه، وليـس هناك نمط عام، ولذا ينبـغي تفـسيـر كل حالة على حدة.

ســيمون فـاي (1909-1943(
Simone Weil
فيلسوفة فرنسية، وُلدت لأسرة يهودية أرستقرّاطية فرنسية. حصلت على الدكتوراه في الفلسفة، وكانت رسالتها عن ديكارت. ودخلت معترك السياسة وشاركت في كثير من القضايا اليسارية حتى سُمِّيت «العذراء الحمراء». قررت عام 1934 أن تشارك العمال حياتهم فتركت وظيفتها كأستاذ فلسفة وعملت في أحد المصانع، وكانت ثمرة هذه التجربة كتابها الحالة العمالية (نُشر عام 1951). لم تقدِّم فاي في كتابها الحلول اليسارية المألوفة لمشاكل العمال، مثل تأميم وسائل الإنتاج والاستيلاء على السلطة، وإنما طالبت بتغيير أكثر عمقاً في طبيعة العمل الحديث نفسه، إذ طالبت بتغيير التنظيم الهرمي في المصنع، بل وتصميم الآلات نفسها حتى تستجيب لحاجات الإنسان. وانضمت عام 1936 للقوات الجمهورية في إسبانيا إبّان الحرب الأهلية. وبعد غزو النازيين لفرنسا، اشتغلت عاملة زراعية في جنوب فرنسا، ثم هاجرت إلى الولايات المتحدة وماتت أثناء الحرب العالمية الثانية في إنجلترا. وقد نُشرت أعمالها بعد وفاتها، وتتكون أساساً من خطابات ومذكرات ومقالات وذكريات وشذرات. وتدل كتاباتها على مدى تكريسها ذاتها لعملية البحث الدائب عن الحق المطلق والعدالة.


تأثرت سيمون فاي بأفكار بعض المتصوفة المسيحيين مثل مايستر إيكهارت، ويُقال إنها خاضت تجربة صوفية عميقة إذ جاءها المسيح في الرؤيا عام 1938، وكانت تُكنُّ إعجاباً عميقاً للمسيحية باعتبارها ديانة العبيد، وترى أنها لم تتنصر لأن الدور الذي لعبته الكنيسة الكاثوليكية في التاريخ يتنافى تماماً مع تعاليم المسيحية. أما موقفها من اليهودية فكان يتسم بالرفض العميق، فهي ترى أن اليهودية عقيدة قومية ضيقة الأفق قاسية، وأن كل ما تحتويه المسيحية من شرور جاءها من اليهودية. ويشبه موقفها هذا موقف الغنوصيين (الذين كانت فاي تُكنُّ لهم إعجاباً خاصًّا) وقد أشاد الشاعر ت. س. إليوت بكتاباتها.

ويمكن أن نثير قضية يهودية فاي، فقد ورد اسمها في كلٍّ من الموسوعة اليهودية (جودايكا) و دليل بلاكويل للثقافة اليهودية باعتبارها كاتبة يهودية. وهذه الكاتبة قد وُلدت بالفعل لأسرة يهودية، ولكنها رفضت العقيدة اليهودية. وحينما مرت بتجربة صوفية، كانت تجربة مسيحية وتأثرت بمتصوفين مسيحيين. كما أن فاي هاجمت اليهودية بشراسة ونسبت لها كل نقائص المسيحية، فهل يُعتبَر تصنيفها على أنها يهودية ذا قيمة تفسيرية؟ لعله كان من الأجدى الحديث عنها باعتبارها من أصل يهودي وحسب. ولكن هذا لا يساعد كثيراً في فهم فكرها الذي يتجاوز أصولها اليهودية. ومن الطريف أن دليل بلاكويل للثقافة اليهودية استبعد المؤلفين اليهود السفارد وأبقى على فاي لأنها أشـكنازية أو غربية، وهـو ما يبيِّن أن أسـاس التصنيف مختل للغاية، وهو اختلال مصدره فشل محرري الموسـوعة في تعريف ما يُقال له «الهوية اليهودية» ومصادرها الثقافية.

  • الاربعاء AM 11:39
    2021-04-07
  • 884
Powered by: GateGold