المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417552
يتصفح الموقع حاليا : 250

البحث

البحث

عرض المادة

جوســتاف لانـداور (1870-1919) - إرنست بلـوخ (1885-1977)

Gustav Landauer
مفكر ألماني فوضوي اشتراكي وابن تاجر ثري. درس الفلسفة ولكنه طُرد من الجامعة بعد أن حُكم عليه بالسجن عام 1893 لأنه حرَّض مجموعة من العمال على الثورة. ثم قُبض عليه مرة أخرى عام 1896 وهو يدعو إلى التمرد.


يتسم فكر لانداور بأنه فكر صوفي عضوي حلولي فوضوي، فقد تأثر بأفكار الفوضوي الروسي كروبتكين. وقام لانداور بترجمة أعمال المتصوف الألماني مايستر إيكهارت إلى الألمانية الحديثة. ووجد أن فلسفة صديقه فريتز ماوثنر في اللغة قد فتحت آفاقاً عظيمة لكل من التعددية الفلسفية والصوفية، فهي فلسفة إلحادية تماماً ترى أن كل فكر يُرد إما إلى المادة أو إلى أوهام الإنسان. وهي فلسفة أعلنت أن من المستحيل الوصول إلى أية حقيقة من خلال اللغة، وهو ما يعني أن الحقيقة فردية نسبية، وما يقوله شخص لا يفهمه شخص غيره، ومن هنا التعددية (الفوضوية) والنسبية والفردية الصوفية. وقد رفض لانداور أية سلطة أو إدارة مركزية واقترح بدلاً من ذلك ما سماه «الرابطة الاشتراكية» التي ستحل محل الدولة والاقتصاد الرأسمالي. فطالب بثورة يلعب فيها الأفراد (لا الطبقة العاملة) دوراً أساسياً، أفراد سيقومون بصياغة علاقات تعاونية جديدة لتؤسِّس أسلوباً جديداً للحياة من خلال القدوة الحسنة وليس من خلال السياسة أو الحزب.

وحينما اندلعت الحرب العالمية الأولى عارضها لانداور، وتحمَّس لانتفاضة بافاريا، ودعاه إيسنر (رئيس وزراء جمهورية بافاريا) إلى ميونيخ وعيَّنه وزيراً، وقد استمر في منصبه بعد اغتيال إيسنر وبعد إعلان بافاريا جمهورية سوفيتية.

وكان لانداور، رغم فوضويته وفرديته، يؤمن بفكرة الديكتاتور العادل الذي يعرف مصلحة رعاياه خيراً منهم، كما كان يرى أن الفكرة المشيحانية في اليهودية فكرة ثورية إلى أقصى حد. فاليهود شعب ينتظر الماشيَّح والمنفى، ولذا فإنهم يقومون بتثوير كل الشعوب. وهم يُعتبرون، على أحد المستويات، بمثابة ماشيَّح الشعوب، وكان يرى أن خلاص اليهود والإنسانية شيء واحد لا يتجزأ. بل إنه كان يرى أن سنة اليوبيل في اليهودية تجعل من الثورة الدائمة أساس الدستور الاجتماعي.

ورغم أن لانداور كان ملحداً، يهودياً غير يهودي، إلا أن استخدامه بعض الأفكار والمصطلحات اليهودية جعل الكثيرين يعتبرونه مسئولاً عن كثير من الجرائم التي ارتكبتها جمهورية بافاريا. كما ارتبط اسمه بالدعاية المعادية لليهود باعتبارهم من دعاة الفوضوية، والفوضىون مسئولون عن ضعف ألمانيا. وقد قُتل لانداور في الشارع حينما وصلت القوات الألمانية النظامية وقضت على الجمهورية.

صدرت للانداور رواية عام 1893، كما صدرت له مجموعة قصص قصيرة عام 1903، وله دراسات في أعمال شكسبير المسرحية وفي النظرية الاشتراكية. وقد أثر فكر لانداور في كثير من المفكرين اليهود والصهاينة، خصوصاً مارتن بوبر، ويبدو أن معظم أفكار بوبر الاشتراكية الصوفية تعود إلى لانداور.

ويبيِّن فكر لانداور الصوفي الحلولي مدى تداخل الفكر الديني اليهودي بالفكر المسيحي في عصر الحلولية والعلمانية. ويبدو أن إيكهارت (المسيحي) أثر في لانداور (اليهودي) الذي أثر بدوره في بوبر (اليهودي) الذي ترك أثراً عميقاً في الفكر الديني المسيحي واليهودي في العصر الحديث.

إرنست بلـوخ (1885-1977(
Ernst Bloch
فيلسوف ألماني ماركسي يهودي. نشر كتابه روح اليوتوبيا (المدينة المثالية) عام 1918، وهو خليط غريب من التصوف اليهودي والهرطقات المسيحية والرومانسية الألمانية والمشيحانية الماركسية. وكان بلوخ مُعجباً بجيوردانو برونو ونيكولاس كوزا والمتصوفين المسيحيين الذين رأوا مملكة الرب باعتبارها إمكانية كامنة في الإنسان. هاجر بلوخ إلى الولايات المتحدة عام 1938، وبعدها كتب أهم أعماله مبادئ الأمل وهو دراسة ضخمة في الفكر الطوباوي. وقد وُصف بلوخ بأنه رومانتيكي ماركسي أو حتى اشتراكي تلمودي. بينما يصف هو فلسفته بأنها الأمل في المستقبل، وهو يرى أن الفن والدين هما مستودع الحاجات الروحية والتطلعات المثالية (الطوباوية) التي تكافح لتعبِّر عن نفسها. فالفن والدين يحتويان على ما يُسميه بلوخ «فائض الحضارة» بما يتجاوز الواقع وما هو مُعطي وتاريخي ومادي، ومن ثم فالفائض الحضاري هو المثالي والطوباوي، هو الأمل الذي يتجاوز الواقع. ويرى بلوخ ضرورة أن تحتفظ النظرية الثورية بهذا اللب الطوباوي للدين والفن كأفق تاريخي للجدلية التاريخية. ولذا يجب على النظرية الثورية أن تفهم فكرة التجاوز الدينية والخلاص والتطلع للحياة الآخرة.


ويمكن القول بأن بلوخ يحاول أن يولّد ثنائية داخل النظام المعرفي المادي (تجاوز من خلال المادة) حتى يحتفظ بروح الثورة والأمل؛ ثنائية تشبه الثنائية التقليدية. وبالفعل يتحدث عن أن الأمل الطوباوي يشغل الحيز نفسه الذي كان يشغله الإله من قبل. ولذا تظهر داخل فلسفته ثنائية هيومانية: الإنسان مقابل المعطيات الجامدة وكل ما يشيّئه. فهو يرى على سبيل المثال أن مصدر الثورة هو التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج (على حد قول النظرية الماركسية التقليدية)، ولكن « اتجاه » الثورة هو أمر كلي ونهائي (تطلق عليه الديانات لفظ «إسكاتولوجي» أو «تيليولوجي»، أي «علم نهاية الأشياء»). وهذا تعبير عن ثنائية عالم الأشياء مقابل اليوتوبيا. والإنسان نفسه تعبير عن هذه الثنائية، فهناك قوانين التاريخ الحتمية والأفق المادي الذي يعيش فيه، ولكن هناك أيضاً داخل الإنسان إمكانيات لم تتحقق بعد. فهو يعيش في أفق «ليس بعد» (بالألمانية: نوخ نيخت Noch-Nicht). وهذه الإمكانية المثالية الطوباوية هي التي تحرك الإنسان وهي التي تجعل الطفرات النوعية نحو الجديد ممكنة وهو ما يعني وجود انقطاع في التاريخ، أي أن الحديث عن الحتمية التاريخية (كما يفعل الماركسيون الآليون) أمر لا معنى له. هذا لا يعني أن الممكن، غير المتحقق، (ما ليس بعد) منفصل عن الحقيقي، فهو إرهاص له، هو طريق الخلاص للإنسان ولكنه خلاص يتحقق داخل العالم المادي. ولذا، ينادي بلوخ بإنسانية ثورية،أي إنسانية تحقق للإنسان،إمكانياته من خلال نضال ثوري وتحوُّل اجتماعي (هذا في مقابل ما يُسميه «الإنسانية البورجوازية» التي تُمجِّد الإنسان كوضع قائم في المجتمع البورجوازي).فالإنسان «ليس بعد» لأنه مقيد بالأحوال الاجتماعية والتاريخية المحيطة به والمؤسسات التي تمنعه من تحقيق إمكانياته. وغاية الفلسفة معرفة هذه الإمكانية التي لم تتحقق،ومن ثم فإن المعرفة الفلسفية معرفة ثورية لأنها تدفع صاحبها إلى ما ليس بعد. كما تدفع العالم من حوله نحو الأفضل وتقوده إلى الحرية.وبدون هذا العنصر المثالي الطوباوي فإن الماركسية ستتشيأ وتسقط في العقلانية التكنولوجية وتصبح مرتبطة بالوضع القائم الملحد الذي يُعطل الروح الإنسانية ويقضي عليها (أي يقضي على ثنائية الإنسان والأشياء) ولا يُبقي سوي فرد متشيئ ذي بُعد واحد وفردوس متشيئ.

ومن الواضح أن بلوخ يبذل قصارى جهده للهروب من انغلاق النسق المادي ومن السقوط في نهاية التاريخ، حتى لا يضيع الحلم الإنساني الطوباوي تماماً. ومع هذا تُطل إشكالية نهاية التاريخ برأسها القبيح، إذ يُبشر بلوخ بفردوس أرضي يمكن أن يتحقق إذا ما تم تحرير كل من قوى الإنتاج (المادية البرانية) وقلب الإنسان وعقله وخياله (الروحي الجواني) في مجتمع ديموقرّاطي حقيقي دون اغتراب أو قمع للذات. حينئذ سيظهر في العالم شيء يظهر لنا جميعاً في طفولتنا - شيء لم يصله أحد منا بعد - المنزل/الدار. وهكذا تتحقق الإمكانية وتكتمل الدائرة وتعود البراءة الأولى في العصر المشيحاني (هل تختفي حينئذ «ليس بعد»؟ أم أن هذا الفردوس ليس نهاية المطاف؟(.

ومن الواضح أن بلوخ، في فلسفته العامة، لا يفرد دوراً خاصاً لليهودي، كما أنه لم يتناول الموضوع اليهودي بكثير من الإفاضة والتفصيل. ومع هذا، نجد أنه في كتابه روح اليوتوبيا يخصِّص فصلاً يُسمَّى «رمز اليهود»، وهو من المقالات النادرة التي كتبها بلوخ عن اليهود. يرفض بلوخ كلاًّ من الموقف الاندماجي والموقف الأرثوذكسي. كما أنه يرفض الصهيونية، إذ أنها ستُحوِّل يهودا (أي فلسطين) إلى دولة آسيوية صغيرة. وتظهر الموضوعات القبَّالية اللوريانية ومفهوم إصلاح الخلل الكوني (تيقون) في كتابه توماس موزنر: لاهوتي الثورة (1921). ومن الواضح أن مصادره القبَّالية ليست بالضرورة يهودية، بل إن القبَّالاه المسيحية تلعب دوراً أكثر فعالية في فكره، ولذا نجد أن اهتمامه الأساسي ينصب على حركات الهرطقة المسيحية في القرن السـادس عـشر باعتبـارها إرهاصـات للمدن المثالية الثورية الحديثة.

وتُشير بعض فصول كتاب مبادئ الأمل، كفصل « موسى: اليوتوبيا في الدين، الدين في اليوتوبيا »، إلى التراث الديني اليهودي باعتباره أحد المصادر الروحية للفكر الطوباوي. كما أن هناك فصلاً عن الصهيونية يوجه فيه بلوخ النقد لصهيونية هرتزل ويُسمِّيها «صهيونية بورجوازية» لأنها دعوة قومية، تخاطب اليهود دون غيرهم، وتطالب بأرض ودولة، بينما يجد هو أن اليهودية أكثر رحابة من ذلك، فالعالم بأسره هو وطنها. ويجد بلوخ أن أصدق مثل على ذلك هو كتابات المفكر موسى هسّ الذي يُحوِّل النزعة الطوباوية المثالية في اليهودية إلى نزعة عالمية. وهذه، بطبيعة الحال، قرّاءة شديدة التحيُّز لهذا المفكر الصهيوني الذي يطالب بتأسيس دولة اشتراكية يهودية تقوم بطرد الفلسطينيين وتحقيق الأمن والعدالة لليهود!

ويرى إرنست بلوخ أن معاداة اليهود هي شكل من أشكال الحقد على الإمكانيات الطوباوية التي يمتلكها اليهود داخل الحضارة الغربية (وهو موقف لا يختلف كثيراً عن موقف مدرسة فرانكفورت(.

وقد عاد بلوخ إلى ألمانيا الشرقية بعد عام 1948، ولكنه تركها عام 1961 إلى ألمانيا الغربية بعد اختلافه مع النظام الشيوعي، ومع هذا ظل بلوخ ماركسياً حتى وفاته. وقد دافع عن حق الدولة الصهيونية في الوجود عام 1967، وهو في هذا لا يختلف عن كثير من المثقفين الغربيين.

  • الاربعاء AM 11:35
    2021-04-07
  • 727
Powered by: GateGold