المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417490
يتصفح الموقع حاليا : 231

البحث

البحث

عرض المادة

انخراط أعضاء الجماعات اليهودية في الحركات الاشـتراكية والثورية

Participation of Members of Jewish Communities in Socialist and Revolutionary Movements
يُلاحَظ وجود كثير من أعضاء الجماعات اليهودية في الحركات الثورية الاشتراكية في كثير من بلاد العالم بنسبة تفوق نسبة انخراط السكان الأصليين في هذه الحركات. وهذه ظاهرة كانت ملحوظة في العالم العربي الإسلامي، إذ يُلاحَظ أن كثيراً من قيادات ومؤسسي الحركات الشيوعية كانوا من اليهود. وليس هذا بمستغرب، فكثير من أعضاء الأقليات ينجذبون إلى الحركات الثورية العلمانية على أمل أن يحقـق لهم المجتمع الثوري العلماني الجديد الحرية الكاملة والمسـاواة التامة. ولكن ذلك، على كل حال، كان ظاهرة عابرة نظراً لأن كثيراً من العناصر اليهودية في الحركة الاشتراكية كانت أجنبية أو من أصل أجنبي ورحلت عن العالم العربي بعد تأسيس الدولة الصهيونية وبعد اتضاح معالم حركة القومية العربية. كما أن هذه العناصر كانت ضمن القيادات وحسب ولم يكن هـناك قط جماهير يهودية بهذا المعنى. ومع الخمسينيات، كانت معظم الحركات الاشتراكية يقودها عناصر عربية محلية. ومع هذا، يذهب بعض الباحثين إلى أن القيادات الشيوعية العربية من أصل يهودي (مثل هنري كورييل) ظلت مسيطرة على الحركات الشيوعية.


أما في العالم الغربي، فيمكن القول بأن غرب أوربا في القرن التاسع عشر (إنجلترا وهولندا وفرنسا وغيرها) لم يكن فيه كتلة بشرية يهودية كبيرة كما أنها كانت مندمجة، وبالتالي لم يكن هناك وجود يهودي ملحوظ لا على مستوى القيادات الاشتراكية ولا على مستوى الجماهير. ولكن من المُلاحَظ أن بعض العناصر الثورية كانت تُجَنَّد من بين المهاجرين من شرق أوربا مع يهود اليديشية. كما أن تمثيل اليهود في الأحزاب الثورية، سواء على مستوى القيادة أو على مستوى الجماهير، كان أعلى من نسبتهم القومية.

أما في وسط أوربا (ألمانيا والنمسا)، فقد كانت أعداد اليهود صغيرة، كما كانت تنتمي أساساً لكبار المموِّلين والطبقات الوسطى، ولذا ارتبط اليهودي في الأذهان بكبار المموِّلين وبالدعاوى الليبرالية. ولم تكن الأحزاب الثورية تضم في صفوفهـا أعـداداً كـبيرة من اليهود بشـكل مطلق. ومع هذا، كان هناك عدد ملحوظ من قيادات الحركات الثورية الاشتراكية والشيوعية، ومن المفكرين الثوريين، من أعضاء الجماعات اليهودية، يمكننا أن نذكر من بينهم كارل ماركس وفرديناند لاسال وكارل كاوتسكي وروزا لوكسمبرج. ولعل هذا الوضع هو الذي أضفى مصداقية سطحية على الادعاءات النازية بشأن المؤامرة اليهودية الكبرى ومحاولة اليهود تحطيم ألمانيا بتطويقها من اليمين واليسار.

أما في شرق أوربا، فكان وجود اليهود في الحركات الثورية على مستوى القيادات والجماهير وجوداً ملحوظاً لا شك فيه. فكان عدد كبير من البلاشفة الروس، مثل زينوفييف وكامينيف وليتفينوف، من أعضاء الجماعات اليهودية، وعلى رأسهم تروتسكي مهندس الثورة البلشفية وقائد الجيش الأحمر. أما على مستوى المشاركة الجماهيرية، فكان حزب البوند الروسي البولندي اليهودي هو أكبر حزب ثوري اشتراكي في العالم عند تأسيسه. وكان الشباب اليهودي ينخرط في سلك الثوار بدرجات متزايدة، فقد كان 30% من المقبوض عليهم في جرائم سياسية عام 1900 (في روسيا) من أعضاء الجماعات اليهودية.

ويمكن تفسير انخراط أعضاء الجماعات اليهودية في الحركات الثورية بشكل ملحوظ على الأساس التالي:

1 ـ كان اليهود يشكلون نسبة كبيرة من القطاع المتعلم في المدن، وهو القطـاع الذي يسـاهم في الحركات الثورية أكثر من القطاعات الأخرى.

2 ـ كان كثير من الشـباب اليهـودي محـروماً من دخول الجامعات الروسية، فالتحقوا بالجامعات في أوربا حيث تم تسييسهم وتثويرهم بدرجة أعلى من أقرانهم.

3 ـ كان اليهود أقلية مُضطهَدة محرومة من حقوقها المدنية. ولذا، نجد أن المثقفين اليهود الذين كان من الممكن في ظروف عادية أن يتحولوا إلى مهنيين عاديين (وهو الأمر الذي حدث فيما بعد) وقد انخرطوا، بدلاً من ذلك، في صفوف القواعد الثورية، كما يحدث في كثير من الحركات الثورية في العالم، حيث نجد أن أعضاء الأقليات المضطهدة يشكلون نسبة عالية فيها.

واستفادت الصهيونية من ظاهرة انخراط أعضاء الجماعات اليهودية بشكل ملحوظ في الحركات الثورية ووظفته لصالحها، إذ أن أحـد الموضوعات الأسـاسـية التي كان يطـرحها تيودور هرتزل في كتاباته، وأثناء مفاوضاته، أن الحل الصهيوني هو الطريقة الوحيدة لتحويل الشباب اليهودي عن الثورة. وقد تم تطوير الصيغة الصهيونية العمالية كمحاولة لاستيعاب الديباجة الثورية الاشتراكية داخل الصهيونية. ومن الأسباب التي أدَّت إلى صدور وعد بلفور، محاولة تجنيد الكتلة اليهودية الضخمة في شرق أوربا ضد الثورة البلشفية.

وبعد الحرب العالمية الأولى، يُلاحَظ تركُّز اليهود في التنظيمات الاشتراكية التي بدأت تتبلور في تنظيمات شيوعية وتنظيمات اشتراكية ديموقراطية. وكانت التنظيمات الشيوعية الدولية معادية للصهيونية ولمعاداة اليهود، ورفضت السماح للأحزاب الصهيونية ذات الديباجات الاشتراكية بالانضمام إليها. وحيث إن الأحزاب الشيوعية كانت تتبع تعليمات الاتحاد السوفيتي في هذا المجال، وفي عدة مجالات أخرى، فإن هذه الأحزاب ناصبت الصهيونية وأحزابها العداء. ولكن هذه الأحزاب ذاتها أيَّدت قيام الدولة الصهيونية حينما فعل الاتحاد السوفيتي ذلك، ثم ناصبت الصهيونية العداء مرة أخرى حينما غيَّر الاتحاد السوفيتي سياسته وأعلن عداءه للصهيونية ودولتها. أما الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية، فقد تقبلت الظاهرة الاستعمارية وبالتالي الصهيونية، وأيَّدت المشروع الصهيوني ثم الدولة الصهيونية، وتعاونت مع الأحزاب الصهيونية ذات الديباجة الاشتراكية ومنحتها حق العضوية في الأممية الثانية. وفي الستينيات، ظهرت حركة اليسار الجديد، وكان كثير من زعمائها في الولايات المتحدة وأوربا من أعضاء الجماعات اليهودية، وكان هربرت ماركوز، مُنظِّرها الأساسي، يهودياً. وأخذت هذه الحركة موقفاً معادياً لإسرائيل ومؤيداً للعرب، خصوصاً بعد حرب 1967، وهو ما أدَّى إلى ابتعاد بعض الشباب اليهودي عنها. ولكن، مع هذا، ظلت نسبة عالية من أعضائها من اليهود.

ولا تزال كثير من حركات الرفض الثورية تضم عدداً كبيراً من أعضاء الجماعات اليهودية. وهذه أيضاً ظاهرة ليست مقصورة علىهم وإنما هو أمر شائع بين أعضاء الأقليات.

ويُلاحَظ أننا لا نستخدم اصطلاحات مثل «الاشتراكية اليهودية» أو «الاشتراكيين اليهود» لأن مثل هذه الاصطلاحات تفترض وجود اشتراكية يهودية لا يمكن تفسيرها إلا بالعودة إلى حركيِّات يهودية مستقلة، وأن يهودية الاشتراكي اليهودي هي أهم العناصر التي تفسر سلوكه. وهو ما نجد أن من الصعب قبوله. وفي المداخل الخاصة بالاشتراكيين من أعضاء الجماعات اليهودية وجدنا أنه لا يوجد نموذج تفسيري واحد ينطبق عليهم جميعاً. فبعضهم لعب انتماؤه اليهودي، الديني والإثني، دوراً في انخراطه في الحركة الاشتراكية، والبعض الآخر لم تلعب معه اليهودية أي دور على الإطلاق. وأحياناً نجد أن يهودية الاشتراكي من أعضاء الجماعات اليهودية قد لعبت دوراً سلبياً وجعلته يتخذ موقفاً معادياً لليهود واليهودية، وكثيرون منهم «يهود غير يهود» (على حد تعبير إسحق دويتشر) لا يكترثون باليهود أو اليهودية، وكل ما بقي من يهوديتهم هـو الاسـم، ومـع هـذا صُنِّف كل هـؤلاء باعتـبارهم يهوداً.

وثمة وجود ملحوظ لأعضاء الجماعات اليهودية في قيادة الأحزاب الشيوعية، وخصوصاً في شرق أوربا، بنسبة تفوق كثيراً نسبتهم إلى عدد السكان. كما يُلاحَظ وقوفهم إلى جوار الستالينية، ويجب أن نرى الستالينية هنا باعتبارها «النفوذ الروسي». فرغم الإدعاءات الأممية للنظرية الشيوعية إلا أنه، في مجال التطبيق، ظهرت التوترات العرْقية والإثنية والقومية التقليدية وظهر مرة أخرى خوف الشعوب المحيطة بروسيا (بولندا - المجر - تشيكوسلوفاكيا - رومانيا) من الدب القيصري الذي ارتدى رداءً أممياً شيوعياً. وقد وقف كثير من أعضاء الجماعات اليهودية إلى جانب روسيا، وهو ما جعل منهم ما يشبه الجماعة الوظيفية التي تمثل المصالح الروسية باعتبارها القوة الإمبريالية الحاكمة. وفي هذا استمرار لميراث الجماعة اليهودية في شرق أوربا كجماعة وظيفية استخدمتها الطبقات الحاكمة لضرب الفلاحين وأحياناً النبلاء، الأمر الذي دعم الصورة الإدراكية السلبية لليهود عند شعوب شرق أوربا. ولعل هذا يُفسِّر سخط كثير من شعوب شرق أوربا على «اليهود» رغم اختفاء الجماعات اليهودية تقريباً، إذ لا تزال صورة اليهودي كسوط عذاب في يد الحاكم حية في الأذهان.

  • الاحد PM 03:23
    2021-04-04
  • 1108
Powered by: GateGold