المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417506
يتصفح الموقع حاليا : 224

البحث

البحث

عرض المادة

العمـال من أعضــاء الجماعـات اليهوديـة

Jewish Members of the Working Class
يستخدم كثير من الدارسين مصطلحات مثل «البروليتاريا اليهودية» و«الطبقة العاملة اليهودية». وتشير كلمة «البروليتاريا» في اللغات الأوربية إلى طبقة من السكان لا تملك شيئاً بما في ذلك وسائل الإنتاج التي تستخدمها، وتكسب رزقها من عمل يدها، وتُستخدَم هذه الكلمة مرادفة لكلمة «طبقة عاملة». والبروليتاري هو العامل (مقابل الرأسمالي الذي يمتلك وسائل الإنتاج والفلاح الذي يعمل في الزراعة). ويشكل مفهوم البروليتاريا اليهودية أو الطبقة العاملة اليهودية إشكالية أساسية في الأدبيات التي تتناول وضع الجماعات اليهودية في أوربا. وقد عبَّر عن هذه القضية المفكر الصهيوني بوروخوف في فكرة الهرم الإنتاجي المقلوب، والتي تتلخص في أن اليهود يتركزون في المهن والحرف ويندُر وجودهم في صفوف الفلاحين والعمال على عكس معظم الشعوب الأخرى. وهو بطبيعة الحال مفهوم قيمته التفسيرية والتصنيفية ضعيفة إلى أقصى حد. فاليهود ليسوا شعباً، وإنما جماعات يهودية تضطلع بدور الجماعات الوظيفية وتعيش بين مختلف الشعوب، وتتحدَّد طبيعة وظيفتها ووجودها في الهرم الإنتاجي بين المهنيين وبالقرب من أعضاء الطبقة الحاكمة باعتبارهم أداة في يدها لامتصاص فائض القيمة من المجتمع ولإنجاز أغراض أخرى. وقد تحوَّل بعض أعضاء هذه الجماعات إلى عمال انخرطوا في صفوف الطبقات العاملة المختلفة. ولكل هذا، فإننا نفضل استخدام مصطلحات مثل «العمال من أعضاء الجماعات اليهودية» أو «العمال الأمريكيون اليهود» أو أية صيغة أخرى تؤكد أن العمال من أعضاء الجماعات اليهودية ليس لهم وجود يهودي مستقل وأنهم جزء من كل، وذلك لأن القيمة التفسيرية والتصنيفية لمثل هذه المصطلحات أعلى بكثير من مصطلح «البروليتاريا اليهودية».


وقد انخرطت أعداد كبيرة من يهود اليديشية في شرق أوربا في صفوف الطبقة العاملة ابتداءً من منتصف القرن التاسع عشر، مع تزايُد معدلات تحديث اقتصاد الإمبراطورية الروسية التي كانت تضم أكبر كتلة بشرية يهودية في العالم. كما انخرطت أعداد من أعضاء الجماعات اليهودية بنسبة أصغر في الطبقة العاملة في الإمبراطورية النمساوية.

أما في البلاد الأخرى، مثل الولايات المتحدة وإنجلترا وإلى حدٍّ ما فرنسا، فإن تاريخ العمال من أعضاء الجماعات اليهودية مرتبط بالهجرة من شرق أوربا ولا علاقة له بالحركيات الداخلية للمجتمع في أيٍّ من هذه البلاد.

وقد تركت التحولات الاجتماعية الضخمة في روسيا والنمسا أثرها في أعضاء الجماعات اليهودية، إذ فقد كثير من الحرفيين اليهود وظائفهم بظهور الصناعة الحديثة، وكذا التجار والمرابون اليهود الذين كانوا مرتبطين بالاقتصاد الزراعي. كما أن البورجوازيات الصاعدة والدولة القومية المطلقة التي كانت تريد السيطرة على كل جوانب الإنتاج، حرَّمت على اليهود العمل في بعض الوظائف التي كانوا يضطلعون بها كجماعة وظيفية، مثل صناعة الكحول والاتجار فيها. وأدَّى هذا الوضع إلى وجود عمالة يهودية ضخمة لا تمتلك وسائل الإنتاج وليس لديها رأس مال كاف الأمر الذي جعلها تنخرط في صفوف الطبقات العاملة، وكانت هذه العملية صعبة بعض الشيء في أوربا الشرقية بسبب الميراث الاقتصادي والتقاليد السائدة. أما العناصر المهاجرة، وهي عناصر أكثر حركية في العادة، فلم تجد صعوبة شديدة في التحول إلى عمال بسبب عدم وجود عوائق نفسية أو حضارية أو قانونية، وإن كان الميراث الاقتصادي ووضعهم كمهاجرين قد وجههم نحو قطاعات معينة دون غيرها. ومن الأمور التي تستحق التسجيل أن الصناعات التي كان يملكها يهود داخل منطقة الاستيطان استفادت في بداية الأمر من العمالة اليهودية. أما في الولايات المتحدة، فقد نجح أصحاب مصانع النسيج من اليهود من أصل ألماني في أن يستفيدوا من العمالة اليهودية الوافدة واستغلوها استغلالاً كاملاً فيما يُسمَّى «ورش العَرَق». وقد بلغ عدد العمال من أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا، قبل الحرب العالمية الثانية، مليوناً ونصف المليون من مجموع يهود العالم البالغ عددهم نحو ستة عشر مليوناً، منهم: 400 ألف في الولايات المتحدة، و300 ألف في الاتحاد السوفيتي، و300 ألف في بولندا، و100 ألف في فلسطين، و400 ألف في البلاد الأخرى مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا والمجر ورومانيا وبلدان أمريكا اللاتينية. ويُلاحَظ أن هذه الأرقام تشير إلى العمال وحسب، ولا تشير إلى كل العاملين في الصناعة من موظفين إداريين.

وقد ترك الميراث الاقتصادي لليهود أثره في العمال من أعضاء الجماعات اليهودية. فيُلاحَظ تركُّزهم في صناعات بعينها دون غيرها مثل صناعة الملابس والخياطة. وهذا يعود في الواقع إلى اشتغال اليهود بالربا وأعمال الرهونات. وكان من أكثر أعمال الرهونات الملابس المستعملة التي كان اليهودي يُعيد ترقيعها وبيعها. كما أن عدم كفاءة العمال اليهود، بسبب انخراطهم المتأخر في سلك الطبقة العاملة، ساهم في توجيههم نحو صناعات بعينها دون غيرها. وتتسم الصناعات التي تركَّز فيها اليهود بصغر حجمها وقربها من المراحل النهائية للإنتاج مثل إنتاج السلع المُصنَّعة أو نصف المُصنَّعة مقابل إنتاج وسائل الإنتاج، وهي صناعات لا تتطلب كفاءات عالية، بل تستند أحياناً إلى الصناعات المنزلية.

وتدل إحصاءات عام 1897 في روسيا على صدق هذا القول، إذ بلغ عدد العمال اليهود الذين تركزوا في النشاطات الصناعية الأساسية أو الأولية، مثل سبك المعادن، نحو 7.7%. أما في صناعات المرحلة الوسطى أو المرحلة الثانية، مثل صناعات المعادن والنسيج والبناء، فقد بلغت نسبتهم 19,7%، وبلغت نسبة العاملين في صناعات المرحلة النهائية أو صناعات المرحلة الثالثة، مثل الأطعمة والمشروبات والتبغ والملابس، نحو 45,5%.

أما في جاليشيا، ففي المجموعة الأولى الأساسية نجد 9و5%، وفي المجموعة الوسيطة الثانية 14,5%، وفي المجموعة النهائية الثالثة 47,7%. والنمط نفسه يوجد في بولندا، ففي إحصاء عام 1921 نجد أن 1,5% من العمال اليهود يُوجَد في المناجم، و3,4% في صناعة المعـادن، و0,8% في صـناعات الآلات، و2,9% في الصـناعات الكيميائية، و2,9% في صناعة البناء، و5,9% في صناعة الأخشاب، و13,7% في صناعة النسيج، و43,6% في صناعة الملابس، و12,5% في صناعة الأغذية. وقد وُزِّعت البقية على كل الفروع الأخرى. ومعنى ذلك أن العمال اليهود يوجدون أساساً في الصناعات الاستهلاكية. وربما كان الاستثناء الوحيد للقاعدة هو فلسطين، حيث كان العمــال من المسـتوطنين الصهــاينة يعملــون في الصـناعات كافة، وكان هذا جزءاً من المخطط الإحلالي الذي أخذ شكل اقتصاد صهيوني منفصل يكتفي بالعمالة اليهودية. كما يُلاحَظ أنه في الاتحاد السوفيتي، بعد عام 1928، بدأ يتواجد العمال اليهود في جميع الصناعات بما في ذلك الصناعات الثقيلة. ولكن، مع هذا، ظل النمط الأساسي الذي أشرنا إليه سائداً.

وحيث إن العمال من أعضاء الجماعات اليهودية كانوا يتركزون في صناعات خفيفة، لذا نجد أن هذا انعكس على نفوذهم وثقلهم الذي ظل ضئيلاً، فمارسوا ضغطهم من خلال الاتحادات والأحزاب العمالية المختلفة القائمة، أي أنهم لم يشكلوا حركة عمالية يهودية مستقلة. ومع هذا، ظهر حزب البوند الذي حاول تنظيم العمال اليهود من المتحدثين باليديشية. ويُلاحَظ أن حزب البوند لم يكن يتحدث عن طبقة عاملة يهودية عالمية، وإنما كان يتحدث عن عمال يهود في شرق أوربا لهم ظروفهم الثقافية (وربما الاقتصادية) الخاصة، وهو الرأي الذي رفضه البلاشفة. ومع اختفاء الثقافة اليديشية، اختفى تماماً أي أساس لوجود تنظيم عمالي يهودي (يديشي) مستقل. وعلى كلٍّ لم يَعُد هناك عمال يهود في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أي أن أحفاد العمال من أعضاء الجماعات اليهودية دخلوا الجامعات وانخرطوا في صفوف المهنيين والطبقة الوسطى وحققوا حراكاً اجتماعياً ابتعد بهم عن إطار العمال والعمل اليدوي.

  • الاحد PM 03:16
    2021-04-04
  • 791
Powered by: GateGold