المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417545
يتصفح الموقع حاليا : 271

البحث

البحث

عرض المادة

الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية والجماعات اليهوديـة

The Secular Imperialist Epistemological Outlook and the Jewish Communities

كان للرؤية المعرفية الإمبريالية والتشكيل الاستعماري الغربي أثر واضح في أعضاء الجماعات اليهودية. ويتضح هذا في فكر نيتشه الذي اكتسح كثيراً من المفكرين اليهود في القرن التاسع عشر (انظر: «النيتشوية والمفكرون من أعضاء الجماعات اليهودية»)، وفي تمثُّل كثير من المفكرين اليهود لأفكار داروين (على سبيل المثال، انظر: «جومبلوفيتش، لودفيج») والفكر الصهيوني بأسره هو أساساً إفراز من إفرازات الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية والأفكار البرجماتية (انظر: «كالن، هوارس»).

هذا على مستوى الفكر. أما على المستوى السياسي والاجتماعي والتاريخي، فقد قامت الدولة القومية المطلقة في الغرب بترشيد أعضاء الجماعات اليهودية وبتحويلهم إلى مادة بشرية وبطرح الحل العلماني الإمبريالي للمسألة اليهودية، أي تصدير المادة البشرية اليهودية إلى الخارج وبطرح الفكرة الصهيونية وفرضها على أعضاء الجماعات اليهودية.

ولا يمكن فهم حركة انتقال الجماعات اليهودية إلى الأمريكتين وأستراليا ونيوزيلندا وكندا وجنوب أفريقيا وفلسطين إلا في إطار حركة الاستعمار الاستيطاني الغربي،وبخاصة الأنجلو ساكسوني. كما لا يمكن فهم تركُّزهم في الولايات المتحدة إلا باعتبارها التجـربة الاستيطانية الكبرى التي استوعبت حوالي80% من الفائض البشري في أوربا.

ويمكن القول بأن مصير يهود العالم أصبح مرتبطاً تماماً بالإمبريالية بعد أن تركَّز يهود العالم في العالم الغربي، وبخاصة في الولايات المتحدة وإسرائيل. فالمصير اليهودي أصبح هو نفسه مصير الإمبريالية. ولعل هذا يُفسِّر تصهيُن الجماعات اليهودية في العالم وتراجُع الجماعات المعادية للصهيوينة.

الاســـتعمار الاســـتيطاني الغـــربي والجماعــات اليهوديـة
Western Settler Colonialism and the Jewish Communities
يمكن القول بأن نمط هجرة أعضاء الجماعات اليهودية هو حركة تنقُّل تتم دائماً داخل إطار حركة الإمبراطوريات الكبرى التي تيسر لهم هذه الحركة وتتيح لهم فرص الحراك وتوظفهم كجماعة وظيفية استيطانية أو مالية. وإذا كان التهجير البابلي قد تم قسراً، فإن حركة الهجرة العبرانية (اليهودية) التي تعاظمت بالتدريج حتى وصلت ذروتها مع نهاية الألف الأولى قبل الميلاد (حين أصبح عدد اليهود خارج فلسطين أكثر من ضعف عددهم داخلها)، هذه الحركة كانت هجرة تلقائية بحثاً عن الفرص الاقتصادية وتتم في إطار الإمبراطوريات الهيلينية والرومانية. ويمكن القول بأن هجرة يهود شرق أوربا إلى الولايات المتحدة وكندا وفلسطين وغيرها من الدول الاستيطانية بأعداد هائلة حتى انتقلت الكتلة البشرية اليهودية من أوربا (روسيا ـ بولندا) إلى الولايات المتحدة وإسرائيل (فلسطين)، وهي الأخرى هجرة تلقائية تمت داخل إطار إمبراطوري، فهي تتم داخل التشكيل الاستعماري الغربي وتجربته الاستيطانية في أنحاء العالم.

وقد اشترك أعضاء الجماعات اليهودية كمموِّلين ومستثمرين في كثير من النشاطات المرتبطة بالاستيطان الغربي (شركتا الهند الشرقية والغربية الهولنديتان وغيرهما من الشركات، وتجارة العبيد...إلخ). كما اشتركوا في التجارة المثلثة (العبيد من أفريقيا - المشروبات الكحولية والسلع من أوربا - المولاس من جزر الهند الغربية). واشترك كثير من المموِّلين من أعضاء الجماعات اليهودية في الاستثمار في جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية. كما اشتركت أعداد من أعضاء الجماعات اليهودية في عملية الاستيطان نفسها. وفي بداية الأمر، كان أعضاء الجماعة جزءاً من النشاط الاستيطاني الهولندي فاستوطنوا ابتداءً من منتصف القرن السابع عشر جزر الهند الغربية (مثل: ترينداد، وسورينام، والمارتينيك، وجاميكا، وجزر الباهاما). ولكن سورينام كانت أهم التجارب الاستيطانية الأولى. وقد استوطن اليهود كذلك معظم بلاد أمريكا اللاتينية، وبخاصة في الأرجنتين التي وطَّن فيها المليونير هيرش آلاف اليهود، والتي كانت تُعَدُّ أهم تجربة استيطانية زراعية في العصر الحديث باستثناء تجربة إسرائيل.

ويُلاحَظ أن هذه النشاطات الاستيطانية كانت تدور إما في إطار الاستعمار الهولندي أو في إطار الاستعمار الإسباني البرتغالي، والمادة البشرية الأساسية هنا هي يهود السفارد (المارانو). ولكن المادة الاستيطانية الحقيقية كان مصدرها يهود اليديشية (الإشكناز) من شرق أوربا الذين كانوا يشكلون أغلبية يهود العالم الساحقة مع نهاية القرن التاسع عشر. وكان النشاط الاستيطاني الأكبر ليهود اليديشية داخل التشكيل الاستيطاني الأنجلو ساكسوني، فاتجهت ملايين اليهود إلى جنوب أفريقيا وكندا ونيوزيلندا وأستراليا وهونج كونج، لكن غالبيتهم (85% اتجهت إلى الولايات المتحدة، أهم التجارب الاستيطانية، ثم إلى إسرائيل التي تلي الولايات المتحدة في الأهمية، وهي تجربة استيطانية تمت برعاية إنجلترا ثم الولايات المتحدة، أي التشكيل الأنجلو ساكسوني في جانبه الاستيطاني.

والإطار التفسيري السابق يجعلنا نرى مدى ارتباط الجماعات اليهودية في العالم (الغربي بالذات) بالتشكيل الاستعماري الاستيطاني الغربي، ويضع يدنا على الحقائق الأساسية التالية في واقع أعضاء الجماعات اليهودية في العالم:

1 ـ الدياسبورا اليهودية (أي انتشار أعضاء الجماعات اليهودية في أرجاء العالم) ليست انتشاراً عشوائياً وإنما انتشار يصاحب انتشار التشكيل الاستعماري الغربي، وبخاصة في جانبه الاستيطاني، فهجرة أعضاء الجماعات اليهودية لا تحددها حركيات التاريخ اليهودي أو الطبيعة اليهودية وإنما حركيات الاستعمار الغربي، وبخاصة الاستعمار الأنجلو ساكسوني في جانبه الاستيطاني. ولا يمكن فهم تركُّز أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة إلا باعتبارها التجربة الاستيطانية الكبرى.

2 ـ لا تشكل إسرائيل استثناء من هذه القاعدة، فهي جزء من نمط وحركية غربية هي الإمبريالية الغربية التي جعلت العالم مسرحاً لنشاطها سواء في أستراليا أو أمريكا اللاتينية أو جنوب أفريقيا أو فلسطين. فالمشروع الصـهيوني جزء لا يتجزأ من التشـكيل الاستعماري الاستيطاني في الغرب، وما كان بمقدوره أن يتحقق دون إمكانيات الإمبريالية الغربية ودون طموحاتها أو آلياتها. واستيطان اليهود في فلسطين هو نقل لفائض بشري غربي إلى بقعة في آسيا أو أفريقيا حيث يتم تحويله إلى دولة وظيفية استيطانية تقوم على خدمة مصالح الغرب نظير أن يقوم هو على حمايتها. فإسرائيل من هـذا المنظـور هي إعـادة إنتـاج لنمط قديم، على حين أن وعد بلفور، ثم دعم حكومة الانتداب للمستوطن الصهيوني، ثم دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، وتوقيع الاتفاق الإستراتيجي معها، يبين أن الدولة الصهيونية هي امتداد لارتباط أعضاء الجماعات اليهودية بالاستعمار الاستيطاني الأنجلو ساكسوني.

3 ـ بل يمكن القول بأن يهود الشرق والعالم الإسلامي تم تحويلهم إلى مادة استيطانية تابعة للتشكيل الاستيطاني الغربي من خلال مدارس الأليانس والدعاية الصهيونية وهجرة أعداد ضخمة من اليهود الإشكناز إلى العالم العربي. وهذه العمليات كلها أفقدتهم هوياتهم المحلية المختلفة وأحلَّت محلها هوية يهودية عالمية اسماً ولكنها استيطانية فعلاً جوهرها فك الصلة بين اليهودي ووطنه، ومن ثم يتم استيعابه في المنظومة الاستيطانية. وبالفعل، حينما أُعلن إنشاء إسرائيل، هاجرت الأغلبية الساحقة من يهود البلاد العربية إليها وظل الباقون يجلسون على حقائبهم في انتظار السفر إما إلى الولايات المتحدة أو إلى إسرائيل.

  • الاربعاء PM 11:03
    2021-03-31
  • 990
Powered by: GateGold