المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412178
يتصفح الموقع حاليا : 314

البحث

البحث

عرض المادة

توهم تعارض الأحاديث بشأن الصوم بعد نصف شعبان

توهم تعارض الأحاديث بشأن الصوم بعد نصف شعبان(*)

مضمون الشبهة:

يتوهم بعض الناس وجود تعارض فيما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشأن مشروعية الصوم بعد النصف من شعبان، وذلك فيما رواه العلاء عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا». فهذا يتناقض مع ما جاء عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت:«لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرا أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله...». ومثله - أيضا - حديث أم سلمة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصله برمضان». فحديث العلاء واضح الدلالة في النهي عن الصوم لمجرد انتصاف شهر شعبان، بينما دل حديث كل من عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما - على ما يخالف حديث العلاء في النهي، فكيف الجمع بين هذه الأحاديث؟!

وجه إبطال الشبهة:

  • إنحديثالعلاءبنعبدالرحمن في النهي عن الصوم بعد النصف من شعبان حديث صحيح، وراويه ثقة، وليس في تفرده بالحديث ما يقدح في صحته، كما أن له غير حديث عند مسلم في صحيحه، ولا تعارض بينه وبين حديثي عائشة وأم سلمة؛ إذ إن النهي لمن تعمد ابتداء الصوم من بعد النصف من غير عادة أو نذر؛ وذلك لثبوت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام شعبان كله أو أكثره، وبهذا قد جمع أهل العلم بين الأحاديث.

التفصيل:

قد يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن فعل معين، ثم ينقل إلينا عنه - صلى الله عليه وسلم - ما يخالف هذا النهي، سواء من فعله - صلى الله عليه وسلم - أو إقراره لأحد من الصحابة - مثلا - مما يجعل الناظر إلى مثل هذا في حيرة واضطراب، قد يدفعانه إلى الشك والارتياب فيما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تكون الإجابة حاضرة ميسورة، كأن يقدم آخر النصين على أولهما فينسخه، أو يرجح القول على الفعل؛ لأن دلالة القول أقوى من دلالة الفعل، فالقول لا يعتريه ما يعتري الفعل من احتمالات قد تصرفه عن أن يكون بقوة القول، والأفضل من هذا كله وجود إمكانية الجمع بين النصين قولا وفعلا.

وهذا ما سوف نحاول أن نوضحه فيما معنا من أحاديث، وبيان كيف جمع أهل الحديث بينها.

فعن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا. فقال العلاء: اللهم إن أبي حدثني عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك»[1].

قال الحافظ ابن القيم: الذين ردوا هذا الحديث لهم مأخذان.

أحدهما: أنه لم يتابع العلاء عليه أحد، بل انفرد به عن الناس، وكيف لا يكون هذا معروفا عند أصحاب أبي هريرة، مع أنه أمر تعم به البلوى ويتصل به العمل؟!

والمأخذ الثاني: أنهم ظنوه معارضا لحديثي عائشة وأم سلمة في صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - شعبان كله، أو كله إلا قليلا منه، فعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: «لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرا أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله، وكان يقول: خذوا من العلم ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وأحب الصلاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دووم عليه وإن قلت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها»[2].

وكذلك ظنوا أن حديث النهي معارض لسؤاله - صلى الله عليه وسلم - للرجل عن صومه سرر شعبان، فعن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه سأله - أو سأل رجلا وعمران يسمع - فقال: يا فلان، أما صمت سرر هذا الشهر؟ قال: أظنه قال: يعني رمضان، قال الرجل: لا يا رسول الله، قال: فإذا أفطرت فصم يومين، لم يقل الصلت: أظنه يعني: رمضان»[3].

قال الذين ردوا حديث النهي: وهذه الأحاديث أصح منه، وربما ظن بعضهم أن هذا الحديث لم يسمعه العلاء من أبيه[4].

وممن ذهب إلى تضعيف الحديث الإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والنسائي، والبيهقي، والذهبي، وابن رجب، وكذلك ابن حجر حينما نسب تضعيفه للجمهور، فهؤلاء الأئمة أعلوه بتفرد العلاء[5]، واستدلوا على ذلك أيضا - بالإضافة إلى الحديثين السابقين - بما ثبت في الصحيحين بمنطوق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم»[6].

فدل هذا الحديث بمفهومه على جواز التقدم بأكثر من ذلك، فالنهي ثابت بألا يتقدم صوم رمضان بصوم يوم أو يومين فقط، فجاز صوم ما هو دون ذلك.

قال ابن القيم: وأما المصححون له، وهم: أبو عوانة، والطحاوي، وابن حبان، وابن حزم، وابن عبد البر، والمنذري، وغيرهم - فأجابوا عن هذا بأنه ليس فيه ما يقدح في صحته، وهو حديث على شرط مسلم، فإن مسلما أخرج في صحيحه عدة أحاديث عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، وتفرد به تفرد ثقة بحديث مستقل، وله عدة نظائر في الصحيح.

قالوا: والتفرد الذي يعلل به هو تفرد الرجل عن الناس بوصل ما أرسلوه، أو رفع ما وقفوه، أو زيادة لفظة لم يذكروها، وأما الثقة العدل إذا روى حديثا وتفرد به لم يكن تفرده علة، فكم قد تفرد الثقات بسنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عملت بها الأمة؟ هذا رد على من طعن في الحديث من جهة تفرد العلاء.

قالوا: وأما ظن معارضته بالأحاديث الدالة على صيام شعبان، فلا معارضة بينهما، وإن تلك الأحاديث تدل على صوم نصفه مع ما قبله، وعلى الصوم المعتاد في النصف الثاني، وحديث العلاء يدل على المنع من تعمد الصوم بعد النصف، لا لعادة ولا مضافا إلى ما قبله، ويشهد له حديث التقدم «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين...» فدل ذلك على جواز صوم ما هو بعد النصف من غير تعمد أو قصد الصوم في هذين اليومين من غير عادة أو قضاء نذر.

وأما كون العلاء لم يسمعه من أبيه، فهذا لم نعلم أن أحدا علل به الحديث، فإن العلاء قد ثبت سماعه من أبيه، وفي صحيح مسلم عن العلاء عن أبيه بالعنعنة غير حديث، وقد قال عباد بن كثير: "لقيت العلاء بن عبد الرحمن وهو يطوف، فقلت له: برب هذا البيت، حدثك أبوك عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا؟»فقال: ورب هذا البيت، سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم" فذكره[7].

وأما حديث: «هل صمت من سرر شعبان شيئا؟» أي من آخره. قال أبو عبيد والجمهور: المراد بالسرر هنا آخر الشهر. سميت بذلك لاستسرار القمر فيها، وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين. وقال الخطابي: هذان الحديثان يعني حديث:«لا تقدموا الشهر بصيام يوم» وحديث: «هل صمت من سرر شعبان» متعارضان في الظاهر، ووجه الجمع بينهما أن الأمر بالصوم إنما هو شيء كان الرجل قد أوجبه على نفسه بنذره فأمر بالوفاء به، أو كان ذلك عادة قد اعتادها أواخر الشهور فتركها لاستقبال الشهر، فاستحب له - صلى الله عليه وسلم - أن يقضيه، وأما النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، فالنهي فيه عن أن يبتديه المرء متبرعا به من غير إيجاب نذر ولا عادة قد كان تعودها فيما مضى[8].

ومثل ذلك نقله الحافظ ابن حجر في "الفتح" عن الإمام القرطبي فقال: "الجمع بين الحديثين ممكن، بحمل النهي على من ليست له عادة بذلك، وحمل الأمر على من له عادة حملا للمخاطب بذلك على ملازمة عادة الخير حتى لا يقطع، قال: وفيه إشارة إلى فضيلة الصوم في شعبان وأن صوم يوم منه يعدل صوم يومين في غيره؛ أخذا من قوله: «فصم يومين مكانه»؛ يعني: مكان اليوم الذي فوته من صيام شعبان"[9].

قال الشوكاني: "لا تعارض بين ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - من صوم كل شعبان أو أكثره ووصله برمضان، وبين أحاديث النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، وكذا ما جاء من النهي عن صوم نصف شعبان الثاني؛ فإن الجمع بينهما ظاهر بأن يحمل النهي على من يدخل تلك الأيام في صيام يعتاده، وقد تقدم تقييد أحاديث النهي عن التقدم، بقوله صلى الله عليه وسلم: «إلا أن يكون شيئا يصومه أحدكم»[10].

ويؤيد ما سبق ذكره جواب الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - عندما سئل عن كيفية التوفيق بين كل من حديث العلاء، وحديثي عائشة وأم سلمة، حيث قال: "لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شعبان كله، وربما صامه إلا قليلا، كما ثبت ذلك من حديثي عائشة وأم سلمة، أما الحديث الذي فيه النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان فهو صحيح، كما قال الأخ العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني، والمراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله فقد أصاب السنة"[11].

وبهذا يندفع التعارض المتوهم بين الأحاديث ويحصل الجمع بينها.

الخلاصة:

  • إن كلا من حديث العلاء بن عبد الرحمن: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»، وحديث عائشة - رضي الله عنها: «لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرا أكثر من شعبان...»، وكذا حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أحاديث صحيحة ثابتة.
  • إنتفردالعلاءبنعبدالرحمنبحديثالنهي عن الصوم بعد النصف من شعبان - ليس قادحا في صحة الحديث؛ لأنه قد ثبت صحته، كما أن تفرد الثقة بالرواية لا يقدح في صحتها، فالعلاء ثقة، وله غير حديث عند مسلم في صحيحه.
  • لاتعارضبينكلمنحديثالعلاءبنعبدالرحمن،وحديثيعائشةوأمسلمة - رضياللهعنهما - فقد جمع العلماء بينهما من خلال حمل حديث العلاء على من تعمد ابتداء الصوم بعد النصف من شعبان من غير نذر أو صيام اعتاده، أما حديثا عائشة وأم سلمة فمحمولان على ما إذا كان يصوم صوما اعتاده.
  • ومثلذلكأيضافيالجمعبينحديثسؤالالنبي - صلىاللهعليهوسلم - للرجل عن صوم آخر شعبان، وحديث النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، فإن ذلك جائز في حق من كانت له عادة أو عليه قضاء فصام هذه الأيام وصادف آخر الشهر، فهذا لا يشمله النهي عن التقدم.
  • لقدأثبتتهذهالأخباروغيرهافضلالصومفيشهرشعبانويدلعليه - أيضا - أن صيام يوم في شعبان يعدل يومين في غيره، كما جاء عن سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل عن صوم آخر شعبان، فنصحه بصيام يومين بعد رمضان عوضا عما فاته من شعبان، فكان هذا من فوائد الحديث.

 

 

 

 

(*) لا نسخ في السنة، د. عبد المتعال محمد الجبري، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 1415هـ/ 1995م. مختلف الحديث عند الإمام أحمد، د. عبد الله بن فوزان بن صالح الفوزان، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1، 1428هـ.

[1]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الصيام، باب: في كراهية ذلك، (6/ 329، 330)، رقم (2334). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (2337).

[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصوم، باب: صوم شعبان، (4/ 251)، رقم (1970).

[3]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصوم، باب: الصوم من آخر الشهر، (4/ 270)، رقم (1983). صحيح مسلم، كتاب: الصيام، باب: صوم سرر شعبان (4/ 1819)، رقم (2705)0

[4]. انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (6/ 329، 330).

[5]. انظر: مختلف الحديث عند الإمام أحمد، د. عبد الله بن فوزان بن صالح الفوزان، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1، 1428هـ، (2/ 724: 727).

[6]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصوم، باب: لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين، (4/ 152)، قم (1914).       

[7]. عون المعبود شرح سنن أبي داود، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (6/ 330) بتصرف.

[8]. عون المعبود شرح سنن أبي داود، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (6/ 322) بتصرف.

[9]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (4/ 272).

[10]. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، محمد عبد السلام المباركفوري، (6/ 878).

[11]. مجموع فتاوى ابن باز، أشرف على جمعه: محمد سعد الشويعر،(15/ 385).

  • الاحد PM 03:12
    2020-10-18
  • 1389
Powered by: GateGold