المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417542
يتصفح الموقع حاليا : 279

البحث

البحث

عرض المادة

العـلاقة الفعليـة بين النازيــة والصهيونيــة2

رابطـة الثقافـة اليهوديـة 
Juedischer Kulturbaund «رابطة الثقافة اليهودية» (بالألمانية: يوديشر كولتوربوند Juedischer Kulturbund) منظمة ألمانية يهودية تأسست في ألمانيا النازية عام 1933، بمبادرة من النظام النازي وبعض المثقفين الألمان اليهود مثل كورت باومان وكورت سنجر ويوليوس باب وفرنر ليفي. وتصدر الجماعة عن الإيمان بفكرة الشعب العضوي والشعب العضوي المنبوذ. حيث ذهبوا إلى أن أعضاء الجماعة اليهودية هم أعضاء في شعب عضوي (فولك)، ومن ثم لا يحق لهم المشاركة أو المساهمة في الحياة الثقافية العامة في ألمانيا، وهو افتراض قبله الصهاينة وكثير من المثقفين اليهود في ألمانيا وخارجها قبولاً تاماً. وكان مفهوم الشعب العضوي هو القيمة الحاكمة والمسلمة النهائية في المنظومة النازية، ولذا بارك جوبلز وزير الدعاية النازي نفسه فكرة تأسيس الرابطة التي استمرت في نشاطها حتى عام 1941، وكانت بمنزلة المنبر الأساسي للكُتَّاب والموسيقيين اليهود. وقد بلغ عدد أعضائها 17 ألفاً ثم زاد إلى 19 ألفاً بعد عدة شهور، وكان يعمل فيها عدد كبير من الموظفين و125 من الموسيقيين والممثلين والمغنين، وكانت تطبع بعض منشوراتها بالعبرية واليديشية (الوعاء الثقافي لتراث الشعب العضوي). 
ونظراً لنجاح الرابطة، تم في عام 1938 تأسيس شبكة قومية من فروع الرابطة في كل أنحاء ألمانيا بلغ عددها 168 فرعاً، وبلغ عدد أعضائها 180 ألفاً (أي أنها كانت تضم معظم يهود ألمانيا الراشدين)، بل بلغ حجم العضوية في برلين وحدها ما بين 12 ألفاً و18 ألفاً. وبلغ عدد الفنانين اليهود التابعين للرابطة حوالي ألفين. وقامت الرابطة بتنظيم ما يقرب من 8457 برنامجاً تشمل محاضرات وحفلات ومسـرحيات وعروضاً فنية. وحقــقت إيراداً بلغ مليـوناً وربع مليـون مـارك. كما كان لها جريدتها الخاصة. وقد شاركت الرابطة بنشاط ملحوظ في الدعاية النازية، سواء في الداخـل أم في الخارج. ففي الداخل، قامت الرابطة بزيادة التماسك العضوي والوعي اليهودي بين أعضاء الجماعة اليهودية، الأمر الذي يعني زيادة عزلتهم وإعطاء مصداقية للرؤية النازية لليهود. أما بالنسبة للخارج، فكانت تعطي صورة مشرقة للحكم النازي في علاقته باليهود وفي سماحه لهم بالإفصاح عن هويتهم العضوية. ورغم أن أغلب البرامج الثقافية والعلمية المقدمة من قبَل الرابطة كانت تخضع لرقابة البوليس السري (جستابو) وغرفة الفنون والثقافة ثم لرقابة قيادات الحزب النازي في برلين، إلا أن السلطات النازية حرصت على استمرار نشاط الرابطة حتى بعد أحداث عام 1938، حينما تم الهجوم على الممتلكات اليهودية وإلقاء أعداد كبيرة من أعضاء الجماعة اليهودية في معسكرات الاعتقال، واستجابت لمطالب رؤساء الرابطة الخاصة بالسماح لهم باستخدام المسارح الألمانية لتقديم عروض الرابطة وتأسيس دور عرض سينمائي خاصة بها. كما عرضت تقديم دعم مالي لها، وقامت بتقديم الأرباح التي حققتها من خلال جريدتها ودور العرض السينمائي إلى المنظمات المختصة بتنظيم هجرة أعضاء الجماعة اليهودية إلى خارج ألمانيا. وقد نجح بعض قادة الرابطة في الهجرة، وتم حل الرابطة بشكل نهائي عام 1941 بأمر من الحكومة. 
ولم تكن هذه الرابطة حادثة عرضية في تاريخ علاقة النازيين بالجماعة اليهودية. فقد أظهر النازيون دائماً اهتماماً غير عادي بالثقافة اليهودية باعتبارها تعبيراً عن أن الشعب اليهودي شعب عضوي مستقل. ولذا، أسست السلطات النازية أهم متحف يهودي في العالم آنذاك في تشيكوسلوفاكيا (ولا يزال هذا المتحف قائماً). وفي مستوطنة تيريس آينشتات، ازدهرت الثقافة اليهودية، وكانت الفرق الموسيقية تقدم عروضاً للزوار الأجانب وتصور الأفلام وتوزعها على العالم. 
ولم يكن سلوك النازيين (هذا) ينم عن أي تسامح أو اضطهاد، وإنما هو تعبير عن إيمان بأن القومية العضوية تشكل أرضية تفاهم مشتركة بينهم وبين الصهاينة، وهي أرضية لا توجد بينهم وبين أي فريق يهودي آخر. 
تيريس آينشتات Thereseinstadt » تيريس آينشتات Thereseinstadt» مدينة في تشيكوسلوفاكيا (وتُسمَّى «تيريزين» بالتشيكية) حولها النازيون إلى مستوطنة نموذجية بين عامي 1941 و1945. رُحِّل إليها حوالي 150.000يهودي من يهود وسط أوربا وغربها من المتميِّزين أو المسنين أو اليهود من أبناء الزيجات المختلطة. وقد أيد زعماء الجماعة اليهودية في تشيكوسلوفاكيا الخطة، باعتبار أن هذا يعني بقاء يهود تشيكوسلوفاكيا في وطنهم. ويُقال إن الهدف النازي من تأسيس هذه المستوطنة النموذجية كان إعلامياً بحيث تقدم للإعلام العالمي باعتبارها مثالاً على "حياة اليهود الجديدة تحت حماية الرايخ الثالث" (وهو اسم أحد الأفلام التي صُورت في المستوطنة(. 
وقد أدار المستوطنة مجلس من الكبراء يضم القادة اليهود ويترأسه أحد كبراء اليهود كانت تعينه السلطات الألمانية. وتمتعت المستوطنة بحريات كثيرة، حيث كان لها نظامها التعليمي ونظامها البريدي المستقل ومكتباتها وهويتها الثقافية. ومن ثم، كان من مسئوليات مجلس الكبراء الحفاظ على النظام في المستوطنة وتوزيع العمل فيها وتوطين المستوطنين الجدد والعناية بالصحة وبالمـسنين والأطفـال والإشـراف على النشـاط الثقافي. كما كان يتبع المستوطنة نظام قضائي مستقل (أي أن تيريس آينشتات كانت تتمتع بالحكم الذاتي). وقد سمحت السلطات النازية لسلطات الصليب الأحمر بزيارة المستوطنة وبالاجتماع بمجلس الكبراء. 
وقد رُحِّل حوالي 140.937 يهودياً إلى مستوطنة تيريس آينشتات من بينهم 33.529 ماتوا فيها، أي حوالي 25%، ورُحِّل حوالي 88.196إلى معسـكرات الاعتقال. وحينمـا تم تحرير المستوطنة وكان يوجد فيها 17.247 شخصاً. 
وتثير هذه المستوطنة الكثير من القضايا: 
1 ـ يُلاحَظ اشتراك المجالس اليهودية مع السلطات النازية في كل الأنشطة سواء الإعداد والتخطيط للمستوطنة أو إدارتها أو مقابلة مندوبي الصليب الأحمر الدولي. وهذا التعاون يثير واحدة من أهم القضايا الأساسية في ظاهرة الإبادة النازية لليهود، أي مدى اشتراك قيادات الجماعات اليهودية في عملية الإبادة. 
2 ـ وتثير المستوطنة قضية ترشيد الإبادة، فلم يكن النازيون مجرد جزارين على الطريقـة التقليــدية، وإنما كانــوا يلجـأون إلى التخطيط العلمي الدقيق وإلى التفرقة بين اليهود المتميِّزين واليهود العاديين. 
3 ـ ويمكن التساؤل أيضاً عما إذا كان هدف النازيين هو توظيف اليهود أم إبادتهم. 
4 ـ ولا تختلف علاقة المستوطنة بالسلطات النازية عن علاقة أية دولة في العالم الثالث بالقوة الإمبريالية التي تحكمها، والحريات التي كان يتمتع بها سكان المستوطنة لا تزيد كثيراً عن تلك التي تعرضها الحكومة الصهيونية على سكان الضفة الغربية باسم الحكم الذاتي، وهو ما يجعلنا نذهب إلى القول بأن التجربة النازية جزء لا يتجزأ من الحضارة الغربية. 
5 ـ ومن القضايا الأخرى التي تثيرها المستوطنة، عدد اليهود الذين تمت إبادتهم عن طريق أفران الغاز. فالموسوعة اليهودية (جودايكا) تتحدث عن أن ربع سكان هذه المستوطنة المثالية التي تتمتع بظروف خاصة ماتوا بسبب ظروف الحرب، وأنه في أبريل 1945 وصل إلى تيريس آينشتات 14.000 سجين من معسكرات الاعتقال الأخرى، فاجتاحت الأوبئة سكان المستوطنة وهلك منهم ومن المرحلين الجدد الآلاف، واستمرت الأوبئة في حصدهم حتى بعد سقوط النظام النازي. فإذا كانت الأوبئة قد حصدت حياة الألوف قبل بعد انتهاء الحرب، ألا يثير هذا قضية عدد اليهود الذين أُبيدوا عن طريق أفران الغاز؟ 
جيـــتو وارســو Warsaw Ghetto أسس النازيون جيتوات كانت تأخذ شكل مناطق قومية تتمتع بقدر كبير من الاستقلال، فكان يتم إخلاء رقعة من إحدى المدن من غير اليهود ثم يُنقل إليها عشرات الآلاف من اليهود. ومن أشهر هذه المناطق جيتو وارسو ولودز وريجا في بولندا ومستوطنة تيريس آينشتات «النموذجية» في بوهيميا. 
ومن أهم الجيتوات جيتو وارسو الذي بلغ عدد القاطنين فيه عام 1941 حوالي نصف مليون يهودي يعيشون في رقعة صغيرة حولها حائط ارتفاعه ثمانية أقـدام، وكان له اثنان وعشـرون مدخـلاً يقف على كلٍّ منهـا ثـلاثة جنود، أحدهم ألماني والثاني بولندي مسيحي والثالث بولندي يهودي. وكان التعريف الذي تبناه الألمان للهوية اليهودية هو تعريف قوانين نورمبرج وهو أن اليهودي يهودي بالمولد وليس بالعقيدة (وهو التعريف الذي تبنته فيما بعد دولة إسرائيل والذي يستند إليه قانون العودة الصهيوني). 
ويجب النظر إلى تجربة الجيتو هذه في ضوء المخطط النازي ذي الطابع الصهيوني الواضح الذي ينطلق من تصور استقلال اليهود كشعب عضوي منبوذ له شخصيته القومية المستقلة. ولذا كان للجيتو مؤسساته المستقلة الخاصة به (عملة خاصة ـ وسائل نقل خاصة ـ خدمة بريدية ـ مؤسسات الرفاه الاجتماعي). كما سُمح لجيتو وارسو بأن يكون له نظامـه التعليـمي، وبأن يفـتح المكتبات لبيع الكتب واستعارتها، وبأن يصدر جريدته اليومية بل كان له ميليشيا ومحاكم خاصة به، أي أن الجيتو كان بمثابة دولة صغيرة منعزلة ثقافياً واقتصادياً عما حولها، وهو بهذا استمرار لتقاليد القهال والإدارة الذاتية والشتتل التي يمجدها الصهاينة في كتاباتهم، وهو يشـبه في كثير من الوجوه الدولة الصهيونية المشتولة في الشرق الأوسـط. 
وكان يدير الدويلة/الجيتو «سلطة يهودية» أو «مجلس كبراء»، تُعيِّن السلطات النازيــة أعضاءه. ولكن استقـلالية الدويلة/الجيتـو لم تكن كاملـة، إذ كـان الجيتو يقـوم باستيراد كل المواد الخام والطعام والملابس التي يحتاجها من سلطة الاحتلال النازية على أن يسدد ثمن الواردات بالمنتجات الصناعيـة (الملابـس والمصنـوعات الجلـدية) التي كان ينتجها الجيتـو. كمـا كان على المجـلس أن يقـدم عدداً من العمال يومياً يبيعون عملهم لتسديد واردات الجيتو. وكان العامل البولندي، يهودياً كان أم غير يهودي، يتقاضى ربع ما يتقاضاه العامل الألماني. 
ولا ندري هل وضع النازيون مخططاً لإبادة يهود جيتو وارسو (بالمعنى الخاص للكلمة، أي بمعنى التصفية الجسدية) من خلال فرض وضع اقتصادي غير متكافئ عليهم بحيث يمكن استنزافهم لصالح النازيين، أم أن عملية الإبادة تمت كنتيجة حتمية، ليست بالضرورة متعمدة، للبنية الاستغلالية التي فرضها النازيون؟ فقيمة السلع التي كان ينتجها الجيتو والخدمات التي يقدِّمها كانت دائماً دون حد الكفاف ولا تفي بالاحتياجات المادية الأساسية للعاملين اليهود الأساسيين، الأمر الذي كان يعني سوء التغذية داخل الجيتو وتناقص عدد سكانه مع ضمان تدفق فائض القيمة بشكل مستمر إلى النازيين. وقد أدَّى عدم تكافؤ العلاقة بين الدولة النازية والدويلة/الجيتو اليهودية إلى أن السكان زادوا فقراً وزادت حاجتهم إلى المواد الغذائية، فكانوا يموتون جوعاً ويهلكون بالتدريج وببطء دون أفران غاز. 
وقد قام أحد الباحثين بدراسة إحصائية دقيقة لهذه الإبادة التدريجية البطيئة (عن طريق التجويع) مستخدماً جيتو وارسو أساساً لدراسة الحالة. فأشار إلى أن الفترة من 1939 إلى 1942، أي خلال ستة وثلاثين شهراً، شهدت زيادة عدد الوفيات بشكل ملحوظ. فحسب معدل الوفيات بين أعضاء الجماعة اليهودية قبل الحرب كان من المفروض أن يكون عدد الوفيات 12.600 في العام. ولكن الجوع والمرض (وكذا غارات الحلفاء وأحكام الإعدام) أدَّت معاً إلى موت 88.568 ألفاً في العام، وهو عدد يشكل 19% من مجموع سكان جيتو وارسو البالغ عددهم خمسمائة ألف، الأمر الذي يعني أنه كان من الممكن اختفاء كل سكان الجيتو خلال ثمانية أعوام دون أفران غاز. ويمكن أن نضيف أن هذه العملية كانت ستتسارع في السنوات الأخيرة بسبب زيادة ضعف وهزال سكان الجيتو، ومن ثم، فإن خمس أو ست سنوات كانت كافية في تصوُّرنا لإتمام هذه العملية. 
وكانت علاقة الدولة النازية بدويلة/جيتو وارسو علاقة كولونيالية لا تختلف كثيراً عن علاقة إنجلترا بمستعمراتها أو علاقة الدولة الصهيونية بالسلطة الفلسطينية في غزة وأريحا (كما يتخيلها الصهاينة). وربما كان الفارق الأساسي هو درجة التحكم، إذ أن جيتو وارسو كان كياناً صغيراً متخلفاً، ومن ثم كان بالإمكان التحكم فيه بدرجة كاملة أو شبه كاملة، على عكس الضفة الغربية وغزة حيث يوجد كيان حضاري مركب يعود إلى أعماق آلاف السنين ويتسم بتجذره، كما أن سكان " المناطق " المحتلة لم يتوقفوا قط عن المقاومة. وكل هذا جعل التحكم في فلسطين المحتلة بعد عام 1967 أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً. 
ويدل سلوك الإسرائيليين تجاه السلطة الفلسطينية في غزة وأريحا أنهم استبطنوا هذا الجانب من تجربة يهود أوربا مع النازية. فهم يحاولون أن تكون علاقتهم مع هذه السلطة تشبه في معظم الوجوه علاقة الحكم النازي بالسلطة اليهودية في جيتو وارسو أو مستعمرة تيريس آينشتات. 
جماعة شتيرن والنازية Stern and Nazism جماعة صهيونية مراجعة حاولت التعاون مع النازيين باعتبار أن ثمة فارقاً عميقاً بين ما سمته الجماعة «مضطهدي الشعب اليهودي» وأعدائه. فمضطهدو الشعب اليهوي أمثال هامان وهتلر موجودون في كل زمان (فالصهاينة يؤمنون بحتمية العداء لليهود واليهودية). ولكن الأمر جدُّ مختلف بالنسبة لأعداء اليهود، فهؤلاء هم الأجانب الذين يهيمنون على فلسطين ويمنعون اليهود من العودة إليها لينهوا حالة المنفى ويؤسسوا وطنهم القومي فيها. وبناءً على هذه الأطروحة الصهيونية الراديكالية لم يجد أعضاء شتيرن أية غضاضة في التفاوض مع النظم الشمولية بهدف التعاون الوثيق معها. فعقدوا اتفاقاً مع حكومة موسوليني تعترف بمقتضاه الحكومة الفاشية بالدولة الصهيونية على أن يقوم أعضاء شتيرن بالتنسيق مع القوات الإيطالية حين تقوم بغزو فلسطين. 
ولكن التعاون مع النازيين كان هو الهدف الحقيقي. ولتحقيق هذا الغرض أرسل أعضاء شتيرن مندوباً إلى بيروت (التي كانت تحت سيطرة حكومة فيشي الموالية للنازيين) للتفاوض مع قوات المحور. وقد قابل هذا المندوب، في يناير 1941، مواطنين ألمانيين أحدهـما هو أوتو فون هنتج، رئيس القسم الشرقي في وزارة الخارجية الألمانية، والذي كان يشعر بالإعجاب العميق بالصهيونية. 
وبعد الحرب اكتُشفت وثيقة (في أرشيف السفارة الألمانية في أنقرة) أرسلتها جماعة شتيرن للحكومة الألمانية تتصل بإيجاد حل للمسألة اليهودية في أوربا واشتراك أعضاء جماعة شتيرن إلى جانب القوات النازية في الحرب ضد قوات الحلفاء. وتنص الوثيقة على أن إجلاء الجماهير اليهودية من أوربا هو شرط مسبق لحل المسألة اليهودية. وقد عبَّر كاتب الوثيقة عن وجود نقط تماثل بين النازية والصهيونية. (وصفت شتيرن نفسها بأنها حركة تشبه الحركات الشمولية في أوربا في أيديولوجيتها وبنيتها). كما تذكر الوثيقة وجود مصالح مشتركة بين النازيين والصهيونية، وتُعبِّر عن تقدير جماعة شتيرن للرايخ الثالث لتشجيعه النشاط الصهيوني داخل ألمانيا وللهجرة الصهيونية إلى فلسطين. وتؤكد الوثيقة ضرورة التعاون بين ألمانيا الجديدة والفولك العبري في المجال السياسي والعسكري. 
ولم يتلق الجانب الصهيوني رداً، ولذا أرسلت جماعة شتيرن مندوباً آخر في ديسمبر من نفس العام إلى تركيا (بعد احتلال البريطانيين للبنان) ولكن قُبض على هذا العميل. 
وكان إسحق شامير، رئيس وزراء إسرائيل السابق، عضواً في جماعة شتيرن. ويؤكد الباحث الإسرائيلي باروخ نادل أن شامير كان يعرف بخطة شتيرن للتعاون مع النازيين. وحينما عُيِّن وزيراً للخارجية ثار الرأي العام العالمي بسبب تعيين إرهابي مثله (قام بتدبير عملية اغتيال اللورد موين في القاهرة عام 1942 والكونت فولك برنادوت عام 1948)، ولكن أحداً لم يتطرق إلى ماضيه النازي. 
عصبــة الأشـــداء Brit Habiryonim «عصبة الأشداء» (أي الأقوياء) (بالعبرية: «بريت هابريونيم») جماعة صهيونية مراجعة أسسها آبا أحيمئير (1898 ـ 1962) ومجموعة من المثقفين الصهاينة مثل الشاعر أوري جرينبرج. وكان معظم مؤسسي الجمعية أعضاء في منظمات صهيونية عمالية ثم استقالوا منها. وقد تبنت الجماعة صياغة صهيونية لا تخفي إعجابها بالفكر النازي أو العنصرية النازية. وكما قال أحد كبار الصهاينة التصحيحيين « نحن التصحيحيين نكن الإعجاب الشديد لهتلر، فهو الذي أنقذ ألمانيا ولولاه لهلكت خلال أربعة أعوام، وسنتبعه إن هو تخلى عن معاداته لليهود ». وكانت مجلة عصبة الأشداء في فلسطين تزخر بالمقالات التي تمجد هتلر والهتلرية. وكان من بين هتافات أعضاء العصـبة « ألمانيا لهتلر، وإيطاليا لموسوليني، وفلسطين لجابوتنسكي». كما مجَّد أعضاء الجمعية الجوانب العسكرية في تاريخ العبرانيين، فكانوا يشبهون أنفسهم بجماعة حملة الخناجر، وهم فريق من جماعة الغيورين كانت تغتال الرومان واليهود الذين يتحالفون معهم، وذلك أثناء التمرد اليهودي الأول في فلسطين بين عامي 66 و73 ميلادية (واسم الجمعية نفسه «بريت هابريونيم» هو اسم إحدى الجمعيات الإرهابية اليهودية في تلك الفترة). وكان أتباع الجمعية يرون أن الاغتيال السياسي ليس جريمة وإنما هو فعل ذو هدف ومعنى، وأن الـدم والحـديد هما الطريق الوحيد للتحرر. وكما قال أحميئير، فإن "الماشيَّح لن يأتي راكباً على حمار"، وهو ما يعني أن الماشيَّح الصهيوني سيأتي راكباً دبابة، حاملاً القنابل العنقودية! وتعود أهمية الجمعية إلى تأثيرها في حركة التصحيحيين ككل، فقد تحولت مجلتهم (التي صدرت ابتداءً من يناير 1932) إلى لسان حال العمال التصحيحيين، وشنت حملات شعواء على المعسكر العمالي بأسره. 
ورغم أن جابوتنسكي كان يحاول أحياناً أن يحتفظ بمسافة بينه وبين أعضاء الجمعية، إلا أنه كان يُعبِّر في خطاباته عن إعجابه بهم وتعاطفه معهم. ولم يتخذ أي إجراء تنظيمي ضدهم بل أطلق على أحيمئير (بنبرة لا تخلو من التهكم) اسم «معلمنا ومرشدنا الروحي»، كما أن الحاخام إسحق كوك دافع عنهم. وتذكر موسوعة الصهيونية وإسرائيل أن مناحيم بيجين انضم إلى الجناح الراديكالي لحركة التصحيحيين الذي كان مرتبطاً بعصبة الأشداء (لم تذكر الموسوعة في المدخل عن أحميئير أي شيء عن اتجاهاته النازية المذكورة، واكتفت بالإشارة إلى أفكاره "الراديكالية"). وقد استمرت العلاقة بين بيجين وأحميئير حتى بعد إعلان الدولة، فسمح بيجين، باعتباره رئيس حزب حيروت، بأن يكتب أحميئير في الجريدة اليومية للحزب، إلى أن مات عام 1962. ألفريـد نوسـيج (1864-1943) Alfred Nossig أحد مؤسسي الحركة الصهيونية مع هرتزل، وأهم شخصية يهودية صهيونية متورطة في التعاون مع النازيين، وهو فنان وشاعر وموسيقار من أصل بولندي وخلفية ثقافية ألمانية، كانت مواهبه متعددة ومتنوعة عبَّر عنها من خلال الأدب (قصائد ومسرحيات ومقالات في النقد الأدبي) والموسيقى (لبريتو لإحدى الأوبرات) والنحت (عُرضَت تماثيله في معظم أرجاء أوربا وذاعت شهرته كنحات). وقد بدأ حياته، شأنه شأن معظم الزعماء الصهاينة، خصوصاً الذين كانوا من أصل ثقافي ألماني، بالمطالبة بالاندماج الكامل لليهود، ثم أصبح محرراً في إحدى الصحف البولندية. وفي عام 1887، نشر كتيبه محاولة لحل المسألة اليهودية (بالبولندية)، حيث اقترح إنشـاء دولة يهودية في فلسطين والدول المجاورة. وقد ترك هذا الكتيب أثراً عميقاً على المثقفين اليهود في أوربا وخصوصاً في جاليشيا. ومنذ ذلك التاريخ، أصبح نوسيج نشيطاً في المجال الصـهيوني فألَّف الكـتب ودبج المقالات عن موضـوع الاسـتيطان وغيره. 
وقد يتصوَّر البعض أن ثمة تناقضاً بين نزعته الاندماجية الأولى ونزعته الصهيونية بعد ذلك. ولكن هذا النمط معروف تماماً بين مؤسسي الحركة الصهيونية، ولا سيما أصحاب الخلفية الثقافية الألمانية. فهؤلاء يهود غير يهود، بمعنى أنهم حاولوا الاندماج بل الانصهار في الأغلبية لرفضـهم لهويتهـم اليهـودية (الدينية والعرْقية). ولكـن المجتـمع صــنفهم « يهوداً ». ولهذا، أخذوا يبحثون عن طريقة أخرى للتخلص من اليهود، ووجدوا ضالتهم في الحل الصهيوني، الذي يرمي إلى نقل (ترانسفير) يهود أوربا خارجها، إلى أن يفرغها من يهودييها في نهاية الأمر. وهذه عملية ستقضي على الفائض البشري وتُسهِّل اندماج القلة التي ستبقى. 
شارك نوسيج في المؤتمر الصهيوني الأول (1897)، واصطدم مع هرتزل لأسباب لا تذكرها المراجع التي عدنا إليها. ولكنه استمر في حضور المؤتمرات الصهيونية، وصوت ضد مشروع شرق أفريقيا (باعتبار أنه مشروع بريطاني، بينما كان متحمساً للمشروع الاستعماري الألماني). ويبدو أن نوسيج كان عضواً في العصبة الديموقراطية، إذ أنه ساهم (عام 1902) مع مارتن بوبر وحاييم وايزمان وليو موتسكين في تأسيس أول دار نشر صهيونية في برلين نشرت العديد من الكتب. ويُعتبَر نوسيج واضع أساس علم الإحصاء الخاص بين الجماعات اليهودية، فنشر أعمالاً بين عامي 1887 و1903 ووضع أساس إنشاء المعهد الإحصائي والسكاني (الديموجرافي اليهودي. ) 
وهدف الصهيونية (حسب تعريف معظم مؤسسيها) هو نقـل اليهود من أوربـا وإفراغها منهم لحل المسألة اليهودية، ونوسيج ينتمي إلى هذه المنظومة الفكرية التوطينية (الترانسفيرية). فكان معظم فكره يدور حول تهجير اليهود، وكان هذا يأخذ شكل محاولة زيادة وعيهم بهويتهم اليهودية العضوية حتى َيضمُر ويذوي إحساسهم بالانتماء إلى أوربا. وقد أنجز نوسيج ذلك من خلال أعماله الفنية مثل تماثيله: «اليهودي التائه» و«يهودا المكابي» و«الملك سليمان» و«الجبل المقدَّس» (كان نوسيج يود أن توضع على جبل الكرمل رمزاً للدولة اليهودية). كما أسس عام 1908 منظمة استيطانية تُسمَّى إيكو AIKO للتعجيل بنقل اليهود. فهو، شأنه شأن نوردو، كان في عجلة من أمره. ولعل طول الانتظار هو الذي دفعه إلى التعاون مع النازيين، لأنهم أيضاً ذوو نزعة توطينية ترانسفيرية. فعمل كمخبر للسلطات النازية إبان الحرب العالمية الثانية، وعيَّنه تشيرنياكوف، رئيس مجلس اليهود في وارسو إبان حكم النازي، عضواً في المجلس ورئيساً لقسم الفنون. ونظراً لمعرفته الوثيقة بأعداد اليهود وتوزعهم ومراحلهم العمرية المختلفة (بسبب دراساته التي أسلفنا الإشارة إليها)، ونظراً لرغبته العميقة في إفراغ أوربا من يهودييها، وضع نوسيج خطة متكاملة لإبادة اليهود الألمان المسنين والفقراء (غير النافعين) وتهجير الباقين أو إبادتهم. وقد اكتشف أعضاء المقاومة اليهودية في جيتو وارسو تعاونه مع النازي وأنه عضو في الجستابو، فحُكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص ونُفِّذ الحُكم في 22 فبراير 1943. وقد اختفى نوسيج تماماً من الأدبيات الصهيونية والغربية. 
مردخــاي رومكوفســكي (1877-1944( Mordechai Rumkowski صهيوني بولندي ورئيـس المجـلس اليهـودي في جيتو لودز خـلال الحرب العالمية الثانية. وُلد في روسـيا ثم اسـتقر في مـدينة لودز مع بداية القرن العشرين. كان عضواً في الحزب الصهيوني العمومي، وقام بتمثيله في لجنة الجماعة اليهودية في لودز. كان رومكوفسكي مؤمناً بأن التعاون مع الألمان سيُعزِّز وضع اليهود، خصوصاً إذا زادت مساهمتهم وأهميتهم بالنسبة للمجهود الحربي الألماني. ولهذا عُيِّن، بعد احتلال الألمان لمدينة لودز عام 1939، رئيساً للمجلس اليهودي فيها، أي كبيراً لليهود، ومنحه المسئولون الألمان في جيتو لودز (الذي ضم 170 ألف يهودي) سلطات إدارية واسعة. وتَعزَّز موضعه القيادي بسبب مهارته التنظيمية، فكان مسـئولاً عن إقـامة الورش التي أمر الألمان بإنشائها لاستغلال عمل اليهود، والتي بلغ عددها 120 ورشة. ومع مرور الوقت، عمل رومكوفسكي على تركيز جميع السلطات في يده وأصبحت إدارته أكثر استبداداً. وعندما أمرت السلطات الألمانية الجيتو بإصدار عملة نقدية خاصة به (باعتباره كياناً يهودياً مستقلاً بدلاً من استخدام العملة البولندية أو الألمانية)، طُبعت على الأوراق المالية الجديدة صورته. 
اشترك رومكوفسكي في عمليات ترحيل ونقل يهود لودز إلى معسكرات الاعتقال الألمانية، وكان مسئولاً مع معاونيه عن تحديد من سيتم ترحيله، الأمر الذي جلب عليه كراهية كثير من سكان الجيتو. وقد ضمت قوائم المرحلين كثيراً من معارضـيه داخـل الجيتو. وخلال الـفترة بين يناير ومايو عام 1942، تم ترحيل 52 ألف يهودي من الجيتو بمعاونة رومكوفسكي الذي ظل مؤمناً بأن التعاون مع الألمان هو أفضل سبيل لتخفيف وطأة هذه المأساة. وقد قام الألمان بتصفية الجيتو في نهاية الأمر عام 1944، ورُحِّل رومكوفسكي مع أسرته إلى معسكر أوشفيتس حيث مات. 
وتُعَدُّ شخصية رومكوفسكي شخصية مثيرة للجدل في الأدبيات اليهودية التي تؤرخ لفترة الإبادة النازية، حيث يحمِّله البعض مسئولية إبادة يهود جيتو لودز. وهو يُعَدُّ مثلاً جيداً على ذلك التعاون بين قيادات الجماعات والمجالس اليهودية من جهة والسلطات النازية من جهة أخرى. 
آدم تشـــرنـياكـوف (1880-1932( Adam Czerniakow صهيوني بولندي ورئيـس مجـلس الجماعـة اليهودية في وارسـو خلال الحرب العالمية الثانية. وأول رئيس للمجلس اليهودي في وارسو، والذي شكلته سلطات الاحتلال النازية. 
كان تشرنياكوف من النشطين في مجال شئون الجماعة اليهودية في بولندا عقب الحرب العالمية الأولى، واهتم بشكل خاص بشئون الحرفيين اليهود الذين كانوا يشكلون 40% من تعداد الجماعة، وقام بالتدريس في شبكة المدارس اليهودية المهنية في وارسو. وانتُخب في الفترة بين عامي 1927 و1934 عضواً في مجلس مدينة وارسو، كما انتُخب قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية مباشرة عضواً في المجلس التنفيذي للجماعة اليهودية، ثم عيَّنه عمدة وارسو بعد اندلاع الحرب رئيساً لمجلس الجماعة اليهودية. وبعد احتلال القوات الألمانية للمدينة، عينته السلطات النازية رئيساً للمجلس اليهودي، وأوكلت إليه مهمة تنظيم الجماعة اليهودية في جيتو خاص بها، وكان على اتصال وثيق بالسلطات النازية، خصوصاً مع قوميسار الجيتو الألماني. وقد وجه بعض أعضاء الجماعة اليهودية انتقادات حادة للمجلس اليهودي ونشاطه وحاول بعضهم إقصاء تشرنياكوف. ويُقال إن تشرنياكوف لم يصدق، عندما بدأت عمليات ترحيل اليهود إلى معسكرات الاعتقال، أنه سيتم ترحيل اليهود بالفعل. ولكنه أدرك في نهاية الأمر أبعاد المخطط، فرفض التعاون مع الألمان ورفض التوقيع على أوامر الترحيل ولم يجد مخرجاً من مأزقه سوى الانتحار. 
وقد ترك تشرنياكوف يوميات دوَّن فيها جميع الأحداث الهامة التي جرت داخل الجيتو وجميع ملاحظاته ومشاهداته. وتعتبر هذه اليوميات مرجعاً مهماً لأوضاع وظروف جيتو وارسو إبان الاحتلال النازي. 
وتثير حياة تشرنياكوف قضيتين: أولهما قضية مدى مسئولية القيادات اليهودية عن نجاح النازيين في تنفيذ مخططهم. أما القضية الثانية فهي خاصة بمدى معرفة العالم الخارجي بما كان يدور في ألمانيا من عمليات تهجير وقمع وإبادة، إذ يذهب بعض الدراسين إلى أن العالم بأسره لم يكن يعرف شيئاً عما يدور في ألمانيا النازية وعن عمليات الإبادة، ومن ثم لم يتخذ أية إجراءات للحيلولة دون وقوع مثل هذه العمليات، بينما تصر الأدبيات الصهيونية على أن العالم ترك اليهود وحدهم لمصيرهم، الأمر الذي يعني صدق المعادلة الصهيونية البسيطة: اليهود ضد الأغيار. ولكن تشرنياكوف (وهو، كما بيَّنا، واحد من أهم الشخصيات القيادية اليهودية وكان يعيش داخل بولندا ويترأس الجيتو اليهودي في وارسو، وكانت تربطه علاقة يومية مع السلطات النازية) لم يكن يعرف شيئاً عن الترحيل أو عن أفران الغاز ولم يصدق ما كان يحدث من حوله، وقد تعاون مع النازيين، كما تُقرِّر المراجع الصهيونية، لأنه لم يكن يدرك إطلاقاً ما كان يحدث من حوله، ولم يصل إلى مسـامعه شـيء إلا في عام 1942، أي قرب نهاية الحرب، فكيف كان يمكن للعالم الخارجي أن يعرف عن الاعتقال والتهجير والإبادة؟ 
حاييــم كابــلان (1880-1942( Hayyim Kaplan مرب بولندي صهيوني دوَّن يومياته في جيتو وارسو أثناء الاحتلال النازي لبولندا. وُلد في بلوروسيا وتلقى تعليماً تلمودياً في المدرسة التلمودية العلـيا (يشـيفا)، ثم درس في المعهـد الحكومي التـربوي في فلنـا. وفي عام 1902، استقر في وارسو حيث أسس مدرسة ابتدائية عبرية كانت جديدة في نوعها، وظل مديراً لها لمدة أربعين عاماً، وكان كابلان شديد التحمس للغة العبرية ومن العارفين بها والدارسين لها. وقد تبنى في تدريسه للعبرية الأسلوب أو المنهج المباشر، فكان يدرسها كلغة حية متداولة باستخدام اللهجة السفاردية. وأصدر كابلان عدة كتب بالعبرية يدعو فيها إلى تبني هذا المنهج في التدريس، وذلك رغم المعارضة القوية من المؤمنين بالأساليب التقليدية. كما اشترك كابلان بشكل نشط في جمعية الكُتَّاب والصحفيين اليهود في وارسو ونشر العديد من المقالات وأصدر العديد من المجلات العبرية واليديشية على مدى الأعوام الأربعين التي عمل بها في التدريس. كما أصدر، إلى جانب ذلك، كتباً خاصة بالنحو العبري وكتباً للأطفال تتناول ما يُسمَّى «الثقافة اليهـودية» و«التاريخ اليهـودي». وكان كـابلان من المؤمنين بالقومية اليهودية، أي الصهيونية، والتاريخ اليهودي الواحد، وكانت يهوديته ذات طابع قومي حيث لم يكن متمسكاً بممارسة الشعائر والتقاليد الدينية. وقد اتجه إلى فلسطين في عام 1936 حيث كان ينوي الاستقرار مع ابنيه اللذين هاجرا للاستيطان بها من قبل، إلا أنه عاد إلى وارسو بعد أن فشل في العثور على عمل. 
وتعود أهمية كابلان إلى أنه دوَّن يومياته وهو في جيتو وارسو أثناء الاحتلال النازي لبولندا وقبل أن يُدمَّر الجيتو بأكمله. وقد بدأ كابلان في كتابة يومياته بالعبرية ابتداءً من عام 1933 وسجل فيها الأحداث اليومية لمجتمـع الجيتـو، كما سـجل أفكاره وحواراته مع أصدقائه وانطباعاته العديدة. وقد أدان كابلان القيادات اليهودية في الجيتو ومن بينها آدم تشرنياكوف رئيس المجلس اليهودي، الذي كان يقوم بتسليم اليهود إلى النازيين والذي انتحر فيما بعد. وقد نجح كابلان في تهريب يومياته إلى خارج الجيتو قبل أن يلقى حتفه عام 1942. 
وتتضمن اليوميات إدراكاً كاملاً للتشابه البنيوي بين النازية والصهيونية، إذ يُعبِّر كابلان عن دهشته لاضطهاد النازيين لليهود رغم أن الحل النازي هو نفسه الحل الصهيوني: الاعتراف باليهود كشعب عضوي منبوذ وطنه فلسطين ومن ثم يتعيَّن عليه أن يهاجر إليها. وقد دوَّن كابلان في مذكراته أن هذه الكلمات كانت جديدة على النازيين تماماً، وأنهم لم يصدقوا آذانهم حينما سمعوا ذلك لأول مرة من أحد اليهود. وهذه الملاحظة تدل على مدى جهل كابلان بمستوى المعرفة النازية بالمسألة اليهودية والعقيدة الصهيونية، وتدل على أنه لم يكن متابعاً للتعاون الوثيق بين النازيين والصهاينة في ألمانيا النازية. 
وتُرجمت يوميات كابلان إلى لغات عدة منها الإنجليزية والألمانية والفرنسية والدنماركية واليابانية، ونُشرت بالإنجليزية تحت عنوان مخطوطات العذاب. 
كـورت بلومنفلــد (1884-1963( Kurt Blumenfeld أحد الزعماء الصهاينة في ألمانيا، والقوة المحركة للمنظمة الصهيونية فيها. وهو يهودي ألماني وُلد لأسرة مندمجة، ولكنه خَلُص إلى أنه لا جدوى من الانعتاق وأن اليهود لن يكون في وسعهم الاندماج في المجتمع الألماني. تزوج بلومنفلد من فتاة من شرق أوربا، وبعد أن درس في كلية الحقوق في إحدى الجامعات الألمانية، انضم إلى المنظمة الصهيونية وأصبح سكرتيرها الأول عام 1909، ثم أصبح السكرتير العام للجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية العالمية (ورئيس قسم النشر)، وترأس تحرير مجلة دي فيلت لسان حال المنظمة. وبعد الحرب العالمية الأولى، قام بحملات واسعة لجمع التبرعات للصندوق القومي اليهودي وأصبح رئيساً للمنظمة الصهيونية الألمانية عام 1924، وظل يشغل هذا المنصب حتى عام 1933، أي عندما تولى هتلر السلطة في ألمانيا. وقد هاجر بلومنفلد عندئذ إلى فلسطين واستوطن فيها وأصبح الرئيس التنفيذي للصندوق القومي اليهودي في فلسطين. ومات بلومنفلد عام 1963، ولكن المصادر الصهيونية لا تَذكُر شيئاً عن نشاطه السياسي منذ عام 1944 حتى وفاته، أي مدة عشرين عاماً، وهو أمر يحتاج إلى دراسة. 
كان بلومنفلد يرى نفسه « نبي» الصهيونية الألمانية في عصر ما بعد الاندماج وفشله، وبدأ يعلن عن مواقفه ويقوم بالجولات الإعلامية داخل ألمانيا وخارجها بوصفه مسئولاً صهيونياً، كما دأب على إلقاء خطب نارية ورفع شعارات سببت كثيراً من الحرج لأعضاء الأقلية اليهودية في ألمانيا. وكان بلومنفلد وراء إصدار ما يُسمَّى «قرار بوزن» الذي أصدرته المنظمة الصهيونية الألمانية عام 1912 وحدَّدت فيه الصهيونية كحركة قومية تُترجم نفسها إلى هجرة إلى فلسطين « الوطن القومي لليهود ». ووصف بلومنفلد هـذا القرار بأنه كان بمنزلة إعـلان للهـجوم على صهيونيـة الإحسان (الغربية)، أي الصهيونية التوطينية، وأن الصهيونية بصدوره أصبحت حركة ذات طابع قومي (استيطاني) واضح (وقد اعترف بلومنفلد أيضاً بأن الأعضاء وافقوا على قراره لأنهم لم يدركوا تضميناته السياسية الراديكالية(. 
رودولـف كاسـتنر (1906-1957( Rudolph Kastner أحد زعماء الحركة الصهيونية في المجر. ترأس عدداً من المنظمات الشبابية الصهيونية، ورأس تحرير مجلة أوج كيليت Uj Kelet (أي « الشرق الجديد »)، وكان نائب رئيس المنظمة الصهيونية في المجر، ثم أصبح مسئولاً عن « إنقاذ » المهاجرين اليهود من بولندا وتشيكوسلوفاكيا، فقد كان يشغل منصب رئيس لجنة الإغاثة في بوادابست التابعة للوكالة اليهودية. 
قام كاستنر بالاتصال بالمخابرات المجرية والنازية (التي كان لها عملاء يعملون داخل المجر، حتى قبل احتلال القوات الألمانية لها)، ثم استمر في التعاون مع النازيين بعد احتلالهم للمجر. وتشير بعض الدراسات إلى أن أيخمان حضـر إلى المجـر ومعـه 150 موظفاً وحسـب، وكان يتبعه عدة آلاف من الجنود المجريين، هذا بينما كان يبلغ عدد يهود المجر ما يزيد عن 800 ألف، وهو ما يعني استحالة ترحيلهم إلى معسكرات الاعتقال (السخرة والإبادة) إن قرروا المقاومة. ومع هذا نجح أيخمان في مهمته بفضل تعاون كاستنر معه، إذ يبدو أن كاستنر أقنع أعضاء الجماعة اليهودية في المجر بأن النازيين سيقومون بنقلهم إلى أماكن جديدة يستقرون فيها أو إلى معسكرات تدريب مهني لإعادة تأهيلهم وليس إلى معسكرات الاعتقال. ومقابل ذلك سمحت السلطات النازية (عام 1941) بإرسال 318 يهودياً ثم 1386 يهودياً من أحـد معسـكرات الاعتـقال إلى فلسـطين (« يهود من أفضل المواد البيولوجية » على حد قول أيخمان). 
استقر كاستنر في فلسطين عام 1946، وانضم إلى قيادة الماباي ورُشِّح للكنيست الأول. وانتقلت معه مجلة أوج كيليت، وأصبح رئيساً لتحريرها، بل كان يُعَدُّ مسئولاً عن شئون يهود المجر (أو من تبقى منهم) في الحزب الحاكم. 
ولكن في عام 1952 أرسل المواطن الإسرائيلي مايكل جرينوولد كتيباً لبعض القيــادات الصهـيونية اتهم فيها كاسـتنر بالتعاون مع النازيين، وأنه قام بالدفاع عن أحد ضباط الحرس الخامس (الإس. إس.) أثناء محاكمات نورمبرج الأمر الذي أدَّى إلى تبرئته وإطلاق سراحه. وقد قام الحزب الحاكم في إسرائيل بمحاولات مضنية لإنقاذ كاستنر وتبرئته. كما بيَّن كاستنر أثناء محاكمته أنه لم يكن يسلك سلوكاً فردياً وإنما تَصرَّف بناءً على تفويض من الوكالة اليهودية (التي أصبحت الدولة الصهيونية عام 1948). ولم يكن كاستنر مبالغاً في قوله فالمواطن الإسرائيلي جويل براند كان على علم ببعض خفايا القضية وبمدى تورط النخبة الحاكمة في عملية المقايضة الشيطانية التي تمت. وقد طُلب منه الإدلاء بشهادته، ولكنه آثر ألا يفعل وبدلاً من ذلك كتب كتاباً بعنوان الشيطان والروح يقول فيه « إن لديه حقائق تبعث على الرعب وتدمغ رؤوس الدولة اليهودية (الذين كانوا رؤساء الوكالة اليهودية)». وأضاف قائلاً «إنه لو نشر مثل هذه الحقائق لسالت الدماء في تل أبيب». 
وقد قضت المحكمة الإسرائيلية بأن معظم ما جاء في كتيب جرينوولد يتطابق مع الواقع. وبعد إشكالات قضائية كثيرة، حُسمت المسألة (لحسن حظ الحزب الحاكم) حينما أطلق « أحدهم » الرصاص على كاستنر وهو يسير في الشارع. وقد تمت الجريمة رغم ورود تحذيرات لسلطات الأمن الإسرائيلية عن وجود مؤامرة لاغتيال كاستنر، بل كانت السلطات تعرف موعـد تنـفيذ المؤامـرة. وقد سـجل موشـيه شاريت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، هذه الكلمات في مذكراته: "كاستنر. كابوس مرعب. حزب الماباي يختنق. بوجروم.". ويشير براند في كتابه إلى أن "رجال السياسة الذين يتسمون بالحذر، كانوا لا يعرفون ماذا سيفعلون مع هذا الرجل بعد محاكمته"، وكانوا يفكرون في "إسكاته". 

  • الاربعاء PM 07:18
    2016-04-13
  • 3489
Powered by: GateGold