المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417490
يتصفح الموقع حاليا : 232

البحث

البحث

عرض المادة

مـــوت الشــعب اليهــودي

Death of the Jewish People
«موت الشعب اليهودي» عبارة وضعها عالم الاجتماع الفرنسي (اليهودي) جورج فريدمان. وهي تشير إلى ظاهرة تَناقُص أعضاء الجماعات اليهودية في العالم إلى درجة اختفاء بعض هذه الجماعات وتَحوُّل بقيتها إلى جماعات صغيرة لا أهمية لها من الناحية الإحصائية. وهذه الظاهرة ليست غريبة على أعضاء الجماعات، فعدد العبرانيين القدامى انخفض من 1.800.000 عام ألف قبل الميلاد إلى 1.100.000 خلال الفترة من عام 733 إلى عام 701 ق.م، وذلك قبل التهجير الآشوري والبابلي. وبعد التهجير البابلي، بلغ عددهم 150 ألفاً.وبعد مرسوم قورش، تراوح العدد في مقاطعة يهودا بين 60 و70 ألفاً.


وقد حدث انفجار سكاني في الفترة من عام 100 ق.م إلى عام 100 ميلادية حتى بلغ عدد اليهود ما بين خمسة وثمانية ملايين حسب رأي بعض المؤرخين، وإن كان هناك مؤرخون يعتقدون أن هذا العدد مُبالَغ فيه. ومع نهاية القرن الثاني عشر، كان عدد يهود العالم ما بين المليون والمليونين. ثم حدث في العصر الحديث الانفجار السكاني في القرن التاسع عشر حيث أدَّى ـ حسب بعض الإحصاءات ـ إلى تَزايُد عدد اليهود من 2.500.000 في أوائل القرن التاسع عشر إلى 16.724.000عشية الحرب العالمية الثانية.

ومن الواضح أن الجماعات اليهودية في العالم تمرُّ بمرحلة بدأت في نهاية القرن التاسع عشر وتتسم بتناقص أعدادهم بسبب اختفاء العوامل التي أدَّت إلى تَزايُدهم (مثل وجود أعضاء الجماعات اليهودية في مناطق لم تنشب فيها معارك حربية، وعدم تجنيد اليهود في القوات المسلحة). وعلى العكس من ذلك ظهرت عناصر تؤدي إلى تناقص اليهود إما من خلال اختفاء أعداد منهم ممن وُلدوا يهوداً بالفعل أو من خلال انخفاض نسبة المواليد. ويمكن أن نورد الأسباب التالية التي تؤدي إلى اختفاء اليهود (دون حدوث مذابح أو انتشار أوبئة):

1 ـ تزايد معدلات الاندماج. فكثير من اليهود الذين يندمجون يخفون هويتهم اليهودية وانتماءهم اليهودي ويسجلون أنفسهم على أنهم غير يهود. ويبلغ عدد اليهود الذين أخفوا هويتهم في الاتحاد السوفيتي (سابقاً) نحو مليون ونصف، كما يوجد الألوف من اليهود الذين هاجروا إلى أمريكا اللاتينية بشهادات تعميد مزيفة أصدرها لهم الفاتيكان أثناء الإرهاب النازي ثم آثروا أن يحتفظوا بهويتهم الجديدة.

2 ـ يُلاحَظ أن هناك أعداداً لا بأس بها من أعضاء الجماعات اليهودية يتنصرون أو ينخرطون في سلك العبادات الجديدة، ومن ثم يسقطون عن أنفسهم تسمية «يهودي».

3 ـ من أهم أسباب اختفاء اليهود الزواج المُختلَط، والذي وصل إلى درجة لم يشهدها يهود العالم من قبل. وقد بلغت معدلات الزواج المُختلَط ما يزيد على 50% في الولايات المتحدة والعالم الغربي على وجه العموم (بما في ذلك روسيا وأوكرانيا). بل وتصل النسبة أحيانا في روسيا وأوكرانيا إلى 80%، خصوصاً في الأماكن التي تُوجَد فيها أقليات يهودية صغيرة بعيدة عن مراكز التجمعات اليهودية الكبرى. وفي كثير من الأحيان، يسقط الزوج اليهودي في الزيجة المُختلَطة هويته حتى لا يسبب الحرج لزوجته، ولا شك في أن هناك من يتهوَّد من أجل الزواج. ولكن عدد المتهوَّدين من أجل الزواج لا يعوض عدد المتنصِّرين للسبب نفسه.

4 ـ يُلاحَظ، بتأثير حركة التمركز حول الأنثى، أن الأنثى اليهودية التي كانت تُعدُّ العمود الفقري للهويات اليهودية في الماضي، بدأت هي الأخرى تندمج في المجتمع الذي تعيش في كنفه، وذلك بمعدلات عالية تقترب من معدلات الذكور، وهي تُقبل الآن على الزواج المُختلَط بعد أن كان ذلك مقصوراً تقريباً على الذكور وحدهم. ويُلاحَظ أن أبناء الزواج المُختلَط يكونون عادةً إما غير يهود أو غير مكترثين باليهودية.

ويمكننا الآن أن نتناول العوامل التي تؤدي إلى انخفاض نسبة المواليد بين أعضاء الجماعات اليهودية، مع ملاحظة أن بعض هذه الأسباب ليس مقصوراً على أعضاء الجماعات اليهودية، فهي ظاهرة عامة في المجتمعات الغربية التي يُقال لها «متقدمة»:

1 ـ تَفشِّي قيم المنفعة واللذة والفردية والأنانية في المجتمعات الغربية التي يُقال لها « متقدمة »، وهي قيم تتناقض مع فكرة الأسرة والزواج وإنجاب الأطفال وتنشئتهم بكل ما يتضمن ذلك من قيد على الحرية وتخلٍّ عن المتعة الحسية المباشرة.

2 ـ الزواج المتأخر. وهي ظاهرة عامة في المجتمعات الغربية التي يُقال لها « متقدمة » تنجم عن تَصدُّع مؤسسة الأسرة وامتداد الوقت الذي تستغرقه العملية التعليمية وتَأخُّر الاستقلال الاقتصادي للأبناء.

3 ـ تزايد عدد الشواذ جنسياً في المجتمعات الغربية التي يُقال لها «متقدمة » (بنسبة تصل في بعض المدن في الغرب إلى 30%)، وتُوجَد بينهم نسبة عالية من اليهود. ومعظم الشواذ ينتمون إلى المرحلة العمرية النشطة جنسياً، وهذا يعني أن عدداً كبيراً من الذكور والإناث ينسحبون من عملية الإنجاب.

4 ـ انسحاب كثير من النساء من عملية الإنجاب في المجتمعات الغربية التي يُقال لها « متقدمة » بتأثير حركة التمركز حول الأنثى التي تجعل أي نشاط أنثوي خاص (مثل الإنجاب) أمراً سلبياً أو معوقاً لنشاط المرأة في الحياة العامة. ومن المعروف أن معظم قيادات هذه الحركة من اليهوديات، وأن نسبة اليهوديات المنخرطات فيها يفوق المعدل القومي.

5 ـ تَفسُّخ الأسرة اليهودية وتزايد نسبة الطلاق، وهو ما يزيد من الإحجام عن الإنجاب.

6 ـ تركز اليهود في المدن. ومن المعروف أن المدن لم يمكنها عبر التاريخ أن تحتفظ بكثافتها السكانية من خلال التزايد الطبيعي.

وقد أدَّى كل هذا إلى تناقص نسبة المواليد بين أعضاء الجماعات اليهودية، وأصبحت واحدة من أقل النسب في العالم. ومن المعروف أن المطلوب هو أن تنجب الأنثى 2.1 طفل في المتوسط حتى يتسنى لأي جماعة إنسانية إعادة إنتاج نفسها بيولوجياً. والمرأة اليهودية في إسرائيل تقترب من هذا المعدل بالكاد، فهي تنجب 2.91 (وهو أقل معدل منذ تأسيس الدولة إذ وصل إلى مستواه الحالي عام 1991). لكن المرأة اليهودية في الولايات المتحدة قد تكون أقل الإناث خصوبة في العالم، فالإناث في المرحلة العمرية 35 ـ 44 ينجبن 1.57، أما في المرحلة العمرية 25 ـ 34 فإن المتوسـط هو 0.87أي أقـل من طفـل واحد.

كما أن مستوى العناية الصحية آخذ في التحسُّن الأمر الذي يؤدي إلى زيادة معدلات العمر وإلى زيادة نسبة كبار السن وهي شريحة غير خصبة من السكان. ويُلاحَظ أن 16% من أعضاء الجماعات اليهودية تتجاوز أعمارهم 65 عاماً، والنسبة السائدة في مجتمعاتهم هي 12%. ويصل عدد المسنين إلى 29% أحياناً. أما الأطفال حتى سن 14 عاماً، فلا يشكلون سوى 15%، وستصل النسبة في عام 2025 إلى 10% فقط. وفي عام 1989، كان يهودي واحد من بين كل ستة يهود فوق سن الخامسة والستين. وبعد عشرة أعوام، سيكون هناك 720 ألف يهودي تتجاوز أعمارهم الخامسة والسبعين. والواقع أن هذه السمات ليست مقصورة على الجماعات اليهودية وإنما هي سمة عامة تسم المجتمعات الغربية التي يُقال لها «متقدمة» والتي تتزايد فيها معدلات العلمنة. وعلى كلٍّ، فإن الأغلبية العظمى من يهود العالم متركزة في هذا العـالم الغــربي، كمــا أن نسبة الخصوبة بين يهود الشرق والبلاد العربية لا تختلف كثيراً عن الخصوبة في مجتمعاتهم. ومع هذا، فإن هذه الظواهر تأخذ شكلاً أكثر حدة بين أعضاء الجماعات اليهودية،ربما بسبب تزايد معدلات العلمنة بينهم عن معدلها في المجتمع وكذلك لارتفاع مستواهم المعيشي.

لكل هذا، يتنبأ الديموجرافيون بأن تعداد يهود العالم سينخفض إلى ثمانية ملايين نسمة عام 2000 في أحسن الأحوال، وإلى سبعة ملايين ونصف المليون في أسوئها، وقد يصل في عام 2025 إلى ما بين خمسة أو ستة ملايين.

ولا يمكن فصل إشكالية موت الشعب اليهودي عن التركيب السكاني لإسرائيل، فحسب آخر إحصاءات يبلغ عدد سكان إسرائيل 4.242.000 مليون(وهو رقم مُبالَغ فيه قليلاً). كما أن هذا الرقم يضم عدد المرتدين (أي الإسرائيليين المقيمين بشكل دائم خارج إسرائيل) الذي يبلغ 600 ألف حسب التقديرات المحافظة (ومليون حسب العديد من التقديرات). أما بالنسبة للفلسطينيين فعددهم هو 3.3 مليون، وهذا يضم 900.000 فلسطيني في فلسطين التي احتُلت قبل عام 1948 و2.400.000 مليون فلسطيني في الضفة والقطاع. وقد ذكرنا من قبل أن معدل خصوبة المرأة اليهودية في إسرائيل هو 2.9. أما معدل خصوبة المرأة الفلسطينية في الضفة الغربية فهو 5.7، وهو في القطاع 7.9 (وتكاد تكون أعلى نسبة في العالم، وقد قال أحد المعلقين إن هذه النسبة هي أقرب إلى البيان السياسي). وهذا يعني أن عدد الفلسطينيين سيتجاوز عدد الإسرائيليين من اليهود خلال بضعة أعوام. ولا يمكن تجاوز هذا الموقف الآن خلال هجرة يهودية مكثفة وهو أمر غير مُتوقَّع، فالهجرة السوفيتية الأخيرة قد أفرغت آخر مصدر من مصادر المادة البشرية اليهودية. ولا تزال الولايات المتحدة تشكل مركز الجذب الأكبر ليهود العالم وكذلك للإسرائيليين، ومن المتوقع أن تتزايد الهجرة المضادة من إسرائيل للولايات المتحدة.

أما بالنسبة لعلاقة يهود إسرائيل بيهود العالم، فمن المتوقع أن يرتفع عدد سكان إسرائيل من اليهود إلى أربعة ملايين ونصف المليون، أي أن 37% من يهود العالم سيكونون في الدولة الصهيونية عما قريب (كان يهود إسرائيل يشكلون 6% من يهود العالم عام 1948، و13% في عام 1955، و25% عام 1980، و27% عام 1984). ويُقال إنه إذا استمر الوضع الديموجرافي الحالي (وهو أمر ليس من الصعب تَصوُّره) فإن تعداد اليهود في إسرائيل سيكون 6.5 مليون يهودي بينما سيكون عددهم في بقية أنحاء العالم 5.5 مليون مع منتصف القرن الحادي والعشرين، أي أن معظم يهود العالم سيكونون في إسرائيل، لا بسبب الهجرة وإنما بسبب تَقلُّص أعداد الجماعات اليهودية في الخارج.

ويتناقص تعداد اليهود لا قياساً إلى مجموع سكان دول العالم وإنما بفقدان وزنهم النسبي إلى التعداد العام في كل بلدة على حدة. ففي الفترة بين عامي 1930 و1980، ازداد مجموع سكان الولايات المتحدة بأكثر من ثلاثة أرباع في حين لم يزد عدد اليهود فيها أكثر من الثلث خلال الفترة الزمنية نفسها. وفي عام 1937، كان اليهود يشكلون 3.6% من مجموع السكان، أما في عام 1979 فقد انخفضت هذه النسبة إلى 2.7%. وإذا أضفنا إلى ذلك أن عدد الوفيات بين يهود أمريكا تزيد على عدد المواليد، وأنهم يحافظون على تحديد النسل ويكثرون من الزواج المُختلَط وتزداد بينهم معدلات الطلاق والانفصال، لاتضح لنا أن معدل التناقص سيأخذ في الارتفاع. والشيء نفسه ينطبق على يهود الاتحاد السوفيتي (سابقاً) الذين كان تعدادهم في عام 1959 نحو مليونين و 268 ألفاً وبلغ عددهم عام 1989 مليوناً و400 ألف. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي، هاجرت أعداد كبيرة منهم إلى إسرائيل والعالم الغربي ويتوقع هجرتهم أو تفتيتهم في محيطهم الحضاري. ولذا، يمكننا القول بأن يهود العالم ينقسمون إلى قسمين أساسيين:

1 ـ جماعة تتحدث العبرية في إسرائيل ليس لها سوى علاقة واهية بالعقيدة اليهودية أو التاريخ اليهودي (أي تواريخ الجماعات اليهودية) تعتمد في وجودها على حكومة الولايات المتحدة وتَوجُّهها الحضاري الاستهلاكي المتأمرك. ويمكن أن نستخدم هنا اصطلاح جورج فريدمان للإشارة إلى الإسرائيليين باعتبارهم «أغياراً يتحدثون العبرية».

2 ـ جماعة يهودية في الولايات المتحدة تنقسم بدورها إلى قسمين:

أ) قلة صغيرة متمسكة بتعاليم الدين اليهودي وتحاول قدر استطاعاتها أن تنفذ تعاليمه وتفهم شعائره.

ب) أغلبية باهتة الهوية لا تمارس الشعائر الدينية وإنما تقيم بعضها باعتبارها شكلاً من أشكال الفلكلور والهوية الإثنية، وهي تحاول رغم تزايد معدلات أمركتها أن تحافظ على بقايا الموروث الثقافي اليهودي الذي يعود بجذوره إلى شرق أوربا.

وهذا يعني أن الدياسبورا ستصبح أساساً الدياسبورا الأمريكية أو الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة، أي أن أعضاء الجماعات اليهودية سيصبحون جزءاً لا يتجزأ من الشعب الأمريكي بعد أن كانوا جزءاً لا يتجزأ من التشكيل الاستيطاني الغربي. وإذا ما أخذنا في الاعتبار اعتماد إسرائيل شبه الكامل على الولايات المتحدة، فيمكننا القول بأن يهود العالم في القرن القادم سيعيشون داخل الولايات المتحدة أو سيدورون في فلكها الحضاري والاقتصادي والسياسي.

 

  • الاربعاء AM 08:55
    2015-12-23
  • 2905
Powered by: GateGold