المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417496
يتصفح الموقع حاليا : 213

البحث

البحث

عرض المادة

يهـودي غــير يهـودي ويهــودى بشــكل مـا

«اليهودي غير اليهودي» هو عنوان أحد كُتب المؤرخ والمفكر التروتسكي إسحق دويتشر. ويذهب دويتشر إلى أن ثمة جانباً عالمياً في اليهودية تَبدَّى في الفكر الثوري العالمي للمفكرين اليهود أمثال إسبينوزا وماركس، فهذا الجانب العالمي دفعهم لأن يطوروا أنساقاً فكرية ثورية عالمية تجـاوزت حـدود اليهودية بل وحدود كثير من الأنساق الفكرية الأخرى. ومعنى ذلك أن تَحقُّق النزعة العالمية الكامنة في اليهودية يؤدي إلى نفي اليهودية. وهؤلاء المفكرون، في تَصوُّر دويتشر، يمثلون كل ما هو عظيم في الفكر الحديث سواء في الفلسفة أو علم الاجتماع أو الاقتصاد أو السياسة في القرون الثلاثة الأخيرة. ويرى دويتشر أن السمات الأساسية لهؤلاء المهرطقين اليهود هي ما يلي:

1 ـ الإيمان بالحتمية، وبأن العالم يحكمه قانون.

2 ـ الإيمان بأن الواقع في حالة حركة دائمة وليس جامداً.

3 ـ عدم انفصال النظرية عن الممارسة.

4 ـ الإيمان بتضامن البشر في عملية انعتاق إنسانية كاملة.

والعناصر الثلاثة الأولى تعني، في واقع الأمر، الإيمان بالمرجعية المادية الكامنة ونموذج الطبيعة/المادة، أما الرابع فهو الإيمان بعقيدة التقدم. ويضيف دويتشر أن هؤلاء المثقفين اليهود المهرطقين يعيشون على حدود الحضارات، وهذا يعمق إيمانهم بصيرورة العالم وبالتضامن الإنساني العالمي.

ويمكن القول بأن المثقفين اليهود غير اليهود لا يختلفون كثيراً عن المثقفين المسيحيين غير المسيحيين. فاليهودي غير اليهودي، هو فرد من أصل يهودي وحسب، فَقَد إيمانه بمنظومته العقيدية، وهو مع هذا لا يختلف عن المثقف من أصل مسيحي الذي فَقَد إيمانه بالعقيدة المسيحية، فالجميع يلتقي في رقعة الحياة العامة والرؤية الأممية العالمية الكوزموبوليتانية. وهذا على كلٍّ هو ميراث عصر الاستنارة الذي يسعى إلى ظهور الإنسان الأممي الذي لا يرتبط بأية خصوصيات قومية أو دينية أو طبقية، وإن ارتبط بشيء فهو شيء أممي عام مثل الحفاظ على البيئة أو مصالح الطبقة العاملة التي ستلغي كل الطبقات وتُحقِّق المجتمع الشيوعي الذي سيسير حسب قوانين الاشتراكية العلمية.

وهناك كثير من النشطاء السياسيين في الأحزاب الشيوعية والحركات الثورية الغربية من أصل يهودي، ولكنهم فقدوا علاقتهم باليهودية وتحولوا إلى ثوريين متطرفين يعملون من أجل المثل الثورية الأممية العالمية النابعة (كما يتصورون) من قوانين الحركة المادية الكامنة والتي تتبدَّى في جدلية التاريخ، ومن ثم فهي مُثُل لا تعرف أية خصوصيات. وقد جعل هؤلاء الثوريون همهم القضاء على ما تبقَّى من جيوب إثنية يهودية (يديشية في معظمها) تحت شعار دمج اليهود في مجتمعاتهم وحل المسألة اليهودية من خلال الطرح الثوري. ومن أهم هذه الشخصيات فرديناند لاسال وكارل ماركس وروزا لوكسمبورج وليون تروتسكي وإيسنر كورت وبيلا كون وراكوس ماتياس وأرنو جيرو ورودولف سلانسكي وآنا بوكر.

ورغم العداء الشرس من قبل هؤلاء المثقفين اليهود غير اليهود لليهود واليهودية، ظلت الجماهير الشعبية تصنفهم على أنهم «يهود»، حتى أن الثورة البلشفية كانت تُدعَى «الثورة اليهودية». ويعود هذا إلى أن أعداد هؤلاء اليهود غير اليهود في صفوف الحركات الثورية والاشتراكية، بل وفى قياداتها،كان أمرا ملحوظًا. ولكن هناك بُعداً خاصاً للقضية في شرق أوربا (حيث كانت تُوجَد غالبية اليهود وحيث استولت الأحزاب الشيوعية على نُظُم الحكم). فأعضاء الجماعات اليهودية كانوا يلعبون دور الجماعة الوظيفية في مجتمعاتهم التقليدية، وكانوا أداة قمع في يد الطبقة الحاكمة (فكانوا جامعي الضرائب وكانوا وكلاءهم الماليين والتجاريين). ووجود اليهود غير اليهود الملحوظ في الأحزاب الشيوعية في شرق أوربا، خصوصاً في النظم الستالينية، جعل الناس يدركون مرة أخرى أنهم جماعة وظيفية يهودية جديدة تلعب مرة أخرى دور العميل لحساب القوة الشيوعية الروسية أو المحلية التي تقوم بابتزازهم. ورغم أن هؤلاء المفكرين والمواطنين الثوريين من اليهود غير اليهود لم يميِّزوا بين اليهود وغير اليهود، وكانوا أداة أمينة في يد نظمهم الحاكمة في عملية القمع، إلا أن العقل الشعبي لا يميل إلى التمييز بين الظلال المختلفة بل يميل إلى إدراك الواقع من خلال نماذج مختزلة له، خصوصاً أن هناك تراثاً تاريخياً يدعم هذا النموذج. ولذلك، فهناك مفارقة تستحق التأمل وهي أنه رغم اختفاء اليهود من هذه البلاد، إلا أن شعوبها لا تزال تمارس عداءً حقيقياً لليهود.

ويمكن أن نوسِّع نطاق مصطلح «يهودي غير يهودي» لنشير إلى أي مواطن من أصل يهودي تآكل انتماؤه اليهودي (سواء من الناحية الإثنية أو الدينية) أو اختفى تماماً، فهو إنسان مندمج تماماً في محيطه يُقبل على الزواج المُختلَط ولا يعيش في جيتو أو في أي قسم من أقسام المدينة مقصورة عليه، كما لا يتسم بأي تَميُّز وظيفي أو مهني أو ثقافي فهو من اليهود الجدد أصحاب الهوية اليهودية الجديدة، ورغم كل هذا يُصنَّف على أنه «يهودي» إما من قبَل ذاته أو من قبَل الآخرين، ومن ثم تصبح يهوديته إما شيئاً مفروضاً عليه من الخارج أو ادعاء ليس له ما يسانده لا في سلوكه ولا رؤيته.

1 ـ وإذا كان «اليهودي غير اليهودي» قد صُنِّف يهودياً رغم أنفه (وهذا ما كان يحدث في العالم الغربي حتى الحرب العالمية الثانية)، فهو عادةً لا يكترث بجوانب سلوكه أو شخصيته التي يسميها الآخرون «يهودية»، بل يحاول قدر استطاعته أن يبيِّن أنها هامشية ويُحس بالاستياء إن أصر الآخر على مركزية انتمائه اليهودى.

2 ـ يمكن أن نُصنِّف اليهود الخفيّين ( بالإنجليزية: إنفيسيبل جوز invisible Jews ) ضمن هؤلاء، ففى أثناء الحرب العالمية الثانية آثر الكثير من اليهود أن يخفوا هويتهم خوفا من الاضطهاد النازى، كما أن الفاتيكان أعطى الألوف شهادات تعميد لتسهل لهم عملية الهجرة أو التخفى. وفى الاتحاد السوفيتى كان من حق المواطن اليهودى أن يسجل نفسه روسياً أو أوكرانياً إن شاء، أو يهودياً إن فضَّل ذلك. وقد آثر مئات الألوف تسجيل أنفسهم روساً. ومن أشهر هؤلاء مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية، التى أُكتشف أمرها؛ وكذلك روبرت ماكسويل، الناشر الإنجليزى.

3 ـ ولا شك في أن اليهودي الكاره لنفسه هو أيضاً يهودي غير يهودي.

4 ـ بل وعلى المسـتوى العميق، يمكـن القول بأن كل الصـهاينة هم «يهود غير يهـود»، فالمضمون اليهـودي لحياة معظم صهاينة الغرب يكاد يكون منعدماً، وهم يهود كارهون ليهوديتهم ويودون إلغاء الوجود اليهودي في العالم ليُحلوا محله نمطاً إنسانياً جديداً (طبيعياً) لا يتسم بأي شذوذ أو طفيلية، وهو ما يُسمَّى الإنسان العبري الجديد.

5 ـ بلغ الاختلاط درجة كبيرة حتى أنه ظهرت فى الاحصاءات الخاصة بالجماعات اليهودية فى العالم مقولة جديدة كل الجده وهى «يهودى بشكل ما » ( بالانجليزية: جويس إن سم وبى Jewish in some way ) وهى مقولة كوميدية لاتختلف عن تعريف سارتر لليهودى بأنه « هو من يشعر فى قرارة نفسه بأنه كذلك ».

6 ـ أما «اليهودي غير اليهودي» الذي يدعي اليهودية ويتباهى بها (وهذا هو النمط السائد بعد وعد بلفور والحرب العالمية الثانية)، فهو على العكس من ذلك، حيث يتباهى بانتمائه اليهودي مع أن حياته وسلوكه وهويته تكاد تكون خالية تماماً من أي مضمون يهودي ديني أو إثني. وهو يسعى دائماً إلى إبراز جوانب شخصيته التي يتصور أنها يهودية.


فريدريك ستاهل (1802-1861)
Friedrich Stahl
اسمه الأصلي يوليوس شلسنجر. وُلد في بافاريا الكاثوليكية. وهو رجل سياسة وقانون ألماني محافظ وأحد قادة البروتستانتية اللوثرية الألمانية. وُلد لأسرة يهودية وتلقى تعليماً أرثوذكسياً يهودياً، ولكنه تَنصَّر ثم دخل الكنيسة اللوثرية عام 1819، أي وهو بعد في سن السابعة عشرة. وقد كان في هذا مثل عدد كبير من اليهود الألمان في عصره الذين تَنصَّروا لأسباب مختلفة.


درس ستاهل القانون في عدة جامعات ألمانية، وكان نشطاً في الحركات الطلابية، وعمل أستاذاً للقانون الروماني والكنسي. وعُيِّن عضواً في المجلس التشريعي في بروسيا، وعضواً في مجمع الكنيسة البروسية، كما ساهم في إنشاء مجلس الشيوخ في بروسيا وعين عضواً فيه مدى الحياة، وكان قائداً للحزب المحافظ.

ويتناول أهم أعمال ستاهل الذي نُشر عام 1829 فلسفة القانون، حيث ينكر في هذا العمل كل العقائد العقلانية وينادي بأن أساس القانون والسياسة هو الوحي المسيحي وأن العرش الزماني لابد من ربطه بالعرش السماوي، أي مُلْك الإنسان بمُلك الإله، كما ينادي بتجنيد الجماهير ضد الليبرالية والديموقراطية.

وباعتباره قائداً للحزب المحافظ، كان ستاهل مسئولاً عن صياغة برنامجه السياسي الذي يُسمَّى برنامـج تيفولي، والـذي كـان ينادي بعدم إعتاق اليهود. وكـان ستاهـل يؤكد دائمـاً أن اليهــودية متدنية أخلاقياً بالقياس إلى الفولك (الشعب العضوي) الألماني. وقد تأثر بسمارك والمؤرخ الألماني ترايتشكه بأفكار ستاهل الذي يعده بعض المؤرخين المُنظِّر الحقيقي للفكر المحافظ الرجعي الألماني.

وُلد ستاهل ونشأ يهودياً أرثوذكسياً في مقاطعة كاثوليكية، وتَنصَّر ودخل الكنيسة اللوثرية البروسية وأصبح أحد قادتها ومن قادة الحزب المحافظ، وأخذ موقفاً معادياً تماماً لليهود لا من قبيل الانتهازية وإنما انطلاقاً من رؤية محافظة ساهم في صياغتها. ومع هذا، كان المعادون لليهود يشيرون إليه وإلى غيره من المفكرين من أصل يهودي بوصفهم يهوداً، الأمر الذي يُبيِّن مدى سذاجة مثل هذه التصنيفات ومدى عدم جدوى الإصرار على أن المفكر من أصل يهودي يظل بصورة حتمية يهودياً مهما تغيَّرت آراؤه ومواقفه وأفعاله. فمثل هذا الإصرار يؤدي إلى تكوين صورة عن المفكر لا علاقة لها ببنية فكره أو بمواقفه المتعيِّنة.

 

 وقد يكون من التعسف إنكار أن أصول المفكر اليهودية تترك أثرها في فكره، ولكن لا يمكن، بأية حال، رد فكره بقضه وقضيضه إلى أصوله اليهودية.


فرديـنانــد لاســــال (1825-1864(
Ferdinand Lassalle
زعيم وفيلسوف اشتراكي ألماني يهودي. وُلد في براسلاو لتاجر ثري، وانضم إلى الحركة اليهودية الإصلاحية وأصبح من أشد المؤمنين بها. وقد درس لاسال في جامعتي براسلاو وبرلين، وتأثر بكتابات هيجل، وانضم لفترة قصيرة لحركة الشباب الهيجلي وعمل على استخدام اليهودية الإصلاحية لضرب اليهودية الأرثوذكسية. وخلال الفترة 1843 ـ 1845، طوَّر لاسال مفهومه حول الاشتراكية الديمـوقراطية والصنـاعية التي تسـتند إلى حكم القانون. وفي عام 1845، انتقل إلى باريس حيث التقى بالشاعر هايني، وتوطدت علاقتهما برغم خلافاتهما العميقة اللاحقة. وقد اشترك في ثورة 1848 أن رؤاهما تباعدت في كثير من الأمور، فتَبنَّى لاسال نهجاً إصلاحياً ونادى بحق الاقتراع العام وبالملكية الدستورية كما أيد القومية ورفض اعتبار الحركة القومية السلافية في روسيا معادية للثورة.


وقد أسس لاسال عام 1863 الجمعية العامة للعمال الألمان والتي تطورت فيما بعد لتصبح الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني. وكانت زعامته لهذه الجمعية ومعاداته للحركة الليبرالية أحد أسباب التقارب بينه وبين بسمارك الذي كان أيضاً معادياً للبيراليين. وقد أدَّت هذه العلاقة إلى اتهام لاسـال بخيانة الطبقة العاملة وبالانتهازية السياسيـة.

وبرغم اهتمام لاسال في شبابه بالعقيدة اليهودية، وخصوصاً اليهودية الإصلاحية، إلا أنه رفضها فيما بعد واعتبرها مرحلة ضرورية في التطور الإنساني في الماضي، ولكنها لا تُعتبَر ذات قيمة أو نفع في الوقت الحاضر، وكان في رأيه هذا متأثراً بهيجل. كما أشار لاسال أنه لا يعتبر نفسه يهودياً، ولا يرى في اليهودية سوى البقايا الفاسدة لماض عظيم غابر، وأن اليهود بعد قرون من العبودية اكتسبوا خصائص العبيد. وقد لقي لاسال مصرعه في مبارزة دفاعاً عن شرفه حين رفضت أسرة خطيبته الكاثوليكية قبوله زوجاً لها بسبب أصوله اليهودية وماضيه الثوري.


كورت إيسنر (1867-1919(
Kurt Eisner
زعيم اشتراكي ألماني يهودي ومؤسس الجمهورية البافارية وأول رئيس وزراء لها. وُلد في برلين لأب ثري يعمل بالتجارة، واشتغل في الصحافة فساهم في تحرير عدد من الصحف الألمانية. وأظهر كورت إيسنر اهتماماً شديداً بالفلسفة فدرس مع هرمان كوهين وله دراسة عن نيتشه. وفي عام 1910، أصدر جريدة نالت شعبية كبيرة. ومع اندلاع الحرب العالمية، عارض بشدة الأطماع الإمبريالية للحكومة الألمانية وسياستها الحربية. وفي عام 1918، حُوكم وسُجن بتهمة الخيانة بعد مشاركته في إضراب عمالي مطالباً بالسلام في ميونيخ، وقد أُفرج عنه بعد عدة أشهر فقام بترشيح نفسه عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي المستقل في الانتخابات البرلمانية. وفي نوفمبر من العام نفسه، تَزعَّم كورت إيسنر الانتفاضة الثورية التي جرت في ميونيخ ثم اختير رئيساً لمجلس الوزراء في الجمهورية البافارية الجديدة. ولكي يفضح مسئولية الحكومة الألمانية عن الحرب، قام بالكشف عما جاء في تقارير الحكومة البافارية وسفارتها في برلين. وقد أدَّى ذلك إلى اتهامه من قبل أعدائه بالتـعاون مـع دول الحلفـاء وتَلقِّي الرشـاوى منهم لإشعال الثورة في ميونيخ. وفي عام 1919، اغتيل كورت إيسنر وهو في طريقه إلى البرلمان لكي يقدم استقالة حكومته بعد أن أحرز حزبه (الحزب الاشتراكي المستقل) نتائج ضعيفة في الانتخابات، وكان قاتله من أصل يهودي. ومما يُذكَر أن إيسنر نفسه كان ملحداً، أي يهـودياً غير يهودي. ومع هذا، استفادت الدعاية النازية المعادية لليهود من وجود إيسنر وغيره في صفوف الحركة الاشتراكية لتتحدث عن المؤامرة اليهودية ضد الشعب الألماني.



بيـلا كـون (1886-1935)
Bela Kun
مؤسس الحزب الشيوعي المجري، وأحد أهم الزعماء الشيوعيين. وُلد لأسرة يهودية من الطبقة الوسطى إذ كان أبوه من صغار التجار، ولكنه كان علمانياً تماماً ولا علاقة له باليهودية. وانضم إلى الحزب الديموقراطي الاشتراكي وهو بعد في السادسة عشرة من عمره. فعمل صحفياً في جريدة الحزب وكاتباً في الحزب ومديراً في قسم التأمينات الخاص بالحزب ثم فُصل لسوء سلوكه. انضم للجيش وكان يعمل ضابطاً برتبة ملازم في جيوش الإمبراطورية النمساوية المجرية فأَسَرته القوات الروسية عام 1916. وحين نشبت الثورة، انضم إلى البلاشفة وأصبح تابعاً متحمساً للينين وقام بتجنيد الأسرى لصالح الحركة الثورية.


عاد بيلا كون إلى المجر عام 1918وساهم في تأسيس الحزب الشيوعي المجري وجريدته وكتب العديد من الكتيبات الثورية، واشترك في الثورة التي أتت بالحزب الديموقراطي الاشتراكي وبالحزب الراديكالي للحكم. وقد حاول بيلا كون أن يطيح بالنظام الحاكم ولكنه سُجن في فبراير 1919. ثم أُفرج عنه في 21 مارس 1919 وهو اليوم نفسه الذي أُعلنت فيه المجر جمهورية سوفيتية، فعُيِّن قوميساراً للشئون الخارجية والعسكرية وأصبح القائد الحقيقي للوزارة والدولة. وكانت الوزارة (التي كان ثلثا أعضائها من اليهود) عبارة عن ائتلاف من الاشتراكيين والبلاشفة، فعمل بيلا كون على القضاء على العناصر المعتدلة وأعلن ديكتاتورية البروليتاريا، وأمم البنوك ورؤوس الأموال الكبيرة والملكيات الزراعية الكبيرة. وقد نجح بيلا كون في بادئ الأمر إذ كوَّن جيشاً شيوعياً أحمر قوياً صد هجوم التشيك والرومانيين واستعاد الأراضي المجرية التي كانت قد استولت عليها كلٌّ من تشيكوسلوفاكيا ورومانيا. ولكن الضربات بدأت تتوالى بعد ذلك، فامتنع الفلاحون عن تزويد المدن بالمحاصيل الزراعية بعدما رفض بيلا كون توزيع الأرض عليهم بعد أن أممها، وتحالف ملاك الأراضي والطبقة الوسطى ضد تأميم الملكية وضد الإجراءات الثورية المختلفة (مثل تقويض دعائم الثقافة القومية وإقامة محاكم ثورية) وضد سوء سلوك البيروقراطية الثورية. وعلى مستوى الجبهة الخارجية، طالبه كلمنصو بسحب قواته. وانهارت شبكة توزيع الطعام تماماً، ورفض الجيش أن يحارب ضد الرومانيين مما أدَّى إلى هزيمته، ففرَّ في أغسطس من العام نفسه إلى النمسا (حيث سُجن ووضع في مصحة عقلية بعض الوقت) ومنها ذهب إلى موسكو حيث عُيِّن قوميساراً سياسياً للجيش الأحمر في الجنوب، ثم عُيِّن قوميساراً مدنياً لشبه جزيرة القرم حيث تَعامَل بصرامة بالغة مع العناصر المعارضة للبلاشفة. وقد كان بيلا كون عضواً في المجلس التنفيذي للكومنترن حيث ساهم في تشجيع النشاط الشيوعي العلني في ألمانيا والنشاط السري في المجر. ويبدو أنه عارض في عام 1937 سياسة الجبهة المتحدة وطالب باتباع الطرق الثورية على طريقة البلاشفة الأصليين، فقُدِّم للمحاكمة واتُهم بالتروتسكية وسُجن، ويُقال إنه أُعدم (ولكن الأرجح أنه كان مصاباً بالسكر، فأُفرج عنه وعُزل عن الحياة العامة). ولبيلا كون مؤلفات عديدة عن الشيوعية، كما أنه كتب عدة مقالات أثناء إقامته في فيينا، وحرَّر إحدى المجلات الشيوعية أثناء إقامته في موسكو، وعُيِّن مديراً لإحدى دور النشر أثناء وجوده في موسكو.

وبيلا كون ليست له أهمية تُذكَر من منظور يهودي، لأنه كما أسلفنا فَقَد انتماءه الديني والإثني (مثل كثيرين من يهود المجر) ـ فهو، إذن، يهودي غير يهودي. ولفهم سلوكه، لابد من فهم حركيات التاريخ الغربي والحركة الثورية فيها وكذلك موازين القوى بين الدول المختلفة وتطورات الفكر السياسي السوفيتي. أما يهوديته، فهي لا تمثل سوى دور ثانوي للغاية. وقد قدَّمنا سيرته هنا لا باعتباره يهودياً وإنما باعتباره نموذجاً متطرفاً لشخص يُصنَّف بوصفه يهودياً مع أن سلوكه لا يمكن تفسيره إلا بالعودة للحركيات الاجتماعية العامة.


ماتياس راكوسي (1892-1971(
Matyas Rakosi
سياسي وزعيم مجري شيوعي يهودي درس في بودابست ثم اشتغل كاتباً في بنك. وعاش لفترة قصيرة في إنجلترا حيث انضم إلى الحركة الاشتراكية. وخلال الحرب العالمية الأولى، قاتل في صفوف الجيش النمساوي المجري ولكنه وقع في أسر القوات الروسية عام 1915وأمضى عاماً في معسكر لأسرى الحرب.


وبعد اندلاع الثورة البلشفية انضم للحزب الشيوعي وعاد عام 1919 إلى المجر مع الحكم الجمهوري السوفيتي الجديد بها تحت قيادة بيلا كون. وبعد سقوطه في العام نفسه، هرب إلى الاتحاد السوفيتي. وفي عام 1924، عاد إلى المجر سراً لتنظيم وإحياء الحزب الشيوعي المحظور ولكنه وقع في أيدي السلطات وحُكم عليه بالإعدام. وكان لتَدخُّل بعض المفكرين الأوربيين البارزين لصالحه الفضل في تخفيف الحكم إلى السجن مدى الحياة.

وفي عام 1940، تم الإفراج عنه وانتقل إلى موسكو حيث تَزعَّم المنفيين المجريين. وفي عام 1944، عاد إلى المجر حيث عمل على إعادة تنظيم الحزب الشيوعي المجري. كما تولى في الفترة ما بين عامي 1945 و1948 منصب نائب رئيس الحكومة الإئتلافية. وقد نجح خلال هذه الفترة في إخراج العناصر غير الشيوعية من الائتلاف الحاكم، وعمل بعد ذلك على إبعاد وإسكات جميع التيارات والاتجاهات المعارضة للحكم حتى بين صفوف الشـيوعيين. وقد تولى عام 1952 رئاسة الوزراء، وتَبنَّى سياسة ستالينية صارمة. وبعد وفاة ستالين، تعرض لانتقادات حادة من جانب القيادة السوفيتية الجديدة، خصوصاً بسبب فشل سياسته الاقتصادية، الأمر الذي دفعه للاستقالة عام 1953، ولكنه عاد مرة أخرى لرئاسة الوزراء عام 1955 واستمر في ذلك حتى عام 1956 حينما استـقال قبل اندلاع أحـداث الانتفاضة المجرية بفترة قصيرة. وقد اضطر راكوســي إلى الفرار مرة أخرى إلى الاتحــاد السـوفيتي في أعقــاب هذه الأحـداث ولم يَعُد إلى المجر حتى بعد قمع الانتفاضة إلا قبل وفاته بقليل. وقد طُرد من الحزب الشيوعي عام 1962.

لم يُبد راكوسي أي اهتمام بالشئون اليهودية، بل وحاول إخفاء أصله اليهودي، كما أنه كان مناهضاً للصهيونية، وقدم الكثير من الصهاينة للمحاكمة، فهو إذن «يهودي غير يهودي» على حد تعبير إسحق دويتشر. وقد لعب هؤلاء اليهود غير اليهود دوراً كبيراً في نشر الشيوعية في شرق أوربا وفي حكوماتها الشيوعية بعد ذلك. وقد تأثر كثير من أعضاء الجماعة اليهودية في المجر تأثراً سلبياً من سياسات راكوسـي الاقتصـادية التــي أدَّت إلى تأمــيم المؤســسات التجــارية الخاصــة وإلى نقــل آلاف الســكان خارج العاصمة وغيرها من المدن الكبيرة. ولكنه، مع هذا، ظل يُصنَّف على أنه «يهودي».

 

  • الاثنين AM 02:50
    2015-12-21
  • 2936
Powered by: GateGold