المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417523
يتصفح الموقع حاليا : 249

البحث

البحث

عرض المادة

الجماعات اليهودية المنقرضة والهامشية2

جديـد الإسـلام
Jedid al-Islam 
«جديد الإسلام» مصطلح إيراني بمعنى «المسلمون الجدد»، ويشير هذا المصطلح إلى اليهود المتخفين الذين أُرغموا عنوة على اعتناق الإسلام في إيران في القرنين السابع والثامن عشر، فأظهروا الإسلام وأبطنوا اليهودية. ويشير المصطلح على وجه التحديد إلى أعضاء الجماعة اليهودية في مشهد، والذين اضطروا إلى اعتناق الإسلام إبان حكم أسرة الكاجار عام 1839. 
ولا نعرف شيئاً عن مصير اليهود الذين اعتنقوا الإسلام عنوة في القرنين السابع عشر والثامن عشر. والظن الغالب، أنه تم استيعابهم في المجتمع الإسلامي. أما جماعة مشهد، فقد احتفظت بهويتها ولم يتزاوج أعضــاؤها إلا فيما بينهم، ثم هاجر بعضهم إلى القدس عـام 1890. أما بقيـة الجماعة، فقد ظلت في مشــهد حتى أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، وكونت جماعة اقتصادية مستقلة. 
تشويتاس
Chuetas 
«تشويتاس» من كلمة «تشويا» وتعني «لحم خنزير» بلهجة جزيرة مايوركا، إحدى جزر البالياريك التابعة لإسبانيا. غير أن هناك نظرية أخرى تذهب إلى أن الكلمة مُشتقَّة من كلمة «تشوهينا» وتعني «يهودي» بلهجة الجزيرة. وهم من أهم جماعات المارانو التي استمر وجودها حتى الوقت الحالي في جزيرة مايوركا. وأعضاء هذه الجماعة يعملون أساساً بالتجارة وصناعة الحلي الفضية. وقد فَقدوا كل علاقة باليهودية، ومع هذا فهم لا يزالون يحتفظون بعزلتهم وهويتهم الخاصة الباهتة. ولا يُعرَف عددهم على وجه الدقة، وإن كان لا يتجاوز مائتين أو ثلاثمائة. وقد هاجرت أعداد منهم إلى إسرائيل وتم تهويدهم واستوطنوا فيها، ولكن التجربة فشلت فعادوا إلى مايوركا. 
الرومانيوت
Romaniot 
تُستخدَم كلمة «رومانيوت» للإشارة إلى الجماعة اليهودية داخل الإمبراطورية البيزنطية في آسيا الصغرى وشبه جزيرة البلقان. وكان الرومانيوت يُسمَّون أيضاً «الجريجوس»، كما تُستخدَم الكلمة للإشارة إلى نسلهم ومن ورثوا تراثهم اللغوي والثقافي. وكان الرومانيوت يتسمَّون بأسماء يونانية، كما كانت معابدهم تُعرَف بأسماء يونانية أيضاً. وقد تأثروا بعمق بالتراث اليوناني وباللغة اليونانية التي أصبحت لغة الصلاة في المعبد. وقد صدرت عام 1547 ترجمة العهد القديم باليونانية الحديثة واللادينو. ومع بداية القرن السادس عشر، بدأ يهود السفارد يصلون لاجئين إلى الدولة العثمانية، وكان مستواهم الثقافي الرفيع وخبراتهم الإدارية والمالية واتصالاتهم العالمية تؤهلهم لاستلام قيادة الجماعات اليهودية في الدولة العثمانية، الأمر الذي وضع يهود الرومانيوت في حالة دفاع عن النفس. وعلى أية حال، فقد بدأت معابدهم في التناقص وأصبحت لهجتهم اليونانية مقصورة على بضعة تجمعات يهودية متناثرة. وقد انتهى الأمر باندماج معظمهم في السفارد وتَبنِّيهم اللادينو التي أصبحت لغة معظم يهود الدولة العثمانية في الكتابة والحديث. 
يهـود الهــند
Indian Jews 
توجد عدة جماعات يهودية في الهند من بينها بني إسرائيل في بومباي، ويهود كوشين على ساحل مالابار، في ولاية كيرالا، واليهود البغدادية في بومباي أيضاً، ويهود مانيبور على الحدود مع بورما. وقد بلغ عددهم عام 1947 نحو 26.000. أما في عام 1961، فقد بلغ عددهم 14.608 في الهند ذاتها، إضافة إلى 23 ألفاً في إسرائيل، و2000 في إنجلترا حسب إحصاءات عام 1968، أي أن عددهم يبلغ نحو 39.500، وهو ما يعني أن نسبة التكاثر بين يهود الهند من أعلى النسب بين الجماعات اليهودية (إذا كانت الإحصاءات دقيقة). وقد تأثرت كل هذه الجماعات اليهودية بالبيئة الهندية وبنظام الطوائف المغلقة. وهي لا تنتمي إلى أيٍّ من الكتل اليهودية الثلاث الكبرى: الإشكناز، والسفارد، ويهود العالم الإسلامي. ولذا، فهم يُعَدُّون ضمن الجماعات الهامشية مثل الفلاشاه ويهود كايفنج. 
ويُلاحَظ أن قبول اليهود في مجتمع ما، واندماجهم فيه، يؤدي إلى ذوبانهم وانصهارهم. ولكن يهود الهند يمثلون نمطاً مغايراً تماماً إذ أن اندماجهم أدَّى إلى الحفاظ على هويتهم. وهذه مفارقة واضحة تعود إلى حركيات المجتمع الهندي ذاتها، فهو مجتمع تُعَدُّ الوحدة الأساسية فيه القرية والطائفة المغلقة. وتستطيع أنواع مختلفة من البشر الاحتفاظ بهوياتهم فيه، ماداموا يقبلون الطائفة المغلقة إطاراً للتنظيم الاجتماعي، وربما ببعض المعتقدات الهندوكية الأساسية. وتقوم عملية التضامن داخل الجماعة المغلقة بتقوية الهوية مادامت لا تهدد النظام الاجتماعي. وبالتالي، فإن ثمة هويات هندية يهودية مختلفة، بل ومتصارعة، لكلٍّ سماتها الواضحة. وهذا، بطبيعة الحال، مختلف عن وجود هوية يهودية محددة داخل كل مجتمع، وعن الافتراض الصهيوني القائل بوجود هوية يهودية عامة أو عالمية. ويُلاحَظ أن الهويات اليهودية الهندية آخذة في الاختفاء بسبب الهجرة من الهند سواء إلى إسرائيل أو إلى غيرها من البلدان. كما أن الأجيال الجديدة من الهنود اليهود بدأت تتمرد على نظام الطوائف المغلقة، تماماً مثل جيل الشباب الهندي ككل. 
ويعيش القسم الأكبر من يهود الهند الذين هاجروا إلى إسرائيل في مدن التنمية، خصوصاً تلك الموجودة في النقب والمنطقة الجنوبية مثـل: بئر سبع وعسقلان وعراد إضافة إلى بيسان في غور الأردن. ويعيش قسم آخر في المدن الكبرى الثلاث: القدس، وتل أبيب، وحيفا. ويعيش عدد قليل للغاية في بعض الكيبوتسات (وهي مؤسسات إشكنازية بالدرجة الأولى) والموشافات. ومن الظواهر التي تستحق التسجيل أن ثمة قائمة خاصة بمهاجري الهند ظهرت في انتخابات عام 1984. 
بني إسرائيل
Bene Israel 
«بني إسرائيل» اسم عَلَم يُطلَق على مجموعة من يهود الهند كانت تقطن أسـاسـاً في منطقة كونكان، ولكنهـا، ابتداءً من القرن الثـامن عشر، انتقلت إلى بومباي حيث أسست أول معبد يهودي عام 1796. ومع حلـول عام 1833، كان ثلثا يهـود بني إسـرائيل يعيشـون في بومباي. ولا نعرف الكثير عن أصل يهود بني إسرائيل، إلا أنهم، حسب روايتهم، يعودون إلى ما قبل الميلاد. وقد انقطعت صلتهم باليهودية الحاخامية، ولكنهم بعد احتكاكهم بيهود كوشين تَعلَّموا على أيديهم أصول عقيدتهم مرة أخرى، كما انضم إليهم اليهود البغدادية في القرن التاسع عشر. ولون يهود بني إسرائيل أميل إلى البياض مقارنةً بلون بشرة الهنود العاديين، وهم يرتدون الملابس الهندية ويتحدثون الماراثي (وهي اللغة الشائعة في المنطقة التي يعيشون فيها)، ويتسمَّون أسماءً هندية. ونظراً لانفصالهم عن اليهودية الحاخامية لعدة قرون، فإن شعائرهم الدينية تختلف عن شعائر باقي يهود العالم في كثير من النواحي، فهم لا يعرفون التلمود، بل كانوا قد نسوا التوراة بعض الوقت ولكنهم أعادوا اكتشافها من بعد. ولم يُترجَم العهد القديم إلى اللغة التي يتحدثونها إلا في بداية القرن التاسع عشر. ومع هذا، فهم يعرفون صلاة عبرية هي صلاة الشماع، وللنبي إلياهو مكانة خاصة في عبادتهم. ومن عاداتهم الدينية عادة تُسمَّى «ماليدا» وهي إعداد طعام خاص يقدم قرباناً. وتُتلَى بعض الصلوات اليهودية في مناسـبات مهـمة مثل الخـتان والــزواج. وأعيادهم وأيامهم المقدَّسة هي: رأس السنة (ويُحتفَل به لمدة يوم واحد)، ويوم الغفران، وعيد الفصح. ولكنهم كانوا لا يعرفون عيد التدشين. كما كانوا لا يعرفون شيئاً عن هَدْم الهيكل على يد تيتوس. وهم يقيمون شعائر السبت والختان وبعض قوانين الطعام، ويمارسـون صيام رمزان (وقد يكون هذا الاسم تصحيفاً لكلمة «رمضان»). وكان يترأس الجماعة اليهودية من الناحية الدينية والدنيوية الكاجي (القاضي؟). وقد أصبحت الوظــيفة وراثية حتى صـارت كـلمة «كاجي» هي اسم العائلة. وبعد احتكاك يهود بني إسرائيل باليهودية الحاخامية في بقية العالم وتأسيسهم معابد يهودية، ظهرت وظيفة المقدَّم الذي اضطلع بالوظيفة الدنيوية للكاجي، كما حل المرتلون (حزان) محل الكاجي في الجوانب الشعائرية. ولا يوجد عندهم حتى الآن حاخام مُعتَمد تَلقَّى التدريب الصحيح. 
وكان يهود بني إسرائيل يعملون أساساً بالزراعة واستخراج الزيت وببعض الحرف اليدوية. وبعد احتلال الإنجليز للهند، خدم يهود بني إسرائيل في الفرق العسكرية الإنجليزية وعملوا في المهن المختلفة وفي وظائف ذوي الياقات البيضاء وفي المهن التجارية والمالية الأخرى، أي أنهم تحولوا إلى جماعة وظيفية في خدمة الاستعمار. وهناك 10% من يهود بني إسرائيل يعملون بالتجارة، ولكن أغلبيتهم العظمى تعمل كَتَبة في الحكومة والمكاتب الخاصة. ولذا، يُشار إليهم الآن بوصفهم «طائفة الكتبة المغلقة»، كما تضم الجماعة بعض الأساتذة الجامعيين. 
ويمكننا أن نقول إن يهود بني إسرائيل قد استطاعوا الحفاظ على هويتهم من خلال نشاطهم داخـل المجتـمع الهندي لا ضده، أي من خلال اندماجهم فيه. ومن هنا، فإن بعض أنماط سلوكهم يختلف عن أنمــاط سلوك يهــود الغرب. ورغــم أن سمـعة الأطبــاء اليهـود جيدة في الهند، فإن أبناء الجماعة لا يترددون عليهم. ونادراً ما يستخدم أرباب العمل اليهود عمالاً يهوداً، على عكس ما كان عليه الأمر في أوربا قبل الثورة الصناعية. ونادراً ما يرسل أعضاء الجماعة أبناءهم إلى مدارس يهودية. كما لا تُوجَد نسبة كبيرة من التجار بينهم. 
ولكن الاندماج يظهر، أكثر ما يظهر، في استيعاب نظام الطوائف المغلقة (الهندوكي) لأعضاء الجماعات اليهودية، وكذلك في تأثيره العميق عليهم وعلى رؤيتهم للذات وللآخر. فأعضـاء الجماعات اليهودية ينقسمون إلى قسمـين: اليهود البيض (جورا إسرائيل)، الذين يعتبرون أنفسهم اليهود الحقيقيين والأكثر رقياً (وهم حسب أسطورتهم أبناء العائلات السبع نقية الدم التي وصلت إلى الهند واستقرت في ساحل كونكان)، واليهود السود (كالا إسرائيل) وهم هنود مُتهوِّدون أو نتاج زواج مختلط. ويُعتبَر الجورا إسرائيل أنفسهم في مكانة اجتماعية أعلى من الكالا إسرائيل، ويحاولون الحفاظ على نقائهم ولا يتزاوجون معهم، بل ولا يلمسون أدوات الطبخ الخاصة بهم. وقد انعكست الثورة على النظام الطائفي في الهند على بني إسرائيل إذ أن أعضـاء الكالا إسرائيل يُظهرون الآن تَذمُّراً من عنصرية الجورا إسرائيل. 
ويُطلق جيران اليهود عليهم مصطلح «شانو ارتيليس»، أي «زياتو السبت» باعتبار أن أعداداً كبيرة منهم تعمل في استخراج الزيت وبيعه، الأمر الذي يعني أنهم كانوا طائفة مُغلَقة متدنية في سلم الطوائف، ويسبب مجرد لمس أحد أشخاص هذه الطائفة الدناسة. ولم يتأثر يهود بني إسرائيل بالملابسات الاجتماعية وحسب، وإنما نجد أن بعض العقائد الهندوكية وجدت طريقها إلى يهوديتهم. فمثلاً كان يُحرَّم الزواج من الأرامل، وكانوا يتصورون أن أكل لحم البقر مُحرَّم عليهم وأن ذلك منصوص علىه في التوراة! 
وينقسم يهود بني إسرائيل في الوقت الحاضر إلى ثلاثة اتحادات دينية: أولها اتحاد الأبرشيات الأرثوذكسية، وهو مرتبط بالاتحاد الذي يحمل الاسم نفسه في الولايات المتحدة. والثاني معبد الهند المتحد، ويرتبط بالمجلس العالمي للمعابد المحافظة. وليس هناك فارق واضح بين هاتين الطائفتين (وقد يكون من قبيل المفارقات أن كلا الاتحادين قد أخذ بالطقوس السفاردية). وهناك اتحاد ثالث هو الاتحاد اليهودي الديني، وهو مرتبط بحركة اليهودية الليبرالية الإصلاحية في إنجلترا ويضم أعضاء بني إسرائيل الذين حققوا مكانة اجتماعية عالية. ولا تختلف شعائر هذا الاتحاد الثالث عن الاتحادين الآخرين. ولذا، يظل الاختلاف هو الاختلاف في الانتماء الطبقي للأعضاء. 
وعندما اتصلت الحركة الصهيونية بيهود بني إسرائيل ليرسلوا ممثلين لهم للمؤتمرات الصهيونية، رفضوا في بداية الأمر إذ أنهم كانوا في انتظـار «اليـد المقدَّسـة» لتقودهم إلى أرض الميعـاد. وبعد عدة سنوات، وتحت تأثير الوكالة اليهودية التي بدأت تُشرف على أمورهم الدينية والدنيوية، هاجر بضعة آلاف منهم إلى إسرائيل حيث عانوا من التفرقة العنصرية وفشلوا في العثور على وظائف، وهو ما اضطرهم إلى الإضراب والمطالبة بالعودة إلى الهند. وقد عاد بعضهم بالفعل. أما الفريق الذي استوطن إسرائيل نهائياً، فقد وُطِّن في موشاف جديد يقطنه أساساً يهود عراقيون وهنود. وفي عام 1961، أصدر حاخام السفارد (الحاخام نسيم) قراراً (بإيعاز من اليهود البغدادية) بالتحقق من أصل يهود بني إسرائيل الذين يودون التزاوج من خارج جماعتهم الدينية الإثنية، لأنه لم يكن متأكداً إن كان أسلافهم قد راعوا القوانين اليهودية في الزواج والطـلاق، وكـذلك التحريمات الخاصـة بالزواج المُختلَط، وذلك حتى يتسنى للحـاخامـية أن تقرر إن كان أولادهم شرعيين أم غير شرعيين (مامزير). وقد أدَّى هذا إلى إضراب عام من جانب بني إسرائيل عام 1964، الأمر الذي اضطر الحاخامية إلى تغيير موقفها بالنسبة لهم. ومن أشهر الإسرائيليين المنتمين إلى هذه الأقلية آبي نيثان، وهو من الموافقين على حل الصراع العربي الإسرائيلي سلمياً ومن معارضي سياسة التوسع الإسرائيلية. وقد قابل آبى نيثان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وزُجَّ به في السجن لذلك السبب. وكان عدد بني إسرائيل في الهند: 5255 عام 1837، و7000 عام 1881، و14.805عام 1941. أما في عام 1947، فقد بلغ عددهم 17.500، ثم هاجرت أعداد منهم إلى الدولة الصهيونية. وهبط عددهم إلى 15 ألفاً عام 1960 وإلى 13 ألفاً عام 1968. ثم هبط عددهم بعد ذلك إلى 12 ألفاً. ويبدو أن عدد يهود بني إسرائيل في الهند قد أخذ في التناقص بسبب الهجرة إلى إنجلترا وكندا وأستراليا إذ بلغ عام 1981 نحو أربعة آلاف. 
يهـود كوشـين
Cochin Jews 
«كوشين» مدينة هندية، وتُسمَّى بهذا الاسم أيضاً منطقة على ساحل مالابار تقع جنوب غربي الهند، وهي الآن جزء من ولاية كيرالا. وتضم كوشين جماعة يهودية متميِّزة تمثلت كثيراً من سمات الحضارة الهندية. وتعود أصول هذه الطائفة إلى عصور قديمة. ويَدَّعي يهود كوشين أنهم من قبيلة منَسَّى، وأنهم وصلوا إلى مالابار بعد هَدْم الهيكل. وفي حوزة يهود كوشين وثيقة مكتوبة على ألواح من النحاس تتضمن صك الانتماء إلى طائفة النبلاء، وقد منحها الراجا الهندي لليهودي يوسف رابان. وحسبما جاء فيها، فإن الصك يعطي يوسف هذا عدة مزايا، فقد أصبح من حقه أن يركب فيلاً، وأن يُحمَل في محفَّة، وأن يُحمَى من الشمس بمظلة من مظلات الدولة، ومن حقه أيضاً أن يفرض الضرائب، وأن تسبقه الطبول والمزامير كلما خرج إلى الشوارع، كما مُنح قرية انجوفانام على حدود كوشين يتوارثها أبناؤه من بعده. وقد كان يهود كوشين يساعدون الراجا في حروبه ضد الإمارات المجاورة، وانضمت إليهم عناصر يهودية جديدة في القرن السادس عشر (مع وصول الاستعمار الغربي)، فجاء يهود من هولندا وإسبانيا وألمانيا وحلب. وقد وقعت كوشين تحت حكم البرتغاليين (1502 ـ 1663). ولكن الراجا حمى اليهود من ممارسات البرتغاليين العنصرية، وعيَّن لهم رئيساً (مداليار). وقد أعقب ذلك مرحلة هولندية (1663 ـ 1795) كانت تتسم باستقرار اليهود النسبي حيث تَحوَّل بعض أعضاء الجماعة إلى وسطاء تجاريين، ونشأت علاقة بينهم وبين يهود هولندا. ثم جاء الاستعمار الإنجليزي بعد ذلك وعمَّق هذا الاتجاه. 
ويُقسَّم يهود كوشين إلى
1 ـ اليهود البيض أو «ميوحاسيم»، أي «المنتسب إلى»، ويُسمون أيضاً «بارناس» أي «شخص». فهم من نسل يهود أوربا الذين جاءوا مع الاستعمار وتزاوجوا مع أثرياء اليهود المحليين، وكونوا طائفة مغلقة متميِّزة عن اليهود السود. 
2 ـ اليهود السود أو «ميشواريم». 
3 ـ اليهود المعتَقين أو «ميشو حراريم». 
ويشكل اليهود السود أغلبية أعضاء الجماعة اليهودية. أما اليهود البيض، فهم أقل عدداً، ولون جلدهم مختلف، وهم يدَّعون أنهم من نسل المهاجرين الأوربيين، وأن جلدهم قد اكتسب لونه الداكن نتيجة تَعرُّضهم للشمس الاستوائية. أما الفريق الثالث، فهو من سلالة عبيد الفريقين السابقين، أو ثمرة العلاقة بين اليهود البيض والسود من ناحية والمحظيات أو الجواري من ناحية أخرى. ولذا، يُقسَّم هذا الفريق أحياناً إلى مُعتَقين بيض ومُعتَقين سود. 
ويهود كوشين مُستوعَبون تماماً في مجتمعهم الهندي، فهم يرتدون الأزياء الهندية ويتحدثون لغة المالايالام (وهي لغة سكان الهند الأصليين)، ويتحدث اليهود البيض منهم الإنجليزية إلى جانب هذه اللغة. 
وقد ترك نظام الطوائف المغلقة فيهم أعمق الأثر. ولذا، فإن الفرق الثلاثة أو الأربعة لا تتزاوج فيما بينها إلا نادراً. ويعيش كلٌّ في حيٍّ مقصور عليه، ولا يسمح لأعضاء الفرق الأخرى بالسكنى فيه. ولم يكن من حق أعضاء الفريق الثالث، حتى عام 1932، أن يجلسوا في المعبد اليهودي أو يشاركوا في الصلوات. ويستخدم يهود كوشين العبرية في صلواتهم، وشعائرهم سفاردية مع بعض الأشكال الإشكنازية نتيجة الهجرة المُختلَطة في القرن السابع عشر. وكان عدد يهود كوشين عام 1781 نحو 422 أسرة، أي حوالي 2000 شخص. ونَقَص عددهم عام 1873 إلى 1039، وعام 1931 بلغ عددهم نحو 1774 حيث كانوا مُقسَّمين على النحو التالي: 1600 يهودي أسود، و144 أبيض، و30 ميشوحراريم أو مُعتَقين. وفي عام 1948، بلغ عددهم 2500، منهم مائة يهودي أبيض. وفي عام 1968، هاجر اليهود السود، ولم يهاجر من اليهود البيض أحد لأن الحكومة الهندية لم تسمح لهم بأخذ أموالهم. 
ويبلغ عدد يهود كوشين الآن (في إسرائيل) ما يزيد على أربعة آلاف. وقد وُضعوا تحت الحجر الصحي بسبب انتشار مرض الفيل بينهم. ولا ندري هل اعترفت دار الحاخامية بهم يهوداً أم لا، فهم لا يعرفون إلا القليل من التلمود وتراث التوراة الشفوية بشكل عام. ويُقال إن عدد يهود كوشين المتبقين في الهند لا يزيد عن ثلاثين فرداً. 
يهـود مانيبــور
Mainpur Jews 
«مانيبور» منطقة في الهند، على حدودها مع بورما، تُوجَد فيها جماعة يهودية لا يزيد عددها عن مائة شخص. ويرى يهود مانيبور أن أصولهم تعود إلى يهود الصين، وأنهم هربوا من كايفنج منذ ثمانمائة عام أمام الغزو المغولي، ثم استوطنوا الكهوف في الهند الصينية ووصلوا مانيبور في القرن الثامن عشر. وقد نسي أعضاء الجماعة تراثهم اليهودي. وهم لا يمارسون معظم الشعائر، مثل الختان، ولا يعرفون التلمود، ونسوا حتى التوراة مثل يهود الصين. ولكن من المفارقات أنهم حينما احتكوا بالإرساليات المسيحية، اكتشفوا التوراة وبدأوا يمارسون بعض شعائرها، وإن كان بعضهم يمارس الشعائر المسيحية أو العبادات الوثنية السائدة في المنطقة مع الشعائر اليهودية جنباً إلى جنب. ويذهب يهود بني إسرائيل إلى أن يهود مانيبور ليسوا يهوداً، ولذا فإن عليهم التهود إن أرادوا الانضمام للجماعة اليهودية. 
اليهـود البغداديـة
Baghdadi Jews 
«يهود البغدادية» مجموعة من يهود بغداد السفارد هاجروا إلى الهند في القرن التاسع عشر، وكانوا على مستوى ثقافي راق كما كانوا من الأثرياء. وأسسوا كثيراً من الصناعات التي خلقت عدداً كبيراً من الوظائف. وقد رحب بهم يهود بني إسرائيل في البداية حيث لم يكن بينهم كاهن يقوم بالطقوس الكهنوتية، إلا أن اليهود البغدادية كونوا جماعة مستقلة عن يهود بني إسرائيل ويهود كوشين بسبب إحساسهم بالتفوق على أعضاء الجماعتين. ولذلك، أقام اليهود البغدادية سياجاً من العزلة حولهم وادعوا أن الدماء اليهودية الخالصة لا تسري إلا في عروقهم وحدهم. وأصبح لهم مؤسساتهم الدينية والخيرية المستقلة، وكانت لهم مدارسهم الخاصة التي يتم التدريس فيها بالإنجليزية. وقد بلغ إحساسهم بالتفوق أنهم كانوا لا يحسبون أعضاء بني إسرائيل ضمن النصاب اللازم لإقامة الصلاة في المعبد، كما لم يكن يُنادى على أيٍّ منهم لتلاوة التوراة. وحاولوا استبعادهم من استخدام الأسرَّة المخصصة لليهود في بعض المستشفيات، بل ومن العضوية في معبد رانجون. ولا يتزاوج اليهود البغدادية مع بني إسرائيل إلا في حالات نادرة. وقد بلغ تعداد اليهود البغدادية 6500 نسمة عام 1947، لكن هذا العدد تناقص بسبب الهجرة بحيث أصبح لا يزيد على الألف. ويبدو أنه لم يهاجر منهم سوى أعداد قليلة للغاية إلى إسرائيل، وربما يعود هذا إلى أن لديهم من رأس المال والخبرات ما يسمح لهم بالاستقرار في الغرب، تماماً كما استقرت النخبة الثرية والمثقفة من يهود المغرب العربي في فرنسا ولم تتجه إلى إسرائيل. 
يهـــود القوقــــاز
The Jews of the Caucasus 
تُعَدُّ القوقاز من أكثر المناطق تنوعاً من الناحية العرْقية. ويحيط بمنطقة القوقاز روسيا الأوربية شمالاً، والبحر الأسود غرباً، وتركيا وإيران جنوباً، وبحر قزوين شرقاً. وهي مقسَّمة إلى ثماني عشرة منطقة إدارية وهو ما يعكس ثراءها الحضاري. وقد احتفظت عناصر قومية كثيرة بهويتها المستقلة، وذلك بسبب عزلتها في الجبال والوديان. ويبلغ عدد سكان القوقاز اثنى عشر مليوناً تشمل ما لا يقل عن ثلاثين قومية أساسية. وقد انعكس هذا على الجماعات اليهودية، إذ توجد عدة جماعات يهودية في القوقاز منها يهود جورجيا الذين يختلفون عن يهود الجبال (أو يهود داغستان)، أو يهود بخارى، أو عن بقايا يهود الكرمشاكي. 
ويبدو أن معظم يهود القوقاز جاءوا من إيران، إذ يظهر أثر ذلك في لهجاتهم الخاصة. والواقع أن أول إشارة وردت عنهم كانت في كتب الرحالة العرب. وبعد أن ضمت الحكومة الروسية القيصرية القوقاز، سمحت لهم بالاستمرار في حياتهم والتمتع بحقوقهم، باعتبار أنهم كانوا مزارعين مندمجين في مجتمعاتهم، لا جماعات هامشية غير منتجة مثل يهود اليديشية. وقد مُنع يهود اليديشية في بداية الأمر من الانتقال من منطقة الاستيطان إلى القوقاز. ولكن الحظر رُفع فيما بعد حتى بلغ عدد يهود القوقاز في عام 1897 نحو 56.773، منه 7.038 من يهود الجبال 6.034 من يهود جورجـيا والباقي من يهـود اليديشـية. وقد زاد عدد اليهود في القوقاز، فبلغ عددهم في عام 1959 نحو 125 ألفاً، منهم 35 ألفاً من يهود جورجيا و25 ألفاً من يهود الجبال. وقد انخفض عدد يهود القوقاز بسبب معدلات الاندماج المرتفعة وهجرة أعداد كبيرة من يهود جورجيا إلى إسرائيل. وقد بيَّن إحصاء عام 1989، وهو أول إحصاء قُسِّم يهود الاتحاد السوفيتي فيه إلى جماعات يهودية إثنية مختلفة، أن عددهم لا يتجاوز 72.691، منه 16.123 في جورجيا و20.000 من يهود الجبال و 36.568من يهود بخارى. 
يهـود جورجيــا
Georgian Jews 
«جورجيا» هي إحدى جمهوريات دول الكومنولث (الاتحاد السوفيتي سابقاً)، وتقع على الساحل الشرقي للبحر الأسود. ويعتقد يهود جورجيا أنهم من نسل قبائل يسرائيل العشر المفقودة التي هجَّرها شلمانصر. وهم يدعمون هذا بقولهم إنه لا يوجد بينهم كهنة. ومهما يكن الأمر، فإن جذورهم في جورجيا موغلة في القدم، وقد قامت علاقات ثقافية بينهم وبين يهود الخزر. وتوجد إشارات عديدة إليهم في الوثائق التاريخية، وقد تحوَّل بعضهم (بعد الغزو المغولي) إلى أقنان يعمل بعضهم بالزراعة والحرف (النسيج والصباغة) والتجارة. وكان الأقنان يعيشون في ضياع أسيادهم وقراهم بمعزل عن يهود العالم، الأمر الذي أدَّى إلى ضمور الهوية والانتماء الديني لديهم، وكان الأقنان يُقسَّمون إلى: أقنان الملك، وأقنان الإقطاعيين، وأقنان الكنيسة. ومع ضم جورجيا إلى روسيا عام 1801، تحوَّل أقنان الملك إلى أقنان الخزانة إذ كان عليهم دفع ضريبة للخزانة. وقد اعترفت الحكومة القيصرية بحقوق اليهود في جورجيا (على خلاف يهود اليديشية الذين كانوا خاضعين لبعض القيود). وألغيت القنانة في جورجيا في الفترة 1864 ـ 1871. 

وبعد اندلاع الثورة البلشفية، قامت حركة قوية للاستقلال في جورجيا اشتركت فيها عناصر يهودية معادية للصهيونية (وتحالف معهم أعضاء جماعة حبد). وقد هاجم الجيش الأحمر جورجيا، وبدأت عملية دمج جورجيا في الدولة السوفيتية وهو ما تضمن دمج أعضاء الجماعة اليهودية. ولم تتدخل الحكومة في الشئون الدينية، ففُتحت المعابد اليهودية، بل وسمحت الحكومة بالنشاطات الصهيونية لبعض الوقت. ولكن، بعد أن تزايدت النشاطات المعادية للسوفييت، تغيَّر موقف السلطات السوفيتية. وفي منتصف العشرينيات، بذلت هذه السلطات جهداً مضاعفاً لعلمنة يهود جورجيا، ففتحت أبواب المصانع للعمال اليهود، كما فتحت لهم المزارع الجماعية اليهودية. ولكن، في منتصف الثلاثينيات، قررت السلطات السوفيتية أن تحطم ما تصورته الانغلاق الإثني لليهود في المزارع الجماعية، فأسست مزارع مختلطة (أممية) تضم يهوداً وأرمن. وقد فكرت السلطات السوفيتية في أن تُطوِّر ثقافة سوفيتية جورجية على نمط الثقافة السوفيتية اليديشية، لكن المحاولة توقفت بعد فترة قصيرة من البدء فيها. ويعمل يهود جورجيا أساساً بالتجارة كما يعمل كثيرون منهم بالمهن الحرة، فمنهم العلماء ومنهم المهندسون والمدرسون. ويوجد بينهم كذلك عمال مهرة. 
والجو الحضاري في جورجيا تعددي متسامح. ولا يتَّسم تاريخ الجماعة اليهودية بظاهرة العزل أو الطرد أو المذابح، كما هو الحال مع يهود اليديشية في أواخر القرن التاسع عشر. 
ولا تختلف أسماء يهود جورجيا عن أسماء جيرانهم المسيحيين، بل إن لهم العادات نفسها، ويرتدون الأزياء نفسها، ويتبعون أسلوب حياة واحد. وهم يشاركون جيرانهم المسيحيين أعيادهم فيحتفلون بالكريسماس معهم، في حين يشاركهم المسيحيون الاحتفال في عيد النصيب، ويرقصون معهم في عيد نزول التوراة. 
ويبدو أن يهود جورجيا فقدوا، بمرور الزمن، علاقتهم باليهودية الحاخامية. ولذا، كان سكان المدن من المتمسكين بدينهم اليهودي يشيرون إليهم باسم «الكنعانيين». ولا يأكل يهود جورجيا لحم الخنزير، ولكنهم لا يحافظون على قوانين الطعام الأخرى. وهم يعرفون الذبح الشرعي ولا يمارسونه بصورة دائمة. وبشكل عام، يُلاحَظ أنهم لا يعرفون كثيراً من الشعائر اليهودية، وحينما يعرفونها فإنهم يتجاهلون معظمها. والفاصل الأساسي بينهم وبين جيرانهم من غير اليهود هو أنهم لا يتزاوجون معهم، ولكن يُلاحَظ أن نسبة الزواج المختلط بينهم آخذة في الزيادة منذ الستينيات. 
ويتحدث معظم أعضاء الجماعة اليهودية في جورجيا اللغة الجورجية (91%) ويكتبونها بالحروف الجورجية (وهؤلاء هم اليهود الأصليون)، كما تتحدث أقلية من يهود جورجيا اليديشية والروسية. ولم تكن العلاقة جيدة دائماً بين يهود جورجيا ويهود اليديشية الذين هاجروا من منطقة الاستيطان في أواخر القرن التاسع عشر (باعتبارهم عنصراً روسياً) ليستوطنوا المناطق الآسيوية التي ضمتها الحكومة القيصرية (فهم جماعة وظيفية استيطانية). ورغم جو التسامح، وعدم وجود معاداة لليهود، ورغم معدل الاندماج العالي الذي حققه اليهود في جورجيا، فإنهم حين فُتحت أبواب الهجرة إلى إسرائيل هاجر منهم ما يساوي نصف عددهم الكلي. والسؤال الآن: إذا كان يهود جورجيا مندمجين ومتساوين في الحقوق مع غير اليهود، فلم هاجرت أعـداد كبيرة نسـبياً منهم إلى الدولة الصهيونية؟ وللإجابة عن هذا السؤال، لابد من العودة إلى حركيات المجتمع الجورجي حتى يتسنى لنا فهم العناصر التي أدَّت إلى الهجرة، عناصر الطرد من الاتحاد السوفيتي ثم عناصر الجذب إلى إسرائيل. 
يستند المجتمع الجورجي إلى شبكة اتصالات واسعة. وهذه الشبكة هي مؤسسة وسيطة تشبه علاقاتها علاقات القرابة أو العلاقات القَبَلية، وهي تضم مجموعة من الأفراد يدخلون في عـلاقة متعيِّنة مبـاشـرة، فتزوِّد الشـبكة العـضو بالعون في لحظة حاجته، وبالطمأنينة في لحظات الأزمة، وتَشدُّ من أزره في كل الأحوال في مواجهة المجتمع ككل، وبالذات في مواجهة الدولة الحديثة (بكل تجريديتها) وفي مواجهة البيروقراطية السوفيتية التي تتَّسم أفعالها بمستوى عال من العقلانية وعدم الاكتراث بالعناصر الشخصية. وليس بإمكان عضو أن يوجد خارج هذه الشبكة التي يُعَدُّ اعتماده عليها مصدر عزته وكرامته، وعليه بالمقابل أن يقدم لها ما تريد. ويُلاحَظ أن اليهـود ينتظـمون في شبـكات اتصـال غير يهودية، كما أن هنـاك مـسيحيين ينتظمـون في شـبكات اتصـال يهودية. وفي هذا الإطار، يُعتبَر الولاء للدولة أمراً ثانوياً قياساً بالولاء إلى الجماعة/الشبكة المباشرة. ويُنظَر إلى كل من الدولة والشبكة باعتبارهما طرفين متعارضين. فالدولة السوفيتية هي الكيان المجرد البيروقراطي، والشبكة هي الجهاز المتعيّن المحلي الذي يستطيع الفرد التعامل معه بشكل إنساني ومباشر. 
وهذه الشبكة الهائلة المتطورة، وهذا التمازج بين الفرد والأسرة، هما أساس القومية الجورجية، وهي قومية معادية للضغوط الخارجية التي تأتي عادةً من موسكو. ويتمثل رفض الحكومة المركزية فيما يُسمَّى «الاقتصاد الثاني»، وهو القطاع الحر غير الشرعي الذي تديره الشبكة بطبيعة الحال لصالح أعضائها، والذي يُعبِّر عن الهوية الجورجية القومية في وقوفها ضد تَدخُّل الدولة الحديثة ومحاولاتها في خلق اقتصاد موحَّد يُدار مركزياً. ويشارك يهود جورجيا هذا الإحساس القومي الجورجي الرافض للدولة الحديثة، والذي يتبدَّى في شكل الارتباط بالشبكة، أي أن هوية يهود جورجيا هي هوية جورجية قوية ذات أبعاد يهودية خاصة تلعب دوراً حاسماً في تشجيع الهجرة إلى إسرائيل. غير أن هذه الهجرة لم تتم لأسباب يهودية عامة وإنما بسبب حركيات المجتمع الجورجي. وتحتوي كل عملية هجرة على عنصر جذب إلى الوطن الجديد وعلى عنصر طرد من الوطن القديم.
ـ عنصر الجذب:  عند نشوب حرب 1967، وقف السوفييت إلى جانب العرب ضد إسرائيل، الأمر الذي جعل الجورجيين (بعدائهم التقليدي للروس) يتعاطفون مع إسرائيل ضد العرب وحلفائهم الروس. وقد غذى هذا الشعور التراث الجورجي المحلي المعادي للإسلام. فتحوَّلت الدولة الصهيونية إلى ما يشبه المثل الأعلى: الدولة الصغيرة التي يمكنها الحفاظ على هويتها والوقوف ضد السوفييت. وكان هذا الإحساس الجورجي المحلي قوياً للغاية عند يهود جورجيا. ولعل هذا يمثل عنصر الجذب. 
 ـ عنصر الطرد:  حكم مجافنادزة (السكرتير الأول للحزب الشيوعي الجورجي) جورجيا مدة تسعة عشر عاماً، وكان الفساد قد وصل في عهده إلى مستويات لم يسبق لها نظير، إذ يبدو أن الشبكة الجورجية نجحت في التسلل والاستيلاء على مؤسسات الحزب الشيوعي ذاتها هناك، وفي تسخيرها لصالح أعضاء الشبكة أو الشبكات، وبعد إقالته، عُيِّن مكانه شفارنادزة المشهور بنزاهته. ولذا، كان من المتوقع أن يقوم بمناهضة الاقتصاد الثاني الذي كان يرتبط به عدد كبير من اليهود بنسبة تفوق نسبة غير اليهود. وقد شكلت هذه التحولات الاقتصادية عنصر الطرد. 
ويُلاحَظ أن كلاً من عنصري الجذب والطرد محليان تماماً، وأن اختلاف اليهود عن غير اليهود كان اختلافاً في الدرجة وحسب وليس في النوعية، إذ أن استجابتهم للأحداث كانت استجابة جورجية أساساً وذات بعد يهودي يزيد من حدة الاستجابة عندهم. وقد كانت درجة تعاطفهم مع الدولة الصهيونية بطبيعة الحال أعلى، كما أن درجة الضرر الذي لحق بهم نتيجة الإصلاحات الاقتصادية كانت أكبر كما بيَّنا. ويمكن أن نضيف هنا عناصر أخرى مساعدة، فعلى سبيل المثال رأى يهود جورجيا أن الدولة الصهيونية زاخرة بفرص العمل الحر (الاقتصاد الثاني) الأمر الذي كان يزيد ولا شك من عنصر الجذب. ومن هنا تأتي معاداة معظم المهاجرين من جورجيا للصهيونية العمالية التي تؤيد تَدخُّل الدولة في الاقتصاد. ومن العناصر المساعدة الأخرى، أن عناصر الشبكة التي انتقلت إلى إسـرائيل لعبـت دوراً أساسـياً في جـذب أعداد كبيرة من يهود جورجـيا. فالمهاجرون السـوفييت، كي يحــصلوا على تأشيرة هجــرة، كان علـيهم أن يحصلوا على دعوة من قريب لهم في الخارج. وقد حصل يهود جورجيا على أعلى نسبة من الدعوات وصلت إلى نحو 118%، حيث كان بعض اليهود يتلقون أكثر من دعوة. وحينما كان جزء من الشبكة اليهودية ينتقل إلى إسرائيل، كان بقية الأفراد الذين تخلفوا يجدون الحياة صعبة للغاية ولا معنى لها خارج نطاق الشبكة، فيهاجرون هم أيضاً ليلحقوا بإخوانهم. 
وفيما يلي أعداد اليهود الذين هاجروا من جورجيا: 
( السنة 1971 عدد المهاجرين 4300 ) ( السنة 1972 عدد المهاجرين 10900 ) ( السنة 1973 عدد المهاجرين 7750 ) ( السنة 1974 عدد المهاجرين 2700 ) 
ولم يزد عدد المهاجرين بعد ذلك التاريخ على ألف، مع أن السوفييت لم يتخذوا سياسة متشددة في منح تأشيرات الخروج إلا بعد عام 1979، أي أن الأعوام الخمسة التالية للفترة التي شهدت الهجرة اليهودية المكثفة من الاتحاد السوفيتي شهدت أيضاً تراجعاً بين يهود جورجيا. ويمكن تفسير ذلك مرة أخرى في ضوء حركيات الجذب والطرد الخاصة بالمجتمع الجورجي، فعنصر الجذب الأساسي، وهو حرب 1967، كان آخذاً في التضاؤل التدريجي، وفقد كثيراً من بريقه في حرب الاستنزاف، واختفى تقريباً بعد حرب 1973. أما عنصر الطرد، وهو التحولات الاقتصادية التي هَّزت الاقتصـاد الثاني، فيبـدو أنه بدأ يقل، إذ أن مخاوف الجورجيين، ومن بينهم اليهود، أخذت تهدأ قليلاً، وظهر أن الأمر لم يكـن مخيفاً كمـا توهموا في بداية الأمر، ومن هنا تناقصت الهجرة. 
ويشكل يهود جورجيا في إسرائيل مشكلة كبيرة، فهم لا يشعرون بالسعادة هناك، كما أنهم يعانون من التفرقة العنصرية التي تُمارس ضدهم. وقد أصبحوا من أهم مصادر الجريمة المنظمة في الدولة الصهيونية وتخصصوا في تزييف النقود. وهاجرت أعداد منهم إلى الولايات المتحدة وشكَّلوا هناك بعض عصابات الجريمة المنظمة، والجريمة المنظمة هي أحد أشكال الاقتصاد الثاني. 
وكان عدد يهود جورجيا 52 ألفاً عام 1959 (وجاء في إحصاء آخر أن عددهم كان 80 ألفاً من الناحية الفعلية)، وانخفض إلى 43 ألفاً عام 1970. أما إحصاء عام 1989، الذي يتميَّز بأنه يُقسِّم يهود الاتحاد السوفيتي إلى جماعات يهودية إثنية مختلفة، فيذكر أن عدد يهـود جورجيا 16.123يعيش أغلبهم في تفليس عاصمة الجمهورية. ولا يزال الجو العام في جورجيا تعددياً، وإن كانت الوظائف الإستراتيجية تُحْجَب عن اليهود لأنهم سيهاجرون إلى إسرائيل. وقد أخذت معدلات الاندماج والعلمنة في التزايد، وبدأ اليهود يصطبغون بالصبغة الروسية لا الجورجية. وإذا أضفنا إلى ذلك هجرة اليهود المتدينين، فليس من المستبعد أن يختفي يهود جورجيا في المستقبل. وقد أصبحت جورجيا جمهورية مستقلة، وهو ما يعني أن الإطار الذي يتحرك فيه أعضاء الجماعة اليهودية قد تغيَّر بشكل جوهري.
يهــود بخــارى 
Bukhara Jews 
«بخارى» إمارة إسلامية تركية ضمتها الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر. وتقع بخارى الآن ضمن جمهورية أزبكستان. وتعود جذور يهود بخارى إلى عصور قديمة، فتقول أساطيرهم إنهم منحدرون من أسباط يسرائيل العشرة المفقودة. وهم مندمجون في الوسط الحضاري الذي يعيشون فيه، ويتحدثون اللغة الطاجيكية، وهي لهجة فارسية. وقد كان يهود بخارى وأفغانستان ووسط آسيا يُشكِّلون وحدة ثقافية واحدة، ثم انقسمت هذه الجماعة في القرن السادس عشر، مع بداية الحكم الشيعي في إيران، إلى يهود إيران ويهود وسط آسيا ويهود أفغانستان الذين ظلوا تحت الحكم السني. ثم انقســمت الجمــاعة الأخيرة، في القرن الثامن عشر، وتفرَّع عنها يهـود بخــارى ويهود أفغانستــان. ويبلــغ عددهم، حسب إحصاء 1959، ثمـانية وعشـرين ألفاً يعيش ثلاثة وعشرون ألفــاً منهم في أزبكستان، في سمـرقنـد وبخــارى، والباقــون في طاجيـكستان. أما إحصاء 1989، فيحدد العدد بنحو 36.568 ألفاً. وإن صدقت هذه الأرقام، تكون الجماعة اليهودية في بخارى هي الجماعـة الوحيـدة في كومنولث الدول المستقلة التي زاد عدد أعضائها. 
وكان يهود بخارى يعملون بالتجارة والصباغة عشية الثورة وازدهر حالهم بعد ضم الإمارات الإسلامية إلى الإمبراطورية نظراً لفتح الأسواق أمامهم. ولكن، مع قيام الثورة الاشتراكية، تدهور وضع التجارة عامة، وبدأت الحكومة السوفيتية في إنشاء مزارع جماعية لهم، لكن التجربة فشلت. 
ويبدو أنهم فقدوا، في مرحلة من المراحل، علاقتهم باليهودية الحاخامية ونسوا شريعة موسى. ولذا، فإنهم كانوا لا يمارسون الذبح الشرعي بل ويأكلون اللحوم التي يذبحها المسلمون. وكانت زوجاتهم يلبسن الحجاب مثل نساء المسلمين. كما كانوا يمضغون الطباق ويدخنون النرجيلة. 
ويظهر الأثر الإسلامي أيضاً على المعبد اليهودي الذي يشبه المسجد ويغطيه السجاد الفاخر. ويصلي فيه اليهود جالسين القرفصاء. وهـم يُنادون بعضـهم البعض بالاسـم الأخير مع إضـافة لفظـة «أخ» أو «عم»، كما يُنادَى العلماء بلفظ «ملاّه». أما رجال الدين، فيسمونهم «الحاخامات» وليس «الرابي» كما هو الحال في الغرب. وتشبه مدارسهم الدينية الكتاتيب. 
يهـود الجبــال (يهـود التـات، يهـود داغسـتان) 
(Mountain Jews )Tat Jews; Daghestan Jews 
«يهود الجبال» جماعة يهودية لها خصوصياتها الإثنية واللغوية، يعيش أعضاؤها في مقاطعة داغستان السوفيتية وأذربيجان (ومن هنا يشار إليهم بلفظ «يهود داغستان») كما يُشار إليهم كذلك باسم «يهود التات». ويُسمِّي يهود الجبال أنفسهم «جوهور». ولكن مصطلح «يهود الجبال» ذاته هو مصطلح روسي صكته السلطات الروسية القيصرية في منتصف القرن التاسع عشر بعد ضم المنطقة إليها. 
وتشير الدلائل اللغوية والتاريخية إلى الأصول الإيرانية ليهود الجبال، فلهجتهم من أصول إيرانية شمالية دخلت عليها كلمات تركية وعبرية. وقد تكوَّنت الجماعة نتيجة هجرة اليهود المستمرة من شمال إيران (وربما من الإمبراطورية البيزنطية) لأذربيجان حيث استوطنوا بين متحدثي لغة التات التي أصبحت لغتهم. وقد بدأت هذه العملية في منتصف القرن السابع الميلادي مع الفتح الإسلامي للمنطقة، واستمرت حتى غزاها المغول في القرن الثالث عشر. وفي هذه الفترة، اتصل يهود الجبال بيهود الخزر. وقد انقطعت الصلة بعد ذلك بين يهود الجبال وبقية يهود العالم حتى بداية القرن التاسع عشر تقريباً. 
وليهود الجبال عادات وقيم قَبَلية، فهم يمجدون الشجاعة، ويدافعون عن شرفهم مستخدمين السيف، ويأخذون بالثأر، وتنتشر بينهم الخرافات، ويعيشون في بيوت طينية منخفضة تعلَّق على حوائطها أسلحتهم المصقولة، وهو ما يدل على اندماجهم في الحضارة القوقازية الإسلامية في هذه المنطقة. وهم يتَّسمون بأسماء توراتية بعد إضافة النهاية الروسية «أوف»، فيصبح «بنيامين» مثلاً «بنيامينوف». وتشبه معابدهم المساجد من الخارج، وكانت تُستخدَم كمدرسة دينية على طريقة المسلمين حيث يجلس الأطفال على الأرض ويحفظون التوراة على يد الحاخام. وهم يحتفلون بالأعياد اليهودية، وخصوصاً عيد النصيب وعيد الفصح، وإن كانت الطقوس الخاصة بعيد الفصح مختلفة عن تلك المعروفة بين اليهود. كما أن طقوس الزواج عندهم مختلفة عن تلك الطقوس المعروفة لدى يهود أوربا، إذ يدفع الزوج ما يُسمَّى «الكالين» أو «الفدية». وهم يقسمون بالنار ويشعلون النار بجوار المرضى، الأمر الذي يشير إلى أصولهم الإيرانية. والوحدة الاجتماعية الأساسية هي الأسرة الممتدة، والتي تضم ثلاثة أو أربعة أجيال ويبلغ عددها نحو سبعين عضواً. وكان يهود الجبال يمارسون تعدد الزوجات. ويشكل كل سبع أو ثماني أسر قرية يهودية. 
وقد تدهورت أحوال الجماعة اليهودية بتدهور المنطقة ككل نتيجة تحولها إلى ساحة صراع بين كلٍّ من روسيا وتركيا وإيران إلى جانب الصراع بين عدد من الحكام المحليين. وقد نجحت روسيا في نهاية الأمر في ضمها عام 1813. وقد طلب يهود الجبال من السلطات القيصرية أن تضعهم تحت حمايتها. كما حدثت تحولات عميقة للجماعة اليهودية بعد ضم القوقاز لروسيا، فانتقلت أعداد كبيرة من اليهود من المناطق الجبلية إلى المدن حتى أنه كان هناك في منتصف القرن التاسع عشر نحو 41% من أعضاء الجماعة في المدن، ولكن، مع هذا، ظل حوالي 58% منهم في القطاع الزراعي، بل إن سكان المدن من اليهود كانوا يعملون في صناعات مرتبطة بالمحاصيل الزراعية مثل تقطير الكحول. وكان أثرياء يهود الجبال من أصحاب شركات تقطير الخمور وبيعها، كما أن إحدى العائلات كانت تمتلك أهم شركة صيد في داغستان، وكان الكثيرون من أعضاء الجماعة يقومون بزراعة نبات الروبيا Rubia وهو نبات كانت تُستخلص من جذوره صبغة حمراء، كما كانوا يشتغلون بدباغة الجلود وبصيد بعض الحيوانات لاستخدام جلودها. وقد أصبح كثير من أعضاء الجماعة اليهودية عمال صيد أو عمالاً أجراء وانتقلوا إلى باكو ودربنت بعد أن تصاعدت معدلات التصنيع والتحديث في روسيا القيصرية، وهو ما جعل الصناعات اليدوية غير قادرة على الاستمرار، كما عمل كثيرون منهم تجاراً صغاراً. 
وبعد الثورة البلشفية،تغيَّر وضع يهود الجبال بشكل أعمق. وكما طلب يهود داغستان من السلطات القيصرية من قبل وضعهم تحت الحماية،فإنهم تحالفوا تماماً مع السلطات السوفيتية ضد غالبية السكان.ولذا،فحينما قامت حركة انفصالية ضد السوفييت،كان 70% من الحرس الأحمر في المنطقة من يهود داغستان.وكانت الأعمال الأدبية التي كتبها أدباء من يهود الجبال تتبنى خط الحزب بشكل كامل. وقد جلب كل هذا على أعضاء الجماعة اليهودية كره الجماهير. 
وقد أدَّت حركة التصنيع في الاتحاد السوفيتي، والخطط الخمسية المتتالية، إلى فك التضامن القبلي بين يهود داغستان، فتركوا الجبال وبدأوا يعملون بالمصانع. ومع هذا، فإن أصولهم القبلية وترابطهم العائلي يساعدانهم على الاحتفاظ بقسط كبير من خصوصيتهم الجبلية. 
وحسب إحصاءي 1959 و1970، كان عدد يهود الجبال يبلغ ما بين 50 ألفاً و70 ألفاً (وهو في تصورنا عدد مبالغ فيه). وقد هاجر حوالي 12 ألفاً في الفترة بين عام 1974 ومنتصف الثمانينيات إلى إسرائيل، وبحسب إحصاء عام 1989 (وهو أول إحصاء يُقسِّم يهود الاتحاد السوفيتي إلى جماعات إثنية مختلفة)، يبلغ عددهم حوالي 20 ألفاً، ولعل انخفاض العدد بهذا الشكل الملحوظ يرجع إلى استبعاد يهود اليديشية المقيمين في داغستان. وأهم مراكزهم السكانية باكو عاصمة أذربيجان. أما في داغستان، فإن معظمهم يعيشون في دربنت وفي عاصمة الجمهورية. 

 

  • السبت PM 09:26
    2015-12-19
  • 3274
Powered by: GateGold