المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417529
يتصفح الموقع حاليا : 252

البحث

البحث

عرض المادة

تاريخ الإرهاب الصهيوني/الإسـرائيلي حتى عام 1967

الإرهاب الصهيوني/الإسـرائيلي حتى عام 1967: تاريخ
Israeli-Zionist Terrorism till 1967: History

بعد الإعلان عن قيام إسرائيل في مايو 1948، أسرعت القيادة الصهيونية إلى إطلاق تسمية «جيش الدفاع الإسرائيلي» على جماعة الهاجاناه في 26 مايو وإلى إدماج الجماعات العسكرية الأخرى في الجيش ، مثلما جرى مع منظمة إتسل في أول يونيه من العام نفسه. وإذا كانت جماعات الإرهاب قبل عام 1948 ظلت تحتفظ باستقلالية تنظيمية عن الجيش لحوالي عام في مدينة القدس فقط فإن سياسة النخبة الإسرائيلية الحاكمة كانت تهدف بالأساس إلى ما يمكن تسميته بمركزية الإشراف والتخطيط للعمل العسكري الإرهابي الصهيوني، وذلك بصرف النظر عما حاولت أن تروجه بأن عصراً جديداً قد بدأ وأن سلطة الدولة قد وضعت حداً للممارسات السابقة. ولذا فإن القانون الذي يُسمَّى «قانون منع الإرهاب» الصادر في 20 سبتمبر 1948 لا يعني وضع حد فاصل في تاريخ الإرهاب الصهيوني وإنما وضع حد لحرية الحركة التي يتمتع بها تنظيم شتيرن.

ولقد انقطعت عن الذكر أسماء إتسل وشتيرن وربما باستثناء الهاجاناه التي احتفظ الجيش الإسرائيلي نفسه بتسميتها، وسواء أكان ذلك بهدف ضبط وسيطرة هيكل سياسي عسكري موحد أطلق عليه الصهاينة اسم "الدولة" على النشاط الإرهابي باتفاق وتراضي أجنحة الحركة الصهيونية، أم كان ذلك حلقة في صراع السيطرة بين أجنحة الحركة الصهيونية ومنظماتها العسكرية الإرهابية جاءت نتائجه لصالح العماليين وزعامة بن جوريون (حيث قام أيضاً بحل البالماخ التابعة للمابام في نوفمبر 1948) الذي لم يتورَّع عن اللجوء إلى العنف للضغط على إتسل وشتيرن لتصفية استقلالهما، أم كان الأمر مزيجاً من الاعتبارين السابقين. إلا أن هذا لا يعني، بأية حال، أن الإرهاب الصهيوني قد اختفى. فما حدث هو تحوُّله من إرهاب ميليشيات غير منظمة إلى إرهاب مؤسسي منظم من خلال الجيش الإسرائيلي، إذ أن الحقيقة البنيوية التي تسببت في الإرهاب ظلت قائمة، وهي أن الأرض التي تصور الصهاينة أنها بلا شعب، أثبتت أنها ذات شعب يعي تاريخه وحضارته، ولذا استمر الإرهاب واستمر تصاعد عنفوانه حتى بعد 1948 لإفراغ الأرض التي لا شعب فيها من الشعب الذي "تصادف" وجوده فيها (حسب التصور الصهيوني للقضية).

وقد احتل أبطال العمليات العسكرية الإرهابية الصهيونية قبل عام 1948 أعلى مراكز الجهاز السياسي والعسكري في البلاد، الذي استمر في ممارسة نشاطه الإرهابي والعنصري متكامل الأبعاد (عسكرياً ـ اقتصادياً ـ سياسياً ـ أيديولوجياً ـ دعائياً... إلخ) على جبهتين أساسيتين: الأولى ضد الشعب الفلسطيني بالداخل بهدف طرده خارج أرضه ودفعه بعيداً عن الوطن استمراراً لمهام الاستعمار الاستيطاني الإحلالي. والثانية العمل على بناء هيبة القوة ضد البلدان العربية بل إلى ما يتجاوز المنطقة العربية بالتعاون مع الإمبريالية الأمريكية.

وفي سياق استمرار الإرهاب الصهيوني وتطـوُّره في أعقاب 1948، عملت، وتعمل، المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في الداخل والخارج. وإن لم يمنع ذلك من استحداث فروع خاصة لأغراض إرهابية محددة. مثل إنشاء الوحدة 101 عام 1953 التي عُيِّن أرييل شارون قائداً لها. وقد ظل أمر إنشائها إلى فترة ما من الأمور السرية (فهي تتبع الجيش الإسرائيلي)، وقد أوكل إليها العديد من المذابح ضد اللاجئين الفلسطينيين في مناطق الهدنة مثل مذبحة قبية. وهكذا قد يجري من آن لآخر إنشاء وحدات إرهابية خاصة من رحم الأجهزة الرئيسية التي يدخل ضمن وظائفها ونشاطها العمل الإرهابي مثل الجيش والموساد التي تختص بأعمال الإرهاب خارج إسرائيل والتي من بين أشهر فضائحها قضية لافون عام 1954، حيث قامت شبكة تخريب وتجسس إسرائيلية بتفجير بعض المرافق الأمريكية والبريطانية والمصرية في القاهرة والإسكندرية. وهناك كذلك جهاز الشين بيت الذي يُعَدُّ المخابرات الداخلية في فلسطين المحتلة والمعروف بجرائمه العديدة ضد الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال. كما تم إعادة تشكيل فرقة المستعربين الخاصة بالاغتيالات.

وإذا تتبعنا تاريخ النشاط الإرهابي الصهيوني بعد عام 1948 فلن نجد صعوبة في استنتاج أن وقائع هذا النشاط كانت تقع في نطاق المسئولية المباشرة للأجهزة الرسمية الإسرائيلية وما زالت. علاوة على ظاهرة المنظمات الإرهـابية التي بدأ ظهـورها خـلال السبعينيات والثمانينيات. وإن كان ذلك لا ينفي الصلة غير المباشرة والمستترة بين هذه المنظمات والأجهزة الرسمية.

ولمحاولة تتبع أبرز وقائع وسمات الإرهاب الصهيوني بعد عام 1948، يمكننا أن نقسِّم المرحلة إلى ثلاث فترات: الأولى حتى حرب 1967، والثانية حتى منتصف السبعينيات، أما الثالثة فقد شهدت إلى جانب استمرار إرهاب الدولة بروز تنظيمات المستوطنين اليهود.

وتُعَدُّ مذبحة قبية وكفر قاسم نموذجاً جيداً للإرهاب الصهيوني شبه المؤسسي في الفترة التي تلت عام 1948 وحتى 1967. وإذا كان هذا العنوان المكون من مجزرتين فقط ضمن عشرات لا تقل وحشية لا يمكنه أن يفي بالإشارة إلى مجالات الأنشطة الإرهابية الصهيونية الأكثر اتساعاً وتنوعاً، فإنه يضع أيدينا على المجالين الأساسيين والأكثر شـيوعاً في تاريخ الإرهـاب الصهـيوني بعد عام 1948.

وحصر الجرائم الإرهابية الذي نُفِّذت بأيدي القوات الرسمية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة تبدو عملاً جديراً بالجهد رغم صعوبته. وما يستحق التأكيد أن معركة التغيير الديموجرافي لفلسطين المحتلة لجعلها أرضاً بلا شعب لم تتوقف حسب ما يُعتقد بانتهاء حرب 1948 وما نتج عنها من تشريد مليون لاجئ. فقد استمرت إسرائيل في سياسة الاقتلاع الاستعمارية الاستيطانية بوتيرة لم تقل مطلقاً عن عامي 1947 و1948 وعلى الأقل حتى نهاية الستينيات، وإن لم تتوقف هذه السياسة مطلقاً فيما بعد. وفي إطار ذلك جنَّدت إسرائيل إمكاناتها وسلطة قمعها ضد الشعب الفلسطيني بالداخل، وضمن سياسات قانونية واقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية إرهابية عنصرية. وإذا كانت الصورة التاريخية السائدة لضحية الإرهاب الصهيوني في تلك الفترة هي "اللاجئ المشرد"، فإن القتلى والجرحى كانوا كذلك من بين ضحايا هذه السياسة الإرهابية فضلاً عن المعتقلين والمنفيين قسراً. كما يلفت النظر أن منطقة الجليل كانت هدفاً أساسياً للنشاط الإرهابي الصهيوني خلال الخمسينيات والستينيات نظراً لشعور الصهاينة بخطورة استمرار التركز البشري الفلسطيني فيها.

وقد قامت القوات الإسرائيلية بانتهاك الهدنة مع البلدان العربية المجاورة ونفَّذت العديد من الجرائم الإرهابية ضد المدنيين وبينهم لاجئون فلسطينيون آثرت تعقُّبهم لتمارس مرحلة ثانية من الطرد. وإذا كانت الأمم المتحدة قد أحصت اعتداءات إسرائيل المتكررة والتي أسمتها «حوادث الحدود» بين عامي 1948 و1967 بـ 21 ألف اعتداء، فإن القائمة الدموية تشمل العديد من المذابح (انظر: «المذابح الصهيونية بعد عام 1948») التي اشترك في تنفيذها القوات الأساسية في جيش إسرائيل إلى جانب الوحدات العسكرية التي أنشئت خصيصاً لهذه الأغراض (مثل الوحدة 101 وفرق المظليين)، التي نفَّذت عملياتها بناء على قرارات اتخذت على أعلى مستوىات القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية.

وقد يكون من الضروري إعادة التذكير بأن إسرائيل كانت صاحبة السبق في ممارسة ما سُمِّي فيما بعد «أعمال الإرهاب الدولي»، حيث بادرت في ديسمبر عام 1954 إلى اختطاف طائرة مدنية سورية، وأجبرتها على الهبوط في الأراضي المحتلة، وحاولت أن تتخذ من ركابها المدنيين رهينة للمساومة على جنود إسرائيليين وقعوا قيد الأسر لدى سوريا حين تسللوا إلى الأراضي السورية. وقد اعترف موشي شاريت بنفسه أن وزارة الخارجية الإسرائيلية قد أكدت بنفسها أن هذا العمل غير مسبوق في مجال السلوك والأعراف الدولية. وهو نمط من السلوك لم تتورع إسرائيل عن تكراره فيما بعد متضمناً انتهاكاً لسيادة دول قد لا تكون في حالة حرب معها (مثل أوغندا وحادث عنتبي). وليس اللافت للنظر هو إدخال إسرائيل مثل هذه الأساليب والسلوكيات في المنطقة وفي التاريخ العالمي فحسب، بل الاعتراف الإسرائيلي الرسمي بهذه الجرائم الإرهابية الدولية.

وكما قلنا من قبل فإن عنوان كفر قاسم وقبية لا يستوعب جميع مجالات أنشطة الإرهاب الصهيوني بعد عام 1948 وحتى عام 1967. ففي المقابل كان يلزم لتنفيذ الشق الثاني من إستراتيجية الاستعمار الاستيطاني الإحلالي تنشيط حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة وإلى الدولة الجديدة ولو بالإرهاب. ومن الطبيعي أن يسجل لنا التاريخ وقائع عدة وباعترافات القادة الإسرائيليين كان اليهود خلالها هدفاً للإرهاب الصهيوني ولإرهاب الدولة التي تزعم تمثيلهم أو بالأصح تغتصب هذا التمثيل. حيث خطط جهاز الموساد لعديد من عمليات إلقاء القنابل على أماكن التجمع اليهودي والمقدَّسات اليهودية في العراق عامي 1950 و1951، بل كوَّن شبكة إرهابية لهذا الغرض أشرف عليها موردخاي بن بورات بهدف دفع يهود العراق إلى الهجرة إلى فلسطين المحتلة بعد أن أقلقت استجابتهم الضعيفة وغير المرضية القادة الصهاينة إزاء نداءاتها بالهجرة إلى إسرائيل وحتى بعد أن فتحت السلطات العراقية باب الهجرة واسعاً أمام من يشاء منهم.

وجريمة قتل الكونت برنادوت، الوسيط الدولي للأمم المتحدة، في فلسطين بتاريخ 17 أغسطس 1948 تقف مثالاً لنشاط الإرهاب الصهيوني ضد "الأغيار" من غير الفلسطينيين والعرب. فقد تم اغتياله رغم جهوده المعروفة في إنقاذ آلاف اليهود من معسكرات الاعتقال النازية عندما كان رئيساً لمنظمة الصليب الأحمر الدولي خلال الحرب العالمية الثانية. كما تشهد بالمسئولية الجماعية للقادة الإسرائيليين على اختلاف انتماءاتهم الحزبية. وفي هذا الصدد اعترف بن جوريون نفسه فيما بعد بأنه كان على علم تام بهوية الجناة وأنه آثر تسهيل فرارهم دون أي عقاب.

إلا أن تاريخ الاستيطان الصهيوني حافل بصفحات طواها النسيان لممارسة الإرهاب ضد الأغيار من غير العرب والفلسطينيين من بينها ممارسة الإرهاب المتكرر ضد سفارات ومصالح الدول الاشتراكية.

وفي الوقت نفسه تقريباً نُظِّمت سلسلة من الأعمال الإرهابية لم يجر حتى الآن الكشف عن الجهة الصهيونية المسئولة مباشرةً عن تدبيرها. وجرت هذه الأعمال تحت حملة دعائية صهيونية تروج لفكرة الانتقام من المواطنين الألمان الأبرياء. وفي وقت لاحق نظَّمت جماعة صهيونية معارضة لمفاوضات التعويض مع ألمانيا الغربية بعض العمليات الإرهابية من بينها إرسال طرود ناسفة إلى المستشار الألماني أديناور وإلى أعضاء بعثة التعويضات الألمانية في هولندا، وتفجير سيارة مفخخة بجوار مجلس النواب الألماني (البوند ستاج).

وإذا كان من الضروري إعادة تأكيد طابع الإرهاب الرسمي الغالب في أعقاب 1948، والموجه تحديداً نحو الفلسطينيين والعرب، فإن من الواجب أيضاً رصد مجموعة من الوقائع التي تبدو هامشية إلا أنها تكتسب دلالة بالنسبة لطبيعة التجمُّع الصهيوني في فلسطين. فقد شهدت بدايات العقد الخامس عدة جماعات محدودة العضوية مارست العنف واعتمدته كلغة بين جماعات هذا التجمُّع الصهيوني. وتعود هذه الجماعات، التي لم تحظ باستمرارية أو نفوذ واضحين، إلى مصدرين رئيسيين: الأول بعض أعضاء جماعتي إتسل وشتيرن الذين لم يتقبلوا قسمة السلطة التي أسفر عنها عام 1948 فوجهوا نشاطهم ضد قادتهم حين أقدم بعض أعضاء شتيرن على تعقب قادتهم الذين انصاعوا لأوامر سلطة بن جوريون فقاموا بحرق منازلهم. والثاني بعض الجماعات اليهودية الأرثوذكسية التي رفضت مظاهر العلمنة في التجمُّع الصهيوني. وكان أبرزها عصابة "الغيورين" أو "المعسكر" التي تأسَّست عام 1950 في القدس. وفي إطار سعيها لفرض ما تراه التعاليم الصحيحة لليهودية أحرقت سيارات من أقدموا على انتهاك حُرمة يوم السبت ومحلات اللحوم التي لا تلتزم الشريعة اليهودية في إجراءات الذبح. إلا أن أشهر أعمالها كان التخطيط لإلقاء قنبلة على الكنيست أثناء مناقشة قرار تجنيد الفتيات المتدينات في الجيش. ومقابل ذلك وقعت عملية ضد المتدينين حين دمرت عبوة ناسفة منزل ديفيد تسفي بنكيس وزير المواصلات احتجاجاً على عزمه تقييد الحركة يوم السبت وذلك في يونيه 1952.

وعلى أية حال فإن السلطات الإسرائيلية كان يسهل عليها تدارك الموقف، ففضلاً عن تصعيد التوتر بين المستوطن الصهيوني من جهة والشعب الفلسطيني والشعوب العربية عامة من جهة أخرى وحشد متناقضات تجمُّعها الصهيوني في مواجهة ذلك، كان من السهل عليها بث عملائها داخل هذه الحركات وتفريغها وضربها في الوقت المناسب.

وإذا كان هناك ثمة مفارقة في أن دوف شيلانسكي، الذي دبَّر عام 1952 محاولة نسف وزارة الخارجية الإسرائيلية وحُكم عليه بالسجن 21 شهراً لمحاولته، قد شغل مقعداً عن الليكود في الكنيست فيما بعد، فإن تلك المفارقة مشحونة بدلائل مهمة تكشف أن التناقضات بين مكونات التجمُّع الصهيوني، مهما بلغت ضراوتها وعنفها، لا تحول مطلقاً دون عملية الاندماج المستمر في إطار نظام لا تشكل لديه مثل هذه السوابق أو السلوكيات أمراً يستلزم استبعاد مرتكبها من بين صفوف نخبته.

  • الاثنين AM 11:03
    2021-05-17
  • 1026
Powered by: GateGold