المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417545
يتصفح الموقع حاليا : 279

البحث

البحث

عرض المادة

أرض بـــــلا شــــــعب لشــــــعب بــــــلا أرض

أرض بـــــلا شــــــعب لشــــــعب بــــــلا أرض
A Land without a People for People without a Land
شعار صهيوني يصعب معرفة تاريخ ظهوره. ولكن يمكن القول بأنه صياغة معلمنة للرؤية الإنجيلية القائلة بأن فلسطين هي أرض الميعاد والأرض المقدَّسة، وأن اليهود هم الشعب المقدَّس، ومن ثم فالشعب المقدَّس لابد أن يعود للأرض المقدَّسة، فهو صاحبها.


ولعل أول من قام بعلمنة الصياغة هو اللورد شافتسبري الذي تحدث في منتصف القرن التاسع عشر عن "الأرض القديمة للشعب القديم". ثم اكتملت عملية العلمنة في الصياغة الحالية «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». ويبدو أن إسرائيل زانجويل هو صاحب الصياغة الأخيرة.

ومهما كان الأمر فهذا الشعار السوقي الساذج هو إفراز طبيعي للخطاب الحضاري الغربي الحديث، الذي ينبع من الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية التي قامت بعلمنة الرؤى الإنجيلية وحولتها من صياغات مجازية تتحقق في آخر الأيام بمشيئة الإله إلى شعارات استيطانية حرفية تتحقق الآن وهنا بقوة السلاح. وهذه الرؤية للكون (الطبيعة والبشر) باعتباره مادة استعمالية، تضع الإنسان الغربي في المركز ومن ثم يصبح العالم كله فراغاً بلا تاريخ وبلا بشر، وإن وُجد بشر فهم مادة استعمالية عرضية لا قيمة لها، ومن ثم تصبح فلسطين أرضاً مأهولة بلا شعب. ويصبح الفلسطينيون مادة استعمالية لا قيمة لها في حد ذاتها.

ويخضع أعضاء الجماعات اليهودية لنفس العملية فهم بدلاً من أن يكونوا الشعب المقدَّس بالمعنى المجازي يصبحون الشعب اليهودي بالمعنى الحرفي، وحيث إنهم شعب، فهم إذن لا ينتمون للحضارة الغربية التي لا تضم سوى الشعوب الغربية ومن ثم لا أرض لهم.

لا يبقى بعد هذا إلا عملية الحوسلة والتوظيف التي تأخذ شكل ترانسفير مزدوج: تحريك اليهود من المنفى إلى الأرض، وتحريك السكان الأصليين من الأرض إلى المنفى، وكل هذا يتم تحت رعاية الحضارة الغربية ولخدمة مصالحها، وهذا هو المشروع الصهيوني.

ويتسم شعار «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» بتناسقه اللفظي الساحر، فهو ينقسم إلى قسمين متساويين يستخدم كل قسم القدر نفسه من الكلمات. وكلمة «بلا» في القسمين هي المركز الثابت والعنصر المشترك، وما يتحرك هو كلمتا «الأرض» و«الشعب» فيتبادلان مواقعهما تماماً كما سيتبادل اليهود والعرب مواقعهم.

ويتسم الشعار بالتماسك العضوي والوحدة الكاملة، فلا يوجد حرف زائد ولا توجد كلمة ليست في موضعها، وهو تعبير جيد عن الرؤية العضوية المغلقة التي تسم الخطاب الغربي الحديث، الذي يُفضِّل الصيغ الجميلة المتماسكة لفظياً، بحيث تصبح الصيغة مرجعية ذاتها مكتفية بذاتها كالأيقونة. وقد ينبهر المرء بجمال العبارة فينسى أنها عبارة إبادية، تعني اختفاء العرب وتغييبهم. والترجمة السياسية للعبارة في وعد بلفور هي الإشارة للعرب باعتبارهم «الجماعات غير اليهودية». وقد عبَّر الشعار عن نفسه فيما نسميه مقولة «العربي الغائب» في الخطاب الصهيوني العنصري. ونحن نذهب إلى أن إدراك العالم الغربي للفلسطينيين لا يزال يتحرك في إطار مقولة «أرض بلا شعب» ومن هنا سلوكه الذي قد يبدو لا عقلانياً بالنسبة لنا.

والصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة هي تنويع تفصيلي على شعار أرض بلا شعب. فالشعب العضوي المنبوذ هو الشعب بلا أرض الذي سيُنقل لأرض يتم إبادة شعبها أو طردهم، وبذلك يصبح الشعب المنبوذ شعباً نافعاً داخل إطار الدولة الوظيفية.

وغني عن القول أن هذه الصيغة الصهيونية السوقية التي تكشف المضمون الحقيقي للصهيونية وتبيِّن نزعتها العنصرية الإبادية الشرسة، قد اختفت تماماً من الخطاب الصهيوني، وحل محلها صيغ أكثر صقلاً وتركيباً، مثل «الحقوق المطلقة للشعب اليهودي» التي تعني في واقع الأمر أن حقوق الآخرين (العرب) نسبية عرضية ومن ثم يمكن تهميشها، وفي نهاية الأمر إلغاءها. كما أن الخطاب الصهيوني بعد عام 1967 وبعد ضم الأراضي الفلسطينية التي تحوي كثافة بشرية عالية اضطر أن يعترف بوجود شعب على الأرض، فلجأ لعملية تحايل كي يفرض الشعار القديم على الواقع. فمفهوم الحكم الذاتي الإسرائيلي يعني حقوق الفلسطينيين دون أن يكون لهم أي حقوق على الأرض (أي أن الفلسطينيين أصبحوا شعباً بلا أرض). كما أن الطرق الالتفافية هي تعبير عن اعتراف ضمني بوجود الشعب الفلسطيني الذي لا يملك المستعمرون إلا "الالتفاف" حوله.

  • الجمعة AM 05:45
    2021-04-30
  • 1944
Powered by: GateGold