المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417529
يتصفح الموقع حاليا : 253

البحث

البحث

عرض المادة

الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة المهودة

الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة المهودة
Underlying Judaized Zionist Premises
«الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة المُهوَّدة» هي «الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة» بعد أن اكتسبت ديباجات ومسوغات يهودية جعل بإمكان المادة البشرية المستهدفة استبطانها. فالصيغة الشاملة تُعلمن اليهود تماماً وتُحوْسلهم إلى أقصى حد، وهي أيضاً تُعلمن الهدف من نقلهم والأرض التي سيُنقَلون إليها. وليس من السهل على المرء قبول أن يتحول إلى وسيلة وأن يُنقَل كما لو كان شيئاً لا قيمة له إلى أرض (أي أرض). ولذا، نجد أن المقدرة التعبوية للصيغة الشاملة تكاد تكون منعدمة، إذ أنها تفترض أن ينظر اليهود إلى أنفسهم بشكل براني، وهذا أمر مستحيل بطبيعة الحال.


وقد طوَّر هرتزل الخطاب الصهيوني المراوغ الذي فتح الأبواب المغلقة أمام كل الديباجات اليهودية المتناقضة التي غطت، بسبب كثافتها، على الصيغة الأساسية الشاملة وأخفت إطارها المادي النفعي حتى حلَّت، بالنسبة لأعضاء الجماعات اليهودية في الغرب بل بالنسبة لمعظم قطاعات العالم الغربي، محل الصيغة الأساسية الشاملة.

وقد تم إنجاز هذا بأن قامت الصهيونية الإثنية (الدينية والعلمانية) بإسقاط ديباجات الحلولية الكمونية (التي تلغي الحدود بين الإله والأرض والشعب وتخلع القداسة على كل ما هو يهودي) على الصيغة الشاملة بحيث يتحول اليهود من مادة نافعة إلى كيان مقدَّس له هدف وغاية ووسيلة ورسالة. وتجعل عملية نقله مسألة ذات أبعاد صوفية أو شبه صوفية نبيلة. لكل هذا أصبح من السهل على المادة البشرية أن تستبطن الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة وأصبح من السهل التحالف بين الدينيين والعلمانيين: الجميع يتفق على قداسة الشعب ورسالته (ومطلقيته) ويختلفون حول مصدر القداسة وتجلياتها. ورغم كثافة الديباجات وإغراقها في الحلولية، تظل الثوابت كما هي، وتظل الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة كما هي.

وتذهب الصيغة المُهوَّدة إلى أن العالم هو «المنفى» وأن اليهود يشكلون «شعباً عضوياً واحداً» لابد أن يُنقَل من المنفى (فهو شعب عضوي منبوذ) إلى فلسطين «أرض الميعاد». ورغم هذا الاتفاق المبدئي إلا أن الديباجات تختلف، فالشعب العضوي المنبوذ لا يُنبَذ بسبب كونه جماعة وظيفية فقدت دورها أو لأنه قاتل المسيح، وإنما لعدد من الأسباب تتغيَّر بتغيُّر صاحب الديباجة منها أنه شعب مقدَّس مكروه من الأغيار في كل زمان ومكان بسبب قداسته (الصهيونية الإثنية الدينية) أو بسبب تركيبه الطبقي غير السوي (الصهيونية العمالية) أو لأن هويته الإثنية العضوية لا يمكن أن تتحقق إلا في أرضه (الصهيونية الإثنية العلمانية [الثقافية]) أو لأنه شعب ليبرالي عادي يود أن يكون مثل كل الشعوب، وخصوصاً الشعوب الغربية (الصهيونية السياسة). ومهما اختلفت الأسباب، فإن هذا الشعب ينظر إلى نفسه فيرى كياناً عضوياً مطلقاً له قيمة إيجابية ذاتية (بل يجد أنه المطلق وموضع الحلول والكمون(.

أما الهدف من النقل فليس التخلص من اليهود أو تأسيس دولة وظيفية تقوم على خدمة الغرب وإنما هو إصلاح الشخصية اليهودية وتطبيعها وتأسيس دولة اشتراكية تحقق مُثُل الاشتراكية (الصهيونية العمالية) أو الاستجابة للحلم الأزلي في العودة وتحقيق رسالة اليهود الإلهية وتأسيس دولة تستند إلى الشريعة اليهودية (الصهيونية الدينية) أو تحقيق الهوية اليهودية وتأسيس دولة يهودية بالمعنى العلماني تكون بمنزلة مركز روحي وثقافي ليهود العالم (الصهيونية الإثنية العلمانية) أو تحقيق مُثُل الحرية وتأسيس دولة ديموقراطية غربية (الصهيونية السياسية). كما اكتسب المكان الذي سيُنقل إليه الشعب معنى داخلياً إذ تصبح الأرض هي الأرض الوحيدة التي تَصلُح للخلاص (المشيحاني أو الاشـتراكي أو الليبرالي)، فهي «أرض الميعـاد» الإثنـية الدينية أو العلمانية، بل إن خلاص الشعب هو خلاص الأرض، وهو نفسه مشيئة الإله.

وآليات الانتقال ليست الاستعمار الغربي أو العنف والإرهاب وإنما هي "القانون الدولي العام" متمثلاً في وعد بلفور (في الصياغة الصهيونية السياسية) أو "تنفيذاً للوعد الإلهي والميثاق مع الإله" (في الصياغة الدينية) أو بسبب قوة اليهود الذاتية (في الصياغة الصهيونية التصحيحية). كما أن النتيجة النهائية واحدة وهي تحويل اليهود إلى مسـتوطنين صهاينة وطرد الفلسـطينيين من وطـنهم وتحويلهم إلى مهاجرين. وعلى هذا، فإن عملية نقل اليهود من المنفى إلى فلسطين (سواء بسبب الوعد الإلهي أو بسبب وعد بلفور) تؤدي إلى نقل الفلسطينيين خارج وطنهم (إلى المنفى(.

ويُلاحَظ أن الصهيـونية التصحيحية هي أكثر التيارات الصهيونية صراحة، فهي تُفصح عن الارتبـاط بالاستعمار ووظيفـية الدولـة وضرورة اللجوء للعنف، فهـي تقـترب من الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة ولا تختفي إلا وراء الحد الأدنى من الديباجات.

وقد اتجهت الصيغة المُهوَّدة لقضية يهود الغرب المندمجين في مجتمعاتهم والذين لا ينوون (لعدة أسباب خاصة بهم) الانتقال إلى أرض الميعاد الاشتراكية أو الرأسمالية أو اليهودية. فقبلت قرارهم هذا نظير تلقِّي دعمهم والتفافهم حولها على أن تلزم الحركة الصهيونية الصمت تجاه فضيحة الصهاينة الذين لا يهاجرون ومن هنا ولدت الصهيونيتان: الاستيطانية والتوطنيه.

وقد تنبَّه كثير من المفكرين الصهاينة إلى وجود الصيغة الشاملة المُهـوَّدة أو اليهـودية من وجهـة نظـرهم (رغــم أن أحداً منهم لم يُسمِّها)، فيشير حاييم لانداو، على سبيل المثال، إلى أن البرنامج الصهيوني يدور حـول فكرة ثابـتة واحـدة "وكل القيم الأخرى إن هي إلا أداة في يد المطلق"، ثم يحدد هذا المطلق على أنه "الأمة". وقد وافقه موشيه ليلينبلوم، وكان ملحداً، على قوله هذا: "إن الأمة كلها أعز علينا من كل التقسيمات المتصلبة المتعلقة بالأمور الأرثوذكسية أو الليبرالية في الدين. فلا مؤمنين وكفار، فإن الجميع أبناء إبراهيم وإسحق ويعقوب... لأننا كلنا مقدَّسون سواء كنا غير مؤمنين أو كنا أرثوذكسيين". والمعنى أن الشعب كله هو مركز الحلول، تجري في عروقه هذه القداسة بشكل متوارث. أما كلاتزكين، فإنه يوضح القضية بما ينم عن الذكاء في مقاله «الحدود» حيث يبين أن اليهودية تعتمد على الشكل لا على المضمون (الشكل يعني في واقع الأمر بنية العلاقات الكامنة وليس الشكل بالمعنى الدارج للكلمة). وهذا الشكل الأسـاسي ـ كما يقول ـ هو تخليص "الشعب اليهودي" للأرض. أما المضامين الروحية أو الفكرية، فهي تختلف بشكل جذري، ولكن هذا لا يهم لأن مضمون الحياة نفسه (أي واقعها) سيصبح قومياً عندما تصبح أشكالها قومية. وقد تنبَّه هؤلاء المفكرون الصهاينة ـ وأولهم ديني متطرف في تَديُّنه والآخران علمانيان ـ إلى أن ثمـة فكـرة ثابتـة، جوهـراً ما، "مطلقـاً" على حـد قـول الأول، و"شكلاً أساسياً" أو "قداسة معيَّنة" على حد قول المفكرين الآخرين. كما تنبهوا إلى أن هذا الجوهر هو الثابت وأنه يُغيِّر ما عداه ويُحوِّره ويسمه بميسمه. وقد حددوه بأنه مفهوم الأمة اليهودية.

  • الجمعة AM 05:43
    2021-04-30
  • 1179
Powered by: GateGold