المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417552
يتصفح الموقع حاليا : 229

البحث

البحث

عرض المادة

تاريخ الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة

الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة: تاريخ
Underlying Zionist Premises: History
لم تظهر الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة كاملةً بين يوم وليلة، وإنما ظهرت بالتدريج، وكان يُضاف لكل مرحلة عنصر جديد إلى أن اكتملت مع صـدور وعـد بلفور وتحوَّلت إلى الصـيغة الصهيونية الأسـاسية الشاملة. والواضح أن الصيغة الصهيونية الأساسية تضرب بجذورها في الحضارة الغربية. وفيما يلي تاريخ موجز لمراحل تشكُّلها واكتمالها:


1 ـ تضرب الصيغة بجذورها في موقف الحضارة الغربية من الجماعات اليهودية وفي وضعهم داخلها، وهو موقف صهيوني ومعاد لليهود في آن واحد؛ أو صهيوني لأنه معاد لليهود. فاليهود شعب مختار عضوي متماسك (شعب شاهد ـ جماعة وظيفية)، ووجوده في مجتمع ما ليس له أهمية في حد ذاته وإنما بمقدار ما يخدم الوظيفة الموكلة إليه. وحين يفقد الشعب وظيفته، لابد من التخلص منه عن طريق نَقْله (أو ربما إبادته). ومن هنا، فإن نقطة الانطلاق (الشعب العضوي المنبوذ) هي الرقعة المشتركة بين معاداة اليهود والصهيونية، وهي صيغة خروجية تصفوية إذ تطالب بإخراج اليهود من أوربا وتصفيتهم، فالعنصر الأول بشقيه هو جوهر عداء اليهود وهو أيضاً المقدمة الأساسية للصهيونية.

2 ـ وأضيف لهذه الصيغة العنصر الثاني (الكامن تاريخياً وبنيوياً في العنصر الأول) وهو اكتشاف نفع اليهود، ومن ثم إمكانية توظيفهم خارج أوربا (وإصلاحهم). وقد اكتُشف هذا الجزء أو تم تأكيده ابتداءً من القرن السـابع عشـر، عصـر ظـهور الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية. ويُلاحَظ أن ما يميِّز الصهيونية عن معاداة اليهود هو هذا الجزء. فكلاهما يرى اليهود عنصراً غير نافع يوجد داخل الحضارة الغربية ولكنه لا ينتمي إليها ولا حل للمشكلة إلا بإخراج اليهود. وبينما يلجأ أعداء اليهود إلى إخراج اليهود بشكل عشوائي عن طريق طردهم أو إبادتهم دون تخطيط أو ترشيد، فإن الصهاينة يرشِّدون العملية كلها ويرون إمكانية إخراج اليهود بشكل منهجي وتحويلهم إلى عنصر نافع. كما يُلاحَظ أن مكـونات هـذين العنصرين (المنبوذين ـ النافعين الذين يمكن توظيفهم) هي ذاتها السمات الأساسية للجماعة الوظيفية. ومن ثم، فإن اكتشاف نفع اليهود كان أمراً متوقعاً، إذ أن ذلك لصيق ببنية الجماعة الوظيفية وهو سر وجودها وبقائها، إذ أنها لا يمكن أن يكتب لها البقاء في مجتمع إلا إذا كانت "نافعة" و"تلعب دوراً ضرورياً".

3 ـ تظـل الصيغة الصهيونيـة حتى نهاية القرن التاسـع عشـر مجرد فكرة، ولكنها تتحول إلى حركة منظمة بعد مرحلة هرتزل وبلفور ومضمونها أن يتم التوظيف من خلال دولة وظيفية على أن تشرف على العملية إحدى الدول الاستعمارية الكبرى في الغرب التي تُؤمِّن للمستوطنين موطئ قدم وتضمن بقاء واستمرار الدولة الوظيفية الاستيطانية. ومع وعد بلفور، يصبح المكان الذي ستقام فيه الدولة الوظيفية هو فلسـطين وتتحـول الصيغة الأسـاسية إلى الصـيغة الشـاملة.

ولنا أن نلاحظ أن المفهوم الكامن وراء الصيغة الأساسية الشاملة في الصهيونية الغربية مفهوم محوري في الحضارة الغربية، فلم يتم إدراك اليهود وحدهم من خلاله وإنما تم إدراك كل المنحرفين اجتماعياً، فمثلاً كان يتم نَقْل المساجين إلى أستراليا وتوظيفهم هناك بحيث يتحوَّلون إلى عناصر صالحة؛ أعضـاء في الحضـارة التي نبـذتهم ونقلتهم.

والصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة محايدة تماماً، فهي صيغة علمانية نفعية مادية تماماً، رغم كل ما قد يحيط بها من ديباجات مسيحية أو رومانسية، فهي ترى اليهود، في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير، باعتبارهم مادة نافعة لا قداسة لها. وهي تنظر لوجود اليهود في العالم الغربى نظرة سلبية لابد من وضع نهاية له. ولذا، فهي صيغة تدعو اليهود إلى إنهاء السلبية الدينية والعودة المادية العلمانية إلى فلسطين دون انتظار أي أمر إلهي (الأمر الذي يتنافى مع العقيدة المسيحية الكاثوليكية واليهودية الأرثوذكسية)

والصيغة تُعلمن اليهود (فهم مادة نافعة تُنقَل)، كما تُعلمن المكان الذي سيُنقَلون إليه (فهو مجرد حيز)، وتُعلمن سكانه الأصليين (فمصيرهم إما النـقـل أو الإبـادة)، وتُعلمن وسـيلة النقـل (فهي الإمبريالية)

والصيغة الأساسية الشاملة هي القاسم المشترك الأعظم بين كل الصهيونيات: صهيونية اليهود ـ صهيونية غير اليهود ـ صهيونية اليهود المتدينين ـ صهيونية اليهود العماليين ـ صهيونية اليهود المتمسكين بإثنيتهم ـ صهيونية اليهود غير اليهود، وذلك بغض النظر عن الديباجات والاعتذاريات وزوايا الرؤية. ولا شك في أنها تصلح أساساً تصنيفياً للتفرقة بين الصهيونية وغيرها من الحركات التي توجهت للقضايا نفسها.

والصيغة الشـاملة تصلح أيضاً إطاراً لكتابة تاريخ عام للصهيونية، باعتبارها حركة فكرية سياسية اقتصادية اجتماعية في الحضارة الغربية (لا بين أعضاء الجماعات اليهودية وحسب)، بحيث لا يتم الفصل بين صهيونية اليهود وصهيونية غير اليهود كما هو مُتَّبع، وإنما يُنظَر إليهما كمراحل مترابطة في سياق تاريخي حضاري واحد.

والصيغة الشاملة هي الأساس الذي يستند إليه ما نسميه «العقد الصهيوني الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية بشأن يهود الغرب»، فهذا العقد يتيح الفرصة أمام يهود الغرب لأن يحققوا من خـلال الخروج من العالم الغربي ما فشـلوا في تحقيقـه من خـلال البقاء فيه. وعلى المستوى السياسي، يمكن القول بأن الصيغة الشاملة تعني ربط حل المسألة اليهودية (المادة البشرية المستهدفة) بالمسألة الشرقية (المجال الذي ستُنقَل فيه لتُوظَّف لصالح الحضارة الغربية). وقد تم تهويد الصيغة الشاملة من خلال مجموعة من الديباجات بحيث أصبحت «الصيغة الشاملة المُهوَّدة»، وذلك حتى يتحقق لليهود استيطانها.

ويُلاحَظ أنه في الوقت الحاضر بعد أن استقرت أوضاع الجماعات اليهودية في الغرب، وبعد دمجهم وتَناقُص أعدادهم أصبحت العناصر الأخيرة في الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة هي العنصر الأساسي (دولة وظيفية يدعمها الغرب ويضمن بقاءها وتقوم هي على خدمته وعلى تجنيد يهود العالم وراءها لخدمتها وخدمة العالم الغربي). وأصبح هــذا هو أسـاس الإجـماع الصهيوني.

  • الجمعة AM 05:41
    2021-04-30
  • 1041
Powered by: GateGold