المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417534
يتصفح الموقع حاليا : 267

البحث

البحث

عرض المادة

الشـذوذ الجنسي

الشـذوذ الجنسي
Homosexuality
يُحرِّم العهد القديم العلاقة الجنسمثلية أو الشذوذ الجنسي بين الذكور، وتبلغ عقوبة هذه الجريمة حد الإعدام. أما التلمود، فهو يُحرِّم العلاقة الجنسمثلية بين كل من الذكور والإناث. ولا يوجد وصف تفصيلي لحوادث جنسمثلية في العهد القديم إلا في حادثة لوط (تكوين 19/5)، وفي قصة بنو بليعال من بنيامين (قضاة 19/20).


ويبدو أن سلوك أعضاء الجماعات اليهودية عبر التاريخ البشري كان يتسم بالإحجام عن الشذوذ الجنسي. ولذا، فإننا نجد أن التلمود لا يشغل باله كثيراً بالعلاقات الجنسية الشاذة، بل إن الشولحان عاروخ، وهو تلخيص للقوانين التلمودية، يهمل ذكرها باعتبار أنها أمر مفروغ منه. ومما يجدر ذكره أن المواجهة بين اليهودية والهيلينية في القرون الأخيرة قبل الميلاد، التي تزامنت مع تأغرق أعداد كبيرة من أعضاء النخبة اليهودية في مصر وفلسطين، ورغم القبول الواضح في التراث الهيليني للشذوذ الجنسي، فإن أعضاء الجماعات اليهودية لم ينغمسوا في مثل هذه الممارسة. ويبدو أن بعض الأدباء السفارد، متأثرين بتقاليد الشعر العربي والتغزل بالغلمان، كتبوا عن حب أفراد من الجنس نفسه. بل يبدو أن الممارسات الجنسية الشاذة كانت منتشرة بين السفارد قبل وبعد الطرد من إسبانيا حتى أن كلمتي «يهودي» و«شاذ جنسياً» كانتا مترادفتين في شبه جزيرة أيبريا. كما أن التراث القبَّالي يرى أن كلاًّ من الإله والإنسان (قبل تَبعثُّر الشرارات) مُكوَّنان من عناصر ذكورة وأنوثة مختلطة، وفي هذا تعبير عن الواحدية الكونية الحلولية ورفض للثنائيات.

وقد تغيَّر الوضع تماماً في العصر الحديث مع تصاعد معدلات العلمنة بين أعضاء الجماعات اليهودية، فرئيس أول جماعة عالمية للشواذ جنسياً من الذكور هو ماجنوس هيرشفيلد (1868 ـ 1935)، ومساعده كورت هيلر (1885 ـ 1972)، وكلاهما كان ألمانياً يهودياً (بل كان هيلر يزعم أنه من نسل الحاخام هليل). وكان هيلر هو أول من طالب باعتبار الشواذ جنسياً أقلية لابد من حماية حقوقها. ويُلاحَظ اهتمام علماء النفس اليهود بموضوع الشذوذ الجنسي. ومن المعروف أن فرويد ينسب لكل البشر ازدواجية جنسية أو جنسمثلية كامنة.

ولكن حتى لا تُفسَّر هذه المعلومات تفسيراً عنصرياً يبسط الأمور تبسيطاً مخلاًّ يجعل اليهود مسئولين عن الشذوذ الجنسي، لابد أن نشير إلى أن قبول الشذوذ الجنسي بشكل متزايد وتطبيعه إحدى سمات المجتمعات العلمانية المتقدمة، كما أنه نتيجة حتمية لغياب اليقين المعرفي والمطلقية الأخلاقية وغياب المركز وتعاظم أهمية الهامش وإنكار أي مفهوم للطبيعة البشرية ومن ثم أية معيارية. وإذا كان هناك وجود ملحوظ لليهود في الحركات الداعية لتطبيع الشذوذ الجنسي، فهذا أمر نابع من أن أعضاء الأقليات (الذين يوجدون في الهامش)، وخصوصاً أولئك الذين يتحولون إلى جماعات وظيفية لديهم استعداد أكبر من استعداد أعضاء الأغلبية لارتياد آفاق جديدة سواء في عالم الاستثمار أو في عالم الأفكار والسلوك. ومهما يكن الأمر، فإن حركة الشذوذ الجنسي في العالم الغربي حقَّقت تقـدماً ملحوظاً حتى أن قـوانين معـظم بلاد أوربا قد تغيَّرت، فهي تسمح بالعلاقات الجنسية الشاذة الخاصة بين بالغين يدركون ما يفعلونه ويقبلونه، وبدأت تَصدُر تشريعات تعترف بعلاقة الشواذ جنسياً كزواج شرعي يعطي لطرفيه حقوق المتزوجين كافة من معاش حكومي إلى علاوات إضافية بل وحق تبنِّي الأطفال! كما أن كثيراً من الكنائس المسيحية أصبحت تقبل العلاقة الشاذة جنسياً بل وتُؤسَّس الآن كنائس للشواذ جنسياً، ويُرسَّم الشواذ جنسياً قساوسة ووعاظاً. وقد بدأت المؤسسات الدينية اليهودية تلحق بالركب، فاليهودية الإصلاحية والمحافظة لا تُحرِّمان الآن الشذوذ الجنسي. وقد أُسِّست أيضاً معابد يهودية للشواذ جنسياً، ورُسِّم حاخامات شواذ جنسياً من الجنسين. وهذا دليل آخر على أن الجماعات اليهودية هي، في نهاية الأمر، ثمرة التغيرات الحضارية والاجتماعية التي تقع للمجتمعات التي يعيشون في كنفها، ومن السخف بمكان التحدث هنا عن «تاريخ يهودي مستقل» أو عن مسئولية اليهود عن الشر.

ونحن نتوقع أن تتطور الأمور بين الجماعات اليهودية بشكل أسرع منها بين المسيحيين، وهذا يعود إلى تركيب اليهودية الجيولوجي التراكمي التي تحوي داخلها أشياء عديدة متناقضة. كما أن تطوُّر اليهودية وقبولها الهوية الإثنية كأساس للانتماء، بدلاً من العقيدة الدينية، يفتح الباب على مصراعيه لأي سلوك مهما تنافى مع القيم الأخلاقية أو الدينية، فالهوية الإثنية لا تفرض على صاحبها أي أعباء أخلاقية. وكما جاء في إحدى الدراسات، فإن المعابد اليهودية الخاصة بالشواذ جنسياً تكافح من أجل الحصول على الفهم والقبول من بيت إسرائيل (الشعب اليهودي) رغم أنف التحريمات الواردة في التوراة وتقاليد اليهودية الحاخامية التي استبعدتهم من الحياة الدينية للجماعة.

والقانون العثماني الذي طبقته حكومة الانتداب، ومن بعدها الدولة الصهيونية، يُحرِّم العلاقات الجنسية الشاذة. ومع هذا، كانت السلطات التنفيذية الصهيونية تنظر للممارسات الشاذة بكثير من التسامح، ولذا لم يُقدَّم أحد قط للمحاكمة بتهمة الممارسة الجنسية الشاذة. وفي عام 1988، أصدر الكنيست قانوناً بإلغاء القانون الذي يُجرِّم العلاقات الجنسية الشاذة (رغم معارضة اليهود الأرثوذكس). ولا يُعفَى الشواذ جنسياً من الخدمة العسكرية، ويُكتفَى بنقلهم إلى مواقع غير مهمة من الناحية الأمنية. وتوجد في إسرائيل جماعة تُسمَّى جماعة الدفاع عن الحقوق الشخصية أُسِّست عام 1975. وبعد عام 1988، ظهرت مجلات للشواذ جنسياً في إسرائيل باللغتين العبرية والإنجليزية. وفي يونيه 1991، عُقد في تل أبيب المؤتمر الدولي الثالث للشواذ جنسياً من الذكور والإناث والمخنثين (أي الذين يحوون عناصر ذكورة وأنوثة). وهناك اتجاه الآن في إسرائيل نحو منح المزيد من الحريات للشواذ جنسياً. وقد صرحت يائيل ديان، ابنة موشيه ديان، بأن العلاقة بين الملك داود ويوناثان هي علاقة شاذة جنسياً، كما عُرضت مسرحية في إسرائيل تتناول سيرة داود الملك بالطريقة نفسها وهناك العديد من الأفلام والأعمال الفنية التي تتعامل مع هذا الموضوع.

  • الاربعاء AM 06:38
    2021-04-28
  • 1475
Powered by: GateGold