المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417534
يتصفح الموقع حاليا : 262

البحث

البحث

عرض المادة

الفكـــر الدينـــي لليهوديـــة المحافظــــة - اليهودية التاريخية

اليهوديـــة المحافظــــة: الفكـــر الدينـــي
Conservative Judaism:Religious Thought
رغم أن اليهودية المحافظة رد فعل لليهودية الإصلاحية، فإن ثمة عنصراً مشتركاً أساسياً بينهما، فهما يهدفان إلى حل إشكالية الحلول الإلهي في الشعب اليهودي ومؤسساته القومية. والصيغة الحلولية التقليدية تجعل الشعب اليهودي مقدَّساً ومطلقاً يشير إلى ذاته، وهو أمر لا يمكن أن تقبله الدولة القومية الحديثة التي تجعل نفسها موضع الإطلاق والقداسة ولا العصر الحديث الذي جعل العلم موضع الإطلاق. وتحاول كلٌّ من اليهودية الإصلاحية واليهودية المحافظة أن تصل إلى صياغة حديثة لليهودية عن طريق تَبنِّي مُطلَق دنيوي يُسمَّى «الروح» (بالألمانية: جايست) فيضاف اسم لكلمة «روح»، فيُقال في الفكر الأوربي الرومانسي مثلاً: «روح العصر» أو «روح المكان» أو «روح الشعب» أو «روح الأمة» والناتج شيء يعبِّر عن الإله أو يحل محله. وقد آمن الإصلاحيون بروح العصر (تسايت جايست)، وآمن المحافظون بروح الشعب العضوي (فولك)، وهي روح تجلت عبر التاريخ في أشكال مختلفة (وهذا الطرح لا يتعارض كثيراً مع العقد الاجتماعي الأمريكي الذي يسمح للأقليات المهاجرة بالاحتفاظ بشيء من هويتها ما دام هذا لا يتعارض مع المطلق الأكبر، مصلحة الولايات المتحدة ومنفعتها). ولكن الاختلاف الآنف الذكر، بين اليهودية الإصلاحية واليهودية المحافظة، يتبدَّى في الطريقة التي اتبعها كل منهما لتحديث اليهودية. فبينما قام الإصلاحيون باتباع النموذج الاندماجي، قام المحافظون بتحديث اليهودية عن طريق تَبنِّي النموذج الشعبي، أي تقديس الفولك وتاريخه وتراثه وأرضه (وهذا هو النموذج النازي).


المحافظون إذن يودون إحداث تغيير دون الإخلال بروح الفولك اليهودي، فهذا هو الجوهر اليهودي أو المطلق موضع الحلول الذي ينبغي الحفاظ عليه. وهذه الرغبة في التغيير مع الميل إلى المحافظة تسمان كل أفكارهم. فهم يؤمنون على اختلاف اتجاهاتهم بأن الشعب اليهودي قد تطوَّر عبر تاريخه، وبأن اليهودية لم تتجمد أبداً، وأنها كانت قادرة على التكيف مع اللحظة التاريخية ومع روح العصر، ولهذا فهي ليست مجموعة ثابتة من العقائد وإنما هي تراث آخذ في التطور التاريخي الدائم، ومن هنا كان إطلاق اسم «اليهودية التاريخية» على هذه المدرسة وخصوصاً في أوربا. ويرى المحافظون أن دراسة اليهودية بشكل تاريخي ونقدي (علم اليهودية) هو تطوُّر إيجابي يساعد اليهود على فهم أنفسهم، كما يساهم في جعل اليهودية نسقاً دينياً خلاقاً كما كان الحال في الماضي. ومع هذا، فقد وقفت اليهودية المحافظة ضد التيار اليهودي الإصلاحي، فنادى زكريا فرانكل، شأنه في هذا شأن هيرش الأرثوذكسي وشأن الصهاينة، بأن يكون أي تغيير أو تطوير لليهودية نابعاً لا من خارج الروح اليهودية وإنما من أعماقها، أي من روح الشعب العضوي (المطلق الجديد). ورغم أن فرانكل والمحافظين كانوا من المؤمنين بأن التوراة أو الشريعة الشفوية خرافة ابتدعها الحاخامات لكي يضفوا مسحة من الشرعية على ما أقره الإجماع الشعبي، ورغم أنهم رأوا أيضاً أن التراث الديني اليهودي ليس مرسلاً من الإله، فإنهم لم يتخذوا موقفاً نقدياً من التوراة أو التراث اليهودي كما فعل الإصلاحيون، لأنهما كلاهما تعبير عن الشعب اليهودي وعبقريته. وقد اقترح المحافظون، وبالذات الحاخام الصهيوني شختر عدم ترك الأمور في أيدي قلة من رجال الدين يقومون بتفسير الشريعة كيفما شاءوا، ودعا إلى وجوب أن يقوم متكلمون يمثلون الشعب اليهودي وينطقون باسـم الجماعة. وتحاول هذه الجماعة التي تمثل كل أو عموم إسـرائيل (بالعبرية: كلال يسرائيل) أن تكتشف اليهودية بدراسة التراث والتقاليد والأدب اليهودي.

وتطبيقاً لهـذا الموقف الوسـط بين اليهودية الإصلاحية والأرثوذكسية، يؤمن المحافظون بأن الأمل في العودة إلى صهيون فكرة أثيرة لدى اليهودي لابد من المحافظة عليها. ومع هذا، لا يتنافى هذا الأمل، بأية حال، مع الولاء للوطن الذي يعيش فيه اليهودي. وهم لا يؤمنون بالعودة الفعلية والشخصية للماشيَّح، ويطرحون بدلاً منها فكر العصر المشيحاني الذي سيتحقق بالتدريج. ويصبح تأسيس الدولة اليهودية، داخل هذا الإطار، خطوةً أولى نحو تحقيق هذا العصر. ويرى المحافظون أن تكون الصلوات اليهودية بالعبرية، وإن كانوا لا يمانعون في أن تُتلى باللغة المحلية إذا لزم الأمر. ويؤكد المحافظون أن الشريعة ملزمة لليهودي، وبالتالي ضرورية للحفاظ على شعائر اليهودية، فمُثُل اليهودية العليا يتم تفسيرها من خلال الشريعة. كما أن اليهودية تدور حول الأوامر والنواهي التي تغطي السلوك الإنساني وتحكم العلاقة بين اليهود من جهة، وبينهم وبين الإله من جهة أخرى. ولكن، مع هذا، لابد أن تظل الشريعة مرنة مرونة كافية بحيث تترك مجالاً للتغيير والتعددية الفكرية التي تجعلها قادرة على مواكبة العصر الحديث، وعلى سد حاجة الإنسان اليهودي الحديث. ولذا، لابد أن تتسم عملية تفسير الشريعة بقدر عال من الإبداع. ويتضح هذا الموقف في أنهم لا يمانعون في إدخال بعض التعديلات على الشعائر الدينية (فيقيمون بعض طقوس السبت)، ولكنهم يسمحون باختلاط الجنسين (وأصبحت النساء جزءاً من النصاب [منيان] المطلوب لإقامة صلاة الجماعة)، بل يسمحون بأن تكون هناك من الإناث حاخامات ومنشدات (حزان). وقد أبقوا على الختان وقوانين الطعام، وإن كانوا قد أدخلوا بعض التعديلات عليها. وهم يقيمون الصلوات بشال الصلاة (طاليت) وتمائم الصلاة (تفيلِّين).

ورغم تماثُل الجذور الفكرية لليهودية الإصلاحية والمحافظة، فإن تشابه اليهودية المحافظة بنيوياً مع اليهودية الأرثوذكسية واضح وقوي. بل إن الفروق بينهما طفيفة وغير جوهرية، فكلتاهما تدور في إطار الحلولية التقليدية دون أن توسع نطاقها لتضم غير اليهود (كما فعلت اليهودية الإصلاحية). ولذا، نجد أن كلاًّ من اليهودية المحافظة واليهودية الأرثوذكسية تؤمنان بالثالوث الحلولي: الإله (أو التوراة)، والشعب، والأرض. وعلى حين يؤكد الأرثوذكس أهمية الإله والوحي والتوراة، نجد المحافظين يبرزون أهمية الشعب وتراثه وتاريخه، أي أن الاختلاف ينـصرف إلى تأكيد أحـد عناصر الثـالوث الحلولي على حساب عنصر آخـر. ويُضفي كلا الفريقين هـالة من القداسـة على حياة اليهود وتاريخهم، وهي قداسة يُرجعها الأرثوذكس إلى أصول إلهية ويرجعها المحافظون إلى أصول قومية أو إلى روح الشعب (وكلال يسرائيل هي في الواقع الفولك التي يتحدث عنها الفكر الرومانسي الألماني)، ويصبح الدين اليهودي فلكلور الشعب اليهودي المعبِّر عن هويته الإثنية وسر بقائه، كما أنه يكتسب أهميته بمقدار مساهمته في الحفاظ على هذا الشعب المقدَّس.

وقد عادت اليهودية المحافظة، بتحويلها الشعب إلى مصدر للإطلاق وموضع للقداسة، إلى واحدة من أهم الطبقات في التركيب الجيولوجي اليهودي، وهي الطبقة الحلولية التي أدَّت إلى واقع أن الإله لم يتمتع قط بالمركزية التي يتمتع بها داخل الأنساق الدينية التوحيدية، فهو يمتزج بالشعب والأرض ويتساوى معهما. و تميل الكفة داخل النسق الحلولي بالتدريج لصالح الشعب على حساب الإله حتى يصبح الشعب وتراثه (لا الإله) مصدر القداسة، وبالتالي يصبح جوهر اليهودية بقاء اليهود، ويظهر داخل اليهودية لاهوت البقاء أو لاهوت ما بعد أوشفيتس.
وقد عَرَّفت اليهودية المحافظة أهدافها بأنها الإصرار على وحدة إسرائيل «الكاثوليكية» العالمية، والإصرار على الحفاظ على استمرار التراث اليهودي والاهتمام بالدراسات اليهودية. فهذا هو الجوهر، أما ما عدا ذلك من عبادات وعقائد، فإنه يظهر بشكل عضوي وتلقائي متجدد.

اليهـودية التاريخيـة
Historical Judaism
«اليهودية التاريخية» مصطلح مرادف لمصطلح «اليهودية المحافظة» أدخله زكريا فرانكل حين دعا إلى ثوابت " اليهودية التاريخية " قاصداً بذلك العناصر الثابتة التي ينبغي على الإصلاح الديني أن يقبلها ولا يحاول تعديلها لأنها تعبير عن جوهر الروح اليهودية، وهو جوهر أزلي لا لأن الإله خلقه بل لأنه تجاوز الزمان من خلال ممارسات اليهود عبر التاريخ.

  • الاربعاء AM 05:51
    2021-04-28
  • 1151
Powered by: GateGold