المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417538
يتصفح الموقع حاليا : 278

البحث

البحث

عرض المادة

مخطوطات البحر الميت

مخطوطات البحر الميت
Dead Sea Scrolls
هي لفائف مدوَّنة على الرق والبردي، بالعبرية والآرامية واليونانية، من أسفار أصلية من العهد القديم وكتابات أدبية أخرى وُجدت على هيئة مخطوطات في كهوف ومغاور النهاية الشمالية الغربية للبحر الميت في فلسطين منها: خربة قمران، ووادي المربعات، وخربة المرد (شمال وادي النار)، وكهف القشخة، وكانت اللفائف الكتابية مُغلقة، وملفوفة، ومحفوظة بعناية في قدور كبيرة من الفخار لصيانتها من الرطوبة أو العبث. وقد كشفت لنا البعثات الأثرية (المُشكَّلة من إرساليات المدارس الإنجليزية والفرنسية، وبعد ذلك الهيئة الأثرية الإسرائيلية) عن أحد عشر كهفاً حتى الآن، ولا تزال الاكتشافات تتوالى في المنطقة وما حولها (وتقوم بها ـ حالياً ـ جمعية دراسة «إرتس يسرائيل» وآثارها وهي تابعة للجامعة العبرية).


وقد عُثر في المغارة الرابعة منها على الكم الأكبر من هذه المكتبة بعد إعادة التنقيب عنها (على مدى ثلاث بعثات للتنقيب) منها كتب تراتيل وطلاسم سحرية وأدعية وتعاويذ لإبعاد الأرواح الشريرة والشياطين. وعلى ما يبدو، يميل الاتجاه الغالب لدى الباحثين إلى نسبة تلك الكتابات إلى جماعة الأسينيين وافتراض أن أفرادها دأبوا على نسخ تلك المخطوطات التي تتضمن حتى الآن ما يلي:

1 ـ أسفار العهد القديم:
أهم ما وصل إلينا منها كاملاً، سفر أشعياء النبي، وهو من نسختين إحداهما كاملة وتتفق في النص مع السفر المعتمد حالياً وإن اختلفت في بعض الفقرات والقراءات وفي هجاء بعض الكلمات، وأخرى متفقة نصاً مع النص المعتمد (الماسورتي). وتُعدُّ اللفيفة المدوَّنة في أربعة وخمسين عموداً أقدم نسخة كاملة لسفر من أسفار العهد القديم. وبالإضافة إلى ذلك، عُثر على أجزاء عديدة من أسفار العدد وصموئيل.

وتبدو أهمية هذه الأسفار في أنها تُمثل لنا اتجاهاً مبكراً إلى إيجاد نصوص متوائمة تتلافى التناقضات التي يعثر عليها الباحثون في النص الحالي للعهد القديم، وهو ما يدلنا على انفصال كُتَّابها عن المدرسة الكتابية للعهد القديم. وفي عام 1950، نشرت المدرسة الأمريكية للدراسات الشرقية لأول مرة النص المخطوط من سفر أشعياء، وتابعت المدرسة الفرنسية للدراسات الأثرية نشر ما يُعثر عليه من لفائف العهد القديم.

2 ـ تفاسير على أسفار العهد القديم:
وهي تفاسير متنوعة أهمها تفسير كامل لسفر حبقوق. ونُلاحظ اقتصار الناسخ على إصحاحين فقط، وهو ما يدل على عدم قانونية الإصحاح الثالث (وهو أمر ألمح إليه النقاد الدارسون للعهد القديم). وأسلوب التفسير الذي تنتهجه طائفة قمران هو الأسلوب الباطني بمعنى العودة بالنص إلى مدلول مختلف وإخراجه من سياقه المباشر أو شبه المباشر. وتُلقي التفاسير الضوء على الفترة التي عاشت فيها الطائفة القمرانية وعلى نظرتها للأحداث مثل دخول بومبي القدس وتناظر بينه وبين أحداث الماضي (دخول سنخريب للقدس).


3 ـ ميثاق الجماعة (سرَخ هايحاد):
ويضم ثلاث وثائق منفصلة نصاً ولكنها تتفق مضموناً في تنظيم شئون الجماعة وعلاقتها الحالية والمستقبلية بما حولها. وتدلنا هذه الوثيقة على انتهاج الطائفة أساليب صارمة في التنظيم وفرضها لعقوبات على من يخالف نظامها أو ينشر أسرارها، وهي تشير إلى علاقة الفرد بالآخرين ممن هم خارج جماعته وإلى عدم جواز مخالطتهم أو الإفاضة عليهم مما أفاء الله عليه من علم بالشريعة وأسرارها!


4 ـ لفيفة حرب أبناء النور وأبناء الظلام:
هي خطة حربية محكمة (خيالية) يتوقع أفراد الجماعة أنهم سيخوضونها قريباً، بعد عودتهم من «صحراء الأمم» في دمشق فسيُعينهم الرب بملائكته وجنده ليقضوا على كل الأعداء التقليديين المذكورين في العهد القديم (الفلسطينيين والآشوريين.. إلخ). وتبدو الإشارات إلى الشعوب المعادية في اللفيفة كإشارات رمزية إلى جماعات عرْقية سكنت فلسطين في الفترة الممتدة من القرن الثاني قبل الميلاد حتى القرن الأول الميلادي.


5 ـ مخطوطة لامك (أبوكريفون جينسيس أو بريشيت أبوكريفون):
هو سفر غير قانوني يُعتبَر إعادة صياغة لأحداث قصة لامك. والشخصية الأساسية في السفر هي شخصية لامك حفيد حنوخ والد نوح. إلا أن المضمون العام يتضمن تكرار قصة الخلق والآباء مع إضافات عديدة منها ما يشير إلى التشكك في ولادة نوح والتساؤل عن ولادته الإعجازية بتناسل البشر مع أنصاف الملائكة (وهي كائنات سماوية شاع الاعتقاد في وجودها في الفترة من القرن الثاني قبل الميلاد وحتى القرن الأول الميلادي)، الأمر الذي يوضح صلة طائفة قمران بالمسيحية الناشئة التي تبنَّت مثل هذه الاعتقادات.


6 ـ مزامير التسبيح والشكر (هودايوت):
هي أكثر من 300 من المزامير الترتيلية تُستهَل بعبارة «أوديخاي أودناي» أي «أشكرك يا ربي»، وهي تتضمن تصويراً لمعلِّم الجماعة ومعاناته مع مناوئيه، ومحاولتهم إثناءه عن شريعة الرب. ومع أنه لا يذكر اسمه تحديداً، إلا أن الإشارة إلى الأسرار الإلهية التي انكشفت له تعبِّر عن الاتجاه الغنوصي الواضح داخل فكر الجماعة.


7 ـ الوثيقة الدمشقية والأسفار الخارجية:
عُثر من الوثيقة الدمشقية (سفر عهد دمشق) على 12 جزءاً مقتطفاً من سفر عهد دمشق القاهري الذي كان قد عثر عليه سلومو شيختر عام 1890 ونشر نسختيه عام 1910. وكان أول نص عُثر عليه في القاهرة في معبد بن عزرا (بالفسطاط)، وأُطلق عليه "جذاذات من وثيقة صدوقية". وقد دلتنا الأسفار الخارجية (بالعبرية والآرامية) التي لها صلة وثيقة بمضمون كتابات الطائفة وبلغتها على أنها جميعاً تنتمي إلى التيار الديني نفسه الذي تمثله جماعة قمران المنشقة. وتمثل وثيقة دمشق القاهرية نقداً لاذعاً للفرق الدينية التي انعزلت عنها الجماعة، وتكمل لنا صورة التطور التاريخي للجماعة اليهودية عموماً. وتطلق الجماعة على أفرادها اسم «أبناء العهد الجديد»، وهو الاسم الذي أدَّى ببعض الباحثين للربط بينها وبين المسيحية.

ودلنا الكشف الأثري على الدأب الذي تميَّز به سكان قمران في استنساخ الأسفار المقدَّسة وكتابات الطائفة، وعلى أنهم خصصوا لهذه الغاية قاعة معيَّنة أقاموا فيها الموائد والمقاعد للكتابة، وأنشأوا مغاسل (قاعات استحمام) للتطهر الطقوسي قبل بداية أداء الشعائر وقسَّموها حسب درجة قدسية كل فرد ينتمي إلى الجماعة.

وقدَّر الباحثون عمر المخطوطات اعتماداً على دراسة اللغة والخطوط والمادة المكتوبة عليها والمادة التي دُوِّنت بها وشكل الأحرف والصياغة والرق والكتان والنحاس والأوعية الفخارية والعملات. ونجح البحث الأثري (باستخدام طريقة الكربون 14 المشع لفحص الكتان الذي لُفت به الوثائق والجرار الفخارية) في إعطائنا معلومات تقديرية عن عمر المخطوطات حيث قُدِّرت بالفترة من 300 قبل الميلاد حتى 70 ميلادية.

لقد كُتب أكثر من ثلاثة آلاف دراسة عن المخطوطات: مضمونها وتفسيرها وشروحها وتأويل ما بها وتقدير الأحداث التي تتناولها بالاستعانة بالبحث التاريخي المقارن.ولا ندري هل ستؤدي هذه الدراسات إلى إجراء تعديلات أو تأويلات مختلفة حول نشوء المسيحية، فهذه مسألة تنتظر إجابات بعد الدراسات النهائية الكاملة المقارنة بالنصوص التاريخية ونصوص العهد القديم المعتمدة والترجمة عنها.

وتثير مخطوطات البحر الميت كثيراً من الإشكاليات. نذكر منها ما يلي:

1 ـ رغم الافتراضات العديدة، لا يستطيع الباحثون إلى الآن الجزم بانتماء هذه المخطوطات إلى فرقة بعينها دون غيرها، والتساؤلات المطروحة في هذه النقطة هي: إلى أي حد تمايزت الفرق اليهودية في بداية نشأتها؟ وما مصداقية ما قاله المؤرخون اليهود وغيرهم مما نقله عنهم بعد ذلك آباء الكنيسة والمؤرخون اليونان والرومان القدامى؟ وما الصلة القائمة بين الفرقة التي دوَّنت المخطوطات (أو نسختها) وغيرها من فرق طريدة سكنت مناطق مجاورة من برية نهر الأردن؟ ولماذا عُثر في قلعة ماسادا على كتابات خاصة بطائفة قمران التي يُظن أنها طائفة من الزهاد؟ ولماذا عُثر بين مخطوطات هذه الفرقة، التي تُنسَب إلى القرنين الأول قبل الميلاد والأول الميلادي، على مخطوطة (أو أجزاء منها) تنتمي إلى منسوخات القرن العاشر الميلادي في معبد بن عزرا؟ وما مصير الطائفة التي نسخت أو دوَّنت النصوص؟ هل ذابت الطائفة داخل التيار المسيحي الناشئ أم قضى عليها الصراع الطائفي؟ وهل ما زالت لها بقايا أو ذيول في الفكر اليهودي للجماعات المتمردة على اليهودية الرسمية أو ممثليها؟

2 ـ تبلورت في اليهودية اتجاهات عديـدة (قبل الفترة اليونانية الرومانية)، فهل جاء إليها هذا النمط الفكري مع التيار الكاسح من التيارات الثقافية والدينية العديدة التي حملتها الهيلينية؟ وهل صمدت اليهودية أم تطورت داخلياً لتواجهه؟ وهل بدأت شيع منها تذوب في هذا الخضم من الأفكار الشرقية الهيلينية التي اكتسحت الشرق الأدنى القديم؟ وهل الأسينية حركة يهودية؟ وما الصلات القائمة بين الأسينية والمسيحية الناشئة وبين أتباع الجماعات السرية والغنوص الوثني؟

3 ـ تثير المخطوطات قضية علاقة الغنوصية (تلك الحركة التي طاردها بكل عنف آباء الكنيسة الأولون) باليهودية؟ وهل يُخفي العداء الغنوصي للإله اليهودي «يهوه» نقداً يهودياً للإله؟ ثم هل سبقت الجماعات من أشباه الغنوصيين «اليهود» ظهور الغنوصية نفسها أم أنها ظهرت متزامنة مع جماعات ظهرت في كلٍّ من الإسكندرية ومدن يونانية عديدة خلقتها ظروف متشابهة ناتجة عن مزج عقائد الشرق والغرب؟

ثم ما الصلة بين هذه الجماعة وأصول القبَّالاه (وهي التي يطلق عليها جرشوم شوليم «الغنوص اليهودي»)؟ وإلى أي حد قد تكشف لنا هذه المخطوطات من الأسرار الخفية التي وردت عنها شذرات في التلمود (حجيجاد 2/12 وغيرها) بشأن البحث في كرسي العرش الإلهي والكروبيم والأسرار المقدَّسة واسم الرب الأعظم (هشيم همفوراش)؟

4 ـ العثور على أسفار ونسخ من أسفار الأبوكريفا (غير القانونية) لأول مرة بالآرامية وليس بالترجمات اليونانية المعروفة للنصوص التي كانت تُعتبر غير قانونية وهذا ما يثير التساؤل بشأن مصداقية حفاظ زعماء اليهود على معيار ثابت يقدرون به قانونية أو عدم قانونية الأسفار المقدَّسة؛ والتساؤل عن احتفاظ جماعة من الأتقياء بأسفار أفتى الفقهاء بعدم قانونيتها.

5 ـ أما بالنسبة لكتابة المدراش والتفاسير على الأسفار المقدَّسة وهي تفاسير لأسفار الأنبياء الصغار ولأجزاء من سفري صموئيل والتثنية وأشعياء، فقد طُرحت تساؤلات عديدة بشأن بداية مدارس تفسير يهودية قديمة، وأسباب اتجاه بعض التيارات الفقهية المنشقة (مثل القرائين) للأخذ بمثل هذه المناهج التفسيرية، ومدى الصلة بينها وبين مدرسة قمران التفسيرية. وكذلك زعزعت التفاسير الفقهية على النصوص الهالاخية في قمران وجهة النظر القائلة بعدم وجود شرائع شفهية لدى جماعات أخرى في اليهودية (مثل الصدوقيم) إن ثبت انتماء المخطوطات إليهم. ويُطرَح أيضاً التساؤل عن أسباب أخذ بعض الفلاسفة اليهود أمثال فيلون السكندري بالمنهج الرمزي في التفسير ومن بعده آباء الكنيسة أمثال هيرونيموس.

وقد هُرِّبت المخطوطات المكتشفة من بعض البلاد العربية وجرى الاتجار فيها بصورة غير شرعية وحصلت الحكومة الإسرائيلية على بعض المخطوطات المعروضة في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1957، حصلت الحكومة الأردنية على المخطوطات الأثرية المُكتشفَة في منطقة البحر الميت بجميع أنواعها وبكل اللغات المكتوبة بها ثم سمحت بعرض بعضها في المتاحف بالولايات المتحدة الأمريكية وكندا وإنجلترا.

وقد خالفت إسرائيل اتفاقية لاهاي المبرمة عام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، وذلك عندما نقلت أثناء معركة القدس (يونيه 1967) كميات كبيرة من مخطوطات البحر الميت بدعوى الحفاظ عليها بصفة مؤقتة. وحتى اليوم، لم تتم إعادة مخطوطات البحر الميت إلى مكانها الأصلي في (المتحف الفلسطيني - الأردني).

وبالمقارنة بين مصير مخطوطات وبرديات نجع حمادي ومخطوطات البحر الميت، نجد أن برديات نجع حمادي الغنوصية (اكتُشفت عام 1947) نُشرت بالكامل بينما لم يتم نشر وتحقيق مخطوطات قمران وهي تحت سيطرة فريق محدد من الباحثين (إلا أن هناك عالمين أمريكيين قاما بتركيب نسخة من خلال معجم كلمات المخطوطات، وقد بدآ في نشر بعض أجزاء منها).

والسؤال الذي لا يزال مطروحاً هو:

لماذا التأجيل الذي دام عشرات السنين؟ ولماذا يصر الفريق الدولي الباحث على إرجاع المخطوطات إلى ما قبل ظهور المسيح والمسيحية الناشئة وعلى تصوير جماعة قمران على أنها جماعة منعزلة غير مؤثرة بعيدة كل البُعد عن الواقع الديني والاجتماعي والسياسي في ذلك العصر؟

في محاولة للإجابة على هذا التساؤل، يمكن القول بأن ثمة تشابهاً واضحاً، قد يصل إلى درجة التطابق أحياناً بين نصوص من العهـد الجديد (الأناجيل) ونصـوص وردت إلينا من مخطـوطات البحر الميت. ومن ذلك ما ورد في أعمال الحواريين (الرسل) من أن أعضاء الكنيسة الأولى كانوا يشاركون في كل شيء. وثمة نص صريح يتصل بهذه الحياة التعاونية المشاعية في المخطوطة المعروفة باسم «ميثاق الجماعة»، وكذلك مجموعة نصوص أخرى منظمة لشئون الجماعة.

ووفقاً لنص أعمال الحواريين أيضاً، فإن ثمة قيادة جماعية للكنيسة الأولى تتكون من اثنى عشر حوارياً، وثمة ثلاثة لهم أهمية خاصـة (جيمـس وبطرس وجون) وهو التقسيم نفسه الذي نجده في فتاوى جماعة قمران دون ذكر أسماء.

كذلك ثمــة تشابه شـديد في الطقـوس على سبـيل المثــال، فطقس التعميد وهـو أحد أهم الطقوس المسيحية له نظيره في نصوص قواعد الجماعة حيث يرد: "إن الماء الطاهر ليُطهِّر الشخص الذي يرتضي لنفسه الخضوع للحق والإيمان بشريعة الرب حقاً، تطهــيراً من آثامـه ولا يتطـهر لو اغتسـل بالأنهــار والبــحار وهــو لا يزال على شـريعة مخالفة". يرد ذلك تمشياً مع المنهج الأخلاقي لسـفر أشعياء: "اختنوا أولاً غرلة قلوبكم قبل ختان غرلة أجسادكم".

كذلك نجد أن هناك توجُّهاً واحداً ذا طابع مشيحاني فيما يخص كلاًّ من الكنيسة الأولى ونصوص قمران. وبالطبع، فإن الماشيَّح المنتظر في الكنيسة الأولى هو «يسوع المخلِّص»، بينما لا يوجد ذكر اسم محدد في نصوص قمران وإنما ثمة لقب هو «مُعلم الفضيلة». والشيء المهم هنا أن نصوص قمران لا تتكلم إطلاقاً عن أية طبيعة إلهية لمعلم الفضيلة المذكور، وهنا مربط الفرس، فلو كان ثمة ربط بين جماعة قمران وبين المسيحيين الأوائل لأمكن أن نقول إن مُعلم الفضيلة «موريه هاتسيدق» هو السيد المسيح نفسه. وهكذا، تنتفي الصفة الإلهية التي ينسبها بعض النصارى للسيد المسيح، وبذلك نستطيع أن نفهم سبب الإصرار على إبعاد هذه الجماعة عن التداخل مع الواقع المحيط بها تماماً.

كما أن تأكيد عزلة تلك الجماعة يخدم أيضاً غرضاً آخر، فلو أن هذه الجماعة كانت متداخلة في الحياة والواقع المحيط بها لأمكن القول بأن المسيحية نشأت في إطار دعوة عامة للعودة إلى الحق والشريعة التي انتهكتها جماعة اليهود (في فلسطين)، وأن ثمة تواصلاً واطراداً تاريخياً بين جماعات متفرقة ومستمرة منذ انهيار حق اليهود في فلسطين وبين المسيحيين الأوائل الذين كانوا يحملون أفكاراً مشابهة ترفض الرؤية الشكلية للديانة والانغماس في الشهوات وما إلى ذلك، أي أن ثمة جماعات يهودية متعددة وليس مجرد شعب يهودي واحد ذي تاريخ واحد وتطلعات واحدة. ومن ثم، إن ثبت أن هذه الجماعة كانت تمثل رأياً مهماً ورمزاً أساسياً في الحياة السياسية والدينية والاجتماعية في وقتها، فإن أسطورة الشعب اليهودي الواحد تتهاوى من الأساس وينهار معها أهم الروافد الأيديولوجية الصهيونية. وحينذاك، نستطيع أن نفهم لماذا يتفق الصهاينة مع المعادين لليهود على طمس وإخفاء هذه الحقائق التاريخية طوال هذه الفترة.

  • الخميس PM 10:33
    2021-04-22
  • 1408
Powered by: GateGold