المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417506
يتصفح الموقع حاليا : 226

البحث

البحث

عرض المادة

الجماعات اليهودية في العالم العربي: الانقسامات الدينية والعرْقية

الجماعات اليهودية في العالم العربي: الانقسامات الدينية والعرْقية
The Jewish Communities in The Arab World: Religious and Ethnic Divisions

مع منتصف القرن التاسع عشر، ومع بداية تفكك الدولة العثمانية ودخول الدول العربية في الدائرة الاستعمارية، لم يكن أعضاء الجماعات اليهودية في العالم العربي يُشكِّلون وحدة دينية أو ثقافية أو لغوية. ويمكن تقسيم الجماعات اليهودية على النحو التالي:

1 ـ اليهود المستعربة الذين يتحدثون العربية وينتمون إلى التشكيل الحضاري العربي الإسلامي. ويمكن أن نصنف يهود اليمن ضمن هؤلاء رغم خصوصيتهم التي تميِّزهم عن بقية اليهود المستعربة.

2 ـ يهود السفارد الذين يتحدثون اللادينو.

3 ـ يهود الإشكناز الذين يتحدثون اليديشية.

4 ـ يهود الغرب الذين يتحدثون لغات بلادهم المختلفة: فرنسية وإنجليزية وألمانية.

5 ـ يهود البربر في جبال الأطلس ويتحدثون اللغات البربرية المختلفة.

6 ـ يهود كردسـتان في العـراق وإيران الذين يتحـدثون الكردية والآراميـة. وكان بعضهم يتحدث العربية، ولذا كانوا يُعدُّون من اليهود المستعربة.

وقد عبَّر عدم التجانس هذا عن نفسه في شكل صراع بين الجماعات اليهودية المختلفة. وفي المغرب، كان اليهود السفارد الوافدون إلى المغرب يشيرون إلى اليهود الأصليين على أنهم «توشافيم»، أي سكان أصليون أو محليون، وهي عبارة تحمل بعض الإيحاءات القدحية. وكان اليهود الأصليون يشيرون بدورهم إلى الوافدين باعتبارهم «مجوراشيم»، أي المنفيين أو المنبوذين! وكان يهود صنعاء في اليمن ينظرون بعين الاحتقار إلى يهود الجبال ويعتبرونهم أدنى مرتبة منهم. كما لم يكن الفريقان يتزاوجون فيما بينهم. وفي مصر، كان السفارد والإشكناز ينظرون إلى يهود مصر المستعربة بشيء من التعالي. كما كان السفارد يشيرون إلى الوافدين الجدد من الإشكناز على أنهم «شاخت»، أي الأشرار، بسبب تَورُّط عدد كبير منهم في الأنشطة المشبوهة، وخصوصاً الدعارة، وقد كانوا ينظرون إليهم بقدرٍّ كبير من التعالي. وهذه المواقف كانت في معظم الأحوال انعكاساً لمواقف مشابهة في المجتمع وسائدة بين أعضاء الأغلبية. وقد نشب الصراع الحاد بعد ذلك بين دعاة الصهيونية وأعدائها. والواقع أنَّ انقسام يهود البلاد العربية كان بارزاً في الإطار التنظيمي حيث لم يكن يتسم بأية مركزية أو وحدة إلا إذا قامت الدولة بفرضه كما حدث في مصر.

وكان أعضاء الجماعات اليهودية المستعربة مندمجين حضارياً في المحيط الثقافي العربي الإسلامي لكل جماعة. فكان يهود المغرب مغاربةً أو بربراً لهم نفس فلكلور المغاربة أو البربر ونفس المستوى الثقافي والحضاري، فكانوا يزورون أولياء اليهود، بل هناك حالات كثيرة كان فيها المسلمون واليهود يتبركون بوليّ واحد ويقومون بزيارته. وقد طلبت حكومة فيشي الموالية للنازي من الحكومة المغربية تسليم أعضاء الجماعات اليهودية للنازي لإبادتهم كما حدث مع أعداد كبيرة من يهود فرنسا. ولكن العاهل المغربي محمد الخامس تصدَّى لهم، وهو ما أدَّى إلى نجاة الجماعة اليهودية من خطر الإبادة. والشيء نفسه ينطبق على يهود ليبيا والجزائر ومصر وغيرها من البلاد العربية، فكان يهود مصر يزورون مقام سيدي أبو حصيرة الذي كان يزوره معهم المصريون من المسلمين والمسيحيين. وكان يهود متماته في جبال الأطلس بتونس يعيشون في الكهوف مثل المسلمين. ولكن كان هناك بالطبع العناصر اليهودية غير العربية التي كانت مرتبطة أساساً بالتشكيل الحضاري الغربي ثم الاستعماري. وكان السفارد ضمن هذه العناصر. وكذلك، بطبيعة الحال، الإشكناز الذين استوطنوا في العالم العربي مع تَزايُد النفوذ الغربي ومع تَعثُّر التحديث في روسيا ابتداءً من عام 1882.

وقد ترك وصول يهود الغرب (الإشكناز والسفارد) آثاراً متنوعة من منطقة إلى أخرى. ففي المغرب، اندمج يهود المدن الساحلية مع السفارد، واصطبغوا بالصبغة السفاردية. أما في المدن الداخلية، فقد احتفظ اليهود بصبغتهم العربية أو البربرية، بحيث كانوا 36.8% من السفارد و30.5% من العرب و6.95% من البربر (في نهاية القرن التاسع عشر). أما في الجزائر، فقد حدث العكس إذ تم استيعاب السفارد ضمن السكان الأصليين، وأصبح الجميع يهوداً مستعربة. ثم انضم إليهم في القرن السابع عشر الميلادي نخبة سفاردية من ليجورن (وقد سميت «جورينيم») قامت بدور الجماعة الوسيطة. وفي تونس، انقسمت الجماعة اليهودية إلى التوانسة وهم اليهود المستعربة، والجرانا أو الغرانا وهم السفارد من غرناطة، والجورينيم من ليجورن أيضاً.

ومن الناحية الدينية، ينقسم اليهود إلى:

1 ـ يهود حاخاميين يؤمنون بالتوراة والتلمود، وهؤلاء كانوا هم الأغلبية. ومعظم هؤلاء كان يتبع النهج السفاردي، وكان بعضهم يتبع النهج الإشكنازي، وكان لكل فريق معابده المستقلة.

2 ـ يهود قرّائين، وكانوا يوجدون أساساً في مصر حيث بلغ عددهم عام 1947 نحو 3.486 (مقابل 62.153 يهودي حاخامي).

3 ـ يهود سامريين.

4 ـ يهود لادينيين وعلمانيين.

ويبدو أن التيارات اليهودية الدينية الجديدة (وهي أساساً تيارات إشكنازية)، مثلها مثل اليهودية الإصلاحية والمحافظة وغيرها، لم تجد طريقها إلى العالم العربي.

وكان اليهود يختلفون في درجة تَمسُّكهم بتعاليم دينهم حسب معدلات العلمنة الموجودة في مجتمعهم. فكان مدى تَمسُّك يهود مصر باليهودية يختلف عن مدى تمسك يهود اليمن الذين كانوا معزولين عن العالم ومشهورين بتمسكهم بتعاليم دينهم كما يتضح في طريقة قصهم شعر رأسهم وتركهم السوالف وإطلاقهم اللحى. وقد نشبت صراعات دينية بين أعضاء هذه الفرق، وخصوصاً بين الحاخاميين والقرّائين والسامريين، بحيث كان لكل فرقة دينية معبدها وحاخامها وتنظيماتها.

لقد ضمنت دساتير العراق ومصر والمغرب وغيرها من الدول العربية لليهود المساواة في الحقوق الدينية والسياسية والاقتصادية. وكان لكل جماعة يهودية مدارسها وصحفها، العربية والإنجليزية والفرنسية، ومحاكمها (إلى أن أُلغيت المحاكم الشرعية في بعض الدول العربية). وكان تنظيم الجماعة اليهودية (الذي كان يترأسه شخص يُقال له الناسي أو الحاخام الأكبر) يشبه منصب بطريرك الأقباط في مصر يساعده مجلس أو لجان معيَّنة أو منتخبة تشرف على كل الشئون الاجتماعية للجماعـة التي لا تندرج تحـت نفـوذ أو سـلطان الدولة. وفي معظم الأحيان، كانت كل جماعة يهودية سفاردية أو إشكنازية أو مستعربة... إلخ تحتفظ باستقلالها عن الجماعات الأخرى، ولكن كان يتم التنسيق بين هذه الجماعات أحياناً بحيث تعترف كلها بسلطة مركزية واحدة كما حدث في مصر.

ويُلاحَظ أن ظاهرة الجيتو الغربية ليس لها نظير في العالم العربي إلا في المغرب حيث كان اليهود يعيشون في حي خاص بهم يُسمَّى «الملاح»، والكلمة مشتقة من كلمة «ملح» ولا يُعرَف السبب هذه التسمية على وجه التحديد، وإن كان يُقال إنه سُمي كذلك لأنه بعد تنفيذ حكم الإعدام في أعداء السلطان كان رأس المعدوم يُفصَل عن جسده ثم يتم تمليحه حتى لا يصاب بالتلف عند عرضه على الجمهـور، كما وردت تفسـيرات أخـرى لا تقل طرافة عن هذا التفسير. أما حارة اليهود، فلم تكن جيتو بأي معنى، وإنما كانت مجرد مكان يتركز فيه أعضاء الجماعة نفسها كما يحدث في الولايات المتحدة على سبيل المثال.

  • الاثنين AM 12:13
    2021-04-19
  • 1384
Powered by: GateGold