المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409170
يتصفح الموقع حاليا : 368

البحث

البحث

عرض المادة

لماذا حرم الإسلام الخمر؟ وما عقوبتها؟

بين يدي العدد 38 الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية سنة 1981م عن الكحول والعقاقير المخدرة، وقد أجبت النظر في صحائفه فوجدتها ملآي بالنذر من ضراوة الخمر وفتم المخدرات، ووجدت دراسات طبية وإحصاءات احتماعية تثير التشاؤم بسبب كثرة السكارى والمدمنين!..

 

تحت عنوان "ثمن الكأس" جاءت هذه العبارة: إن الخمر شراب يبعث على السرور والاسترخاء لدى الألوف المؤلفة! ولكن المشكلات التي تنشأ عنها تعوق التنمية الإقتصادية والإجتماعية، بل تهدد بفيضانها العرم كل الخدمات الصحية المتاحة..

 

ثم يقول الكاتب "جون مادبي" إنَّ الخمر تسببت في وفاة ما بين 33%، 50% من ضحايا حوادث الطرق في البلاد المتقدمة، وتتزايد نسبة الوفيات في العالم الثالث، و"الكحول" مخدر يمكن أن يحطم الحياة العائلية، ويكلف الكثيرين فقدان مكانتهم الإجتماعية، أو وظائفهم ومواردهم التي تؤمن حياتهم!..

 

كما يسبب الكحول ثلاثة من عشرة من حوادث العمل، وهو أساس في ضعف الإنتاج، كما أنه سبب رئيسي في ارتكاب الجرائم، ذلك إلى جانب الكحول يؤدي إلى تليف الكبد، وهو يشكل عبئاً ثقيلاً على الخدمات الصحية في جميع أنحاء العالم، وفي أستراليا مثلاً نراه العلة الأولى وراء نصف المرضى في مؤسسات الصحة النفسية!!..

 

والخمر من وراء فقدان الملايين من ساعات العمل على امتداد السنة وقد قدرت الولايات المتحدة خسائرها في الإنتاج – بسبب الكحول – بعشرين مليار دولار سنوياً..

 

وفي مقال آخر عن الخمر والنساء تقول الكاتبة: إن النساء المدمنات يعانين أكثر من الرجال من أمراض الكبد، رغم المقادير التي يتناولنها، كما أن استجابتهن للعلاج أقل من استجابة الرجال، وينتهي أجلهن في سن أصغر من نظرائهن من الذكور!.

 

وفي مقال عن الخمر والشباب بدأ الكاتب حديثه بهذه العبارة: عندما يشرب الآباء الخمور، فإن الأبناء هم الذين يدفعون الثمن.

 

والواقع أن الآباء والأبناء جميعاً يدفعون الثمن الفادح إن كانت العبارة الأولى هي التي رفعها الفرنسيون شعاراً لهم في أعقاب الحرب العالمية الثانية!..

 

ومما يلفت النظر أن المستعمرات بعد تحررها يزداد استهلاكها للخمور! وإن دولاً كثيرة في العالم الثالث تقبل على السكر وتتجه إلى الإدمان، وليس هذا عجيباً، فإن الفهم الأعوج للحضارة والتقليد الأعمى للغربيين من وراء هذا الانحطاط المبين..

 

إن الإسلام حرم الخمر، وعدَّها من كبائر الإثم! ونظمها في سلك واحد مع الزنى والسرقة، ففي الحديث: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ  السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ"..

 

 وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً! عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيهَا وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ!!" وظاهر من هذا الاستقصاء أن الشارع يريد قطع دابرها، ومحوها آثارها، وإغلاق كل الأبواب التي تؤدى إليها.

 

والقرآن عدها مع الوثنية والقمار وأوهام الشرك {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَٰوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِى ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90-91].

 

والخمر كل ما غطى العقل، وأعجز الفكر أياً كان مصدره! يستوي فيه العنب والموز والقصب، ويستوي فيه الجامد والسائل.. فإن القصد واضح، الله أكرم الإنساني بالعقل، فما أضاع العقل حرام..

 

ومن السخف كذلك تصور الشارع يحرم الخمر السائلة، ويتجاوز عن عقاقير جامدة قد تكون أشد من الخمر ضراوة وأعظم فتكاً، وإذا كان أئمة الفقه الأقدمون لم يذكروا الحشيش والأفيون فلأن بيئاتهم لم يعرفه..

 

فلما ظهرت بعض المخدرات أيام ابن تيمية عدها لفوره من الخمور، وفي أيامنا هذه ظهرت عقاقير أخرى كالكوكايين، والماريجوانا وغيرهما تغتال العقول، وتهلك المدمن وتستأصل إنسانيته فكيف تترك؟

 

وفي الحديث: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ  وفي حديث آخر: "إِنَّ مِنْ الْعِنَبِ خَمْرًاوَإِنَّ مِنْ التَّمْرِ خَمْرًا وَإِنَّ مِنْ الْعَسَلِ خَمْرًا وَإِنَّ مِنْ الْبُرِّ خَمْرًا وَإِنَّ  مِنْ الشَّعِيرِ خَمْرًا، وأنهاكم عَن كُلُّ مُسْكِر"!..

 

وظاهر من الحديث أنه يسوق نماذج، ثم يذكر القاعدة العامة، ونحن لا نهتم بالأسماء، ولا بالمصادر، وإنما نهتم بالتشخيص العلمي للأشربة والعقاقير، فما ثبت تغييبه للعقل، أو ما أفقد المرء اتزانه الفكري فهو محرم بيقين!!..

 

ولم تكن الخمر مألوفة في البيئات الإسلامية، وأذكر أنني في طفولتي سرت مع موكب كثيف من أهل قريتنا وراء رجل ثمل، نستعرب تمايله ونستنكر سكره! وعرفت إنه سكر في حانة فتحها بعض اليونانيين في ظل الاحتلال الإنجليزي..

 

ثم أخذت الخمر تشيع مع هيمنة الاستعمار على شئوننا، ثم أمست معهودة في الأحفال "الديبلوماسية" وعلى موائد بعض المنحلين!..

 

والواقع أن الخمر غامضة الحكم بين النصارى! وأغلبهم يستحل قليلها، وينأى عن كثيرها! وإن كان القليل عادة يجر إلى الكثير، وتلك طبيعة عامة في الأشربة المسكرة والعقاقير المخدرة..

 

ومع اضطراب الأعصاب، وما وفدت به المدنية من هموم، رأينا من يؤثر الغيبوبة على مواجهة المكاره! ولا بأس أن يغمض بصره أو بصيرته حتى لا يرى ما يكره!..

أهو منطق العامة؟ أم هو لون من الانتحار؟ أم هو التماس السرور في الأوهام كما قال الأعرابي الأبلة:

              وإذا سكـرت فإننـي                 رب الخورنق والسدير!

              وإذا صحوت فإنني                 رب الشويهـة والبعيــر!

 

إن فترة الغيبوبة التي يحدثها السكر تعطل العقل وتترك الشهوات سائبة دون قيد، وتتيح الانطلاق الحيواني دون خوف على كرامة أو تهيب لسلطة!..

 

وقد حكى الأدباء أن بدوية وفدت على بغداد، وحضرت عرساً يشرب فيه المنكر، فلما انتشت قالت: أيشرب هذا نساؤكم؟ قالوا: بلى! قالت: زنين ورب الكعبة!!..

 

الحق أن تحريم الخمور حفاظ على الدين والشرف والخلق والكرامة.. إلا أن الأوربيين مشوا في طريقهم، فلما رأوا المخدرات سريعة التدمير للأمة حظروها بعنف، ويوجد تعاون عالمي على مطاردة هذه المخدرات، ومعاقبة تجارها ومتناوليها...

 

أما الخمر فقد ازداد الإحساس بضراوتها في الأيام الأخيرة وتوجد حكومات غير إسلامية تحرمها – كالهند مثلاً – لضرورات قومية..

 

وفي العالمين الرأسمالي والشيوعي تنطلق الدعايات الصحية والإجتماعية للتنفير منها، وإبراز مقابحها، فهل ذلك يكفي؟

 

إن الإسلام تأنى في إعلان حكمه على الخمر، وإن كان من أول يوم ينظر إليها شزراً، ولم يقرر مهاجمتها إلا بعد أن أقام دعائم من الإيمان، وضوابط الأخلاق تعين على الخلاص منها، فلما أصدر الحكم بعد هذا المهاد أريقت دنان الخمر في الأزفة، ورميت قربها في المزابل..

إي إنه لابد من مقدمات نفسية وفكرية تسبق أو تساند الحظر..

 

وجمهور الأطباء والمربيين والساسة والقواد العسكريين يكافحون المسكرات في العهود الأخيرة، وأظن أنه لا يمنع من عقاب شاربيها إلا الخوف من التشبه بالإسلام!..

والفقه الإسلامي يضع حدَّاً لشارب الخمر قدره ثمانون جلدة، وليس لهذا الحد سند من الكتاب الكريم أو السنة المطهرة، وإنما اتفق عليه جمهور الصحابة، وأوصى به الدولة فنفذته! ومن الفقهاء من يكتفي بأربعين جلدة..

 

وفقهاؤنا مجمعون على أن من سكر من أي شراب نفذ فيه الحد، وإن أخذ أي جرعة من الخمر أسكرت أم لم تسكر حرام، وفيها العقوبة المقررة..

 

إن دولاً كثيرة عاقبت تجار الأفيون ومتناوليه بالقتل، ولم يسلم لها كيانها إلا بهذا العقاب الصارم، ومع أن قليلاً من الأفيون يحتاج إليه صحياً، وفي مجلة الصحة العالمية التي أومأت إليها آنفاً: ".. إن المواد المشتقة من نبات الأفيون مثل "الكوديين" و "المورفين" مفردات مهمة في دستور العقاقير"!!.. فه شفع ذلك في تخفيف العقوبة على مرودجيه ومدمنيه؟؟..

 

فلماذا نتهاون في مجال المسكرات، ثم نشتط في مجال المخدرات؟ قد تكون نسبة الكحول في البيرة وما يشبهها 3% أو أزيد قليلاً، بيد أن الملحوظ في هذه الأشربة أن قليلها يجر كثيرها، أي إن الذي يشرب زجاجة من البيرة يتجرع من سموم الكحول مثل أو أكثر من الذي تناول كأس خمر!!..

 

  • الخميس AM 10:40
    2022-03-24
  • 948
Powered by: GateGold