ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
لماذا لم يحرم الإسلام الرق كما حرم الخمر والربا؟ وما موقفه الحقيقي من هذه القضية؟ وهل يجوز للمسلمين في حروبهم مع أعدائهم أن يعدوا أسرى الحرب رقيقاً؟
في مطالع البعثة المحمدية كان الرقيق واقعاً غير مؤلم ولا مستغرب ولا منكور.. وكانت جماهير الأرقاء تزحم المشارق والمغارب لا يأبه لهم أحد ولا يفكر في إنقاذهم مصلح..
في أرجاء الدولة الرومانية النصرانية كان العبيد يخدمون في صمت، وربما قدم بعضهم طعاماً للوحوش في بعض المناسبات، وكان اليهود – وفق تعاليم التوراة – ينظمون أساليب الاسترقاق للعبرانيين وغير العبرانيين..
ولم الأسى على الرقيق وحدهم؟ إن المنبوذين في القارة الهندية كانوا أنجاساً لا تعرف لهم حرمة، ولقد وقع ابن لامرأة برهمية في بئر، وكان أحد المنبوذين يستطيع إنقاذه لو أذنت أمه! لكن الأم فضلت أن يموت ولدها ولا يعيش بعد ما لمسه منبوذ..
وجاء في الكتاب المقدس أن طعام النبيين لا يعطى للكلاب.. والنبيون هم بنو إسرائيل.. والكلاب هم الكنعانيون الذين كانوا يسكنون فلسطين قديماً..
في هذا الجو القابض الظلوم كانت الإنسانية تعيش، ما أنصفتها فلسفة اليونان التي تقر الاسترقاق بعقلها المفكر! ولا أنصفتها مواريث التدين التي احتضنها الكهنة، وأظلمت بها الأرض..
حتى تكلم محمد، وأصاخ الناس إلى ما جاء به فإذا هم يسمعون أن البشر كلهم إخوة بينهم نسب واحد، وتسري في أوصالهم نفخة من روح الله، وأنهم سواسية في الحقوق والواجبات.. وإنهم خلقوا ليتعارفوا ويتحابوا {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
وسمع الناس للمرة الأولى في تاريخهم أن المسترقين يجب أن تفك قيودهم وتعتق رقابهم، وأن العانين ينبغي أن يحرروا من الذل والجوع والهوان، وأن العقبات دون هذا كله لابد من اقتحامها لمن يريد رضوان الله: {فَلَا ٱقْتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ وَمَآ أَدْرَٰكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَٰمٌ فِى يَوْمٍۢ ذِى مَسْغَبَةٍۢ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍۢ} [البلد: 11-16].
وعلى المؤمنين أن يتجردوا لأداء هذا الواجب، فلا يحرروا الأسرى ليجعلوهم أتباعاً، أو عبيد إحسان بعد ما كانوا عبيد سطوة كلا إنهم {وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان:8-9].
ولما جاء دور التشريع لنقل هذه المباديء إلى قوانين ملزمة نظر الإسلام إلى مصادر الرق فألقاها كلها على النحو الآتي:
كان الرومانيون ومن قبلهم العبرانيون يحكمون بالعبودية على مقترفي بعض الجرائم.. ومن هذه الجرائم عند الرومان عجز المعسر عن الوفاء بالدين.. وقد رفض الإسلام هذه النطرة رفضاً حاسماً، ولم يسترق في أية مخالفة، بل رصد من الزكاة المفروضة سهماً لازما لسداد ديون المعسرين، وقال تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍۢ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍۢ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280].
وكان الخطف إلى القرن الماضي مصدراً هائلاً للاستبعاد، وقد ظل الأوربيون يصطادون البشر بضعة قرون من غرب إفريقية، في ظروف تكتنفها الوحشية المطلقة، وتم خطف عشرات الملايين وهلاك مثلهم في أثناء الغارات التي كان يقوم بها قراصنتهم..
وأبى الإسلام إباء شديداً خطف الأحرار، وهدم كل ما انبنى على هذا الخطف من آثار، وجاء في الحديث القدسي عن رب العزة قال الله تعالى: "ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ – غلبته - رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعطهِ الأجر".
والمصدر الثالث للاسترقاق – وهو مصدر خطير – أسرى الحروب، إن أولئك المنكودين الخزايا كانوا يواجهون مستقبلاً غامضاً، وقد يكون الاسترقاق أهون ما يتوقعون.
وفي الحرب العالمية الثانية لم تعرف مصاير الألوف المؤلفة من أسرى الروس لدى الألمان، أو أسرى الألمان لدى الفرنسيين..
فإن كان ذلك ما وقع أيام التحضر والارتقاء فما ظنك بما كان يقع قديما؟..
على أية حال فإن الإسلام في أول حرب خاضها خرج على الدنيا بمباديء أزكى وأرق في معاملة الأسرى، فنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسرى بعد معركة بدر.. {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّمَن فِىٓ أَيْدِيكُم مِّنَ ٱلْأَسْرَىٰٓ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا ٱللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 70-71].
والخيانة التي تشير إليها الآية موقف المشركين من قضية الحريات الدينية والإنسانية كلها، فقد كان موقفاً غبياً متعنتاً مليئاً بالكبرياء والقسوة.. أكان هذا موقف عبدة الأوثان وحدهم؟..
كلا، فإن أهل الكتاب كانوا أخس وأظلم.. يقول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا ٱلْكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٍۢ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} [البقرة: 145].
ليكن! فليس لأحد أن يرغمهم على اتباع! لكنهم لم يكتفوا بهذا بل لجأوا إلى صد الأتباع وفتنة الضعفاء وقيل لهم: {قُلْ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَآءُ ۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 99].
ولو أن الكره للإسلام كان عواطف فرد أحمق، أو سلوك نفر متعصبين لهان الخطب.. لقد تحول إلى حرب ساخنة يصلاها دين عده خصومه خارجاً على القانون، ولم يروا الاعتراف به أبداً..
ولننظر إلى صدر تاريخنا القديم، ولنتسائل: متى اعترفت الأديان الأخرى بحق الحياة للإسلام، وحق أتباعه في إقامة مجتمع له؟..
لا مجوس فارس، ولا يهود المستعمرات المقامة في جزيرو العرب، ولا الرومان الذين اعتنقوا النصرانية ليجعلوا منها ذريعة استعمار أسود أكل الشام ومصر وغيرهما طول خمسة قرون.
ومع أن أحسه سلفنا من وحشة ونكير، فقد خاضوا ضد أعدائهم حرباً عادلة، وأمروا بكسر شوكتهم ومحق كبرهم حتى إذا قلموا أظافرهم وأذلوا طغيانهم قيل لهم: لكم أن تمنوا على الأسرى والمنهزمين {فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّۢا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4].
وقد يفزع البعض لكلمة (ضرب الرقاب) بيد أن فزعه هذا يذهب عندما يعلم أن عربياً من أذناب الروم، ومن ولاتهم شمال الجزيرة قبض على المسلم الذي جاء برسالة من لدى النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا فيها الإسلام وقال له: أنت حامل رسالة محمد؟:
- نعم، فأمر بضرب عنقه!!..
كان حمل كتاب رقيق العبارة، مقبول العرض جريمة تعالج بالقتل السريع.. بم يعامل هؤلاء الأذناب من سماسرة الاستعمار الروماني المتعصب؟..
إنها الحرب ولا شي غيرها.. ثم قيل بعد ذلك للمقاتلين المسلمين {إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّۢا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4].
المن أو الفداء! ليس هناك تصريح في الآية باسترقاق أحد، لم يعد الأسر منبعاً دائماً لأسواق الرقيق، كما كان ذلك معهوداً في القرون الأولى..
وهنا نبحث: كيف يتم تنفيذ هذا المبدأ؟ .. هل يطلق المسلمون سراح الأسرى دون قيد أو شرط ليعودوا إلى مقاتلتهم مرة أخرى؟.
هل يتم هذا التحرير في الوقت الذي يباع أبناؤهم فيه هنا وهناك؟..
إن معاملة الأسرى ليست تشريعاً محلياً. يصدر من جانب واحد.. إنه تشريع تلتزم به أطراف متشابكة المصالح، متعاونة على احترام قيم معينة..
هل يجد المسلمون هذه المعاني عند خصومهم؟ كلا! فإن هؤلاء الخصوم من عبدة الأصنام، أو من أتباع الكتب الأولى لا يقرون للمسلمين بحق الوجود، فكيف يسمحون لهم بحق البقاء وحرية التدين؟!..
وعندما يوجد تفاهم دولي على "المن أو الفداء" فنحن أول من يهرع إلى الإسهام فيه، وإنقاذ عهوده.. إن مبدأ المعاملة بالمثل له أثره العميق في العلاقات والمعاملات الدولية، وقد قلنا: إن الأمريكيين لو عرفوا أن اليابان تملك رادعاً نووياً ما فجروا قنابلهم الذرية فوق هيروشيمت وناجازاكي!!..
وإلى أن يتم تفاهم عالمي على أسلوب إنساني في معاملة الأسرى انفرد الإسلام بتعاليم تحنو على أولئك المنكوبين، وتذكر بالأخوة الإنسانية وتوصي بالرحمة، وتعاقب على الغلظة، أو بعبارة موجزة: جفف منابع الرق جهد الطاقة، نوع أسباب التحرر والانطلاق! فليس هناك أمر باسترقاق، وإنما هناك أوامر بالإعتاق، وقد بسطنا ذلك كله في موطن آخر.
قال لي شخص من المتأثرين بالاستعمار الثقافي: إن الحضارة الحديثة هي التي حررت النساء والأرقاء، ولا ريب أنها أنساقت إلى ذلك من مواريثها الدينية!..
قلت له: إن الحضارة الحديثة مكنت ناساً لهم فطرة سليمة من خدمة البشرية مثل أبراهام لنكولن الذي قاد حرباً شديدة لتحرير العبيد، وقد لقي الرجل مصرعه بعد هذا البلاء، كما لقى غاندي مصرعه على يد هندي متعصب لدينه!..
وأصحاب الفطرة السليمة الذين جاهدوا في سبيل هذه الغايات النبيلة كانوا يستوحون ضمائرهم وحدها..
أين تجد المواريث الدينية في تحرير النساء عندما تقرأ رسالة بولس الأول إلى أهل كورنتوسي، الأصحاح الرابع عشر فقرة 24 وما بعدها: "لتصمت نساؤكم في الكنائس لأنه مأذوناً لهن أن يتكلمن، بل يخضعن!.. كما يقول الناموس أيضاً، ولكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئاً فيسألن رجالهن في البيت، لأنه قبيح بالنساء أن يتكلمن في كنيسة"..
وأين تجد المواريث الدينية في تحرير الأرقاء عندما تقرأ رسالة بولس إلى أهل أفسس "أيها العبيد، أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة! في بساطة قلوبكم كما للمسيح، ولا بخدمة العين كما يرضى الناس، بل كعبيد المسيح.. إلخ".
إن رجالاً من أصحاب القلوب الكبيرة هم الذين جاهدوا بشرف لتكسير القيود اتي أنشأها التظالم البشري على مر العصور.. والحقيقة أنه لا دين إذا طمست الفطرة وطغت الأثرة!.
وللإسلام علامة مميزة يعرف بها، ويلفت كل امريء إليها، تبدو في قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].
ومن هنا حكمنا بأن التقاليد التي يتعارف الناس عليها يجب نبذها إذا خالفت الفطرة!..
ويستحيل أن تكون هذه التقاليد ديناً وإن استمسك بها بعض الكهان..
-
الخميس AM 10:57
2022-03-24 - 1977