ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
كيف تتصور مستقبل الإسلام في عالم الغد؟
حاضر المسلمين يقبض الصدر، وقد يبعث على التشاؤم! ولكني واثق من أن هذه المحنة ستنجلي كما انجلت محن أخرى في أيام مضت..
على أن انجلاء المحن لا يشبه انقساع السحب، نرقبه ونحن مكتوفو الأيدي.. كلا، لابد من عمل جاد وسعي لاغب.. أو كما قلت في موضع آخر: لابد أن يعتنق المسلمون الإسلام يقيناً وخلقاً ونشاطاً وفكراً..
أما مع النقائض الموجودة فيستحيل أن يكسب المسلمون خيراً..
إن أعطاباً نفسية وعقلية أصابت كيانهم بشلل لا تعرفه أمم أخرى، وألحقت برسالتهم مهانة كبيرة.. أقول ذلك وأنا أقرأ كلمات للمهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء جاء فيها: إن قطاع الطاقة ظل يبحث منذ خمس عشر سنة عن سر صناعة مادية معينة في العازلات الكهربائية دون جدوى فقد رفضت الشركات الأجنبية – نحو سبع شركات – أن تعطي أسرار هذه التكولوجيا حتى تبقى المصدر الوحيد لها وحتى تبيعها وفق شروطها..
قال الوزير: ثم تطوع العلماء الصينيون بإخبارنا أن المواد التي تصنع منها هذه العازلات موجودة في تربتنا، وأنهم سيرسلون خبراءهم ليرشدونا إليها في بلادنا!!..
علماء الصين درسوا طبيعة أرضنا في البحر المتوسط إنني لم أدهش للخبر.. لأني لما ذهبت إلى "نواكشوط" عاصمة موريتانيا عرفت أن المياه التي تغذي العاصمة تأتي من آبار جوفية اكتشفها الصينيون، وقاموا بمد أنابيبها إلينا، لقد عرفوا وهم على المحيط الهادي خيرات أرضنا على المحيط الأطلسي..
قلت لنفسي: إنني أعرض الدعوة الإسلامية كلاماً، وهؤلاء الصينيون يعرضون الدعوة الشيوعية عملاً.. وخامرني حزن عميق..
ومضيت أتابع ما قرأته في موضوع العازلات الكهربية ففوجئت بأمر آخر، لقد تكلم عالم مصري هو الدكتور عصام حسن يقول: إن مادة الكولين التي تنتج العوازل المطلوبة موجودة في سيناء وفي كلابشة، وإن إمكانات استخدامها قدمت إلى الإدارة المصرية من سنين طويلة، وهي إلى الآن حبيسة أدراج بعض الرؤساء! قال: وإن العلماء الصينيين لم يعرفوا نبأ هذه المادة إلا من كتابات وبحوث العلماء المصريين التي تشروها في الخارج!
لقد صدقت هذا التعليق، وأدركت أن المحنة ليست جهلنا، وإنما هي تبلد بعض الرؤساء أو هي ما أشرت إليه في إجابة سابقة، انفصال العلم عن الحكم في أغلب البلاد الإسلامية.
قال كما قيل:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة أو كنت تدري فالمصيبة أعظم!
ويظهر أن هناك نوعين من الشلل الجزئي يقطع دورة الإحساس في الكيان الإسلامي العام، ويقعد الأمة عن أداء رسالتها الكبرى.. ذاك لو بقي لدينا شعور بأننا نحمل للعالم رسالة كبرى..
إن الوهن الذي حل بالمسلمين دوخهم، وجعل أبصارهم عند مواطئ أقدامهم.
ولكن نطمع في استماع الناس إلينا يجب أن نقوب ما يعقل! أو نعقل ما قيل لنا في كتابنا ونكون نموذجاً حسناً له..
هل من التصور المحترم للإسلام أن يقول بعض "العلماء": الحاكم يمضي في طريقه دون اكتراث بالشورى؛ لأنها غير ملزمة له؟ هل تخدم الفرعونية بأفضل من هذا اللغو..
هل من التصور المحترم للإسلام أن يقال في حكومته: إنها حكومة الحزب الواحد؟..
إن أقمار التجسس الأمريكية صورت الطائرة الكورية التي أسقطت قريباً من قاعدة عسكرية روسية، ولا يزال بعض علمائنا يحارب التصوير بضراوة، ويراه وثنية!..
وبعضهم حكم بأن وصول الأمريكيين إلى القمر خبر آحاد، لا يفيد العلم، وأن الأمر إشاعة..
ولنترك هذا الهزل إلى آفة تخدش الفكر الديني! إن مناقشة السند أو التمحيص النظري للحكم المروي أساس الحكم في القضايا المعروضة، أما ملاحظة الآثار الاجتماعية عند ترجيح اجتهاد على اجتهاد فلا يلتفت إليها..
ومن هنا استبعد رأى ابن تيمية في رفض الطلاق البدعي، ورفض الآثار المترتبة عليه..
واستبعد رأي أبي حنيفة في أن المسلم يقتل في الذمي أو أن المرأة تباشر عقدها، وكان العمدة عند المستبعدين مجرد النظر في قواعد الاستدلال، أما استقصاء الأبعاد الاجتماعية لهذه الأحكام الفرعية العملية فلم يرد على البال..
ونحن لا نهون من قيمة الاستدلال في القضايا الاجتهادية، وإنما ندعو إلى احترام التقاليد المستقرة في بيئات كثيرة مادام لا يصادمها نص، كما نرفض التشبث باجتهاد ما إذا كان يعوق سير الدعوة الإسلامية، فلا وزن لاجتتهاد فرعي يعترض انتشار الأصول والأركان..
وإذا رأينا أن الأوربيين يقبلون الإسلام لو سمحنا للمرأة بالقضاء في الدماء والأغراض، وولاية المناصب العامة فليدخلوا في الإسلام! وليعلموا بمذهب ابن حزم! أليس ذلك خيراً لنا ولهم؟.
وقد أمسى الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة بعد ما اقتحمت دار الإسلام من أقطارها، ومن أبجديات الجهاد العلم بكل ما أودع الله من قوي في أرجاء البر والبحر والجو، إن هذا العلم الضروري يسيبق علوماً كثيرة ظهرت أيام الترف والتفوق، بل لقد أمست علوم اللغة العربية من فروض العين على المثقفين، بعد ما تدحرجت هذه اللغة، وأسقطت مكانتها عن عمد..
ومن النفاق أو الجبن شغل المسلمين بنوافل علمية أو عملية قبل استكمال الفروض المهملة..
بناء الأمة الإسلامية من جديد يفرض على الساسة والدعاة والفقهاء أن يمعنوا النظر، ويطلبوا التفكير، وأن يحاربوا بجهد متساو الغزو الثقافي الوافد من الخارج والانحرافات الكثيرة المتوارثة من الداخل..
وللأخلاق قصة لا يجوز إغفالها.. هناك أخلاق تنشأ من حسن معرفة الله، أو من صدق عقيدة التوحيد، أبحث عنها في سلوك خاصة وعامة فلا أجدها..
هل أستطيع وصف رجل يخاف الناس ولا يخاف الله، ويسترضي الناس ولا يسترضي الله، ويتوكل على الناس ولا يتوكل على الله، هل أستطيع وصف هذا المخلوق بأنه مسلم؟!
وهناك جملة أخلاق تقوم على محو النفاق وتزكية السريرة وتنضبط بها الأعمال والأحوال، نبه إليها النبي العظيم الذي قال: " بعثت لأتمم مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ", إنه أحصى أمارات النفاق في الكذب وخلف الوعد وخيانة الأمانة ونكث العهود والفجور في الخصومة! ماذا يقول المسلم؟.. إذا كانت مجتمعات أخرى أحرص منا على الصدق والأمانة والوفاء والسماحة؟..
ولقد رأيت نظافة القرى والمدن في أمم شتى، ورأيت النظام الصارم يشيع بين مشاتها وركابها وألقيت نظرة خاطفة على بلادنا ثم شعرت بغصة..
لا أدري ماذا حدث لنا؟ إننا نموت ونميت ديننا معنا!
ورأيت عمالاً يكرهون الإتقان، وموظفين يكرهون الخدمة العامة، ورؤساء يشبعون مركبات النقص أو عقد الوضاعة وينظرون إلى الجماهير من أعلى.. وهم آلهم وعشيرتهم..
إن قضايا الأخلاق أخطر من قضايا أخرى لاسيما والخلق عندنا يتركز على الإيمان بالله، ولا يتركز على فلسفات بشرية أو مادية، وذلك يعني أن هدم الإسلام – وهو دين أكثر من تسعة أعشار العرب – لا ثمرة له إلا ضياع الأخلاق يقيناً..
وعندما يقول الله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ} [النساء: 135].
فلا تنتظر عدالة، ولا شهادة نقية من شخص خرب القلب! والواقع أن الذين ينتقضون الإسلام ويعبثون بشعائره يهزون الأخلاق هزاً، وينشئون أجيالاً لا تصلح في حرب ولا سلام..
وليس بقائم بنيان قوم إذا أخلاقهم كانت خراباً!..
يجب أن تقوم للإسلام أمة تعمل به، وتعطي صورة صادقة له.. ومن السفاهة تكليف العالم أن يدرس الإسلام مجرداً من سيرة معتنقيه.. وتحميله مسئولية فلسفية عن كفره وإيمانه بعد تلك الدراسة العجيبة..
وأرى أن الصحوة الإسلامية المعاصرة مكلفة بتكوين هذه الأمة الجديدة، وإنصاف رسالة الإسلام من هذا البلاء..
ومع تمام هذا التكوين نعرض أنفسنا على ساكني القارات المعمورة، واعتقادي أن النجاح سيكون حليفنا، فإن لصاحب الحق مقالاً، وللحقيقة سناؤها وإغراؤها، وقد سئم الناس ما صحب الحضارة الحديثة من جفاف وإباحية، من شره ووحشية، ومن بعد عن الله وكفر بلقائه..
وفي حقائق الإسلام، وشعب الإيمان الجامعة الجليلة ما يغني ويستحق كل حفاوة..
وفي لقائي ببعض الكبار الذين أسلموا رأيت أن الجانب العاطفي من الإسلام هو الذي اجتذر الانتباه، أو المنطق العقلي للقرآن الكريم، أي أن القوم ينشدون ما ينقصهم..
وهنا ألفت النظر إلى أن بالإسلام أصولاً صلبة، وفروعاً مرنة، وفيه أقوال وآراء نسبتها إلى الناس أقرب من نسبتها إلى رب الناس، والدعاة الراشدون يعرفون واجبهم بإزاء هذا كله..
وأخشى أن يذهب داعية ليطعن في قانون السببية ويزعم أن النار لا تحرق بحرها، وأن السكينة لا تقطع بحدها، كما هو مقرر في كتب الكلام عندنا..
أو ليذهب آخر ليقول: لا تقيدوا الحاكم بالشورى، فليس يجب عليه ذلك..
أو يذهب آخر فيقول: لابد من ضرب النقاب على وجوه النساء وحبسهن في البيوت أغلب العمر، فلا تتعلم ولا تعبد ولا تمشي في الأسواق..
إن أصول الإسلام ومعاقد العبادات والأخلاق هي التي يدعي إليها، والناس يتخيرون بعد ما يعجبهم من تفاسير ووجهات نظر..
وفي رأيي أن النموذج العلمي الذي يقدمه المسلمون هو الأساس الأول لنجاح الدعوة..
ثم إن الدول الإسلامية الكثيرة يجب أن تتقارب وتوهي الحدود بينها، ولا بأس أن يبدأ ذلك بأسواق مشتركة أو بتكوين اتحادات إقليمية كما تم بين دول الخليج، ودول وادي النيل، وما يقترح بين دول المغرب الكبير.. على أن يكون الهدف الأهم تجميع المسلمين كافة في كيان واحد، أو جسد روحه الإسلام.
-
الخميس AM 11:02
2022-03-24 - 1608