المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411857
يتصفح الموقع حاليا : 280

البحث

البحث

عرض المادة

ما معنى أن لله تسعة وتسعين اسماً وما مغزاها؟

في القرآن الكريم {ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ} [طه: 8] وفيه كذلك {وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىٓ أَسْمَٰٓئِهِۦ ۚ  سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180].

 

المتأمل في هذه الأسماء يجدها صفات علا، ونعوت كمال وجلال وجمال.. والصفة تسمى اسماً إذا دامت لصاحبها ولازمته فلم تنفك عنه كأنها أشبهت العلم الذي أطلق عليه وعرف به!..

 

والأسماء الحسنى – بهذا المعنى – كثيرة، لأن معالم العظمة الإلهية ليست لها نهاية، وهي مبثوثة في القرآن كما تنبث النجوم في آفاق السماء – ولله المثل الأعلى – ويغلب أن تختم بها آيات، ويختار الاسم، أو الأسماء الخاتمة من السياق الذي جاءت به الآيات.. وسنشرح ذلك بعد حين..

 

وجاء في الحديث الصحيح "إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"..  وَفِي رِوَايَةِ "مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ"، والمراد بالإحصاء ألا يقتصر في معرفة الله ودعائه على بعض دون بعض، بل يعيها كلها، ويتعرف على الكمال الأعلى والعبودية الصحيحة من خلال مدارستها وإشراب القلب حقيقتها..

 

وليس المقصود أن الأسماء الحسنى محصورة في هذه التسعة والتسعين، فهي أكثر من ذلك..

 

والإسلام جاء لتصحيح أخطاء البشر في فهم الذات الأقدس، وتنزيهه عن أوهام القاصرين والجاهلين، فإن الأديان الأرضية أثبتت للألوهية صورة مشوهة منكورة يرفضها أولو الألباب، ويدركون أن مبدع هذا الملكوت أعلى منها وأجل..

 

ثم جاء أهل الكتاب يتحدثون عن إله يتمدد واضعاً يده تحت قفاه، وواضعاً قدماً على أخرى!! إله ينسى ويندم، ولا يدري خطورة تصرفاته!..

وقد أمر المسلمون أن يتركوا أولئك الملحدين في أسماء الله، وأن يعبدوا الله بأسمائه الحسنى وحدها..

 

وقارئ هذه الأسماء لا يفهمها إلا إذا عرف الكون والحياة، عرف هذه السماء المبنية، والأرض المفروشة، عرف قوافل الأحياء وهي تعبر عصراً بعد عصر في طريقها إلى الدار الآخرة.

 

لا يمكن أن تتم معرفة الله بمعزل عن ملكوته الكبير، ومتابعة لقدره المحكم وهو يهزم وينصر ويضحك ويبكي ويخفض ويرفع {يُدَبِّرُ ٱلْأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلْأَيَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: 2].

 

والعارف بالله من خلال إحصائه للأسماء الحسنى، ويعرف أن العالم كبير، ولكن خالقه أكبر منه! وأن عقل الإنسان جهاز رائع، ولكن مبدع الألوف المؤلفة من العقول المنتشرة في القارات الموجودة من أزل الدنيا إلى أبدها – أروع وأوسع!

 

وماذا نقول؟ إن الحشرة المتحركة على الثرى لا تدري: ما الإنسان، وما ذكاؤه؟ وما الكون، وما أبعاده؟ إن الكلمة لا تدري: ما كاتبها؟ فكيف نعرف نحن التافهين كنه الذات العليا، وأماد عظمتها؟...

 

إننا في نطاق العبودية العاجزة نسبح بحمد الله ونتحدث عن مجده، ونعلن بصدق ولاءنا له وفقرنا إليه..

 

ولعلمائنا بعض التعليقات على الحديث الذي ذكر الأسماء التسعة والتسعين، فالوا: الأسماء المتقابلة لا ينبغي أن نذكرها مفردة، واقفين عند المعنى الذي لا نحب، كالضار النافع، والمعز المذل، والقابض الباسط..

 

 

فإن هذه الأسماء ذكرت بمعانيها المتضادة حتى يعلم البشر أن ما ينوبهم من خير وشر ليس بمعزل عن علم الله وتقديره! وله جل شأنه أن يختبر عباده بما يسوء ويسر...

 

وعلى العبد أن يطلب كشف الضر ممن أرسله، ويغلب أن يكون نصاب المرء من عند نفسه وأنه حرم اللطف بسبب ما اقترفه، ومن ثم يطلب العفو والتجاوز.

 

ومن الأدب لذلك أن ينسب الخير لله، وينسب الشر لنفسه، وتأمل في دعاء الخليل: {ٱلَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ وَٱلَّذِى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 78-80]. ولم يقل: أمرضني.

 

وتوقف بعض العلماء عند اسم "المنتقم" ورده قائلاً: لم يرد في الكتاب أو السنن الصحاح.  والذي ورد في آية {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ} [آل عمران: 4].

 

والفارق كبير بين العبارتين، إن الله لم يصف مكة بأنها قرية ظالمة عندما آذت المؤمنين قديماً وإنما جاء في الآية {ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء: 75]، وبين الوصفين تفاوت!..

 

والأسماء الحسنى تقريب للعظمة الإلهية من العقل الإنساني الكليل، ومن مشاعر البشر المأنوسة، وإلا فلا يعرف الله إلا الله، أو كما وصف رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: "سبحانك لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ".

 

ومن الحقائق التاريخية أنه لا يوجد إنسان أحسن تمجيد الله، وإجلاله مثل محمد عليه الصلاة والسلام، وكأنما عقد مسابقة بين أصحابه ليتنافسوا في الثناء على الله ومدحه والتزلف إليه واللهج بمحامده!..

 

 

عن بريدة رضي الله عنه،  قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُالَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ قَالَ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى".

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا يَعْنِي وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ وَتَشَهَّدَ دَعَا فَقَالَ فِي دُعَائِهِ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إِنِّي أَسْأَلُكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ تَدْرُونَ بِمَا دَعَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى".

 

واسم الله الأعظم يبلغه العبد الذي ينبعث عن إخلاص عميق، ودعاء حار، والذي يجتهد في الثناء على الله بما يحفظ من صفاته وأمجاده..

 

عَنْ أَنَسٍ "أَنَّ رَجُلًا جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ أَيُّكُمْ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ فَأَرَمَّ الْقَوْمُ فَقَالَ أَيُّكُمْ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا فَقَالَ رَجُلٌ جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهَا فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا إلى الله".

 

وظاهر أن الصحابي القائل أنشأ الكلمة من بيانه! ولم يسبق إليها..! إنها نضح الإيمان الذي تعلمه من نبيه فأطلق لسانه بهذا الثناء والتكبير.

 

ومعرفة الأسماء الحسنى ليست تصوراً نظرياً للكمال الذي تومئ إليه، إنها في إحساس المؤمن لابد أن تختلط بشئون الحياة التي يحياها وتملي عليه السلوك الذي يلائمها..

 

لاحظت أنه في أوائل سورة الحديد قرابة خمسة وعشرين اسما ووصفاً لله تعالى، تتابع سردها على نحو يثير الفؤاد!.

 

ثم لاحظت كأن هذا كله كان تمهيداً لتكاليف محددة من الإيمان والإنفاق والجهاد والهجرة بدأت بقوله تعالى: {ءَامِنُوا بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7].

 

إن إحصاء الأسماء الحسنى كما جاء في الحديث الشريف هو إقامة الخلق والسلوك عليها.

من أولى من الله أن نؤمن به؟ إنه الأول والآخر والظاهر والباطن!..

من أولى من الله أن نرفع الصوت بتسبيحه وتكبيره؟ إنه الله الذي سبح لخ ما في السموات والأرض..

من أولى من الله أن ننفق في سبيله، إنه مانح المال في الحياة، ووارثه مع فناء الكون كله..

من الذي يلجأ إليه الحائر، ويستهدي به التائه؟ إنه النور، الهادي!..

من الذي ينفي له القلب وتخلص له النية؟ إنه العليم بذات الصدور.

والبشر يتفاوتون في هذه المعاني وآثارها، ولذلك يقول الله للمؤمنين في هذه السورة: {لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَٰتَلَ ۚ أُولَٰٓئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُوا مِنۢ بَعْدُ وَقَٰتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10].

 

ولما كان المسلمون قد جاءوا بعد اتباع أديان لم تحسن معرفة الله، ولم تع أسماءه الحسنى، فقد نبهوا إلى اليقظة، ونبذ الغيبوبة التي طوت الأولين، {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَٱلَّذِينَ أُوتُوا ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَٰسِقُونَ} [الحديد: 16].

 

والخشوع لذكر الله في السياق الذي يملأ السورة كلها يقوم على أن الأسماء الحسنى لا يمكن عزلها عن الكون والحياة، فالإيمان بالله لا يتم داخل صومعة معتمة، لا ضوء بها ولا حراك ولا جهاد.

 

وربما لا يتحقق هنا الخشوع إلا في ميدان عراك مع الملحدين في أسماء الله، الجاهلين بحقوق الخالق الكبيرن الذين يريدون أن تمضي الحياة بعيدة عن هداه، محرومة من بركته وجداه.

  • الخميس AM 10:29
    2022-03-24
  • 943
Powered by: GateGold