المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409005
يتصفح الموقع حاليا : 358

البحث

البحث

عرض المادة

ما الضرائب في الإسلام، وما نظامها؟

سمعت كلمة من صديق عاش في أوربا ردحاً من الزمن عجبت لها ولم أنسها، قال: إن يوم إقرار الموازنة العامة للدولة يكاد يكون يوم عيد! الفرحة عامة، والبشر باد على الوجوه!

 

قال: وفي بعض البلاد يقال لدافعي الضرائب: ادرسوا تفاصيل الإنفاق, انظروا أين وضعنا ما أخذنا منكم من مال!!

 

لقد روعيت المصلحة العامة بأمانة وسدت الثغرات، وكفلت مدارس ومستشفيات، وفرحت طوائف، وتحققت آمال... إلخ، نعم أخذ المال بحق وأعطى ببصر، ووزع بعدل، فهناك لا تفرض ضريبة إلا بموافقة نواب الأمة، ولا تصرف إلا بهذه الموافقة..

 

تذكرت أنين "سديف" الشاعر الذي انضم إلى ثورة النفس الزكية وهو يقول: "اللهم قد صار فيؤنا دولة بعد القسمة – أي استأثر الأغنياء به فهو دولة بينهم – وإمارتنا غلبه بعد المشورة – يشكو الاستبداد السياسي – واشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة – سوء التصرف في المال العام – وحكم في أبشار المسلمين أهل الذمة! – فهم نعم العون للأمير الجائر – وتولى القيام بأمور فاسق كل محلة – هكذا تقع الطيور على أشكالها.

 

اللهم قد استحصد زرع الباطل، وبلغ نهيته، واستجمع طريده.

اللهم فافتح له من الحق يدا حاصدة تبدد شمله وتفرق أمره، ليظهر الحق في أحسن صوره، وأثم نوره".

 

مالي وهذا الأنين القديم؟ إن الشجا يبعث الشجا.. كأن الزمان أو كأن الحاضر صورة الماضي، في عالمنا الإسلامي المهيض!!

 

يقصد بالضرائب المال الذي تأخذه الدولة من الجمهور في صور شتى ليعود ذلك المال مرة أخرى إلى الناس في صورة خدمات عامة وضمانات لوجود الأمة ورخائها، وصون مصالحها ودعم القائمين عليها.

 

ومن هنا كان أداء الضريبة لا بد منه وكان التهرب منه، أشبه بالخيانة الوطنية..

 

وفي البلاد الراشدة يندر كل الندرة أن تذهب حصيلة الضرائب في إجابة شهوة خاصة، من أجل ذلك ينظرون إلى المتهرب من الضرائب على أنه ارتكب ما يحرمه من المناصب الكبرى وما يصمه بأردأ التهم!..

 

وقد فرقنا في كتاب آخر بين الضريبة والزكاة، فإن الله فرض الصدقة تطهيراً للنفس من رذيلة الشح ومساعدة للفقراء على رد الضوائق والأزمات، وإسهاماً في الدفاع عن العقيدة.. إلخ

 

وحدد القرآن الكريم مصاريف الزكاة في ثمانية أصناف لا يجوز أن تعدوها إلى غيرها..

 

اما دائرة الضريبة، فهي أوسع مصادر ومصارف، من حصيلة الضرائب ينهض الكيان السياسي والعسكري والحضاري للأمة، ومنها ينفق الجهاز الإداري.

 

وقد تكثر الضرائب وترتفع نسبها خصوصاً أيام الحروب حتى تثصل إلى 90% من الدخل العام..

 

أما الزكاة فموكول إليها ابتداء القضاء على البأساء والضراء، ومن مصارفها الثمانية سهم قد يوجه للجهاد العسكري! لكن مغارم الجهاد قد تمتد لتشمل المال كله، والنفس معه..

 

ولعلك ترى من هذا أن ثمة تشابكاً بين دائرتي الضريبة والزكاة مع انفراد كل منهما بمجال تختص به!

والأمم الكبرى – خصوصاً من لها نشاط عالمي – تفتن في وضع الضرائب وتعديد أوعيتها وتقرن ذلك بأهداف قومية مباشرة وغير مباشرة.

 

والإسلام حدد نسب الزكاة، ومستحقيها، لكن النشاط الإسلامي العالمي الممتد يفرض على المسلمين بذلاً لا يقف عند حد كي يبلغوا رسالات الله، ويحسنوا الدفاع عنها..

 

وقد تأملت في مطالب التربية والتعليم، ومطالب الدعوة والثقافة، ومطالب الأسطول البحري والجوي، ومطالب الجيش وأسلحته الكثيرة ومطالب الصناعات المدنية والعسكرية... إلخ فوجدت أن ذلك يتطلب أموالاً لا تغيض منابعها – فأدركت معنى قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم} [التوبة: 111].

 

{ٱنفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَٰهِدُوا بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ} [التوبة: 41]..

ويظهر أن كلمة "النفقة" تشمل الصدقات المفروضة والنافلة، وتشمل أنواع البذل التي يفرضها العمل لله في شتى الميادين.

 

وربما تمر بالمسلمين أيام يكلفون فيها بإنفاق ما يزيد على حاجاتهم الخاصة، لا يستبقون شيئاً للآية الكريمة: {وَيَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ} [البقرة: 219].

 

وهذا ما يقوم به الجهاز الضرائبي! وقد تكون كلمة ضريبة بغيضة إلى الناس! وعلة ذلك فيما بلوت فساد الحكم في أغلب الأقطار الإسلامية، والتبذير الشيطاني في المال العامن وقدرة الخائنين على العَبِّ منه دون حساب..

 

وقد رأينا أن الدول الأخرى معافاة من هذا البلاء، وأن ما يؤخذ من دافعي الضرائب ينفق في أرشد مواضعه، ويراقب بعيون نافذة حادة..

 

وهكذا نرى المكثيرين والمنتحين يرعون مصالح أممهم، ويعطون دون مَنَّ {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍۢ فَلَن يُكْفَرُوهُ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِٱلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 115].

 

وقد كنت فيما كتبت صدر حياتي أرى ذلك من مقتضيات الفطرة، وأفهمه من ظواهر الرأي، ثم وجدت أن فقهاءنا استنبطوه من القواعد المقررة في الشريعة! قال الأستاذ الشيخ يوسف القرضاوي إنه يمكن "إذا قضت ظروف الحرب فرض ضرائب على القادرين وأهل اليسار لتمويل الجهاد، وإمداد الجيوش وإعداد الحصون، وما إلى ذلك من احتياجات الحروب! إن الشرع يؤيد ذلك ويوجبه كما نص على ذلك الفقهاء، وإن كان كثير منهم في الأحوال المعتادة لا يطالب الناس بحق في المال غير الزكاة" واستدل الغزالي على ذلك بقوله: "لأنا نعلم أنه إذا تعارض شران أو ضرران، قصد الشرع إلى دفع أشد الضررين وأعظم الشرين!

 

وما يؤديه كل واحد منهم – يعني المكلفين بهذه الضرائب – قليل بالإضافة إلى ما يخاطر به من نفسه وماله لو خلت بلاد الإسلام عن ذي شوكة يحفظ نظام الأمور ويقطع مادة الشرور".

 

قال الدكتور القرضاوي. "مثل ذلك فك أسرى المسلمين، وتخليصهم من قيود الكافرين وإذلالهم، مهما كلف ذلك من أموال! قال الإمام مالك: يجب على كافة المسلمين فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم، ذلك؛ لأن كرامة هؤلاء الأسرى من كرامة الأمة الإسلامية، وكرامة الأمة فوق الحرمة الخاصة لأموال الأفراد".

 

وهذا منطق سديد هدى إليه الفقهاء والدعاة والموجهون في تاريخنا العلمي، وسارت عليه الأمم الآن شرقاً وغرباً، فالحكومات الواعية قد تجعل من الضرائب شريان حياة كما تجعل منها أحياناً جراحة شفاء وتجميل..

 

رأينا الضرائب تزاد على أسباب الترف وأدوات الزينة ولا بأس في ذلك فالحصيلة ستكون سناداً للفقراء والمعوزين..

 

ورأينا الضرائب تفرض على المصنوعات الأجنبية حماية للصناعة الوطنية، وهذا حسن، وقد نهضت في الهند صناعات توشك أن تحقق الاكتفاء الذاتي للهنود، بسبب الضرائب الصارمة التي أوجبتها الدولة.

 

وإذا أكره الجمهور على استخدام أدوات أو سلع غير جيدة، فإن سنة الارتقاء ستصل بها إلى المستوى المنشود يوماً ما.

 

على أية حال لابد أن نذكر أن الدولة الإسلامية مربوطة بمباديء وآداب وأهداف لا يمكن تجاهلها، في الداخل والخارج على سواء! وربما بلغت الدولة بعض غاياتها بوسائل قريبة، كما حدث من تآخ بين المهاجرين والأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو على نحو ما فكر عمر بن الخطاب عندما قال: لو لم أجد للناس ما يسعهم إلا أن أدخل على أهل كل بيت عدتهم فيقاسموهم أنصاف بطونهم، حتى يأتي الله بالحيا لفعلت! فإنهم لن يهلكوا على أنصاف بطونهم!!..

 

لكن هذه الوسائل قد تصعب الآن، والبديل المحتوم عنها هو الضريبة التي تمكن الحكومة من مباشرة الإطعام والإيواء، وإمداد المحتاجين بما يسعفهم ويصونهم مادياً وأدبياً.

 

وما يقال في مطالب السلام يقال مثله في مطالب الحروب، لا سيما وقد أحاطت بنا الذئاب من كل فج وسمع لعوائها طنين رهيب!..

 

ولن يأسى مؤمن على مال يذهب في هدف شريف..


  • الخميس AM 09:39
    2022-03-24
  • 972
Powered by: GateGold