المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413758
يتصفح الموقع حاليا : 242

البحث

البحث

عرض المادة

يوجل الناس من الحكم الديني، وعودة الخلافة! فهل هناك ما يدفع هذا الوجل؟

عندما يتخذ التعصب الديني قناعاً له من الحرية الفكرية فإن الأمر يستحق كل ازدراء ومن حق المسلمين أن يسألوا: لماذا نالت "إسرائيل" الرضا التام بوجودها وهي تقوم على أساس يهودي صرف؟ وترسم حدودها وفق مخططات التوراة؟

 

إن الشرق والغرب كليهما اعترفا بحقها في الحياة، بل لم يعترفا بحق العرب في "بقاء جزئي" إلا بعد الاعتراف بهذه الدولة الدينية؟..

 

لماذا قامت "للفاتيكان" دولة توجه أغلب نصارى العالم وتملك القوة الاقتصادية الثالثة – بعد أمريكا وروسيا – وتضع سياستها الرتيبة لتنصير الشعوب الأخرى وفي طليعتها المسلمون؟

 

إن الحرب الصليبية التي شنها قياصرة "روسيا" لم تدع الشيوعية ثمراتها، بل ضمت إلى الأقطار الإسلامية المفتوحة "أفغانستان"!

 

والحرب الصليبية التي شنتها الدول الغربية تركت في الكيان الإسلامي نزيفاً طائفياً وثقافياً يوشك أن يقضى عليه!

 

فإذا تحرك المسلمون ليحموا كيانهم، ويجددوا دولتهم قيل لهم: يجب أن يبتعد الإسلام عن السياسة، فنحن نوجل من الحكم الديني!! ومن عودة الخلافة الإسلامية! الحق أن هذه صفاقة مستغربة!...

 

إن الذي نوجل منه، ويوجل منه كل عاقل! هو عودة الاستبداد السياسي! أو تولي رجل الحكم وهو يزعم أنه ذو صلة خاصة بالله، أو أن الروح القدس حل فيه ويتعاون معه!!

 

والخلافة الراشدة بريئة من هذا الجنون المقدس، وتصريحات رجالها واحداً واحداً يتمنى لو يقولها اليوم أعظم رجال "الديموقراطية" المعاصرين..

 

ألم يقل أبو بكر: إن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوموني؟ وعندما يلي الأمر يقول: أيها الناس كنت أحترف لعيالي (أكسب قوتهم) فأنا اليوم أحترف لكم، فافضوا لي من بيت مالكم!

 

ويجيء بعد أبي بكر عمر ليقول للناس في المسجد الجامع: إذا وجدتم فيَّ  إعوجاجاً فقوموه، فيُسمع من بين الصفوف صوت يقول: لو وجدنا فيك إعوجاجا لقومناه بسيوفنا! فيكون جواب عمر: الحمد لله الذي أوجد في المسلمين من يقوم إعوجاج عمر بسيفه!

 

وفي رواية أن عمر خطب فقال: يا معشر المسلمين، ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا هكذا؟ فشق الصفوف رجل يقول وهو يلوح بذراعيه كأنهما حسام ممشوق: إذن نقول بالسيف هكذا...

 

فسأله عمر: إياي تعني؟ فيجيب الرجل: نعم إياك أعني بقوله! فيرد عمر: رحمك الله الحمد لله الذي جعل فيكم من يقوم عوجي.

 

ويجيء دور عثمان، الخليفة النبيل المظلوم، الذي يقول للناس: "إن وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في القيود فضعوهما"...

 

وقد كان عثمان قديراً على استصراخ عشيرته، وإعمال السيف في محاصريه لكن الرجل الحيي الرقيق قبل أن يموت دون أن يستبيح قطرة دم لمسلم!!.

 

ويتولى على الخلافة فيقول: إنما أنا رجل منكم لي ما لكم وعليَّ ما عليكم ويقول: ليس لي أمر دونكم ويقول لصاحبه: إياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة – سواء.

 

 

ولما آلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز ميراثاً من أجداده بني أمية كره الرجل الكبير هذا الوضع الذي يرفضه الإسلام، وخرج إلى المسجد الجامع يقول للناس: لقد ابتليت بهذا الأمر على غير رأي مني، وعلى غير مشورة من المسلمين، وإني أخلع بيعة من بايعني، فاختاروا لأنفسكم!

 

فردت الجماهير بصوت واحد: بلى إياك نختار يا أمير المؤمنين...

 

هذه هي الخلافة الراشدة، التي أمرنا أن نستمسك بسنتها، أترى واحداً من رجالها يعرف الحق الإلهي للملوك؟ أو يظن نفسه فوق الأمة قيد إصبع؟ ويحتسب الحكم بقرة حلوباً تدر عليه وعلى أسرته وأتباعه؟

 

أترى واحداً منهم نكل بمعارض أو ضيق عليه الخناق أو حرمه حقاً له؟..

 

والداهية الدهياء في عصرنا هذا متحدثون عن الإسلام لا فقه في الدين، ولا بصر لهم بتاريخ المسلمين يصورون الحكم الإسلامي تصويراً منكراً، ويقررون أحكاماً ما أنزل الله بها من سلطان، يقولون: الحكم المسلم لا تقيده الشورى، ولا يسمح بأحزاب معارضة، ولا يعترف بمبدأ الانتخاب، وحق الكثرة في فرض نفسها!!

 

إنهم يدافعون عن الفرعونية والهرقلية، ويؤيدون الحجاج والسفاح وكل مفتات على الأمة.. إنهم ناس يستمدون فقههم كله من تاريخ الخلافة غير الراشدة، والملوك الذين حكموا الإسلام ولم يحكمهم الإسلام...

 

وهم بفكرهم وسلوكهم امتداد لزواية الانحراف الثقافي والسياسي في التاريخ القريب والبعيد، وبعضهم له إخلاص الدبة التي قتلت صاحبها، وللبعض الآخر باع طويل في الارتزاق والأكل على موائد الحاكمين!!..

 

علماء الدين عندنا يقولون في الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الراوي الثقة إذا خالف من هو أوثق منه عد حديثه شاذا ورفض. وإذا كان الراوي ضعيفاً، ونقل ما يخالف الصحاح عد حديثه منكراً أو متروكاً ورفض!..

فما نقول في ناس يرسمون صورة الإسلام من أحاديث شاذة أو منكرة أو متروكة؟ وفي أي مجال؟ في ميدان الحكم، أو لمظاهرة فرد مستبد؟

 

روى المحدثون عندنا هذا الحديث الضعيف، نذكر نصه ثم نعلق عليه! رووا بصيغة التعريض أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السلطان ظل الله في الأرض، يأوى إليه كل مظلوم من عباده، فإن عدل كان له الأجر وكان على الرعية الشكر، وإن جار أو حاف أو ظلم كان عليه الوزر، وعلى الرعية الصبر".

 

هذا الحديث الضعيف مخالف بسنن صحيحة كثيرة منها "وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيْ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ". 

 

ومنها: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَاب منه".

ومنها أحاديث تغيير المنكر بمراتبه الثلاث..

 

وظاهر الحديث الضعيف مرفوض من ناحيتي الشكل والموضوع، وهو إما منكر أو متروك! ومع ذلك نقله وروج له بعض المرتزقة من المتحدثين عن الإسلام..

 

ونسارع إلى القول بأن الأخذ على يد الظالم ليس باغتياله، بعد محاكمة فردية له من بعض الناس..

 

التصرف الإسلامي الوحيد مد رواق الحكم الشوري والمعارضة الحرة، فمن رأى من الحاكم عوجاً حدث الناس عنه، وشرح للرأي العام موقفه، فإن أيده الناس أسقطوه في انتخاب صحيح، وجاءوا بخير منه.

 

 

قال لي غلام ساذج: إنك تعترف بالنظام الانتخابي، وتقرر رأي الكثرة مع أن القرآن ذم الكثرة في مواضع كثيرة! قلت: أي كثرة تلك التي ذمها القرآن؟ إذا قال الله تعالى: {إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} [غافر: 59] أو قال في آية أخرى: {وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر: 57] كأن معنى النظم القرآني الكريم أن أغلب المسلمين منافقون وجهال؟

 

قبح الله فهمكم! إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى في معركة أُحُد استدراج المشركين إلى داخل المدينة، والقضاء عليهم في حرب شوارع! بيد أن الكثرة من أصحابه أبت إلا الخروج إليهم في العراء، فنزل على رأيهم وهو كاره، فلما رأوا أنهم أكرهوه على الخروج عر         ضوا عليه أن ينفذوا خطته، فأبى!..

 

فهل كانت كثرة الأصحاب جاهلة، أو غير مؤمنة؟

 

كان عليه الصلاة والسلام – كثيراً ما يقول: "أَشِيرُوا عَلَيَّ أيُّهَا النَّاس!" فهل حاكمكم الذي ترون ألا تقيده الشورى. وألا يلتفت إلى الكثرة، وأرشد من صاحب الرسالة العظمى وأعقل؟

 

إن غباءكم في فهم القرآن والسنة لا يستفيد منه إلا أعداء الإسلام، وعشاق الفرعنة من الحكام!

 

عندما نطلب عودة الخلافة الإسلامية، وقيام حكم للكتاب والسنة، فنحن نرنو إلى المباديء الشريفة التي وعاها عهد الخلافة الراشدة، ونريد تجنب أخطاء السلاطين، والانتفاع بكل جهد إنساني للخلاص من الاستبداد والمستبدين.

 

  • الخميس AM 09:36
    2022-03-24
  • 855
Powered by: GateGold