المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409150
يتصفح الموقع حاليا : 305

البحث

البحث

عرض المادة

ما معنى الإجماع وما مكانته في الإسلام؟

للأجماع معنيان نحب أن نوضحهما: فهناك إجماع على حكم شرعي مستفاد بطريق القطع من كتاب الله تعالى، أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي أن هذا الإجماع يعتمد على نص هو الذي أثبت الحكم الشرعي ويستوي في هذا النص أن يكون من الكتاب أو السنة، مادامت دلالته قاطعة!

 

والمجمعون هنا هم الأمة كلها من عامة وخاصة، الأمة الإسلامية إذا اتفقت كلمتها على حكم شرعي من هذا القبيل فقد زادت الحكم قوة، ومنعت للأبد أي شغب عليه "ولما كانت الأمة لا تجتمع على ضلالة فإن الخروج على هذا الحكم يعد انفلاتاً من الإسلام وخروجاً عن الدين"!.

 

أما الإجماع الآخر فهو اتفاق أهل النظر، أو أرباب الاجتهاد على حكم ثبت بطريق القياس أو رعاية المصلحة أو تطبيقاً للقواعد الفقهية المعتبرة، أو ما أشبه ذلك من أدلة.

 

ويجب احترام هذا الإجماع، والتزام الأفراد به، وإذا حدث ما يستوجب إعادة النظر فيه فهو ينسخ بإجماع آخر، من أهل الذكر، وأصحاب الحل والعقد، وليس لأحد أن يتصرف متجاهلاً هذا الإجماع، والأمة التي تحترم نفسها، والأفراد الذين يحترمون أمتهم لابد أن يتقيدوا بهذا الإجماع؛ لأن الخروج عليه قد يكون فسوقاً أو عصياناً، وربما لابسه ما يؤدي إلى الكفر.

 

ونعود إلى شرح الإجماع بمعنييه، وضرب الأمثال التي تكشف حقيقته!

 

أمر الله بالصلاة فقال: {حَٰفِظُوا عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَٰنِتِينَ} [البقرة: 238].

 

ثم علم الرسول الأمة كيف تصلي وبين عملياً أن الصلوات المفروضة تحتوي على سبع عشر ركعة، موزعة على الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وأن كل ركعة بها ركوع واحد وسجودان.. إلخ.

وأجمع المسلمون إجماعاً مؤكداً منذ القرن الأول على هذه الحقائق! ما شذ أحد! فإذا جاء اليوم من ينكر فريضة الصلاة، أو من ينكر أداءها على النحو السابق، فليس بمسلم!

 

وقد التقيت بأناس ينكرون السنة، وسألت أحدهم: كيف تصلي؟ فقال كلاماً استغربته!

 

ومن عجب أنه لما مثل لي السجود وضع ذقنه على الأرض، وقال: هكذا أمرنا الله في كتابه وتلا الآية {                        يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107].

 

وأيقنت أني أمام جنون كافر! وكفر مجنون! وقد بلغني عن أحد الحكام العرب الكافرين بالسُنَّة أنه اخترع طريقة أخرى في الصلاة، لا يخرج بها عن الوصف الذي ذكرنا...

 

وحدث أن أحد الزنوج الأمريكيين المقدمين في قومهم رأي ألا يكون الصيام في شهر رمضان، فكان يصدر قراراً بالشهر الذي يختاره كل عام، قد تكون يناير أو فبراير على حسب ما يهوى!

 

ومادام في الرؤساء العرب من يغير الصلاة فلم لا يكون في غيرهم من يغير الصيام؟

 

ويقول الله تعالى: {يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىٓ أَوْلَٰدِكُمْ ۖ  لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلْأُنثَيَيْنِ} [النساء: 11] فإذا أتى من يقول: هذا حكم مؤقت، كان يصلح قديماً ولا صلاحية له الآن، أو أتى نص قرآني آخر تلقته الأمة جمعاء بفهم موحد، وقبول مطلق، فرفض هو قبوله وإمضاءه. فهو بهذا الرفض ينسلخ عن جماعة المسلمين! وخروجه على جماعتهم أمارة الكفر بدينهم.

 

والفقهاء من قديم يسوون بين جحد العقيدة، وبين إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة.

 

ونحن لا نشذ عنهم، ولا نحب أن يكون الدين مرتعاً للعبث والمجون، إن الإجماع – والحالة هذه – سياج لحفظ الحرمات، ومنع الفتن، وتوجيه الجهود إلى البناء المجدي.

أما الإجماع بالمعنى الثاني، فقد شرحه الإمام محمد عبده وهو يفسر قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا أَطِيعُوا ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا ٱلرَّسُولَ وَأُولِى ٱلْأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59] قال رحمه الله: "إنه فكر في هذه المسألة من زمن بعيد، فانتهى به الفكر إلى أن المراد بأولي الأمر جماعة أهل الحل والعقد من المسلمين، وهم الأمراء يعني الرؤساء والحكام والعلماء، وقادة الجيش.. وغيرهم ممن يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح العامة, فهؤلاء إذا اتفقوا على أمر أو حكم وجب أن يطاعوا فيه بشرط أن يكونوا منا، وألا يخالفوا أمر الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي عرفت بالتواتر، وأن يكونوا مختارين في بحوثهم لما عرض عليهم، ومتفقين عليها، وأن يكون ما يتفقون عليه من المصالح العامة، وهو ما لأولي الأمر سلطة فيه، ووقوف عليه، وأما العبادات، وما كان من قبيل الاعتقاد الديني، فلا يتعلق به أمر أهل الحل والعقد، بل هو مأخوذ من الله ورسوله وحسب، وليس لأحد رأي فيهن إلا ما يكون في فهمه فأهل الحل والعقد من المؤمنين إذا اجتمعوا على أمر من مصالح الأمة ليس فيه نص عن الشارع، مختارين في ذلك، غير مكرهين عليه بقوة أحد ولا نفوذه، فطاعتهم واجبة ويصح أن يقال: هم معصومون في هذا الإجماع ولذلك أطلق الأمر بطاعتهم".. نقلنا ذلك عن المنار بتصرف.

 

ويضيف الشيخ محمود شلتوت إلى ذلك حقيقة أخرى: "أن الإجماع الذي يعتبر ديناً من مصادر التشريع فيما لا نص فيه، هو اتفاق أهل النظر في المصالح، وهم رجال الشورى الذين تعرض عليهم الأحداث، ويتناولونها بالبحث، وتتفق آراؤهم فيها، وبما أن هذا الإتفاق لا يكون إلا أثراً للبحث والنظر كان خاصاً بأهل البحث والنظر، ولا عبرة فيه بموافقة من ليس أهلاً للنظر ولا بمخالفته" ثم يقول:

 

"ويجوز للمجتهدين أنفسهم أو لمن أتى بعدهم، إذا تغيرت الظروف الإجماع الأول أن يعيدوا النظر في المسألة على ضوء الظروف الجديدة، وأن يقرروا ما يحقق المصلحة التي تقتضيها تلك الظروف ويكون الإتفاق الثاني إجماعاً منهياً لأثر الإجماع الأول، ويصير هو الحجة التي ينبغي اتباعها: وإذا وجدت المصلحة فثم شرع الله".

 

إن الإجماع بمعنييه معقول! فأنا بالنسبة إلى ما يستند إلى النصوص القاطعة فظاهر، وما يحب الفكاك منه إلا الذي في قلبه مرض.

ونتوقف قليلاً عند الإجماع بالمعنى الثاني، إنه لا يوجد مجتمع بشري يحب أن يعرض مقرراته للعبث مادام أولو الألباب قد انتهوا إليها.

 

فإذا لاحظ أحد أن هناك تغيراً في معنى المصلحة وفد به الزمان المتجدد، دعا إلى النظر في الأمر، وشرح ما لديه من دوافع إلى مراجعة الإجماع السائد، فإن وافقه الآخرون فيها حل إجماع مكان إجماع.. وإلا فلا يحل له أن يتصرف وحده ويشذ عن الجماعة.

 

إنني أود لو كتب المصحف بالإملاء المعهود لا بالرسم العثماني، ولكني لا أبيح لنفسي نشر مصحف بهذا الإملاء شاقاً الإجماع السائد!

 

إذا اجتمع أهل الذكر في الأمة على ترك الرسم القديم، وإثبات الإملاء الجديد فيها، وإلا فكتابة المصحف باقية على ما هي عليه.

 

وقد أنكرت على أحد الحكام تغييره للتاريخ بالهجرة، وجعله التاريخ بدءاً من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم!! إن هذا تصرف عابث، وخروج على إجماع محترم دون سبب واضح أو غامض!!

 

وقد يتخيل البعض أن هناك إجماعاً على أمر ما، وليس لخياله حظ من الواقع..

 

فإجماع الأئمة الأربعة على حكم ما، أو على فهم ما لا يسمى إجماعاً إذا كانت ثمَّت مذاهب لصاحبه أو تابعين أو مجتهدين آخرين.

 

وقد رأيت من يحتقر الفقه الظاهري، ويرى الإجماع يتم بدونه، وهذا تصرف مستهجن، وقد رأيت لابن حزم آراء كان فيها أولى بالحق من غيره، وأقوم قيلاً، كما رأيت لابن تيمية فقهاً ناضجاً بالذكاء والتألق.

 

وألفت النظ إلى أن الخلاف العلمي يترجح بقوة الدليل لا بكثرة الأتباع.

 

وأن مقلدي الأئمة لا تحسب لهم أصوات مستقلة عند المناقشة وإحصاء الآراء، إن آراء المجتهدين هي التي توزن، ويكترث بها.

 

ثم إن التحقيق العلمي، غير الشهرة، فقد يذيغ رأي يكون التحقيق ضده.

 

وأرى أن مواريث كثيرة في الفروع القائمة على الاستصلاح أو القياس أو ما يشبههما يمكن أن تراجع، وتصدر فيها أحكام جديدة.

 

ولنضع نصب أعيننا أن سطوة الحكام القدامى كانت وراء شيوع آراء ضعيفة، واستحيائها مع أنه كان يجب أن تدفن مكانها!!

 

ألا ترى أن الشورى – وهي أساس النظام السياسي في الإسلام – عدها البعض من النوافل، وعددها آخرون تفضيلاً من الحاكم، يعطيها بصوت شامخ وتقبلها الأمة بصوت خفيض! ومن سماسرة الفقه من لا يزال ينشر هذا السخف!!..

 

  • الخميس AM 09:27
    2022-03-24
  • 816
Powered by: GateGold