المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409027
يتصفح الموقع حاليا : 279

البحث

البحث

عرض المادة

ما أثر الإيمان على الأخلاق والسلوك والضمير، على ضوء ما يحدث في الدول المتقدمة التي تأخذ بالعقل ونتائج العلوم فقط؟؟

لا نستطيع إنكار المدى الكبير الذي بلغته الحضارة الحديثة في اكتشاف أسرار الكون! إنها حضارة ذكية العقل واسعة المعرفة، وقد طوعت ما بلغته إلى تقدم صناعي باهر طفر بالإنسانية طفرة رحيبة ورهيبة، في جميع المجالات المدنية والعسكرية..

 

ولكن هناك إحساساً عاماً بأن هذا التقدم المادي لم يواكبه تقدم روحي، وأن إنسان العصر الحديث لا يختلف كثيراً عن إنسان العصر الأول في غرائزه وشهواته!

 

وإذا كانت ثمة فروق ففي الوسائل لا في البواعث والغايات، بل لقد قيل في إنسان العصر الحاضر: إن عضلاته أكبر من عقله.

 

والواقع أن الإنسان يتضاعف شره عندما يكون حاد الذكاء حقير الخلق، وطالما رددنا أن الإسلام عقل يرفض الخرافة، وقلب يكره الرذيلة!

 

إن الكمال الحقيقي امتداد ونضج في جميع الملكات الإنسانية، وهذا التوازن أساس لابد منه لقيام مجتمع رشيد. وحضارة يانعة الثمار، مديدة الظلال، فهل الحضارة الحديثة – بعد تلك المقررات – جديرة بالخلود؟ أو هي أرجح من غيرها في موازنة منصفة؟ الحق، لا..!

 

فالرجل الأبيض، قائد هذه الحضارة ورائدها، إنسان طافح الأنانية، يشده إلى منافعه ألف رباط، وقيل أن نشرح شرهه المسعور، واستعلاءه على غيره، نذكر أحد مظاهر الحضارة الإسلامية القديمة!

 

فالعرب الفاتحون قدموا الإسلام للأعاجم، ونقلوهم به من الظلمة إلى النور، وبعد ردح من الزمان كان هؤلاء يصلون وراء الأتقياء من شتى الأجناس، ويتلقون عنهم العلوم الدينية، دون غضاضة أو كبرياء..

 

فالبخاري هو المحدث الأول، وأبو حنيفة الفقيه الأول، والحسن البصري المربي الأول، وسيبويه اللغوي الأول... إلخ ولم يشعر المصريون بأي ضيق من أن يقودهم "قطز" في معركته الهائلة ضد التتار بعين جالوت، وما خامرهم حرج في أن يقودهم صلاح الدين ضد الصلبيين في حطين.

 

إن الإسلام محا النعرات الجنسية في أغلب الميادين، وربط الناس بمثلهم العالية وحدها!

 

أما الجنس الأبيض، وطلائعه الغازية والمكتشفة، فقد كانوا يعبدون أنفسهم، ويقدسون مصالحهم ولا تحكمهم إلا شرعى الغاب!

 

اكتشف الإنجليز أستراليا فماذا فعلوا بسكانها؟ شرعوا يطاردونهم من مكان إلى آخر حتى حصدوا جمهرتهم، وأخبرني صديق قادم من أستراليا أن البيض ييسرون أردأ الخمور لهؤلاء السكان الأصليين حتى يقضوا عليهم القضاء الأخير، وتبقى أستراليا للمغيرين المسلحين بالتقدم العلمي والصناعي، المجردين من كل رحمة وإيثار..!

 

أكان سكان أمريكا الأصليون أسعد حظاً من أستراليا؟ لقد تتبعتهم حرب الإبادة من بلد إلى بلد، وكان المكتشف الذي يسيل ريقه للذهب ينظر، فإذا وجد هندياً أحمر على رأسه تاج من ذهب، قطع الرأس، وعاد بالتاج..!

 

قد يقال: كان ذلك في الأيام الأولى لاكتشاف العالم الجديد، وقد ارتقت اليوم البشرية، وضاقت بم كان يفعله المستعمرون الأولون، واستنكرته!

 

 

ونجيب أن الاستهانة بالأجناس الأخرى كانت وما زالت ديدن الرجل الأبيض، وعندما أعوزه الانتصار السريع ضد اليانان ألقى قنبلتين مبيدتين على هيروشيما وناجازاكي فقتل نصف مليون إنسان بين طفل وامرأة وشيخ وشاب، ولا ريب أن عشر هؤلاء الهلكي فقط هو الذي كان يمكن أن يجند في الحرب..!!

 

المأساة أن هؤلاء "المتحضرين" ارتقوا علمياً وهبطوا خلقيا، وأنهم عبيد لذاتهم العاجلة، وأن الفكرة عن يوم الدينونة غامضة أو معدومة لديهم، أنهم لم يسمعوا يوماً من يقول لهم: {وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍۢ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلْأَبْصَٰرُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْـِٔدَتُهُمْ هَوَآءٌ وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ قَرِيبٍۢ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ ۗ ...} [إبراهيم: 42-44].

 

إن الإنسان يتحول إلى وحش كاسر عندما ينسى الله واليوم الآخر، لا سيما إذا كان هو واضع القانون ومطبقه! إن القانون يومئذ يحرس الأقوياء ويحتاج الضعفاء، وقد رأينا كيف يباد الشعب الفلسطيني ويمحى وجوده فوق أرضه، ويجاء بألوف مؤلفة من اليهود لتحيا فوق أنقاضه، والقانون الدولي مكمم الفم، لأن ملاك القوة يريدون ذلك، وأجهزة الدعاية قديرة على إبطال الحق وإحقاق الباطل..!

 

إن الغرائز المهتاجة، والعادات السيئة، والموروثات الرديئة تهزم الحق في دنيا الناس، وقد نظرت إلى جموع المستشرقين – وهم قوم ذو ثقافة واسعة – لفتهم ضغائن غبية ضد "محمد" صلى الله عليه وسلم، فأذاعوا عنه أنه كبنى جنسه محب للنساء...

 

إن هؤلاء المستشرقين قرءوا في العهد القديم أن سليمان جمع في عصمته ألفاً من النساء، سبعمائة من الحرائر وثلاثمائة من الإماء، فهل كان لدى محمد عشر ما عنده؟ لا! نصف العشر؟ لا! ربع العشر؟ لا!

 

ومع ذلك فسليمان نبي حكيم، ومحمد دون ذلك!!

 

ونشيد الأنشاد الذي سليمان تسمع فيه صيحات الباحث عن الحبيب المجهول أو المعلوم، أما قرآن محمد فليس في طوله وعرضه إلا جؤار يدفع البشر إلى ربهم، ويذكر بيوم لقائه، ومع ذلك فمحمد لا يوحي إليه، والأشواق وراء الحبيب المنشود هي الوحي المعصوم! ما قيمة العلم إذا لم يكن معه إنصاف ولا عدالة؟ إنني أمقت الذكاء الخبيث، والثقافة المسفة، وعندي أن امرأة حصاناً غافلة أشرف من مومس عبقرية، وأن رجلاً ساذجاً يعرف ربه أشرف من خبير في الذرة يعبد نفسه؟

 

وقد أفهم ما يعنيه الرسول الكريم فيما روى عنه: "النار أسرع إلى فسقة القراء منها إلى عبدة الأصنام! فيقولون: يبدأ بنا قبل عبدة الوثن؟ فيقال لهم: ليس من يعلم كمن يجهل".

 

والحضارة الغريبة، كما قلنا آنفاً، اتسع علمها وضاق أدبها، أو طالت تقافتها وقصرت تربيتها، فهي الآن تصنع أجيالاً لا تعرف إلا الحياة ليومها فوق هذا التراب، وتؤمن أنها لن تحيا مرة أخرى أبداً، ومن هنا غلب عليها هذا السعار في اقتناص الموجود، والركض وراء المفقود، والحقد على من وجد، والإزدراء على من فقد!

 

إنها لا تؤمن بالله واليوم الآخر! ورجال الدين مشغولون بسخائمهم القديمة! إن كانوا هوداً فهمهم الأكبر امتلاك أرض الميعاد كما يحملون، وإن كانوا نصارى فهمهم الأكبر استعادة قبر المسيح والثأر ممن أخذوه في العصور الوسطى..

 

وما يدور في ذهنهم تعاون عام لإبقاء الأرض موصولة بالسماء، فهل هذا تقدم علمي أم نجاح للغرائز الهابطة والأغراض الدنيا؟..

 

على أن القرون الأولى لم تخل من علم أثارت به الأرض. وزينت به الحياة! والمنكور هو انعدام التوازن في أية حضارة بين جوانبها المادية والأدبية، لقد بنى المصريون الأهرام، والبناء في ذاته ليس عيباً، وإنما العيب أن تهلك أسرة في سبيل بناء مقبرة الملك! وبنت عاد قصوراً شامخة، وأبراجاً عالية، فإذا اصطدم برغبتها أحد سحقته، وأغراها جبروتها بحرب الإبادة، فكان من قصص القرآن عنهم {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء: 128-131].

 

ورفض هؤلاء وأولئك تقوى الله ، وسماع الناصح الأمين فماذا كانت العقبى؟ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ ٱلَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى ٱلْبِلَٰدِ وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُوا ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلْأَوْتَادِ ٱلَّذِينَ طَغَوْا فِى ٱلْبِلَٰدِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا ٱلْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ} [الفجر: 6-14].

 

إن هذه المدنيات البائدة قامت على علم له بحاجات الناس يومئذ وفاء، ولقد اغتروا بهذا العلم وحسبوا أنهم يسبق بهم ولو أثقلهم الهوى، وهيهات، {فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِۦ يَسْتَهْزِءُونَ...} [غافر: 83]

 

إن العلم مهما تقدم لا يغني عن الإيمان، والإيمان الذي نحترمه هو الذي يعانق العقل وتزدان به الحياة.

 

  • الخميس AM 09:19
    2022-03-24
  • 936
Powered by: GateGold