المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409160
يتصفح الموقع حاليا : 361

البحث

البحث

عرض المادة

هل الصورة التي رسمها القرآن لخلق آدم حقيقية أم رمزية؟ وما معنى الحديث "خلق الله آدم على صورته"؟!

ظاهر أن الذي أوحى بهذا السؤال ما كتبه "داروين" عن أصل الأنواع، وما أعلنه من رأي في قضية النشوء والارتقاء.

 

ومع أن النظرية منقوضة من جوانب كثيرة، ومع أن هناك من علماء الأحياء من رفضها جملة وتفصيلاً، فإن أعداداً من الناس لا تزال تروج لها، بل إن هذه النظرية لا تزال تدرس في بلادنا وكأنها حقيقة علمية!

 

والسبب في ذلك أن سدنة المذاهب وسماسرة الإلحاد الزاحف من الشرق والغرب يريدون إقناعنا بأننا من الأرض وحدها تخلقنا، وأن الروح الذي نسمو به ونسود بقية الأحياء لم يجيء من الله! فهم لا يعترفون به!! إنه ظاهرة أرضية بحتة!

 

وأنا رجل مسلم، أشعر بأني نسبي السماوي أزكى من نسبي الأرضي وأحق بالتقديم، وأنني ابن آدم الذي خلقه الله من تراب الأرض، ولو استبقاه على هذا الطور من الإيجاد ما كان له شأن يذكر!

 

إن آدم اكتسب مكانته وكرامته بعد أن نفخ الله فيه من روحه بهذه النفخة العلوية أضحى كائناً جديراً بأن تسجد له الملائكة وتحيي في وضعه الجديد الإبداع الإلهي وحسن التقويم وعبقرية العقل وسناء المواهب!! {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّى خَٰلِقٌۢ بَشَرًا مِّن صَلْصَٰلٍۢ مِّنْ حَمَإٍۢ مَّسْنُونٍۢ  فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُۥ سَٰجِدِينَ} [الحجر:28-29]!

 

لولا هذه النفخة لكنت نوعاً من الأنواع التي تحدث "داروين" عنها، ولكنت من أسرة متفاوتة الأفراد من زواحف وسباع ومن طيور وأنعام!!

إنني أومن بأن الله خلقني ونفخ فيَّ من روحه، وإذا كان أبي آدم صور من طين مباشرة، فأن من سلالته على طول المدى، وقد قال الله فيَّ أخوتي من أبناء آدم {ٱلَّذِىٓ أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلَقَهُۥ ۖ  وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلْإِنسَٰنِ مِن طِينٍۢ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُۥ مِن سُلَٰلَةٍۢ مِّن مَّآءٍۢ مَّهِينٍۢ  ثُمَّ سَوَّٰهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦ} [السجدة: 7-9].

 

والنفخة التي سرت في أوصالي وجعلتني خلقاً آخر تستحق التأمل العميق، إنني الآن واحد من خمسة آلاف مليون بشر، هل نحن خمسة آلاف مليون نسخة من كتاب واحد! إنه كما تختلف بصمات أصابعنا، وملامح وجوهنا تختلف مواهبنا الفكرية، ومشاعرنا النفسية.

 

لكل قلب همومه وأشواقه، ولكل عقل مجرى تفكير وقدرة استنباط، أي إن النفخة ها هنا!

 

فإذا كان ذلك في عصر واحد فماذا عن نهر الحياة الدافق من بدء الخليقة؟ وماذا عن أجيال البشر الذين يتوارثون عمارة هذه الأرض ما شاء الله؟

 

إن الله العظيم الذي أشرف على كل جنين، وتابع أطواره حتى اكتمل وزحم القرون بين أن هذه الحياة الإنسانية المذهلة شيء صغير بالنسبة إلى ما خلق من عوالم لا ندريها! أليس القائل {لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر:57].

 

إن الشبه واحد بين أسماع الناس وأبصارهم أي بين مظاهر الحياة الإنسانية العادية، ولعل ذلك ما جعل شوقي يقول:

              يا نفس مثل الشمس أنتِ أشعة

                                 عامر، وأشعة في بلقع

              فإذا طوى الله النهار تراجعت

                                 شتى الأشعة والتقت في المرجع

 

 

إن الغروب الذي يطوي الأشعة في رأي العين فيبدأ الليل، كالموت الذي يسترد السر الإلهي فتنتهي الحياة.

 

لكن الشمس تغرب من ناحية لتطلع في أخرى، والنفس تموت بيننا، أو تحفى بيننا لتستأنف وجودها في عالم آخر!

 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى عندما يقول في كل صباح "أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هو وَإِلَيْهِ النُّشُور". وعندما يقول في كل مساء "أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هو وإليه المصير".

 

ومع البعث تبدأ الخصائص الإلهية في كل نفخة تقدم حسابها الخاص بها، وكل أمريء حسابه على قدر ما أعطى من مواهب وإمكانات {لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَآ ءَاتَٰهَا} [الطلاق: 7] {فَلَا تُزَكُّوٓا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} [النجم: 32].

 

وعلى أية حال فإني قد أدري أن جسمي يتكون من تراب هذه الأرض، لكني لن أصدق أبداً أن الحب البغض والرجاء واليأس والذكاء والغباء والذكر والنسيان معان نبتت مع العشب والكلأ، وجاءتني من تراب هذه الأرض!

 

ثم شيء آخر يجعلني أحس بأبي آدم، وبأنه حقيقة لا يليها تطاول العصور، ذاك هو وحدة الشعور والفكر بيني وبينه، إن الله أسكنه داراً حسنة وسط حديقة يانعة، فيها ما يغني ويكفي وقال له: {ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ} [البقرة: 35] بيد أن الإنسان يريد اكتشاف المجهول ولو كان تافهاً، يريد الحصول على الممنوع وإن كان مؤذياً! في الحلال الطيب سعة، أو في دائرة المباح مقنع! لكن آدم أبي إلا الجري وراء الوهم.

 

وكانت له آمال باطلة يود لو تحققت، إنه يحب الخلود، ويحب أن يكون ملاكاً!! يا أبانا ما تبغي! إن الله أسجد لك ملائكته فكيف تنزل دون مكانتك؟

 

وجعل إلى مشيئتك البقاء في الجنة والتقلب في رياضها فماذا تخاف؟

 

وعرف الشيطان مكان الضعف من نفس أبينا الطامع! فحلغ له بالله أن أمانيه سوف تتحقق إن هو أكل من الشجرة المحرمة.. وكان صوت النهي قد بدأ يخفت، ومضى زمن على الحظر المفروض، كانت الأماني الباطلة خلاله لا تزال على شدتها، ولم ييئس الشيطان من مهمته فظل يوسوس، ويغرر بالأب الذاهل، حتى دحرجه من مكانته، وأخرجه من جنته، تذكرت قول المتنبي:

              وفي الناس من يرضي بميسور عيشه

                                 ومركوبه رجلاه الثوب جلده

              ولكن قلباً بين حنبي ماله

                                 مدى ينتهي بي في مراد أحده

              بغير أن يكسي شفوفاً تربه

                                 فيختار أن يكسي دروعاً تهده

 

لقد مضى المتنبي مع طمعه في الإمارة والجاه، وأثار الغبار وراء ركضه! مدح وهجا، وخاصم وسالم, واشتبك مع الأقيال والأنذال، وفي ليلة ليلاء لقي مصرعه على أيدي جماعة من الموتورين، فمرغت الحكمة والشعر في الثرى! وأجهز الموت على تطلعات الرجل الذي لم يرضه شيء!

 

إننا أبناء أبينا غفر الله له، ما أشبهنا به وما أشبهه بنا!

 

لكن أغلى وأعلى، ما في قصته لم يذكر بعد! لقد تذكر الناسي، أو صحا الذاهل، وعرف آدم أنه ضل الطريق، وأضاع قواه وراء وهم، وأغضب وليِّ نعمته! فوقف مع امرأته يجأران بهذا الدعاء: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ} [الأعراف: 23].

 

وهبطا إلى الأرض، وأرسل الله سبحانه من يتلو علينا خبرها لنتعظ! إن قصة الإنسانية في حياة آدم هي قصة الإنسانية في حياة نبيه، خطيئة ومتاب.. فما هي قصة الإنسانية آدم هي قصة الإنسانية عند الملاحدة! جراثيم وجدت من غير موجد، ظلت تتعارك ليبقى الأقوى، وظل الأقوياي يتعاركون حتى استطاع الإنسان الغلب على غيره من الدواب وأن يسودها، فبلغ الإنسان بجدارة قمة المملكة الحيوانية! وأمسى سيداً للفيلة والحمير والأرانب والسباع..!! لقد ساد إخوانه في سياق شريف!

إن القصة بهذا السياق أكذوبة حقيرة..

 

ومع أن "داروين" قال: إنه لا ينكر الألوهية! فإن كلامه مضطرب متهافت، وهو منته آخر الأمر إلى قطع الصلة بين الإنسان، ورب الأرض والسماء.

 

أما حديث أن الله خلق آدم على صورته فقد قَبِلَه أغلب المحدثين وفسروا الصورة بالصفة! يعنون أن الله لما نفخ من روحه في الكيان المادي لآدم أصبح آدم بهذه النفخة حياً، قادراً، مريداً، سميعاً، بصيراً، متكلماً... إلخ.

 

وظاهر من تكوين آدم أن العقل الذي أضاء في دماغه علمه الكثير مما يعمر الكون، وبصره بما تعجز الملائكة عن إدراكه {وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلْأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِى بِأَسْمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ قَالُوا سُبْحَٰنَكَ لَا عِلْمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَآ} [البقرة:31-32].

 

وقد انطلق بنو آدم في الأرض بمواهبهم العليا وغرائزهم الدنيا، وتعرضوا لامتحانات هائلة، ولا يزالون في ضوضاء المعركة وبأسائها، إلى يوم الفصل!!

 

ومن العلماء من يقول: خلق آدم على صورته، أي صورة آدم نفسها فلم يعرض لها تغيير عن الأصل، ولن يعرض في المستقبل، أي لا تطور!

 

ورأيت لبعض الكتاب طعنا في الحديث! يقول: إن أبا هريرة نقل هذه الجملة عن كعب الأحبار، وهو يهودي الأصل، والجملة موجودة في سفر التكوين أول أسفار التوراة، فانخدع بها أبو هريرة ورواها حديثاً!

والذي أراه أن وجود الجملة في التوراة لا يعني أنها موضع ريبة، وأن المعنى الصحيح لها قائم ومقبول، وليس للاتهام دليل.

 

  • الخميس AM 09:07
    2022-03-24
  • 1081
Powered by: GateGold