المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411920
يتصفح الموقع حاليا : 333

البحث

البحث

عرض المادة

هل تم جمع القرآن بطريقة تدحض كل شيء؟ وكيف تم جمعه؟

يوجد فارق ضخم بين تاريخ الإسلام – في نشأته الأولى – وتاريخ الدينين السابقين عليه، أعني اليهودية والنصرانية.. إن الإسلام تحول على عجل إلى دولة قائمة لها سلطات وطيدة، أما النصرانية فلم تقم لها دولة إلا خلال القرن الرابع لوجودها، وإذا كانت اليهودية قد صار لها جيش ووجود سياسي على عهد مبكر. فإن كيانها قد تلاشى كل التلاشي بعد قليل، وضاعت مقدساتها كلها.

 

إن هذا الفارق كبير بين الإسلام وغيره يفسر كيف بقى كتاب الإسلام مصوناً!، وكيف تعرضت كتب أخرى للعوادي الماحقة.

 

ظل النبي صلى الله عليه وسلم يتلقى القرآن الكريم في مكة المكرمة ثلاث عشرة سنة، كان كل حرف ينزل يعيه الحفظة في قلوبهم ويسجله الكتبة في صحفهم، وكان هذا القرآن معروفاً للعدو والصديق! أما المؤمنون فهم يستمدون منه النور الذي يمشون به، وأما الكافرون فقد شد انتباهم كتاب يهاجم آلهتهم وينقض مواريثهم ويثير دهشتهم! حاولوا أولاً التهوين من شأنه وقالوا: {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَآ ۙ إِنْ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 31].

 

ثم تواصلوا بافتعال الضجيج لدى سماعه {وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ وَٱلْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]. ولعمري إن هذه لهي الهزيمة النفسية الموجعة، أن تخاف سماع كلام معين لأنه يغلبك!

 

ثم جاء التحدي البالغ لهم: {قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلْإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِۦ...} [الإسراء: 88].

 

إن التحدي يتوجه إلى قوم سمعوا القرآن وعرفوه عن خبرة، وأدركوا أثر عجزهم عن مضاهاته!

المهم أن القرآن خلال فترة الضعف في تاريخ الإسلام، كان متميزاً معروفاً لا يلتبس بغيره، ولا يلحقه نقص أو ازدياد.

 

وانتقل نبي القرآن إلى المدينة، وهناك باشر سلطات رئيس الدولة من حكم بين الناس، وعقد للمعاهدات، وتوجيه للمصالح العامة، وقيادة أو حث للجيوش هنا وهناك!.

 

وظل القرآن ينزل عشر سنين أخرى، الكتبة يسجلون بإشراف الرسول عليهم، والحفظة يختزنون العلم في صدورهم، وما يكتب ويحفظ تعاد تلاوته في الصلوات الخمس، في قيام الليل، في مجالس التلاوة، في خطب الجمعة، الأفراد والجماعات مقبلة على قراءة الكتاب العزيز..!

 

وكانت مكانة المرء تعظم بمقدار إقباله على القرآن، وكان النبي يرعي هذه المكانة حتى عند دفن الشهداء، فهو يقدم في اللحد أكثرهم أخذاً للقرآن!

 

حكومة قائمة ترى القرآن دستورها ومنارها، فهي تحفظه وتحافظ عليه، وترسل الوفود به إلى الآفاق، من أين يتطرق الريب إلى كتاب هذه بيئته الأولى؟

 

أمة تعبد ربها بفقة كتابه وتجويد حروفه، ودلة بكل أجهزتها تصون وتحمي، ما عرفت الدنيا من بدء الخليقة مثل هذا الصون لكتاب من الكتب.

 

ومضت دولة النبوة، ثم جاءت دولة الخلافة الراشدة، ورجالها هم السابقون الأولون في اعتناق الإسلام وحفظ آياته وكتابة مصاحفه!

 

وظلت هذه الدولة ثلاثين عاماَ شرق فيها الإسلام وغرب، وأثر عن جيوشها أنها كانت لا ينتهي لها هدير بالتلاوة آناء اليل وأطراف النهار!

 

ومضت دولة الخلافة، وجاءت دولة أخرى كثيرة فماذا حدث خلالها للقرآن؟

 

كان تواتره، يمتد ليشمل أجيالاً أخرى، وكانت مصاحفه تملأ المساجد والعواصم والدور والقصور.. وصدق الله العظيم {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} [الحجر:9].

 

سأضرب مثلاً لشرح ما أقصد – وإن كنت على وجل من ضربه واستحياء – لقد وضعت الولايات المتحدة لها دستوراً بعد حرب الاستقلال، تضافر الأمريكيون حكومة وشعباً على دراسته وتنفيذه، فهل يمكن القول بأن هذا الدستور حُرِّفَ وشُوِّهَ؟ وكذلك فعل الاتحاد السوفيتي! فهل يمكن القول بأن ما وضعه الثوار الحمر تغير وتبدل؟

 

إنني لا أشبه القرآن الكريم بهذه الوثائق – معاذ الله – فإن القرآن لم يجئ من مصدر واحد هو الكتابة، بل المصدر الأول لتلقيه قبل أن يكتب هو الحفظ في الصدور، وقراءته عن ظهر قلب! وإنما لفت النظر إلى أن الدولة حين تقوم على دعامة ما فإنها سوف تحمي دعامتها، وتفرضها على الزمن.

 

وتحول الإسلام في عهد مؤسسه إلى دولة مكينة السلطان جعل الكتاب المعجز يحظى بالحياطة الشعبية والرسمية جميعاً، وجعل كل حرف منه بين العيون!

 

أكذلك كانت الكتب السابقة؟ لا.. إننا نؤمن بالتوراة النازلة على موسى كما علمنا الله {إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَٰةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة:44] ونؤمن بالإنجيل النازل على عيسى كما علمنا الله {وَقَفَّيْنَا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَٰةِ} [المائدة:46].

 

فماذا حدث للوحي السابق؟ أغار أعداء بني إسرائيل عليهم وهدموا الهيكل ومزقوا صحائف التوراة ولم يبقوا لهم أثراً يتمسكون به... فلما تحرروا من أسرهم، بعد أمد طويل، تقدم لكتابة التوراة من ذاكرته من تقدم فإذا الصحائف الجديدة ملأي بالغرائب!

 

 

من بضع سنين تقدم للقضاء الإسرائيلي جندي يشكو الضابط الذي يرأسه بأنه اغتصب زوجته، وتحدث محامي الضابط فقال: إن موكله مشهور بالإقدام والشجاعة، ومثله ينبغي التجاوز عنه كما تجاوز الله عن داود الذي اغتصب امرأة "أوربا" ولم يكتفي بالزنى! بل أوصى بقتل الزوج المفجوع، فقتل في الميدان بحيلة مرسومة!!

 

إن هذا الدفاع كان مفاجأة للناس، لكنه لم يكن مفاجأة للقضاء، فهم يعرفون القصة في كتابهم، ولا أذكر بم حكموا في هذه القضية! وإنما غاظني أن نبياً كريماً يتهم بالزنى والقتل، ويراد جعل مسلكه أسوة!

 

وداود رجل بريء، والصحائف التي لوثت سمعته وسمعة غيره من المرسلين هي التي يجب أن تحاكم!! فما أكثر ما بها من افتراء على الله والمرسلين!!

 

أما الإنجيل الذي نؤمن بنزوله على عيسى فإنه لا يوقف له على أثر والقصة كما يراها أتباعه أن عيسى ومن معه اعتبروا خارجين على القانون، فقتل الحاكم الروماني عيسى بطلب من الشعب اليهودي وانتهت المأساة!

 

وقد ألف تلامذة عيسى – هكذا قالوا – سيراً تضمنت ما يعلمون من عظاته، وما يقال عن مصرعه!

 

وسميت هذه السير أناجيل! وكانت أول الأمر تبلغ العشرات، ولكن تم اختيار أربعة منها هي التي أقرت قصة الصلب واعترفت بألوهية المسيح.

 

وقامت للمسيحية القائلة بربوبية عيسى وصلبه دولة رومانية في القرن الرابع لميلاده.

 

ونحن المسلمين نعتقد أن التثليث لم يجيء به دين ولا نزل به وحي، وأن الأنبياء من عهد آدم إلى محمد، وفيهم عيسى نفسه دعوا إلي إله واحد هو سيد العالمين وربهم الفرد، وما عداه عبد مخلوق له.

 

والواقع أن القرآن الكريم هو السجل الجامع للعقيدة التي بلغها المرسلون، وتواصوا كابراً عن كابر أخذ الناس بها وتنشئتهم عليها.

 

وقد حصنه القدر من التحريف والتغيير، فتعدت القداسة الموضوع إلى الشكل، والمعنى إلى الحروف، فأصبح                              ضبط الألفاظ نفسها ديناً، وقراءتها عبادة، وذلك حتى لا يعتري الكتاب الخاتم ما اعترى الكتب من قبل!

 

كان النبي صلى الله عليه وسلم - وهو رئيس الدولة – يجعل خطب الجمعة تلاوة لسور القرآن، في أغلب الأحيان، وكذلك كان الخلفاء الراشدون، ومن الطرائف أن عمر خطب بسورة النحل يوماً، فلما بلغ آية السجدة نزل من المنبر فسجد وسجد الناس معه، ثم خطب في الجمعة التي بعدها بالسورة نفسها دون أن ينزل ويسجد فلما سئل في ذلك قال: أمرنا أن نسجد إذا نشاء! يعني أن سجدة التلاوة ليست فريضة..!

 

وهاجم المشركون يوماً رسول الله وهو يدعو إلى الله الواحد، وتدخل أبو بكر بذودهم عنه وهو يقول: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّىَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُمْ} [غافر:28] وهذا بعض آية من سورة غافر!

 

وصلى عمر الفجر بالناس يقرأ سورة يوسف، فلما بلغ قوله تعالى على لسان يعقوب {يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84] سمع نشيجه بالبكاء.

لقد كان القرآن، ومازال، شغل الأمة الشاغل، واهتمامها الدائمن وهي تسمع نبيها يقول: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" ويقول: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأطراف النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ".

 

إن الناس يقرءون القرآن الآن، كما نزل به أمين الوحي على خاتم الرسل، لا تغيير في حرف ولا في شكل.

ومنذ أربعة عشر قرناً لم يتغير شيء من هذه الثلاثة، الشمس هي الشمس، والقمر هو القمر، والقرآن هو القرآن!!

  • الخميس AM 09:03
    2022-03-24
  • 902
Powered by: GateGold