المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409001
يتصفح الموقع حاليا : 268

البحث

البحث

عرض المادة

كيف أعلن الإسلام حقوق الإنسان...؟

خلق الله الإنسان ليكرم لا ليهان، ولتسجد له الملائكة لا ليعيش مع الحيوان! ومع أن الإنسان يعاني على الأرض ما يعاني فهو مع بني جنسه إذا صلحوا واستقاموا أفضل عند الله من ملائكة السماء، وقد قال الله سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].

 

ولكن المتأمل في تاريخ البشر يجد أن جماهير كثيفة طحنها الذل والضياع! ربما أهزلها الجوع والدواب تجد ما تأكله! وربما فقدت حقوقها المادية والأدبية وعاشت كسيرة أسيرة وغيرها من الطير والحشرات ينطلق دون قيد!

 

من الذي أنزل بالبشر هذه الكوارث؟ لم يفعل ذلك ملك ولا جن، ولم يفعل ذلك ماء ولا هواء!

 

إن الذي فعل ذلك بعض البشر، ناس لديهم فضول سلطة أو ثروة، استغلوا سلطانهم وغناهم في إيذاء الآخرين والحيف عليهم.

 

ومضت قافلة البشرية من قديم تتعسف الطريق، وتكابر الوحي، وتعارض الإنصاف، وتدفن الأخلاق، وتفرض الأهواء.. وأخيراً استطاع نفر من أولي العزم وحماة الحقيقة أن يقلموا الأظافر الحادة، وأن يروضوا الطبائع النهمة، وأن يضعوا دساتير حسنة ترد المظالم وتحمي الضعاف، وتصون الحقوق في أسباب مفصل أوحت به سلسلة التجارب الطويلة في محاربة الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي والانحراف الخلقي.

 

وعندما ننظر إلى المواد التي تضمنتها هذه الدساتير تعرف بدقة ما هي الحقوق التي يطلبها الإنسان والتي لا يزال الكثيرون يشكون فقدها!.

 

إن المادة الأولى في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن الناس يولدون أحراراً، يتساوون في الحقوق والواجبات، وكون الناس يولدون أحراراً متساوين كلمة نطق بها عمر بن الخطاب ارتجالاً لا إعداداً ولا تكلفاً، بل انطلاقاً من الفطرة الإسلامية!.

 

ولكن هذه الكلمة ظلت دهراً نظرية خيالية!! فكم من أناس ولدوا ولهم حقوق ليست لغيرهم، وكم من أناس ولدوا مثقلين بواجبات ليست على غيرهم، وكم من وظائف تفاوتت الفرص في شغلها، واختير لها من ليس لها بأهل، ولا تسل كيف؟ فإن ناساً قبلك تجرءوا على السؤال فلم يوقف لهم على أثر أو عاشوا ناكسى رءوسهم لفرط ما حل بهم، إن القدرة التي يملكها البعض ولا يدرى كيف امتلكها – فعلت مآثم ومناكر لا حصر لها، ومع أنه الله – وهو المقتدر الأعلى – لا يظلم أحداً في الملكوت الذي تفرد بحكمه، وقال: "يا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي فَلَا تَظَالَمُوا"، مع ذلك فإن ملاك السلطة والثروة دأبوا على الظلم في أقطار كثيرة، وبعد لأي قدرت الجماهير على تقييدهم بالدساتير والمواثيق التي وضعت نصوصها على ضوء التجارب المستفادة والذكريات المرَّة...!!.

 

إن حقوق الإنسان ولدت في ديننا مع النطق بكلمة التوحيد، فعندما نؤمن بالله الذي لا يعبد غيره ولا يشرع غيره ولا يحكم غيره، عندئذ تسقط الوثنيات كلها عقائدية كانت أو سياسية أو اجتماعية!!

 

نعم، إن الإيمان بوحدانية الله وقيامه على خلقه وتدبيره لكل أمر، والإحساس بأنه – وحده – الضار النافع الخافض الرافع المعطي المانع، إن ذلك يمنح الإنسان حرية واسعة تجعله لا يبالي بطواغيت الأرض كلها، لأنهم مهما فحش سلطانهم ليسوا إلا عبيداً لربه.

 

ونلحظ أن القرآن الكريم كرر قصة فرعون مع موسى بضع عشرة مرة، ذلك لأن الفرعنة مرض نفسي شائع بين الحكام المستبدين، وتأمل قول فرعون لقومه: {مَآ أُرِيكُمْ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ} [غافر: 29]. وقوله للسحرة لما آمنوا بعد ما شهدوا معجزة موسى تلقف ما صنعوا: {ءَامَنتُمْ لَهُۥ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ۖ  إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ ۖ  فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَٰفٍۢ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ } [طه: 71].. إن ذلك الفرعون السخيف يرى ألا رأى إلا رأيه! فهو وحده الذي يصنع القرار! ويرى أن من اعتنق رأياً قبل أن يستأذنه مخطيء متمرد!! إنه ملك الضمائر والسرائر، والناس عبيد إحساناته...!!

 

ولكي توقى الإنسانية هذه اللوثة: شددت الدساتير الحديثة في أمر الشورى، وإلزام أولى الأمر بها، كما وضعت قيوداً حديدية على التصرف في المال العام ومنع العبث فيه.

 

وكذلك وضعت قوانين صارمة لحق كل إنسان في محاكمة عادلة، فلا يحبس أو يعتقل أو يؤذي جوراً وطغياناً، وإنما يبقى إنساناً مصونا حتى يصدر القضاء النزيه حكماً عليه فيؤخذ به وحده!

 

إن الرسول رأى وحشياً الذي قتل عمه حمزة أحب الناس إليه فما استطاع أن يسيء إليه بكلمة بعدما أسلم.

 

ورأى عمر بن الخطاب رجلاً كان قد قتل أخاه في الجاهلية ثم أسلم، فقال له عمر: والله لا أحبك! قال: أذلك يمنعني حقي يا أمير المؤمنين؟ قال: لا.. قال: لا حرج إذن، إنما يأسى على الحب النساء!!

 

الحق أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وتقاليد الخلافة الراشدة كانت نموذجاً أعلى لاحترام الإنسان والمحافظة على حقوقه، كان النبي يدعو من له مظلمة عنده أن يقتص منه، ويأخذ حقه! وكان خلفاؤه كذلك، وقد رفض عثمان أن يستنفر أهل المدينة – خصوصاً قبيلته – للدفاع عنه، حقنا لدماء من استباحوا دمه!

 

ولو كان في الحكم رجل آخر لأهلك نصف الناس للدفاع عن شخصه!!

 

في هذه البيئة الحرة تربي الرجال الذين هدموا القيصرية والكسروية، واستمع التاريخ إلى رجل منهم يقول في أرض فارس: جئنا نخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده! جئنا نخرج الناس من ضيق الأديان إلى سعة الإسلام!

 

كانوا يدركون أن الوجه الآخر لكلمة التوحيد هو حقوق الإنسان، الإنسان الذي لا ينحني إلا لربه وحده!

 

من هنا كانت البيئة الحرة المهاد الفذ لتكوين الأمة المسلمة العارفة بربها السيدة في وطنها التي لا يجار عليها ولا يستباح حماها، وقد كره الإسلام الاستضعاف، وعزم على المؤمن أن يكون حمى الأنف عزيز الجانب!

 

فإن ضاقت به أرض فليرحل إلى غيرها، وليبق كما كتب الله له قوياً أبياً {قُلْ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا ٱتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِى هَٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌ...} [الزمر: 10].

 

على أن الرحيل لا يسوغ أن يكون فراراً من مقاومة ممكنة، جاء في خطبة لأبي بكر الصديق ".. وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ  أو إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لَا يُغَيِّرُوا إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ".

 

والواقع أن الظلمة من أجبن الناس، ويوم يحس أحدهم أنه إذا لطم أحداً ارتدت اللطمة إلى خده، فكر ألف مرة قبل أن يعتدي. إنهم لا يزأرون إلا في الخلاء، ولا يمتدون إلا في الفراغ والويل للشعوب الجبانة!!

 

للإنسان حقوق سياسية تجعله ينقد أي خطأ من السلطات كلها علياها ودنياها دون أن يلحقه أي ضرر، وله أن يتولى أي منصب تؤهله له كفايته دون أن يقفه عائق ما. وأساس ذلك أنه ليس لأحد بعد رسول الله عصمة تعلو به على النقد، وأن المناصب أمانات ينالها الجدير بها، ويبعد عنها من لا يستحقها.

 

 

وللإنسان حقوق مالية تفرضها له الإخوة العامة بين المسلمين، وقد أشرنا من قبل إلى أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. قال ابن حزم: ومن ترك أخاه يجوع ويعرى وهو قادر على إطعامه وكسوته فقد أسلمه! وذكر ابن الجوزي في سيرة عمر بن الخطاب وقد أصابت الناس أزمة أن عمر قال: "لو لم أجد للناس ما يسعهم إلا أن أدخل على أهل كل بيت عددهم فيقاسمونهم أنصاف بطونهم حتى يأتي الله بالمطر فعلت، فإنهم لن يهلكوا على أنصاف بطونهم".

 

وللناس حقوق ثقافية تجعل العلم بينهم مشاعاً، ميسور الأخذ، يستنير به الذكر والأنثى، والغني والفقير، فطلب العلم فريضة كما جاء في السنة الشريفة، وما تنضج ملكات الإنسان، ويخصب تفكيره وشعوره، إلا بأمداد لا تنتهي من المعرفة...! 

 

والمستغرب أن الإنسان المسلم من بضعة قرون يحيا بعيداً عن دينه وينبت في غير مغارسه ويحكم بغير شرائعه.

 

الشعوب هنا تختار حكامهم وتبعدهم إن سئمتهم! أما عندنا فالشعوب تفاجأ بحاكميها كما يفاجأ المريض بعلة لا يعرف كيل الخلاص منها!

 

وعندما وقعت مذابح لبنان تظاهرت الألوف غضباً في كل عاصمة إلا في العواصم الإسلامية، لأن التظاهرات ممنوعى! من يدري؟ إن الشجا يبعث الشجا، فقد تتحول هذه التظاهرات ضد الحكام بفعل فاعل!! فالأفضل أن تمنع، والرؤساء المحبوبون سيؤدون الواجب!

 

  • الخميس AM 08:55
    2022-03-24
  • 672
Powered by: GateGold