المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413150
يتصفح الموقع حاليا : 303

البحث

البحث

عرض المادة

ما دور المسجد في الإسلام؟

{فِى بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُۥ...} [النور: 36] أحياناً أتصور أن الرفع هنا ليس للدعائم والجدران إنما هو للساحات الطهور التي تخصصت للركع السجود، فبعد أن كانت أرضاً عادية يغشاها أي إنسان أضحت أرضاً لا يدخلها إلا متوضيء، وبعد أن كانت لأي غرض عادي أضحت همزة وصل بين الناس ورب الناس، ومهاداً للمعراج الروحي الذي ينقل البشر من مأربهم القريبة إلى مناجاة الله وتسبيحه وتمجيده!

 

أليس هذا ارتقاء معنوياً للأرض نفسها؟ أحسست ذلك وأنا أطالع ما جاء في السنة المطهرة قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.

قَالَ قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي

 

هذا رجل أحرجته الأيام، وبدل أن يذهب إلى بيت واحد من الأغنياء يستجديه، ويرقب الفرج عنده على نحو ما قيل:

يسقط الطير حيث ينتشر الحب             وتغش منازل الكرماء!

ذهب إلى بيت الله يرجو جداه، وينتظر نداه! فلم يخب سعيه، ولم يطل همه...!

لقد نفعته كلمات تعلمها من صاحب الرسالة غيرت نفسه وحياته...

 

وإذا كان الرسول قد استغرب وجود الرجل في المسجد في غير وقت صلاة فإنه عزم على المسلمين كافة أن يثوبوا إلى المسجد وقت الصلاة وقال: "إِنَّ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً".

 

وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ.

 

والواجب أن تتوطد صلة المؤمن بالمسجد، وأن يكثر التردد عليه صباحاً ومساء، بل ينبغي أن يتعلق به قلبع وأن يزداد له حبه.

 

قال عبد الله بن مسعود: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ وَقَالَ:

إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ قال عبد الله: وَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ وَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَفَرْتُمْ.

 

وجمهور الفقهاء يرى الجماعة في المسجد سنة مؤكدة، ولا ريب أن التجمع نزعة أصيلة جادة في تعاليم الإسلام، وأن الجماعة من شعائره العظمى.

 

والإسلام يحارب بذلك المتدين المنهزم الفار من الحياة العاجز عن مواجهتها، كما يحارب بعض المتدينين الذين يحسبون أنفسهم أزكى وأتقى، وأن مخالطة الناس تنقصهم! فهم يؤثرون العزلة ويتهمون الغير، ويغطون كبراً في صدورهم ما هم ببالغيه.

 

ولعل أولئك الذين عناهم ابن عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ لَا يَشْهَدُ جُمْعَةً وَلَا جَمَاعَةً قَالَ هُوَ فِي النَّارِ..!!

 

إن رسالة المسجد في الإسلام حشد المؤمنين في صعيد واحد، ليتعارفوا ويتحاربوا، ويتعاونوا على البر والتقوى ويتدارسوا ما يعنيهم من شئون!!

 

وهذا التلاقي المنشود ليس حشر أجساد، إنما هو اندماج الفرد في المجتمع على أساس من الحب وطلب مرضاة الله، وعلى كل مسلم أن يرتفع إلى هذا المستوى، وأن يقتل نوازغ الأنانية إذا حدثته بالعزلة لأمر ما فقد جاء في الحديث: ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ" أي كان بينهم من هو دونهم كما جاء في حديث آخر: "يد الله مع الجماعة ومن شد شد في النار".

 

ومن رسالة المسجد خلق نظام الصف، وتعويد المسلمين عليه، والغريب أن أمتنا أبعد الأمم عن احترام نظام الصف الخضوع له.. مع ما ورد في تنظيم الصفوف بالمساجد من توكيد وتشديد.

 

وتأمل في هذا الحديث عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"

 

وفي رواية: "وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ"!!

 

لقد قرأت في حرب فارس أن صفا من المجاهدين كان يعبر نهراً، فسقط كوز أحد المجاهدين فتريث الصف كله حتى عثر الجندي على ما سقط منه!! إنهم يتحركون بروح الجماعة، ولا يتصرفون كأنهم عقد انفرطت حباته!

 

وكم يشعر المسلم بالأسى وهو يرى أمته في زحام الحياة تتحرك بروح القطيع، لا يهتم المرء إلا بنفسه ومصلحته!! هذا الشعور الهابط يقتل العشرات في مناسك الحج، لأن نظام الصف، والإحساس بالغير مفقود عندنا، فالمسجد لا يؤدي رسالته!!

 

 

ومن رسالة المسجد رفع المستوى الثقافي للأمة، وذلك عن طريقتين: الأول تدبر ما يتلى من القرآن في الصلوات الجهرية وخطب الجمعة، والقرآن كتاب يتحدث في العقائد والعبادات والأخلاق والقوانين المحلية والدولية ويصف الكون ويسرد التواريخ مثلما يتحدث عن الله وصفاته وحقوقه سواء بسواء.

 

وقد كان ذلك المصدر الأول للمعرفة عند السلف، إذ أت سليقتهم اللغوية مكنتهم من الاستمداد المباشر من آيات الله، والحق أن الذين أنصتوا للرسول الكريم وهو يتلو كتابه بلغوا شأواً لا يضارع من السمو الفكري والتربوي، فليس عجباً أن ينطلقوا مشاعل هدى في أرجاء الأرض وينقلوها من الظلمات إلى النور.

 

أما الطريق الثاني لتثقيف الأمة فهو الدروس التي انتظمت في ساحات المساجد، تتناول جميع العلوم بل إن الشعر كان يلقى في المسجد، وكان الصحابة يستمعون إلى حسان بن ثابت وهو ينشد قصائده السياسية!

 

ومعروف أن المدارس الفقهية الكبرى كانت في المساجد وأن الأئمة العظام كانوا يلقون تلامذتهم فيها، والفقه الإسلامي يحتوي على كل ما بهم البشرية من المهد إلى اللحد.

 

ولما كنت مديراً للمساجد وضعت لأيام الأسبوع الستة غير الجمعة ستة دروس في التفسير والحديث والفقه والتاريخ والعقيدة والأخلاق، أما يوم الجمعة فحسبه الخطبة، وأعددت لذلك كراسات تحضير تراجع بعناية...

 

بل وضعت لتعمير سيناء خطة تقوم على إنشاء مستوطنات، أساسها ثلاثة رجال: إمام مسجد، ومهندس زراعة، وضابط جيش، وتركت اختيار الأماكن للمتخصصين...

 

وكان رأيي أن تبنى المساجد في المدن والقرى على أساس مسجد واحد كبير لكل ثلاثة آلاف من السكان...

 

إن المسجد كان القلعة الروحية التي ينطلق منها المجاهدون لمقاومة كل غزو، وقد قاوم الجامع الأزهر الفرنسيين منذ قرنين حتى احتلوه بخيلهم، وقاوم الإنجليز أوائل هذا القرن، وكان يستقبل الأحرار من أقباط مصر الذين يحاربون الاستعمار، ويؤازرون إخوانهم المسلمين.. وقد روى التاريخ كيف أن امرأة من المصليات سمعت الخطيب يتحدث عن الجهاد – أيام الحروب الصليبية – فقصت شعرها، وأرسلت الضفائر إلى الإمام مقترحة أن تكون قيد جواد لأحد المجاهدين مما جعل المسجد يضج بالحماس، وأغرى الرجال بالتفاني..

 

هل انهزمت أوربا في حملاتها الأولى إلا بهذه المشاعر، وهل تراجع الاستعمار الجديد إلا بالروح نفسها؟

 

  • الاربعاء PM 06:03
    2022-03-23
  • 1033
Powered by: GateGold