المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412254
يتصفح الموقع حاليا : 335

البحث

البحث

عرض المادة

ما البرزخ؟ وما دلالته في الإسلام..؟

المعروف عند جمهور المؤمنين أن الإنسان مخلوق من عنصرين متباينين.

جسمه من هذه الأرض خلق ونما، وروحه من نفخة من الله سبحانه وتعالى، فهو ليس حيواناً وليس ملاكاً، وفي كيانه تتجاوز المتناقضات، من غرائز مادية، وسبحات عقلية وعاطفية!

 

وعندما يموت يرجع إلى الأرض ما نشأ منها وتغذى على نتاجها، يرجع هذا الجسد ليبلى، ويفنى منه ما شاء الله {مِنْهَا خَلَقْنَٰكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ} [طه:55].

 

أما الروح فله مستقر آخر، لا ندري بدقة مكانه، لا ندري كذلك ما علاقته بالجسد الذب كان فيه، هل انقطعت صلته به انقطاعاً تاماً؟ هل – عند البعث – يعود إليه هو أم يعود إلى جسد شبيه به؟ هذه أسئلة لانبت في الإجابة عنها! إنما الذي نبت فيه أن الشخصية الإنسانية لا تفنى بالموت! وإنها رحلت من عالم إلى عالم آخر، وإنها بقيت كاملة الحس تامة الوعي، وإنها  إذا فقدت الأذن والعين فلم تفقد السمع والبصر، بل قد تكون أسمع وأبصر مما كانت على ظهر الأرض... إننا قد نكون مهرة في المنطق المادي، أما المنطق الروحي فعلمنا محدود بل صفر..!!!

 

وقد أخبرنا الله أن الشهداء الذين قتلوا في معارك الجهاد ومزعت أجسادهم، موتى في نظرنا نحن فقط لأنهم غابوا عنا، أما في حقيقة الأمر فهم أحياء.

 

وقد أسند إليهم خمس صفات تستحق التأمل.

 

هم أولاً أحياء لا هلكى! وثانياً في جوار كريم لأنهم عند رب العالمين، وثالثاً في منزل خصب حافل بالخير يدر عليهم الأرزاق، ورابعاً هم فرحون بما نالوا، مغمورون بالعطاء الأعلى، وخامساً مطمئنون على أقاربهم وأصدقائهم الذين يخلفوهم في الدنيا، إنهم على حق وإلى خير، وقربها سوف يجتمع الشمل ويلحق أحياء الأرض بأحياء السماء!

هذا ما تذكره الآية الكريمة: {وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ  بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 169-170].

 

صحيح أننا لا نشعر بهذا كله ولا بعضه! وقد صرحت سورة أخرى بذلك {وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتٌۢ ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154].

 

إن عدم شعورنا لأن أجهزة الاستقبال السمعي والبصري عندنا محدودة القدرة، وغيرنا من الكائنات يرانا ولا نراه، وكما قال العلماء: عدم العلم ليس علماً بالعدم إنه كما يسافر أحدنا من بلد إلى بلد يسافر الموتى من مكان إلى مكان، حيث تبدأ الحياة الآخرة، ويبدأ الحساب الرهيب تمهيداً للمحاكمة الكبرى يوم النشور...

 

وهذه المرحلة المتوسطة هي البرزخ كما ذكرت الآيات {حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّآ ۚ  إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا ۖ  وَمِن وَرَآئِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99-100]. ويشبه ما يلقاه الفجار في البرزخ ما يفعله رجال الشرطة بالمجرمين عندما يقعون في قبضتهم... هناك تحقيق ابتدائي سريع، ثم يرمي المتهمون في السجن ريثما يقدمون للقضاء في محكمة كبرى...

 

ويشبه ما يلقاه الأبرار ما يصنعه رجال العلم عندما يستقبلون مؤلفاً تقررت مكافأته، أو عبقرياً منح جائزة سنية، إنه يجاء به مكرماً ويستريح في إحدى الغرف الأنيقة ريثما يأخذ ما تقرر له...

 

والذين يفعلون الخير أو الشر ليسوا سواء في مراتبهم، فمن الأشرار من يتفتح له شواظ من نار يشوي وجهه حتى يوم اللقاء! ومن الأخيار من يتذوق النعيم من أول يوم كما جاء في وصف الشهداء أن أرواحهم معلقة في قناديل تحت العرش ترد أنهار الجنة وتطعم من ثمارها..!

 

المهم أن الموت رحلة من حياة أرضية محسوسة لنا إلى حياة غيبية نسمع بخبرها.. وحسب، وقد كان الأصحاب الكرام يعرفون ذلك معرفة يقين، فلما حضرت "بلال" الوفاة صاحت امرأته:

 

وآكرباه..!! وصاح المحتضر المشرف على الموت: بل وآطرباه، غدا ألاقي الأحبة، ومحمداً وحزبه! والواقع أن الموت نقله إلى عالم مستقر مطرد النمو، إن أودية الموت، من بدء الخليقة تستقبل الأجيال المدبرة، الأجداد ثم الآباء ثم الأولاد ثم الأحفاد، وهكذا من قديم، فعالم الموتى يتسع باستمرار والنتائج تتكشف فيه، ومعادن الناس تعرف...

      لكل أناس مقبر بفنائهم                      فهم ينقصون والقبور تزيد

 

وليس القصد من زيادة القبور أن مبانيها تزيد، وإنما القصد أن اللاحقين يتبعون السابقين! مدداً بعد مدد وهؤلاء وأولئك في انتظار القيامة الكبرى حتى يجيء أوانها..

 

وتبدأ حياة البزرخ بلونيها من ساعة مفارقة الروح للجسد، وتدبر قوله تعالى {وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰلِمُونَ فِى غَمَرَٰتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوٓا أَنفُسَكُمُ ۖ  ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ ءَايَٰتِهِۦ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام 93]. واليوم – لا الغد – يبدأ العقاب على ما مضى من افتراء وكبرياء.

 

إن الإنسان طرق الدنيا عارياً، ولقد تقلب فيها ثم ها هو ذا، يتركها كما جاءها، لا مال ولا جاه ولا عزوة ولا سلطان {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَآءَ ظُهُورِكُمْ....} [الأنعام:94].

 

ويظهر بقدر أنه ما يكون المرء طاغية في حياته الأولى، يكون ترصد الزبانية له وارتقابهم لمقدمه كيما يؤدب على غلوه وفساده، فتكون مراحل البرزخ الأولى لطمات تتناوله من كل جهة، وإهانات تلفه بالخزي والعار، وذلك كله أيام القبر الأولى، أعني أيام البرزخ، وليس يحتاج الأمر إلى مساءلة فما محلها إذا كان المجرم قد لحقته الوفاة وهو يقاتل الحق ويخاصم حملته من المرسلين والصالحين ترى ذلك في قصة الفراعنة: {ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوٓا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ} [غافر: 46]. وتراه كذلك في كبراء قريش الذين أدركتهم مناياهم وهو يقاتلون النبي صلى الله عليه وسلم في معركة بدر قال تعالى: {وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُوا ۙ  ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَٰرَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ} [الأنفال: 50-51].

 

وقد رميت جثث المشركين البغاة في بئر، ووقف النبي بعد دفنهم يقول بصوت جهير: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ وهو يناديهم بأسمائهم! فقال له أصحابه: أتنادي قوماً جيفوا؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يجيبون! إننا لا نشعر بما يلقاه الراحلون عنا، بل لا نشعر بشيء من عالم الغيب وهو عالم مديد رهيب!

 

ولن تتأخر نفس أبداً عن أخذ طريقها إلى البرزخ! وملاقاة الجزاء المعد لها، مهما كان حب الأقربين والأصدقاء والأتباع! وتدبر قوله تعالى يصف حالة المحتضر وعجز من حوله: {فَلَوْلَآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍۢ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ فَلَوْلَآ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ} [الواقعة: 83-87].

 

لا أريد تفسير الآيات، ولا ذكر من عجزنا عن إبصاره وهو أقرب إلى الميت منا نحن الملتصقين به الحانين عليه!! اللهم إن البشر كلهم أصفار أمام سلطان الموت، وأمام ما يقترن الموت به من مباديء الحساب.

 

إن الموت فضح الحياة، ومع ذلك فحبنا للحياة يعمى ويصم! وذهولنا عن الجزاء المرتقب أدهى وأمر! ذلك، وقد ورد في الآثار أن الموتى لا يرجعون إلينا، بذلك سبق القول من الله، وبذلك أجيب شهداء أحد.

 

ومن ثم فالزعم بأن الأرواح تستخضر في مجالس خاصة وتقص ما تلقى على الحضور يكاد يكون رجماً بالغيب وقد تتعبت بعض ما نسب إلى هذه الأرواح الحاضرة من كلام فوجدته تخليطاً وقد يكون من عبث الجن واستهزائهم بالبشر!!

  • الاربعاء PM 06:00
    2022-03-23
  • 828
Powered by: GateGold