المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417550
يتصفح الموقع حاليا : 245

البحث

البحث

عرض المادة

القهــــــــــــال

Kahal or Kehillah
«قهال» كلمة عبرية بمعنى «جماعة»، وهي تشير إلى أعضاء الجماعة اليهودية ككل، كما تشير الكلمة بالمعنى الضيق إلى الهيئة الإدارية أو المجلس الذي كان يدير شئون التجمعات اليهودية المختلفة. وكان ينتظم كل مجالس القهال مجلس البلاد الأربعة. وكانت بولندا مملكة متعددة الجنسيات والديانات، فقد كان ثلث سكانها من غير البولنديين وكانوا يدينون بديانات أخرى غير المسيحية الكاثوليكية. وكما هو الحال دائماً مع الممالك والإمبراطوريات التي تضم مجموعة سكانية غير متجانسة، نشأت أشكال من الإدارة الذاتية تُيسِّر للسلطة الحاكمة عملية جمع الضرائب من أعضاء الجماعات والأقليات وتضمن ولاءهم لها. وقد كان هناك تنظيمات إدارية ذاتية للأرمن والتتار ومختلف أعضاء الجماعات الأخرى. كما كان من حقهم أن يُطبِّقوا شرائعهم فيما يقوم بينهم من منازعات، فكان الأرمن مثلاً يحتكمون إلى الشريعة الخاصة بهم وتُدعَى «الداتاستانا جيرك»، وقد تُرجمت إلى البولندية حتى تمكن الاستفادة منها أمام المحاكم.

ويستند القهال، كشكل من أشكال الإدارة الذاتية، إلى الميثاق الذي أصدره الملك سيجسموند الأول عام 1501 وتم بمقتضاه تشكيل تنظيم القهال. وكانت كل جماعة يهودية يديرها مجلس قهال يتكون من سبعة أعضاء يتم اختيارهم إما بالتعيين أو بالانتخاب. وكان لابد أن توافق الحكومة البولندية على الأعضاء المنتخبين قبل أن يصبح انتخابهم نهائياً. ولا شك في أن نظام انتخاب القهال كان متأثراً بكون بولندا جمهورية/ملكية. ولكن كلمة «انتخاب» هنا فضفاضة للغاية، فرغم أن أي يهودي كان من حقه أن يشارك في العملية الانتخابية (من الناحية النظرية على الأقل) إلا أن قلة قليلة من الناحية العملية هي التي كانت تشترك في الانتخابات. ففي كراكوف مثلاً، كان الانتخاب يتم بأن يجتمع مجلس إدارة القهال بمستشاريه فيلقي كل واحد منهم بقائمة من تسعة أسماء وتُختار إحدى القوائم بالقرعة، وكان يُطلَق على هؤلاء اسم «الناخبين المرحليين» (حرفياً «ما قبل الناخبين»)، ذلك لأنهم كانوا يقومون باختيار خمسة ناخبين هم الذين يقومون باختيار كل أعضاء القهال. وفي عام 1640، أصبح من حق كبار دافعي الضرائب أن يتقدموا بقوائمهم لاختيار الناخبين المرحليين، كما كانت توجد قهالات من حق الأسر الثرية أن ترسل إليها مرشحيها مباشرة ليشغلوا وظائفهم في مجالس القهال دون انتخاب أو قرعة.

وقد أدَّى ذلك في نهاية الأمر إلى سيطرة أقلية من المموِّلين والحاخامات على مجالس القهال والتحكم فيها، شأنهم في هذا شأن معظم المؤسسات السياسية في العصور الوسطى في الغرب، حتى تحولوا في نهاية الأمر إلى طبقة مسيطرة احتفظت بالسلطة في يدها. وبذلت هذه الطبقة جهداً منظماً، وناجحاً في معظم الوقت، في استبعاد العناصر المشاغبة والعوام والغوغاء من العملية التي كان يُقال لها «انتخابية». وقد تم استبعاد معظم أرباب البيوت في المدن الكبرى وكل سكان المدن الصغيرة وكل سكان الريف رغم أنهم كانوا من دافعي الضرائب. كما استُبعدت كل الطبقات الفقيرة مثل الحرفيين الذين كانوا يمثلون واحداً من أكبر القطاعات المعارضة للقهال. وفي نهاية الأمر، لم يكن يزيد عدد اليهود الذين لهم حق التصويت على 5%، أو حتى 1% في بعض الأحيان، من أعضاء كل جماعة أو تَجمُّع.

وكانت مجالس القهال، في بداية الأمر، تتبع الملك مباشرة دون أن تكون بينهم سلطة وسيطة. ومع ضعف الملكية والحكومة المركزية في بولندا، خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، بدأ يسيطر على مجالس القهال كبار النبلاء كما بدأوا يتدخلون في تعيين أو انتخاب الممثلين في المدن التابعة لهم أو حتى في المدن الملكية، ويفرضون عملاءهم ويسيطرون على الجماعة اليهودية.

والقهال تعبير عن كون اليهود يشكلون جماعة وظيفية وسيطة تضطلع بوظائف معيَّنة (التجارة وجمع الضرائب والربا) يستخدمها الحاكم في استغلال جماعات الفلاحين وفي تحطيم القوى التجارية الصاعدة التي كانت تحقق أرباحاً لصالحها. وكانت مجالس القهال مستقلةً الواحدة عن الأخرى في بداية الأمر، فكان لكل قهال قوانينه ومصالحه وامتيازاته التي يدافع عنها ضد القهالات الأخرى. ثم تم ضمها كلها في إطار واحد هو مجلس البلاد الأربعة. وكانت مجالس القهال تقوم بتنظيم جميع جوانب الحياة اليهودية من الداخل، أي في علاقة اليهود بعضهم ببعض (كالإشراف على الزواج والطلاق والختان والطعام والتعليم وتعيين الحاخامات والقضاة وجباة الضرائب والذابحين الشرعيين). وكان شيوخ الجماعة، مع الحاخامات، يُكوِّنون محكمة شرعية (بيت دين( يحكمون فيها بين اليهود بمقتضى القانون التلمودي، وكان لهذه المحاكم حق طرد اليهود من حظيرة الدين (حيريم) أو من الجماعة. وكانت مؤسسة القهال تنظم حياة اليهود كجماعة اقتصادية/دينية وسيطة في علاقتها بالعالم الخارجي. ولكن مهمتها الأساسية ظلت جمع الضرائب من المحكومين لصالح الحاكم.

وكان لكل قهال قواعده الخاصة (تاقانوت) وامتيازاته وحقوقه التي يدافع عنها ضد يهود المدن المجاورة، وخصوصاً حق حظر استيطان الأجانب (اليهود وغير اليهود) بينهم. ويمكن القول بأن القهال، بانقسامه واستقلاله، هو المؤسسة الإشكنازية التي تلائم النظام الإقطاعي الغربي غير المركزي، واستقلاله يشبه في تركيبه المقاطعة الخاضعة لسلطة حاكم أو قاض في المدن الألمانية في العصور الوسطى في الغرب. ولعل هذا التشابه يعود إلى أن يهود بولندا تعود أصولهم إلى المدن الألمانية، كما أن المدن البولندية قد تم تطبيق القانون الألماني عليها.

وكانت لجنة القهال تتكون من الموظفين التالين:

1 ـ الرؤوس أو رؤساء المجلس. باللاتينية: سنيوريس seniores. ومفردها «سنيور»، وهي تساوي كلمة «بارناس» في العبرية، وجمعها «برناسيم» أو «روش» وجمعها «روشيم». وكان يشكلها في البداية شيوخ الجماعة، ولكن الوظيفة أصبحت، فيما بعد، بالتناوب. وكان الرئيس يتمتع بنفوذ واسع لأنه كان بوسعه التأثير في المحاكم وفي حجم الضرائب وفي كل موظفي القهال. وهو الذي كان يقرر ميزانية القهال في فترة خدمته، ويقرر القروض، ويوقع على كل الوثائق الرسمية باسم الجماعة. وإذا كانت الجماعة توجد في مدينة، ويتعين تحديد عدد التجار اليهود المسموح لهم بالاتجار، فإن القهال كان يقدم قائمة باسم التجار الذين يحق لهم السكنى في المدينة والقيام بأعمالهم. وكثيراً ما كانت الصلاحيات تتحول إلى ديكتاتورية غير مقنعة. وكانت هناك حالات يرفض فيها السنيور أن يترك وظيفته حينما تنتهي مدة خدمته ويستمر يشغلها عدة سنوات بتشجيع من كبار الموظفين البولنديين المسئولين عن اليهود مثل الحاكم الملكي (فويفود).

2 ـ الرجال الخيِّرون. باللاتينية: بوني فيري boni viri. وبالعبرية «طوفيم» (الطيبون). وكان عددهم في العادة سبعة يشكلون مجلس إدارة القهال، كما أنهم كانوا مسئولين عن دفاتر القهال وخزانته.

3 ـ المستشارون أو أعضاء القهال. وكانوا يكوِّنون لجاناً، من أهمها: لجنة الإحسان، ولجنة المراقبين على الديون والحساب، ولجنة شيوخ السوق الخاصة بفحص الموازين، ولجنة نظافة شوارع الجيتو والشتتل وحراسته، ولجنة الذبح الشرعي، ولجنة النزاعات بين أصحاب العمل والموظفين، ولجنة المدرسة، ولجنة المعبد، ولجنة افتداء الأسرى (بعد انتفاضة شميلنكي)، ولجنة الصدقات لفلسطين لتمويل إقامة اليهود الذين يستوطنون فلسطين للتعبد، ولجنة رؤساء نقابات الحرفيين اليهود.

4 ـ كان القهال يضم أيضاً بعض شاغلي الوظائف الأساسية مثل القضاة والمراقبين الذين كانوا يقررون مقدار الضرائب الواجب على كل فرد دفعه.

وكانت تتبع القهال مجموعة من الموظفين يتقاضون أجراً من أهمهم الحاخام. ورغم أن القانون البولندي منحه سلطات ضخمة، فقد كان المسئول (نظرياً) عن تنفيذ قرارات القهال وضمان سلامة الانتخابات، كما كان يترأس القضاة في اجتماعاتهم ويمنح الألقاب المختلفة مثل «حابير» و«مورينو»، وهو أيضاً الذي يقرر متى ينبغي طرد شخص من حظيرة الدين، فإنه كان من الناحية الفعلية خاضعاً تماماً لرئيس القهال ومجلس إدارته. وكان يُوجَد، إلى جانب الحاخام، رئيس المدرسة التلمودية العليا (يشيفا)، وواعظ الجماعة (درشان) والقاضي (ديان)، وكثيراً ما كان يضطلع شخص واحد بكل هذه الوظائف.

وهناك أيضاً كاتب المدينة الذي كان يدير شئون القهال اليومية ويعمل بالتعاون مع كاتب اليهود وهو مسيحي بولندي كان يقوم بترجمة رسائل القهال للمدينة. وكان الكاتب هو أيضاً الوسيط (شتدلان) بين الجماعة والمدينة، وقد تطورت وظيفته فيما بعد وأصبحت من أهم الوظائف. وكان صغار موظفي القهال يسمون «سكولاي منيستر scholae minister» باللاتينية و«شكولنك szkolink» بالبولندية و«شماس» بالعبرية. وهؤلاء كانوا يضمون الممرضات وحرس البوابة وجامعي الضرائب وخادم (شماس) المعبد.

وكانت مصاريف القهال تتكون أساساً من المرتبات التي يدفعها لموظفيه. كما كان عليه أن يقدم الهدايا لكبار موظفي الحكومة البولندية حتى يمكن تسيير أمور الجماعة. فكانت الجماعة اليهودية في كراكوف على سبيل المثال تدفع هدية سنوية للحاكم الملكي، ولقاضي اليهود المسيحي المعيَّن من قبَل المدينة للحكم في المنازعات بين اليهود والمسيحيين، ولكاتب اليهود، ولرئيس شرطة المدينة. وكان علىهم أيضاً أن يطعموا الحيوانات في حديقة الملك. كما كان على بعض القهالات أن تدفع مبالغ من المال من قبيل المساعدة للكنيسة والطلبة وأن تزودهما أحياناً بالمؤن. وكان على القهال كذلك دفع ضريبة مقابل عدم قيام اليهود بالخدمة العسكرية أو تزويد الجنود بالمأوى. وكان على القهال أن يؤدي الضريبة المفروضة على الجماعة من قبَل الحكومة. ولذا، كان عليه أن يفرض ضرائب مباشرة على كل شخص (ضريبة الملكية وضريبة الرأس وضريبة القهال). ومع تَدهور الوضع الاقتصادي للقهال، أخذت هذه الضرائب في التزايد حتى أصبحت تُفرَض على ضروريات الحياة (ويُطلَق عليها «ضرائب السلة»)، وكان يُمنَح امتياز جمعها من خلال مزاد عام الأمر الذي كان يعني تَزايُد الضرائب دائماً.

وقد بدأ تداعي القهال، كمؤسسة إدارة ذاتية، في أوائل القرن الثامن عشر بعد انتفاضة شميلنكي ضد الإقطاع الاستيطاني في أوكرانيا وهي الانتفاضة التي اكتسحت الجماعة اليهودية ومؤسساتها فيما اكتسحت من مؤسسات. وظهرت التوترات الاجتماعية داخله بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية الشاملة في بولندا، إذ أن أعضاء الأقلية المسيطرة على القهال كانوا، كما هو متوقع، يؤثرون مصالحهم على مصالح الجماهير، ويحاولون أن يهربوا من استغلال الحاكم عن طريق تحميل معظم العبء على من هم دونهم في السلم الطبقي والاجتماعي. وقد أصبح القهال، بعد قليل، وسيلة قهر فقراء الجماعة اليهودية بدلاً من كونه مؤسسة تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

وسادت المصالح الشخصية وسيطرت الشخصيات الطموحة الجشعة ذات النفوذ. وكثيراً ما كانت تباع وظيفة الحاخام ووظيفة القاضي. لذا، كان من المتوقع أن يتقبل القاضي الرشاوي. وأُهملت الإدارة تماماً، الأمر الذي أثر في موارد القهال المالية. وحتى منتصف القرن السابع عشر، كان بوسع مجالس القهال المختلفة أن تفي بالتزاماتها المالية، ولكن وضعها تدهور بتدهور بولندا مالياً، إذ كان على القهال أن يدفع الرشاوي العديدة ويقدم الهدايا لكبار الموظفين لضمان أمنه. وزادت ديون الجماعات اليهودية زيادة رهيبة في القرن الثامن عشر حتى أن بعض الجماعات فشلت في سد أصل الدين واكتفت بدفع الفوائد عليه وحسب. ومن هنا، ضعفت سلطة القهال وبالتالي سلطة مجلس البلاد الأربعة. وفي عام 1764، قرر البرلمان البولندي أن ضريبة الرؤوس المفروضة على اليهود لن تُجمَع من خلال مجلس البلاد الأربعة وإنما من خلال مجالس القهال الفردية، وهو ما كان يعني أن الإطار التنظيمي للقهالات قد انفرط تماماً وأن مجلس البلاد الأربعة أُلغي تماماً. ومع صدور مرسوم عام 1822، تم حل القهال تماماً وحلت محله مجالس التجمعات الدينية (الأبرشيات) لإدارة الأمور الدينية والخيرية. وكان كل مجلس مكوناً من الحاخام ومساعده أو ممثل عنه وثلاثة مديرين منتخبين. واستمر هذا الإطار حتى عام 1916 وتولت الدولة كل مهام القهال الأخرى.

وفي عام 1919، أُسست مجالس القهال مرة أخرى، ولكن أُعيد تعريفها كجماعة مستقلة يكون الانتماء إليها اختيارياً ويترأسها مجلس مركزي. ولم يكن للقهال أية سلطة من السلطات القديمة، وإنما كان تنظيماً ينسق بين كل الجماعات اليهودية في بولندا، شأنه شأن التنظيمات المماثلة في الدولة القومية الحديثة.

وقد سقط القهال، مثلما سقط الجيتو ومنطقة الاستيطان اليهودي والشتتل، وذلك بسبب التحولات الاجتماعية والسياسية العميقة التي كانت تخوضها مجتمعات شرق أوربا، وبسبب ظهور حركيات اقتصادية جديدة تنحو نحو توحيد السوق القومية والاستغناء عن الجماعات الوظيفية الوسيطة. وكان سقوط القهال مرتبطاً أيضاً بالحركيات الخاصة بالمجتمع البولندي وأزمته السياسية والاقتصادية العامة، والتي تفاقمت ابتداءً من مستهل القرن السابع عشر، الأمر الذي أدَّى إلى تصفية كل الجيوب الإثنية والدينية التي كانت تتمتع بحق الإدارة الذاتية التي خلَّفها النظام الإقطاعي. ولكن المؤرخين الصهاينة يشيرون إلى القهال، والمؤسسات الإقطاعية الأخرى، باعتبار أن ذلك أكبر دليل على الاستقلال القومي لليهود عبْر تاريخهم، وهو استقلال عبَّر عن نفسه في أشكال مختلفة مثل السنهدرين والجيتو. ولكن تنظيم القهال لا يختلف كثيراً عن العديد من التنظيمات الحرفية والطبقية في العصور الوسطى، ذلك لأن المجتمع الزراعي يتسم بالجمود والهرمية الحادة في تنظيمه الاجتماعي والحضاري.

وقد أسس النازيون، بعد غزوهم بولندا، نظاماً يشبه في كثير من الوجوه مؤسسة القهال مثل جيتو وارسو (أو غيره من الجيتوات) التي كانت تتمتع بقسط وفير من الإدارة الذاتية والاستقلال الاقتصادي والثقافي. ولا شك في أن المفكرين الصهاينة، وقد جاء عدد كبير منهم من بولندا وروسيا، كانوا متأثرين بتجربتهم في الشتتل والقهال وهم يرسمون ملامح المجتمع الصهيوني.

 

  • الخميس PM 05:45
    2021-04-08
  • 1172
Powered by: GateGold