المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416210
يتصفح الموقع حاليا : 363

البحث

البحث

عرض المادة

كيف يتحقق الأمن والأمان في ظل الطغيان المادي المعاصر؟!

 

كيف يتحقق الأمن والأمان في ظل الطغيان المادي المعاصر؟!

 بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد :

 فالأفراد والدول والجماعات - هنا وهناك - وفي هذا العصر وكل العصور - ينشدون الأمن والطمأنينة  وأن تكون بلدانهم واحة للأمان  ولم تجد الكثرة من هؤلاء سبيلاً لتحقيق هذا المطلب الغالي إلاَّ عن طريق القوة المادية المتمثلة في جيوش الشرطة والمباحث وسائر الأجهزة  واستخدموا من أجل ذلك النصائح والتحذيرات والأعمال السرية والعلنية  وأجهزة التنصت والتجسس؛ لطمأنة النفوس  وحفظ المجتمع من انتشار الجرائم  ولتحقيق الأمن الاجتماعي والصناعي...  كما انتشرت شركات التأمين التي أسسها اليهود مصاصو دماء الشعوب  وكثُرت المصحات النفسية لعلاج أجيال القلق والضياع الفكري. وقد وجد هؤلاء أن الإنسان المعاصر تائه خائف  يُنشد أمنًا لا يجده  فالمناهج الفكرية والفلسفية الموجودة لا تُلبي رغبة ولا تريح نفسًا ولا تُحقق هدفًا  فهي حالة من حالات الخوف على المصير ومن المستقبل. فقد ازدادت نسبة الحوادث والجرائم  بل أصبح الناس يخاف بعضهم بعضًا  ويخافون الكوارث والأمراض والرياح والمطر والأعاصير  يخافون من الإيدز والسرطان. كما يخافون من انتشار أسلحة وعلوم الدمار والتخريب  ولذلك أطلقوا على هذه الحضارة المزعوة اسم حضارة القلق  وكيف يطمئن أمثال اللاأدرية؟! ومن أمثالهم إيليا أبو ماضي وهو يقول:    فهو لا يدري من خالقه ولماذا خلقه وإلى أين المصير  ويقول الثاني:   ونحن لا نستغرب هذا القلق وهذا الاضطراب  وهذا الخوف الذي يسيطر على الدول والأفراد  بل نرى أنَّ هذه نتيجة حتمية لقصور مفهوم الأمن والبعد عن حياة الإيمان  فليس كل من يتمنى الخير يُدركه  ولا تكفي النوايا الطيبة  ولكن لابد من الاستقامة وصحة العمل  وأن نأتي البيوت من أبوابها. إن الأمن الذي تبحث عنه النفوس محوره الإيمان الذي مقره القلب وتستقيم على أساسه الجوارح  سواء كان ذلك فيما يتعلق بالنفس ومتطلباتها كالأمن الصحي والأمن النفسي والأمن الغذائي والأمن الاقتصادي والأمن الأخلاقي  أو ما يتعلق بالمجتمع وترابطه كالأمن في الأوطان  والأمن على الأعراض  والأمن على الأموال والممتلكات  أو ما يتعلق بالأمن على النفس من عقاب الله ونقمته بامتثال أمره وطاعة رسوله  واتخاذ طريق المتقين مسلكًا واستجلاب رحمة الله والأمن من عذابه في نار جهنم . هذه الحاجات وهذه الضروارات قد لا ندركها إلاَّ بفقدان أو نقصان مرتبة من مراتب الأمن  فعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نعمتان مغبون فيها الصحة في الأبدان والفراغ» [رواه البخاري]  وجاء في الأثر: «الصحة في الأبدان والأمن في الأوطان» . والنفس لا تطمئن إلاَّ إذا آمنت بقدر الله واستسلمت لقضائه سبحانه وعلمت أن المرجع والمآب إليه سبحانه  ولا يمكن أن يسعد البشر إلاَّ بإسلام الوجه و تعالى (  فّمّنٌ  تَّبّعّ هٍدّايّ فّلا يّضٌلٍَ ولا يّشًقّى  <123> ومّنً أّعًرّضّ عّن ذٌكًرٌي فّإنَّ لّهٍ مّعٌيشّةْ ضّنكْا ) [طه: 123  124] 

 ( أّلا يّعًلّمٍ مّنً خّلّقّ وهٍوّ اللَّطٌيفٍ الخّبٌيرٍ <14> ) [الملك: 14].

 فالإسلام إنما هو لمصلحة النفس ولما يسعدها  ويُحقق لها الأمن بمفهومه الصحيح  بعكس الوعود والخيالات في الأنظمة هنا وهناك لعلمهم أنَّ الأمن والأمان من المطالب الملحة للبشر في كل زمان ومكان  ولكنها لا تزيد على كونها شعارات وهتافات وتجارات عند هؤلاء المحترفين  يُتاجرون بها على أدمغة البشر  وإلاَّ ففاقد الشيء لا يعطيه  وهؤلاء لم يمنعوا المعاصي ولا الفجور  ولم يُقيموا الدنيا على أساس من دين الله. وصدق من قال:    يقول تعالى:

( فّأّيٍَ الفّرٌيقّيًنٌ أّحّقٍَ بٌالأّمًنٌ إن كٍنتٍمً تّعًلّمٍونّ <81> الذٌينّ آمّنٍوا وّلّمً يّلًبٌسٍوا إيمّانّهٍم بٌظٍلًمُ أٍوًلّئٌكّ لّهٍمٍ الأّمًنٍ وهٍم مٍَهًتّدٍونّ <82> ) [ الأنعام: 81  82] .

 ويقول سبحانه: ( ولّوً أّنَّ أّهًلّ القٍرّى  آمّنٍوا واتَّقّوًا لّفّتّحًنّا عّلّيًهٌم بّرّكّاتُ مٌَنّ السَّمّاءٌ والأّرًضٌ ولّكٌن كّذَّبٍوا فّأّخّذًنّاهٍم بٌمّا كّانٍوا يّكًسٌبٍونّ <96> )  [الأعراف: 96].

 في أمريكا وجدوا مجرمين متأصلين في الإجرام  ومن أصحاب السوابق قد أسلموا داخل السجن  فصلحوا  ولم يعودوا للسجن بعدما خرجوا منه  أما من خرج وهو على ديانته السابقة فإنه لا يلبث حتَّى يعود إلى السجن مرات  ولذلك يوجهون الدعوات للمشرفين والدعاة المسلمين للزيارة وإعطاء المحاضرات. ويقول بعض المسئولين عن الأمن عندهم: إن الخلاص من الجريمة لا يكون إلاَّ على الإسلام والعمل وفق منهجه. وقد خرجت دراسات الغرب تقول : « إنَّ المسلمين لا يعيشون الاضطرابات المتعددة التي وقع فيها أبناء الغرب». فالانسجام التام بين السُّنن الشرعية والسُّنن الكونية والروح والجسد  وبين الظاهر والباطن  العلم والعمل  والدنيا والآخرة والأرض والسماء  وبين هذا المخلوق والكون حوله  كل هذا لا يمكن أن نجده إلاَّ بعد الدخول في الإسلام وفهمه جيدًا وتطبيقه  فلا تنافر ولا نفور بين الدين والدولة  ولا بين الساعات وبعضها وبعض. والحدود والتشريعات في الإسلام بمثابة راحة للنفس  ولا تكون إلاَّ بالإيمان  وإذا كان رخاء المجتمع لا يكون إلاَّ بالأمان  فالأمان ثمرة من ثمار الإيمان  وقد بُعث النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين  ودعوته كانت لتأصيل العقيدة والإيمان في النفوس بما يطمئنها ويُريحها. وفي الشرع سنجد الأصول الستة للإيمان عليها مدار النفس وسعادتها في العاجل والآجل  فعيقدة التوحيد والخوف والرجاء.. كل ذلك من شأنه أن يفترق به المسلم عن الكافر  يقول تعالى: ( ولّنّبًلٍوّنَّكٍم بٌشّيًءُ مٌَنّ الخّوًفٌ والًجٍوعٌ ونّقًصُ مٌَنّ الأّّمًوّالٌ والأّّنفٍسٌ والثَّمّرّاتٌ وبّشٌَرٌ الصَّابٌرٌينّ <155> الذٌينّ إذّا أّّصّابّتًهٍم مٍَصٌيبّةِ قّالٍوا إنَّا لٌلَّهٌ وإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ <156> أٍوًلّئٌكّ عّلّيًهٌمً صّلّوّاتِ مٌَن رَّبٌَهٌمً ورّحًمّةِ وأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ المٍهًتّدٍونّ <157> ) 

[البقرة: 155 - 157].

 فالرضا والاطمئنان يسببه الإيمان عند المؤمن بعكس صبر الكافر فهو بدون احتساب  ويتشابه مع صبر البهائم لما يُحمل عليها من أثقال  ثم الكافر دائم الجزع والتسخط لقضاء الله. والإيمان لا يحقق الأمان فقط في الدنيا  وإنما تحقيقه لذلك في الآخرة أتم وأكمل؛ فالمؤمنون تطمئن قلوبهم يوم الفزع الأكبر  وهو قبل ذلك: «إن كان محسنًا قال: عجلوني  عجلوني  وإن كان مسيئًا يصيح يا ويلتاه أين تذهبون بي  فيسمعه كل شيء إلاَّ الثقلين الإنس والجن  ولو سمعوه لصُعقوا» [رواه مسلم]. وعندما يوضع في قبره  ويرى منزلته تطمئن نفسه - كما ورد في حديث البراء بن عازب وغيره - . لقد أراد فرعون أن يطمئن على نفسه عند غرقه فقال: ( آمّنتٍ أّنَّهٍ لا إلّهّ إلاَّ الذٌي آمّنّتً بٌهٌ بّنٍو إسًرّائٌيلّ وأّنّا مٌنّ المٍسًلٌمٌينّ <90> ) [يونس: 90].

 فقيل له: ( آلآنّ وقّدً عّصّيًتّ قّبًلٍ وكٍنتّ مٌنّ المٍفًسٌدٌينّ<91> ) [يونس: 91]

فهو لم يؤمن في الدنيا ولم يغتنم فرصة التوبة حتَّى يرد على ربه آمنًا.  وفي الحديث: «تُقبل توبة العبد ما لم يُغرغر» [رواه أحمد (5885)   وابن ماجه (4243)  والترمذي (3460)  وقال: حديث حسن غريب]. فباب التوبة مفتوح حتَّى تتردد الروح في الحلقوم  وحتَّى تطلع الشمس من مغربها. وقد فتح سبحانه أبواب الرجاء لعباده   فقال: ( قٍلً يّا عٌبّادٌيّ الذٌينّ أّسًرّفٍوا عّلّى  أّنفٍسٌهٌمً لا تّقًنّطٍوا مٌن رَّحًمّةٌ اللَّهٌ إنَّ اللَّهّ يّغًفٌرٍ الذٍَنٍوبّ جّمٌيعْا )

[الزمر: 53].

والأحكام كثيرة وكلها من شأنها أن تشيع الأمن والأمان في النفس والمجتمع  ومن ذلك تحريم الإسلام للأمور التي تتسبب معها الجريمة كالخمر والزنى والربا والميسر  وقد أعطى كل ذي حق حقه  ومنع التعدي والظلم  وقضى على كل الأمور التي تُخل بالأمن  وكانت الحدود فيه بمثابة الروادع والزواجر والجوابر في نفس الوقت. والقَصاص من أسباب الاطمئنان في المجتمع: ( ولّكٍمً فٌي القٌصّاصٌ حّيّاةِ يّا أٍوًلٌي الأّّلًبّابٌ ) [البقرة: 179] .

 وقد حرَّم الإسلام أن يورد الإنسان نفسه موارد الهلكة أو يُحملها فوق طاقتها ونهاه عن قتل نفسه «من قتل نفسه بشيء فهو يجؤها به في نار جهنم»  [ورد في الصحيحين]. وفيما يتعلق بالمال أمر بالكتابة والإشهاد والعدالة وتحديد الأجل ومراقبة الله وتأدية الأمانة  فرأس المال جبان  ولا يطمئن إلاَّ بالأمان  والقضاء على مثيري القلاقل  ولا أقوى من حكم الله ورسوله  وتطبيق الشريعة من شأنه أن يُخيف من تُسوِّلُ له نفسه أن يعمل بمثل عملهم  ومن المعلوم أنَّ النفس لا تُنتج عملاً في جوٍّ مضطرب  وقد أُمِر المسلم أن يُحصّن ماله بالزكاة وليس بدفع أقساط التأمين . ولو تأملنا الأحكام التفصيلية لعلمنا كيف يتم تأمين النفوس من التأثيرات الخفيّة كالسحر ووساوس الشياطين بالمعوذتين وآية الكرسي  وخواتيم سورة البقرة... والرضا والقناعة بما قسم الله والأمن الأخلاقي المذكور في أحكام الاستئذان والحجاب.. والأمن الصحي المتمثل في زيارة المريض والرقية والتداوي بالمباحات.. والأمن الزراعي المذكور في سورة يوسف والنحل  وأمن العقيدة المذكور في مثل قوله سبحانه: ( أّلا بٌذٌكًرٌ اللَّهٌ تّطًمّئٌنٍَ القٍلٍوبٍ <28> )  [الرعد: 28] .

 والأمن الأُسري الذي دلَّت عليه عشرات النصوص مثل: ( والَّذٌينّ يّقٍولٍونّ رّبَّنّا هّبً لّنّا مٌنً أّزًوّاجٌنّا وذٍرٌَيَّاتٌنّا قٍرَّةّ أّعًيٍنُ واجًعّلًنّا لٌلًمٍتَّقٌينّ إمّامْا <74> ) [الفرقان: 74]

  ( ومٌنً آيّاتٌهٌ أّنً خّلّقّ لّكٍم مٌَنً أّنفٍسٌكٍمً أّزًوّاجْا لٌَتّسًكٍنٍوا إلّيًهّا وجّعّلّ بّيًنّكٍم مَّوّدَّةْ ورّحًمّةْ ) [الروم: 21] 

وقول النَّبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقَّاص  : «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» [رواه البخاري (1213)  ومسلم (3076)  كلاهما عن سعد بن أبي وقاص]. إنَّ الأمن يحدث بالمشورة والتوبة والهجرة ومجاهدة الكفار والتوكل على الله وبالتزام كل أوامره جلَّ وعلا  فكل آدابه عالية؛ لأنها مبعث للأمن  والراحة والاطمئنان في الحياة وبعد الممات في طاعة الله والإعراض عن ذكره سبحانه هو مبعث الخوف الحقيقي.  والمؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه  وأجل قد بقى لا يدري ما الله قاضٍ فيه ( أّفّأّّمٌنّ أّهًلٍ القٍرّى  أّن يّأًتٌيّهٍم بّأًسٍنّا بّيّاتْا وهٍمً نّائٌمٍونّ <97> أّوّ أّمٌنّ أّهًلٍ القٍرّى  أّن يّأًتٌيّهٍم بّأًسٍنّا ضٍحْى وهٍمً يّلًعّبٍونّ <98> أّّفّأّّمٌنٍوا مّكًرّ اللَّهٌ فّلا يّأًمّنٍ مّكًرّ اللَّهٌ إلاَّ القّوًمٍ الخّاسٌرٍونّ <99> )

 [الأعراف: 97 - 99].

 وأمر الله سبحانه وبأسه الشديد لا يمنعه أجهزة الإنذار المبكر ولا الجيوش الجرارة  ولا كل مظاهر الأمن المادي  ونظرة سريعة على ما تُحدثه الزلازل والفيضانات كفيضان المسيسبي والأعاصير كإعصار أندرو في أمريكا وسائر صور الدمار ( إنَّمّا أّمًرٍهٍ إذّا أّرّادّ شّيًئْا أّن يّقٍولّ لّهٍ كٍن فّيّكٍونٍ <82> )  [يس: 82] .

 وكما قال سبحانه: ( لا عّاصٌمّ اليّوًمّ مٌنً أّمًرٌ اللَّهٌ إلاَّ مّن رَّحٌمّ ) [هود: 43]

 سندرك حتمًا لا محالة أنَّ الإيمان هو سبيل تحقيق الأمن والأمان في الدنيا والآخرة  للأفراد والدول والجماعات  فهيا نصبغ أنفسنا بصبغة الله ( ومّنً أّّحًسّنٍ مٌنّ اللَّهٌ صٌبًغّةْ ) [البقرة: 138]

  ونطرح عن أنفسنا هذا الطغيان المادي الذي علق بقلوبنا وعقولنا.

وآخر دعوانا أن الحمد و رب العالمين.

  • الاثنين PM 05:28
    2021-03-29
  • 2203
Powered by: GateGold