ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
انت الزائر رقم
: 443018
يتصفح الموقع حاليا
: 246
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
الرد على مزاعم الشيوعية
لقد اتضح من خلال ما مضى أن الشيوعية الماركسية مذهب إلحادي، لا يؤمن إلا بالمادة، ولا يعترف إلا بالمحسوس.
ومرَّ بنا كيف كان الشيوعيون ينظرون إلى الحياة من خلال المنظور المادي، وكيف كانوا يفسرون التاريخ تفسيراً مادياً، إلى غير ذلك من مبادئ الشيوعية وأعمالها.
والرد على مبادئ الشيوعية لا يحتاج إلى كبير جهد؛ ففسادها يغني عن إفسادها، وتصورها كافٍ في الرد عليها، وأدلة الشرع والعقل، والفطرة والواقع تنقض مبادئ الشيوعية.
ولقد مرَّ شيء من الرد على مبادئ الشيوعية من خلال عرضها، وفيما يلي ذكر لبعض التفصيل في الرد على مزاعم الشيوعية، ومبادئها، يتبين من خلاله بطلان هذا المذهب.
1- الشرع: فأدلة الشرع أكبر برهان على بطلان الشيوعية، فهي تدل على وحدانية الله - عز وجل - وعلى صدق رسله - عليهم السلام -.
فالله - عز وجل - أرسل الرسل من لدن نوح إلى محمد - عليهم السلام - بالتوحيد الخالص فكلهم يدعون إلى عبادة الله وحده، وإفراده بالعبادة دون من سواه.
قال -تعالى-: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وهذه الدعوة التي جاء به الرسل الكرام - عليهم السلام - توضح العلاقة بين العبد وربه، وتكفل للبشرية أن تعيش بسعادة وهناء.
ثم إن عبادة الله -عز وجل- هي الغاية التي خلق من أجلها الجن والإنس، قال -تعالى-: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
ثم إن القرآن بإعجازه وببلاغة أسلوبه، وشدة تأثيره، وإخباره عن الغيوب الماضية والمستقبلة، وتضمنه لمصالح العباد في دنياهم وأخراهم، وصلاحه لكل زمان ومكان وأمة - لأكبر برهان على بطلان الشيوعية التي تدعو إلى الإلحاد، وتكفر بكل دين.
إضافة إلى ذلك فالحقائق العلمية تشهد للقرآن والسنة بالصحة؛ فمع اتساع علوم الطبيعة وما استجد من العلوم العصرية لم يأت علم صحيح ينقض شيئاً مما جاء في القرآن والسنة الصحيحة، مع أن الذي جاء بتلك الحقائق نبينا محمد الأمي " (1) .
فالعلم الصحيح لا يناقض النقل الصحيح، بل يتفق معه تمام الاتفاق، كما لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً، وإذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة - فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته؛ لأن صريح القرآن وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً (2) .
وهذا ما قرره العلماء في القديم والحديث ولقد بنى شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه العظيم (درء تعارض العقل والنقل) على هذه القاعدة.
بل لقد صرح كثير من الكتاب الغربيين بهذه الحقيقة، ومنهم الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم).
حيث قرر في ذلك الكتاب أن التوراة والإنجيل المحرفين الموجودين اليوم - يتعارضان مع الحقائق العلمية، في الوقت الذي سجل فيه هذا الكاتب شهادات تفوق للقرآن الكريم سبق بها القرآن العلم الحديث.
وأثبت من خلال ذلك أن القرآن لا يتعارض أبداً مع الحقائق العلمية، بل يتفق معها تمام الاتفاق (3) .
وبالجملة فالكتاب والسنة كلاهما رد على الشيوعية والمقام لا يستدعي الإكثار من ذكر الآيات والأحاديث؛ فالحديث مع من يعظم الكتاب والسنة شيء، ومع من لا يراهما شيء آخر (4) .
أما ما يروج له الشيوعيون من عزو التخلف الذي حل بالمسلمين إلى تمسكهم بالدين، ومن نسبة انحرافات المنتسبين للإسلام إلى نفسه؛ إرادة الطعن فيه، والتنفير عنه - فتلك فرية عظمى، ويُرَدُّ عليها بما يلي:
أ - أن حال المسلمين في عصورهم المتأخرة لا تمثل الإسلام حقيقة: فعلى من يريد الحقيقة بعدل وإنصاف - أن ينظر إلى دين الإسلام نفسه، وما هو عليه من الإحكام والحسن، وما فيه من الهداية إلى كل خير، والتحذير من كل شر.
ب - أن انحرافات المنتسبين للإسلام لا يعاب بها الإسلام، ولا تحسب عليه: فالشيوعيون يطعنون بالدين من خلال ما يرونه من انحرافات بعض المنتسبين للإسلام، كبدع الرافضة، وشطحات المتصوفة، وغيرهم ممن ينحرف به المسار، وينسب انحرافه إلى الدين.
ولاريب أن الدين براء من هذه التهم، فمن أراد الإسلام الحق فليطلبه من مصادره الصحيحة.
ج - النظر في حال القائمين بالدين الحق: فالعدل يقتضي بأن ينظر في حال القائمين بالدين حق القيام، المنفذين لأوامره وأحكامه في أنفسهم وفي غيرهم كما كان الصدر الأول ومن تبعهم بإحسان.
فإن ذلك النظر يملأ القلب إجلالاً، والعين هيبة ووقاراً لهذا الدين وأهله المتمسكين به، العاملين بتعاليمه، مما يسر الناظرين، وتقوم به الحجة على المعاندين.
أما مجرد النظر إلى حال المسلمين التاركين لدينهم، الناكبين عن صراطه، الناكثين عهده فليس من العدل في شيء، بل هو الظلم بعينه؛ فالدين بريء من تبعة المنتسبين إليه دون أن يعملوا بما جاء به.
د - أن تأخر المسلمين ليس بسبب التمسك بالدين: بل إن العكس هو الصحيح؛ فلم يتأخر المسلمون عن ركب الحضارة إلا عندما فرطوا في دينهم، ونسوا حظاً مما ذكروا به؛ فهبطوا من عليائهم، ولقوا ذلاً بعد عز، وضعة بعد رفعة، وهبوطاً بعد شمم، وجهلاً بعد علم، وخمولاً بعد نباهة؛ فمن له أدنى بصيرة يعلم أن الإسلام يدعو إلى الصلاح والإصلاح في أمور الدين والدنيا، ويحث على الاستعداد في تعلم العلوم النافعة، ويدعو إلى كل ما من شأنه تقوية العزائم، وإنهاض الهمم؛ كي تقوى الأمة، وتتبوأ مكانها اللائق بها.
وإنه لمن الظلم، والتعصب المقيت، وقصور النظر أن ينظر إلى حال المسلمين في هذه الأوقات، فيظن أنها هي الصورة التي تمثل الإسلام.
فإذا أراد المرء أن ينظر بعدل فلينظر إلى الصدر الأول وما يليه من عصور العز؛ عندما دانت أمم الأرض للمسلمين، فنشروا فيها الرحمة، ورفعوا في سوحها لواء العدل والحكمة، فهفت إليهم القلوب قبل الأبدان، وخضعت لهم الدنيا من مشارقها إلى مغاربها.
وهل رقت أمم الغرب الآن، وبزت غيرها في الصناعات والاختراعات المذهلة إلا بعد أن استنارت عقولهم بعلوم المسلمين بعد الحروب الصليبية؟
ألم تكن تلك الأمم في غابر الأزمان، وفي القرون التي يسمونها القرون المظلمة في غاية الجهل والوحشية والهمجية؟
ألم يكن المسلمون وقت قيامهم بهذا الدين هم سادات الخلق ؟
ألم تكن مدنية الإسلام هي المدنية الزاهرة الحقيقية؟ حيث كان روحها الدين، والعدل والرحمة والحكمة، وقد شملت بظلها الظليل وإحسانها المتدفقِ الموافِقَ والمخالفَ والعدو والصديق؟
فهل أَخَّرهم دينهم، وهل منعهم الرقي الحقيقي؟ وهل نفع الآخرين كفرهم بالله في تلك القرون الطويلة؛ إذ كانوا هم الأذلين المخذولين؟
ثم لما قصَّر المسلمون في الاستمساك بدينهم، وتفرقوا شيعاً، وارتقى الكفار في علوم المادة وفنون الصناعات، ووصلوا إلى شأن لم يسبق له مثيل - هل أغنت عنهم تلك المدنية، وذلك الترقي فتيلاً؟ ألم تكن حضارتهم قائمة على الظلم، والجشع، والاستبداد، والاستبعاد، والقتل، والنفي، والتشريد؟
فهذا أكبر برهان على أن الرقي المادي ينقلب ضرراً إذا خلا من الدين الحق؛ لأن من انفرطت عليه مصالح دينه انفرطت عليه مصالح دنياه تبعاً لذلك.
ثم إن الملاحدة لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من الرقي بسبب نبذهم للدين، وإنما أوصلهم إلى ذلك جدهم، واجتهادهم، وأخذهم بالأسباب التي مَنْ أخذ بها وصل إلى غايته.
وبهذا يُرَدُّ على من زعم أن نَبْذَ الدين سبب للترقي.
2- العقل الصحيح: فالعقل الصحيح يدل دلالة قاطعة على بطلان الشيوعية؛ فأهل العقول الصحيحة متفقون على أن أفضل المغانم والمكاسب ما اكتسبته القلوب، واستنارت به العقول من العلوم الصحيحة، والمعارف النافعة والإيمان الصادق، والأخلاق العالية، التي من اتصف بها كمل سؤدده وتناهى فضله إن كان فرداً والتي تسعد بها الأمة، ويرتفع شأنها، ويهاب جنابها.
ومعلوم أن الشيوعية تناقض العقل الصحيح في أعظم القضايا، ألا وهي قولها بالإلحاد، وإنكار الخالق، ودعوى أن الطبيعة مُوْجِدَةٌ لنفسها، أو أنها وجدت صدفة.
ومن نظر إلى هذا العالم، وما أودع الله فيها من المخلوقات المتنوعة، والحوادث المتجددة أدرك أن لهذا الكون خالقاً مُحْدِثاً وهو الله - عز وجل -.
فالقسمة العقلية في هذا الصدد لا تخرج عن ثلاثة أمور:
أ - إما أن تُوْجَدَ هذه المخلوقات صدفة من غير مُحدث ولا خالق.
وهذا محال ممتنع يجزم العقل ببطلانه؛ لأن كل من له عقل يعلم أنه لا يمكن أن يوجد شيء من غير مُحْدِث، ولا موجد، ولأن وجودها على هذا النظام المتسق البديع المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب والمسببات، وبين الكائنات بعضها مع بعض - يمنع منعاً باتاً أن يكون وجودها صدفة.
ب - وإما أن تكون هي المحدثة لنفسها الخالقة لها، وهذا محال ممتنع - أيضاً - فكل عاقل يجزم أن الشيء لا يخلق نفسه؛ لأنه قبل وجوده معدوم؛ فكيف يكون خالقاً؟!
وإذا بطل هذان القسمان تعين الثالث:
ج - وهو أن هذه المخلوقات لها خالق خلقها، ومُحْدِثٌ أحدثها، وهو الرب العظيم الخالق لكل شيء، المدبر للأمور كلها.
وقد ذكر الله هذا التقسيم العقلي القاطع في سورة الطور، قال - تعالى -:أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُون[الطور:35].
يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق، ولاهم الذين خلقوا أنفسهم؛ فتعين أن يكون خالقهم هو الله - تبارك وتعالى -.
فالمخلوق لابد له من خالق، والأثر لابد له من مُؤَثِّر، والمحدَثُ لابد له من مُحْدِث، والمُوْجَدُ لابد له من مُوجِد، والمصنوع لابد له من صانع، والمفعول لابد له من فاعل.
هذه قضايا واضحة تُعرف في بداهة العقول، ويشترك في العلم بها جميع العقلاء، وهي أعظم القضايا العقلية؛ فمن ارتاب بها فقد دل على اختلال عقله، وبرهن على سفهه وفساد تصوره (5) .
ومن نظر في كتاب (الله يتجلى في عصر العلم) الذي كتبه ثلاثون من علماء الطبيعة والفلك ممن انتهت إليهم الرياسة في هذه الأمور، وكتاب (الإنسان لا يقوم وحده) لكريسي موريسون رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك، وتُرجم إلى العربية بعنوان: (العلم يدعو إلى الإيمان) - يدرك أن العالِم الحقيقي لا يكون إلا مؤمناً، وأن العامي لا يكون إلا مؤمناً، وأن الإلحاد والكفر لا يكون إلا من المكابرين المعاندين، ومن بعض أنصاف العلماء وأرباع العلماء، ممن تعلم قليلاً من العلم المادي وخسر بذلك الفطرة المؤمنة ولم يصل إلى العلم الذي يدعو إلى الإيمان (6) .
وبهذا يتبين لنا أن العقل يدل على وحدانية الله، وعلى بطلان دعاوى الشيوعية، وسفاهة عقولهم.
إن الشيوعية خرافة، وشرط الخرافة أن تلغي عقلك تماماً، وتستسلم لتعاليم سادتها.
يقول ريتشارد كروسمان في مقدمة كتاب (الصنم الذي هوى) (7) : فإن من يدخل الشيوعية يُخْضِع روحه لشريعة الكرملين (8) ويحس في ذلك شيئاً من الخلاصِ.
وإذا تم هذا فإن العقل - بدلاً من أن يعمل ويفكر بحرية- يصبح عبداً للغاية التي لا تناقش، ولا تعارض، ويصبح إنكار الحقائق الواضحة شعيرة وعبادة (9) .
3- الفطرة: فالفطرة تدل على بطلان الشيوعية؛ فكل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه.
فالفطرة تدل على أن البشر جميعاً فطروا على عقيدة التوحيد، والاتجاه إلى الله - سبحانه وتعالى - ولم يفطروا على ماركسية، أو رأسمالية، أو داروينية، أو غيرها.
ثم إن الله - عز وجل - بعث الرسل، وأنزل الكتب لتقرير الفطرة؛ فصلاح العباد وقوامهم بالفطرة المكمَّلَةِ بالشِّرْعَة المنزلة (10) .
قال النبي "((ما من مولود إلا يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) (11) .
وفي حديث عياض بن حمار يقول - تعالى -: في الحديث القدسي: ((وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم)) (12) .
ثم إن الإنسان مفطور على اللجوء إلى ربه - تبارك وتعالى - عند الشدائد؛ فإذا ما وقع الإنسان - أي إنسان حتى الكافر الملحد - في شدة أو أحدق به خطر - فإن الخيالات تتطاير من ذهنه، ويبقى ما فطر عليه؛ ليصيح بأعلى صوته، ومن قرارة نفسه، وعميق قلبه منادياً ربه؛ ليفرج كربته.
وصدق الله إذ يقول: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65].
ثم إنه لو قدِّر لأي إنسان أي يتجرد من كل عقيدة، ويصير قلبه خالياً من كل حق وباطل، ثم ينظر في العقائد بحق وعدل وإنصاف - لَعَلِمَ علم اليقين أن عقائد الشيوعيين أحط العقائد وأخسها، ولاتَّضح له الفرق العظيم، والبون البعيد بين عقائد الإسلام الصحيحة وبين سائر العقائد وخصوصاً عقائد الملاحدة الشيوعيين، فمتى علم المنصف ذلك عرف أنه ليس بعد الحق إلا الضلال.
وهكذا تشهد الفطرة على بطلان الشيوعية في أعظم القضايا وهي مسألة الإيمان بالله.
إضافة إلى ذلك فإن بقية دعاوى الشيوعية تنافي الفطرة، ومن ذلك - على سبيل المثال - قولهم بإلغاء الملكية الفردية.
يقول الشيخ عبد العزيز البدري: وأما إلغاء الملكية الفردية جزئياً وبعبارة - كما يقولون - تحديد التملك الفردي - فإن الدارس لهذا القول يجد أنه يعني تحديد التملك الفردي بالكمية والمقدار.
وهذا - أيضاً - مناقض للفطرة البشرية، ومخالف للأحكام الشرعية كما تفهم من نصوص الشرع؛ حيث إن هذا التحديد والإلغاء الجزئي يَحُدُّ من نشاط الفرد، ويعطل جهوده، ويقتل عبقريته ومواهبه في حسن الإنتاج والإبداع فيه، وبالتالي يقلل من إنتاجه ويوقفه عند نشاط معين لا يتجاوزه.
وبذلك يحرم من مواصلة نشاطه الذهني والجسمي، وعند ذاك تخسر الأمة بمجموعها كفاءة الأفراد المجدين (13) .
وقال الدكتور محمد محمد حسين بعد أن ذكر شيئاً من مساوئ الشيوعية: وليس ها هنا مجال الرد على دعاواهم، ويكفي أن نقول في إيجاز: إن دعوتهم تنزل بالنوع البشري إلى الحيوانية؛ لأنها تهمل الجانب الروحي في الإنسان؛ الذي هو به إنسان؛ فهي خرافة لا سبيل إلى تحقيقها؛ لأنها مخالفة للناموس؛ فالناس متباينون: قوة بدن، وذكاءاً، وخلقاً، وفطرة.
والله - سبحانه وتعالى- يقول في محكم كتابه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:165].
ويقول - جلت قدرته -: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [النحل:71].
ويقول: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:32- 35] (14) .
وقال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي: دلت هذه الآيات الكريمة المذكورة هنا كقوله - تعالى – نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ [الزخرف:32] وقوله:وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل:74]، ونحو ذلك من الآيات - على أن تفاوت الناس في الأرزاق والحظوظ سُنة من سنن الله السماوية الكونية القدرية، لا يستطيع أحد من أهل الأرض البتة تبديلها ولا تحويلها بوجه من الوجوه، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر:43] (15) .
قال : وبذلك تحقق أن ما يتذرع به الآن الملاحدة المنكرون لوجود الله ولجميع النبوات، والرسائل السماوية إلى ابتزاز ثروات الناس ونزع ملكهم الخاص عن أملاكهم بدعوى المساواة بين الناس في معايشهم - أمر باطل، لا يمكن بحال من الأحوال.
مع أنهم لا يقصدون ذلك الذي يزعمون، وإنما يقصدون استئثارهم بأملاك جميع الناس؛ ليتمتعوا بها ويتصرفوا فيها كيف شاؤوا تحت ستار كثير من أنواع الكذب والغرور والخداع، كما يتحققه كل عاقل مطلع على سيرتهم، وأحوالهم مع المجتمع في بلادهم.
فالطغمة القليلة الحاكمة ومن ينضم إليها هم المتمتعون بجميع خيرات البلاد، وغيرهم من عامة الشعب محرومون من كل خير مظلومون في كل شيء، حتى ما كسبوه بأيدهم يعلفون ببطاقة كما تعلف الحمير.
وقد عَلِم الله - جل وعلا - في سابق علمه أنه يأتي ناس يغتصبون أموال الناس بدعوى أن هذا فقير، وهذا غني، وقد نهى - جل وعلا - عن اتباع الهوى بتلك الدعوى، وأَوْعَدَ من لم ينته عن ذلك بقوله - تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً [النساء:135] (16) .
4- أن الأمور المدركة لا تحصر بالمادة وحدها: فالملاحدة لما آمنوا بالمادة وحدها حصروا الأمور المدركة في دائرة ضيقة؛ فما أدركوه في حواسهم وتجاربهم أثبتوه، وما لم يدركوه نفوه وأنكروه.
ومن أجل ذلك أنكروا علوم الغيب، وما جاءت به الرسل، وما أنزلت به الكتب.
وهذا الزعم باطل، شرعاً، وعقلاً، وتجربة؛ ذلك أن الأمور المدركة لا تقتصر على ما أثبته الحس؛ فهناك مدارك أخرى؛ فهناك الأخبار الصادقة، وأعلاها وأحقها خبر الله ورسله؛ ففي ذلك تبيان لكل شيء.
وإذا نسبت العلوم المدركة بالحس إلى ما جاءت به الرسل من العلوم - كانت كقطرة في بحر لجي.
ثم إن هناك أشياء يؤمن بها الناس وإن لم يشاهدوها كالروح مثلاً؛ فهي لا ترى ومع ذلك لو خرجت لأصبح الإنسان جماداً؛ فهل ينكر الروح أحد بحجة أنها لا تدخل في المحسوس؟
وكذلك الكهرباء؛ فهل شاهدها أحد؛ إنما يشاهد الناس أثرها، أتكون الكهرباء أيسر أن نؤمن بها وأقرب إلى أن نصدق بها من أن نؤمن بالله الذي أبدعها ضمن ما أبدع من أسرار هذا الكون ؟
ثم إن الملاحدة ينقضون مبدأهم في حصر الإدراك بالمحسوس، والتجربة؛ فهم يثبتون تجارب ونظريات ثم تحصل تجارب ونظريات أخرى لهم تنفي ما أثبتوه، وتثبت ما نفوه (17) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ضمن ردوده على الملاحدة: أن يقال لهؤلاء الملحدين المنكرين لأمور الغيب التي أخبر بها الله ورسوله: لم أنكرتموها؟
فيجيبون بأنها لم تدخل تحت علومنا التي بنيناها على إدراكات الحواس والتجارب، فيقال لهم: قدروا أنها لم تدخل في ذلك؛ فإن طرق العلم اليقينية كثيرة، وأكثرها لا تدخل تحت إدراكاتكم؛ فإن إدراكاتكم قاصرة حتى باعترافكم فإنكم تعترفون أن مدركاتكم خاصة ببعض المواد الأرضية وأسبابها وعللها، ومع ذلك لم تدركوها كلها باعترافكم وأعمالكم؛ فإنكم لا تزالون تبحثون وتعملون التجارب التي تنجح مرة، وتخفق مرات؛ فإذا كانت هذه حالكم في الأسباب والمواد الأرضية التي يشترك بنو آدم في إدراكها، ويفترقون في مقدار الإدراك - فكيف تنفون بقية العوالم عوالم السماوات وعوالم الغيب؟ وما هو أعظم من ذلك من أوصاف الرب وعظمته، وأنتم لم يتصل شيء من علومكم بذلك؟ فإن هذا النفي باطل بإجماع العقلاء، وإنما هذا مكابرة (18) .
5- كثرة التناقض: فالتناقض عند الشيوعيين لا يكاد يحصر وذلك أمر لا بد منه؛ فالمبدأ باطل من أساسه؛ فلابد من التناقض؛ فإذا تهاوى الأساس تداعت الأركان.
فالحق يشبه بعضه بعضاً، ويشهد بعضه لبعض، أما الباطل فيتناقض، ويهدم بعضه بعضاً، وتجد أهله متناقضين مختلفين، بل تجد الواحد منهم متناقضاً مع نفسه، متهافتاً في أقواله (19) .
ومن الأمثلة على تناقضهم دعواهم محاربة الدين، وقولهم: إن الدين أفيون الشعوب.
ومع ذلك فإن روسيا أول من اعترف بدولة دينية تحكمها التوراة المحرفة، وقامت على أساس ديني، وهي دولة إسرائيل.
كذلك لما اشتد ضغط هتلر على روسيا إبان الحرب العالمية الثانية دعا ستالين إلى فتح المساجد والمعابد للصلاة، والعبادة فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65].
ومن أمثلة تناقضهم قولهم بالحتميات، وأن الأشياء تتطور ثم تزول سواء كانت فكرة أو مبدأ، أو غير ذلك.
وفي الوقت نفسه يزعمون بأن الشيوعية هي نهاية المطاف والفردوس المنتظر.
فإذا كانوا يقولون بالحتميات فإن الشيوعية داخلة فيما يقولون؛ لأنها مبدأ وفكرة، ومصيرها الحتمي الزوال، وهو ما حدث بالفعل؛ فأين الفردوس المنتظر؟
ومن الأمثلة على تناقضهم زعمهم أنهم يحاربون الطبقية، ومع ذلك فإن الطبقية في المجتمع الشيوعي قائمة على أشدها، وقد مر بنا كيف كان العمال وعامة الناس في المجتمع الشيوعي يعيشون عيشة الشظف في الوقت الذي يتمتع أعضاء الحزب الشيوعي بأقصى درجات الترف والنعيم.
6- الإخفاق في التطبيق: فهذا دليل على بطلانها، ولقد مر بنا كيف كان حال المجتمع الشيوعي بعد تطبيق الشيوعية.
لقد عجز الشيوعيون عن تطبيق المساواة، وعجزوا عن إسعاد المجتمع، وحل مشكلاته؛ فكلما خرجوا من نفق دخلوا في نفق آخر أشدَّ حلوكة، وكلما حلوا مشكلة نتج عنها مشكلات، وكلما ولوا وجوههم وجهة تبين فيها النقص والخلل والاضطراب.
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].
أين هذا من دين الإسلام، الذي هو الطريق الوحيد لحل جميع المشكلات، سواء مشكلات العلم، أو مشكلات الفقر، أو مشكلات السياسة أو غيرها من المشكلات.
فمن المشكلات التي اضطرب فيها الخلق مشكلة العلم؛ فإنه إذا صح صحت العقائد والأفكار، وصلحت الأعمال المبنية عليه.
وشريعة الإسلام حضت على العلم، بل فرضت على العباد أن يتعلموا جميع العلوم النافعة في أمور دينهم ودنياهم، وتكفلت مع ذلك ببيان العلوم وتفصيلاتها.
أما علوم الدين فقد فصلتها تفصيلاً بعد ما أصلتها تأصيلاً، وأما العلوم الدنيوية فقد أسست لها الأصول والقواعد.
وبهذا يسير العلم الصحيح على الطريق المستقيم؛ فيجتمع علم الدين إلى علم الدنيا، وما يتعلق بالروح إلى ما يتعلق بالجسد.
قال - تعالى -: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ... [الإسراء:9]، وقال: وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ[الأحزاب:4].
فجمع - عز وجل - في هاتين الآيتين بين علم المسائل الصحيحة وهو الحق النافع، وبين علم البراهين وهو هداية السبيل الموصلة إلى كل علم، المبرهنة على جميع المعارف.
وكذلك مشكلات الغنى والفقر؛ فالدين قد حلها حلاً تتم به الأمور، وتحصل الحياة الطيبة؛ فكما أمر بسلوك الطرق المشروعة في أسباب الرزق المناسبة لكل زمان ومكان وشخص - فكذلك أمر بالاستعانة بالله في تحصيلها، وأن تجتنب الطرق المحرمة، وأن يقوم العباد بواجبات الغنى المتنوعة من زكاة وصدقة، ونحوها.
وكذلك عند حلول الفقر أمر بالصبر، وترك التسخط، مع السعي في طلب الرزق بأنواع المكاسب والأعمال ونهى عن الكسل المضر بالدين والدنيا.
ومع أمره بالصبر وفعل الأسباب الدافعة للفقر - نهى عن ظلم الخلق في دمائهم وأعراضهم، وأخذ حقوقهم بغير حق كما هو دأب الفقراء الذين لا دين لهم.
ومن ذلك مشكلات السياسات الكبار والصغار؛ فالشيوعية تقوم على البطش والاستبداد.
أما الإسلام فقد أمر بحلها، وذكر الطرق الموصلة إلى ذلك بفعل ما توضحت مصلحته، وترك ما تبينت مفسدته، والمشاورة في الأمور المشكلة والمشتبهة.
وبالجملة فما من مشكلة دقت أوجلت إلا وفي الشريعة الإسلامية المحضة حلها بما تصلح به الأحوال، وتستقيم في جميع الوجوه (20) .
7- قواعد الأخلاق العامة: فهي ترد على دعاوي الشيوعية وتبطلها؛ فأين الشيوعية من الصدق في الأقوال والأفعال؟ وأين هي من النصيحة والأمانة، والبر، والصلة، والقيام بحقوق الجيران، والأصحاب والمعامَلين، ومن يتصل الإنسان بهم على اختلاف طبقاتهم ؟.
وأين هي من العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى والنهي عن الفحشاء، والبغي على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم؟.
وأين هي من الوفاء بالعهود، والحقوق، والعقود؟.
إنها دعوة تقوم على العداوات بين الطبقات وتأليب بعضهم على بعض.
والمجتمعُ الإنساني المطمئن لا يقوم إلا على التوادد والتراحم، والتآخي (21) .
ومن هنا يستحيل أن تتزكى النفوس، وتتهذب الأخلاق بعلوم المادة؛ فكل إناء بما فيه ينضح، والتجارب أكبر شاهد على ذلك؛ فمع تطور علوم الملاحدة عجزوا كل العجز عن تهذيب النفوس وإصلاحها.
8- سيرة أرباب الشيوعية: فلقد مر بنا شيء من سيرة أرباب الشيوعية وأساطينها، وما كانوا عليه من الشذوذ والفساد، والتسلط والطغيان، فكم هدموا من فضائل، وكم أقاموا من شرور ورذائل، حتى هبطوا بالبشرية إلى أسفل سافلين، فَشَقُوا وأَشْقَوا، وضلوا وأضلوا؛ فماذا يرجى من مذهب هؤلاء أربابه ومُنَظِّروه؟
ثم إن أكبر الدلائل على رشد الرشيد، وسفه السفيه تصرفاتُه، ونتائج أعماله.
وهذه آثار الشيوعيين تدل عليهم؛ فأين سير هؤلاء من سير الأنبياء - عليهم السلام - وأتباعهم؛ حيث هَدَوا البشرية إلى كل عقيدة صالحة، وإلى كل خلق جميل، ونهوا عن ضد ذلك؛ فانتشرت الرحمة، وعم الصلاح بسبب ما جاؤوا به، بعكس الشيوعيين تماماً بتمام.
9- كثرة الخلافات بين الشيوعيين: سواء بين أرباب الشيوعية أو بين دول المعسكر الشيوعي، مما يدل على بطلانها، وزيفها وقد مر شيء من ذلك فيما سبق.
10- رجوع كثير من كتاب الشيوعية عنها، واعترافهم ببطلانها:
ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في كتاب (الصنم الذي (22) هوى) ذلك الكتاب الذي اجتمع على تأليفه - دون موعد - ستة من كبار كتاب الغرب، آمنوا بالشيوعية، ثم نفضوا أيديهم منها يوم أن انكشفت لهم حقيقتها.
وإليك نماذج من بعض ما قالوه عن الشيوعية:
أ - يقول آرثر كستلر - بعد تجربته مع الشيوعية ودخوله فيها بعد خروجه من السجن -: إن الدرس الذي يتعلم الإنسان من خبرة كهذه لا يكاد الإنسان يضعه في كلمات حتى يبدوا أمراً عادياً؛ لقد تعلمت أن الإنسان هو الحقيقة، أما الإنسانية فتجريد، وأن الناس لا يمكن أن يعاملوا على أنهم وحدات في عملية حساب سياسية؛ لأنهم يتصرفون كرموز الصفر، واللانهائي التي تعطل كل العمليات الرياضية، وأن الغاية لا تبرر الواسطة إلا في حدود ضيقة إلى أبعد الحدود، وأن علم الأخلاق ليس شيئاً تابعاً للمنفعة الاجتماعية، وأن البر ليس عاطفة بورجوازية تافهة، بل هو القوة الجاذبة التي تمسك المدنية في مدارها.
لقد كان كل ما تعلمته يتناقض مع العقيدة الشيوعية التي آمنت بها. (23) .
ب - ويقول لويس فيشر (24) بعد تجربته مع الشيوعية: إن تأييدي السابق للنظام السوفيتي قادني إلى خطأ آخر حين ظننت أن نظاماً يقوم على قاعدة (الغاية تبرر الواسطة) يمكن أن يخلق عالماً أفضل، أو إنساناً أفضل؛ إن الواسطة الفاجرة لا تؤدي إلا إلى غاية فاجرة، وأفرادٍ فجرة سواء في النظام البلشفي أو الرأسمالي. إلى أن قال: إن الدكتاتورية ترتكز على نهر من الدماء، وبحر من الدموع، وعالم من الآلام.
وكلها نتائج لوسائلها القاسية؛ فكيف تستطيع - إذن - أن تجلب الفرح، أو الحرية، أو السلام الداخلي أو الخارجي؟
كيف يمكن للخوف، والسطوة، والأكاذيب والبؤس أن تخلق إنساناً أفضل.
إن السنوات التي قضيتها مؤيداً للنظام السوفيتي علمتني أنه لاينبغي لرجل يحب البشرية ويحب السلام أن يؤيد الدكتاتورية. (25) .
ج - وهذا ستيفن (26) سبندر يقول بعد انفصاله عن الحزب الشيوعي: إن الشيوعية هي الإيمان بأن في الإمكان تغيير المجتمع عن طريق تحويل الرجال إلى آلات تقوم هي بتغيير المجتمع (27) . وهكذا يتبين لنا بطلان الشيوعية جملة وتفصيلاً.
(34)
رد مزاعمهم في الملكية الفردية
أما زعمهم أن الملكية الفردية ليست فطرية في الإنسان، فقد كابروا عقولهم وتعسفوا حين زعموا أنها لم تكن قضية فطرية في النفوس وإنما وجدت بعد أن عرف الإنسان كيفية الزراعة واستجلاب كثرة الدخل للفرد وما تلا الزراعة من قيام الصناعات وزيادة الدخل محتجين على هذا السخف بأن الشيوعيين الأوائل ما كانوا يعرفون الملكية الفردية وكانوا في أسعد حال فإن هذا الدليل رغم مصادمته للواقع وللفطر السليمة رغم ذلك وغيره هو قول بلا علم وتخرص بلا دليل، والإسلام يذكر أن الله عز وجل علم آدم كل شيء حتى علمه كيف يزرع وكيف يحصد فأي زمن كان الناس – حسب زعم الملاحدة – لا يعرفون الزراعة ولا العمل؟
وهذا ما أفادته الشريعة الإسلامية بل وسائر الأديان عن طبيعة البشر منذ وجودهم وأقرته ولم تلغه لأن الحياة لا تستقيم بدون النزعة إلى الملكية الفردية وحب التملك سنة الحياة الدنيا فمن خالف هذه السنة وزعم أن الناس لابد أن يكونوا في حال لا يملك فيه الشخص أي شيء لنفسه – كما تقضي بذلك التعاليم الشيوعية – فلا شك أن مصيره الفشل وهو ما حصل بالفعل حينما أقدم الثوار الشيوعيون الأوائل على تطبيقه فرؤوا بأعينهم هبوط أحوالهم الاقتصادية وكساد حركاتهم المعيشية مما جعلهم يضطرون صاغرين إلى الاعتراف بالملكية الفردية لو في أضيق نطاق لكن له دلالته على وجود نزعة الإنسان في حب التملك الفردي وأن القول بعدم وجود تلك النزعة إنما هو مكابرة وضيق فكري.
فكان من أهم أسباب تراجع أقطاب الشيوعية عن تأميم الملكيات كلها هو ما لاحظوه من تردي الإنتاج الزراعي ومعرفتهم أن سبب ذلك إنما يعود إلى ضعف الحوافز على العمل وعدم تمكن الحكام من دقة معرفة المقصر من غيره في المجال الزراعي الذي تصعب مراقبته إلى حد كبير بخلاف المجال الصناعي الذي تم إخضاعه بدقة للملاحظة والمراقبة الصارمة بحيث يعهد لكل شخص بمهمة خاصة في العمل فإذا حصل خلل في أي قطعة من الصناعة عرف صاحبها فورا ونال عقابه الذي لا يعرف الرحمة بخلاف العامل الزراعي الذي أفلت من هذه المراقبة الصارمة فكانت النتيجة أن أخذت الدول الشيوعية تتكفف الدول الغربية القمح والحبوب وزعموا أن ذلك النقص في الجانب الزراعي إنما كان بسب الآفات الزراعية، ولكن الحل الذي عالجوا به تلك الآفات يفصح عن السبب الحقيقي حيث سمحوا بعد فوات الأوان بإتاحة الملكية الفردية لقسم من المحصول الزراعي يمتلكه المزارع تشجيعا لزيادة الإنتاج ولنشاط المزارعين وهو دليل واضح على فشل نظام منع الملكية الفردية وأنه أشد الآفات.
رد مزاعمهم في نشأة الصراع الطبقي
أما زعمهم أن الصراع الطبقي لم يكن له أي سبب غير معرفة الإنسان للزراعة والصناعة فهذا قول بالتخمين وهو أكذب الكذب ولن يجد القائلون به أي دليل لأنهم ادعوا شيئا هو أقدم منهم.
كما أن هذا الأمر ليس هو السبب الوحيد للصراع بين الناس، وإنما هو واحد من عدة أسباب لا تكاد تحصر. كما أن هذا السبب قد يوجد في بعض المجتمعات وقد لا يوجد فليس هو أمر حتمي كما يدعي الملاحدة.
ومن السذاجة والجهل القول بأن الملكية الفردية نشأت عن ظهور الصناعة والزراعة وأنها ليست فطرية في نفوس الناس بل و في نفوس الحيوانات فإن الملكية الزراعية نفسها لم تقم إلا بسبب النزعة الملكية فردية كانت أو جماعية وإلا لما قامت الزراعة ولما عرف الإنسان طريقه إلى الجمع والادخار بين مقل ومكثر وبخيل وكريم.
وأما زعمهم أن الإنسان منذ أن تركوا الشيوعية الأولى وهم في صراع طبقي مرير وأن ذلك سيستمر حتى يرجع الناس إلى الشيوعية الأولى وذلك بترك الملكية الفردية وتساوي الناس في كل شيء بزوال الطبقات التي أحدثتها الملكية الفردية وتكدس رؤوس الأموال في فئة دون فئة يقال لهم هل يتحقق ذلك في عالم الواقع، وهل يمكن أن يتساوى الناس وتزول الطبقات خصوصا في ظل النظم الجاهلية، وهل يمكن أن تتحقق هذه الأحلام البراقة في يوم من الأيام. إنها مجرد أوهام وخيالات لأن الحياة لا تقبلها ولا تنتظم بها.
إن نظام الطبقات واستعلاء بعض الطبقات على البعض الآخر والظلم والحرمان واستعباد القوي للضعيف كلها إنما توجدها النظم الجاهلية كما حدث بالفعل على مسار تاريخ البشرية، فالمجتمع في العهد الهندوسي مقسم إلى طبقات هي البراهما والكاشتريا والشودري وأقسام فرعية أخرى كثيرة.
و في أوروبا عاش الناس طبقات متفاوتة أشد تفاوت: طبقة تسمى طبقة السادة، وأخرى تسمى طبقة العبيد وقد تمثلت هذه الأحوال السيئة الجاهلية في عهد الرق.
أما في عهد الإقطاع فكان الناس ثلاث طبقات رئيسة هي طبقة الأشراف أمراء الإقطاع، وطبقة رجال الدين، وطبقة الشعب "المغلوبين على أمرهم".
أما في عهد الرأسمالية فإن نظام الطبقات على أشده أيضا. طبقة تسمى طبقة أصحاب رؤوس الأموال وطبقة أخرى تسمى طبقة العمال "ناس في الثريا وناس في الثرى" وهكذا الحال في عهد الديمقراطية التي تظاهرت بأن الشعب هو صاحب السلطة فقد كان الصحيح هو أن الشعب لا يزال هو المستضعف المقهور وصاحب المال هو السيد الحاكم وهي نفس الكذبة التي كان يرددها الشيوعيون من أن طبقة البروليتاريا الكادحة هي التي ستملك وتحكم حينما تطبق الشيوعية وحينما تقضي طبقة البروليتاريا على جميع الطبقات المناوئة لها في صراع ثورة محتدم هذا هو حكم الجاهلية وشريعتها، ولكن حكم الله هو خلاف هذا.
حكم الله أن المجتمع سيكون فيه أغنياء وفقراء ملكية فردية وملكية جماعية الأغنياء مؤتمنون على المال وللفقراء نصيب في ذلك المال، والكل عبيد لله تعالى لا طبقات ولا كبرياء يتنقل المال من يد إلى يد ومن شخص إلى آخر وقد يصبح الغني فقيرا وقد يصبح الفقير غنيا حسب تصريف الله للأمور ومعنى هذا أن المال في الإسلام ليس منحصرا في طبقة من الناس دون أخرى ولا في فئة من المجتمع بخصوصهم حتى وإن كانت تلك الفئة هم الحكام فإن الإسلام لا يعطي الحاكم حرية التملك كما يهوى بل شأنه شأن غيره غير ما يأخذه في مقابل جلوسه للحكم بين الناس ومن هنا نجد أن حكام الدولة الإسلامية في نشأتها كان الحاكم لا يتمتع بأي امتيازات مالية ولهذا كان الحكام يعتبرون تحمل المسؤولية أمانة عظيمة وخطرا جسيما لا فوزا كما يسميه الناس اليوم.
وينبغي التنبيه إلى أنه إذا وجد نزاع بين المسلمين فإنه لا يكون من أجل إسقاط طبقة لطبقة أخرى أو علو فئة على أخرى وإنما يكون ذلك في الغالب من أجل الوصول إلى الحق وإلى دفع الخطأ والخطر عن الناس وهذا أمر طبيعي فلا يجوز أن يفسر على أنه صراع طبقي كما يفسره الملاحدة حسب نظرياتهم المادية.
وقد يكون النزاع إما أمر بمعروف أو نهي عن منكر وليس هو من قبيل الحرب الاقتصادية أو بسبب الملكية الفردية أو الجماعية كما يزعم الملاحدة أو أنه حرب طبقات.
ومن أقوى ما يدل على كذب الملاحدة في زعمهم أن نزع الملكية الفردية ينهي الصراعات ويؤلف القلوب ويساوي بين طبقات المجتمع كلهم فيعيشون عيشة ملائكية من أقوى ما يدل على كذبهم هذه الصراعات التي لا نهاية لها بين مختلف معسكرات الشيوعية. مع أن الملكية الفردية لا وجود لها في دستورهم فلماذا إذن هذه الصراعات و على أي شيء؟ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر :43 ] (28) .
كما أن زعمهم أن الصراع هذا لا يزول إلا بزوال الملكية الفردية كلام كاذب فإن الصراع باق والملكية الفردية كذلك لن تزول من نفوس الناس والدليل على ذلك أن الصراع لم ينته مع وجود القمع الشديد للملكية الفردية في البلاد الماركسية، بل إن الصراع لا يمكن أن ينتهي ليس بين الناس فحسب بل والحيوانات كلها.
وقد عاش الناس في ظل النظام الشيوعي حقبة من الزمن وهم ينتظرون تلك الجنة التي وعد بها "ماركس" بعد أن وضعت الحرب الطبقية أوزارها وبعد أن قضى النظام الماركسي على الملكية الفردية بكل وحشية عرفتها البشرية وهم ينتظرون ذلك اليوم الذي يزول فيه الصراع الطبقي بكل أشكاله فلا يبقى صراع ولا أحقاد ولا حاكم ولا جيش ولا سجون يعيشون كالخراف الأليفة ولكن ماذا كانت نتيجة هذه السخافة؟
لقد عاش المجتمع الشيوعي صراعا طبقيا مريرا سواء أكان على مستوى الأفراد أو على مستوى الدولة إلى أن هدأت عاصفة الشيوعية وكيف لا يحصل صراع بين جماعات قامت في الأساس على الصراع بل و على مشروعيته وضروريته لقيام حكم البروليتاريا بزعمهم حتى أصبح الصراع والثورات والقتل والاغتيال من أسس بناء الماركسية دون أن تظهر أدنى إشارة إلى تلك الجنة المزعومة الماركسية، ومثل هذه الكذبة وقعت أيضا الكذبة الأخرى وهي القول بأن الناس كلهم سيعيشون حياتهم في مستوى واحد و على طبقة واحدة بلا تفاضل بينهم عندما تكتمل الشيوعية وتطبق وفق ما قرره اليهودي "ماركس" عدو الجوييم – حسب تسمية اليهود لهم – وإذا سألت عن سر بقاء الحكومة في البلاد الشيوعية فإن جوابهم: إن هذه الحكومات القائمة إنما هي حكومات مؤقتة وستنتهي بانتصار الشيوعية على كل الأنظمة المناوئة لها (29) .
لأن الناس حينئذ سيعيشون دون مشكلات ولا صراع يتطلب تدخل قوة عليا ولا فقر يسبب المشكلات ولأن الناس حينئذ يكونون على مستوى رفيع في الأخلاق والسلوك الطيب والرقابة الذاتية التي هي أقوى من الرقابة الخارجية ولا ملكية فردية تسبب الخصومات والاستئثار بالمال والرغبة في جمعه.
هكذا زعم الملاحدة ولكن السؤال المهم هو هل ستتحقق هذه الأحلام السخيفة في يوم من الأيام، أو هل تحققت في يوم من الأيام بالدليل المقنع (30) ، أم أنها خدع كاذبة وتضليل أو أفيون للشعوب المغلوبة على أمرها كما هو الواقع.
إن الإسلام يعتبر الفكر الماركسي في ناحيته الاقتصادية فكرا فاشلا مخالفا للعقل والفطرة السليمة وأنه قام على نظريات جاهلية أخطأت الطريق الصحيح للاقتصاد النافع وبدلا من أن توجه جهود المجتمع لمساعدة بعضهم بعضا إذا بها تحرم الملكية الفردية وتشمل مكامن البغضاء وتثير الصراعات الطبقية بحجة سخيفة وهي لترتفع الطبقة الكادحة بزعمهم ولكي لا تتكدس الأموال في ناحية دون أخرى وعند قوم دون آخرين وكل ذلك ليس هو الحل الصحيح ولا الحل الذي تستقيم به الحياة وتسعد الشعوب به فهو مرفوض جملة وتفصيلا ويعتبره الإسلام تدخلا فيما لا ينبغي للبشر سلوكه فالناس كلهم عبيد لله في الإسلام والمال مال الله والرزق بيد الله يؤتيه من يشاء لا يجره حرص حريص ولا ترده كراهية كاره. فالملكية الفردية حق اقتضته الفطرة والضرورة لصلاح الأحوال و على الجميع أن يعضد بعضهم بعضا بالتي هي أحسن فلا صراع ولا بغي ولا عدوان، ولم يجعل الإسلام للشخص مطلق الحرية في أمواله ينفقها بإسراف أو يمسكها كما يحلو له، بل هو محاسب عليها ومسؤول عنها وعليه حقوق فيها يجب أن يؤديها وإذا كان في الأغنياء من طغى وتجبر فهؤلاء لهم ما كسبوا وعليهم ما اكتسبوا وسينالون جزاءهم ولا يبرر فعلهم محاربة الملكية الفردية أو قيام الصراع الطبقي بين المجتمعات كما أن في أولئك التجار من اتصف بالعطف والتسامح ومساعدة المحتاجين دون منة ولا أذى والحكم على طبقة الأغنياء بأنهم احتكاريون وانتهازيون وأنهم هم العقبة الكؤود في طريق غنى الفقراء وارتفاع معيشتهم إن هي إلا خرافات سخيفة وأوهام باطلة وقد دلت التجارب الشيوعية على فشل هذه الفكرة الخاطئة حين أفقرت الأغنياء وأتعست الفقراء وملئت القلوب حقدا وغضبا وأتعست الحالة الاقتصادية ونشب الصراع الطبقي على أشده دون رحمة، و في التاريخ الإسلامي أمثلة مشرفة للمجتمع حينما تصفوا القلوب وتزول البغضاء فقد كان في الصحابة رضوان الله عليهم أغنياء وفيهم فقراء. وكان أحدهم يقول لصاحبه عندي زوجتين انظر أعجبهما إليك فأطلقها وتتزوجها وعندي من الضياع كذا وكذا أتنازل لك عن نصفها فيقول له الصحابي الفقير المهاجر بارك الله لك في مالك وأهلك دلني على السوق فيذهب ويعمل ويرزقه الله تعالى وكان فيهم من يملك الأموال الكثيرة مثل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ولم ينقم عليه أحد فيها وقد أنفق عثمان رضي الله عنه ألف بعير في سبيل الله وغير ذلك من الأمثلة المشرقة التي قام عليها الإسلام بعيدا عن الصراعات الطبقية البغيضة، ذلك أن الإسلام يعالج المشلكة القائمة دون النظر إلى أسبابها كما أنه يأتي بالحلول التي لا مضرة فيها على أحد إذ لا ضرر ولا ضرار، بينما الشيوعية الحمراء عالجت المصائب بمصائب أفدح منها.
داويت متؤدا وداووا طفرة وأخف من بعض الدواء الداء
مع إن ما أقدمت عليه الشيوعية في الأحوال الاقتصادية ليس فيه أي دواء، بل هو الداء بعينه وهو الذي خنق الحريات، فالسجون مملوءة والجواسيس منتشرون والمجاعة فاشية. إنه سجن كبير وقبضة حديدية فالشعوب غاضبة ولكن الويل لمن تفوه بكلمة نقد، وأين هذا السلوك من حرية الإسلام التي "كان الرجل يقول لمعاوية: "والله لتستقيمن بنا يا معاوية أو لنقومنك فيقول بماذا؟ فيقولون بالخشب (31) ، فيقول: إذا أستقيم" (32) .
فأي طاغوت من طواغيت الحكم في النظم الجاهلية يتحمل ما هو أدنى من هذا الكلام؟
وما يزعمون من أن الطبقات القوية هي التي تحكم وتشرع لبقية الطبقات وتستعبدها. هذا صحيح ولكنه لا يوجد إلا في النظم الجاهلية الذين يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله والذين يصبح الظلم عندهم من شيم النفوس، فإن وجد ذا عفة فلعله لا يظلم كما عبر ذلك أحد الشعراء الجاهليين قديما ولكن هل هذه هي الحقيقة التي لابد منها أو الخيار الذي لا آخر سواه؟ كلا. بل هناك عقيدة فيها الحل الصحيح دون المرور بتلك الطرق الظالمة المظلمة إنها العقيدة الإسلامية التي تجعل صاحب المال والفقير أخوة متساوين متضامنين. الله رب الجميع وحكمه ينفذ في الجميع، لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وليس هناك طبقات هم السادة الحاكمون المالكون وطبقات هم العبيد المستذلون إلا في النظم الجاهلية التي لا تقيم للإنسان وزنا إلا من خلال ما يملك من المال والجاه فيبدو المال بهذه الصورة هو السبب في الظلم والطغيان بينما الواقع الصحيح هو خلاف ذلك فإن المال والملكية الفردية من الظلم أن يحملا طغيان المنحرفين "ولا تزر وازرة وزر أخرى".
إن الذي يطغيه المال وتطغيه الملكية الفردية هو شخص منحرف في الأساس فاسد الطباع سواء كان له مال أو لم يكن له مال ذلك أن المستقيم على الحق القائم بأمر الله لا يطغيه المال وإنما يستعمله في أعمال الخير ووجوه البر المختلفة مراقبا فيه ربه متيقنا أن المال ظل زائل وعارية مستردة وأن الدنيا شدة بعد رخاء ورخاء بعد شدة.
أما مفهوم المساواة في الأجور في النظام الشيوعي الذي زعمت الماركسية أنه مكفول للجميع فقد حملهم على القول به ما زعموه من أن البشرية كانوا في أصل نشأتهم يعيشون عليه متساوين كلهم في الحقوق بلا ملكية فردية الكل للجميع في المأكل والملبس والمسكن والنساء لا فرق بين شخص وآخر، حتى جاءت الرأسمالية والملكية الفردية فقلبت تلك الأوضاع التي تريد الشيوعية إرجاعهم إليها مرة أخرى، وهذا لا يتحقق إلا بوضع الدولة يدها على كل وسائل الإنتاج والعمل ومن ثم يأخذ كل شخص ما يستحقه من قبل الدولة، وهذه الدعاية جذابة في ظاهرها. ولكن هل تحققت فعلا في النظام الشيوعي فأعادت إليهم سعادتهم التي كانت في الشيوعية الأولى بزعمهم؟!!، وهل ساوت بين العمال فعلا فلم يعد هناك تمايز بين شخص وآخر وحاكم ومحكوم؟!!.
لاشك أن الواقع الذي انجلت عنه الشيوعية بعد اندحارها يكذب كل تلك الدعايات ويخبر أن الشيوعية إنما نجحت في مساواة الناس كلهم في الفقر والحاجة وليس في الغنى والسعادة لأنه لا يوجد أي حافز يجده الشخص حتى يبذل أقصى جهده في العمل ليجده مستقرا في يد الدولة التي لا تعطيه إلا بقدر حاجته الضرورية. وما الذي ينفعه أن يقال له إن جهدك وعملك حينما يذهب إلى الدولة إنما هو إسهام منك في تقوية الدولة لتتمكن من إظهار الشيوعية ولتقمع أعداءها إن فكروا في الاعتداء عليها. ما الذي ينفعه حين يقال له إنك بذلك الجهد في العمل مع أنك لا تأخذ إلا ما يكفي حاجتك الضرورية دليل على سلوكك الطيب وأنك غير جشع كالرأسمالي الغربي وأنك مواطن طيب، وما الذي تنفعه وعود الملاحدة بأنه سيعيش في جنة عالية بعد أن تتمكن الشيوعية من بسط نفوذها على كل الأرض وكيف تقتنع نفسه بهذه الحالة البائسة التي يعيشها في الوقت الذي يرى فيه وجهاء القوم وأصحاب السلطة يعيشون في ترف لا حد له. مساكن فاخرة وسيارات فارهة وبساتين نضرة وخدما وحشما. وهم يتظاهرون بالدفاع عن الطبقة الكادحة وبنضال الرأسمالية.
إن كل ذلك يدعو الشخص إن كان له عقل إلى القلق والاضطراب والثورة على تلك الأوضاع ومجازاة من كان السبب فيها وهو ما حصل بالفعل في الثورات المتتالية التي تمت في عهد "جورباتشوف" على الشيوعية ونظامها البغيض وإطاحتهم بأولئك الخبثاء والقضاء عليهم بكل شدة في كل البلدان التي تنفست الصعداء من الكابوس الماركسي وهكذا نجد أن زعمهم المساواة في الأجور إنما هو المساواة في الفقر وليس في الأجور.
تعقيب:
و في الختام يتضح لنا مما سبقت دراسته أن الأسس التي تقوم عليها الاشتراكية الشيوعية هي:
1- إلغاء الملكية الفردية واستبدالها بالملكية العامة المتمثلة في الطبقة الحاكمة للوصول إلى إلغاء الصراع الطبقي من المجتمع البشري بإلغاء الباعث عليه وهو الملكية الفردية.
2- توزيع الناتج على الأفراد كل بحسب مساهمته في الإنتاج وحاجته وهو المبدأ الذي يعبرون عنه بقولهم "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته".
3- الإشباع الجماعي للحاجات وليس الربح وهو مبدأ "المساواة في الأجور".
4- التخطيط للنمو الاقتصادي. وكفالة الدولة لجميع المواطنين في مقابل تكليف القادرين منهم بالعمل رجالا ونساء.
5- القضاء على الحرية الفردية.
6- إلغاء الكثير من العلاقات الاجتماعية المتوارثة، كالإرث والهبة، بل وإلغاء كافة الطبقات بإقامة دكتاتورية البروليتاريا – الطبقة الكادحة -.
7- إنكار الدين ومحاربته.
8- إلغاء الحكومة في المستقبل وإقامة مجتمع متعاون متعاطف بغير حكومة "حكم الشعب نفسه بنفسه".
هذه أهم الأسس التي قامت عليها الثورة الاشتراكية الشيوعية ولكن جاءت النتائج في التطبيق الفعلي لتلك الأسس على النحو الآتي بالإضافة إلى ما سبق بيانه:
1- إنعدام الحرية الاقتصادية الفردية.
2- إنعدام الحافز الفردي.
3- عدم تجويزهم الملكية الفردية.
4- حكم الشعوب بالحديد والنار.
5- فشل مبادئ الاشتراكية فشلا ذريعا.
6- محاربتها للأديان متأثرة بالعداء للدين النصراني.
ظهور الكثير من المفاسد الاجتماعية كالرشوة والغبن واللاأخلاقية كتفشي الرذائل بكل صورها وأشكالها (33) .
والسر في ذلك أن المذهب الشيوعي ليس قاصرا فقط على الناحية الاقتصادية كما يذكر عنه. بل هو مذهب شامل لجميع النواحي عقدية كانت أو مادية كما هو حال الشيوعية حقيقة. فمن تصور أن الشيوعية مذهب اقتصادي بحت لا شأن له ببقية الأمور العقدية والتنظيمية فهو مخطئ خدعة زعم الملاحدة هؤلاء أن أصل كل الحياة بأنظمتها ومعتقداتها وجميع شؤون الإنسانية إنما كان أصلها المادة هو زعم كاذب بنوا عليه النظرية الشيوعية التي جعلوا واجهتها الكبيرة التركيز فقط على الناحية الاقتصادية خداعا للناس ونفاقا فإن أول ما يبطل هذا الزعم هو أن يقال لهم: إذا كانت الشيوعية لا شأن لها إلا بإصلاح الأمور الاقتصادية فقط فما بال الاضطهاد الديني هو الشاغل الأول لدول الشيوعية؟!!، ولماذا كثرت الضحايا التي لا يعلمها إلا الله في سبيل إعلاء العقيدة الشيوعية ؟!!، فلقد كان الجانب الاقتصادي في الشيوعية هو أقل الجوانب أهمية، بل لا يكاد يقارن بما توليه الشيوعية من اهتمام بالجوانب العقدية الفكرية.
-
الاربعاء PM 07:29
2015-07-15 - 3050