المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414068
يتصفح الموقع حاليا : 199

البحث

البحث

عرض المادة

الإسلام ليس إلا عقائد يهودية ومسيحية وجاهلية وإغريقية، ألفها محمد وجمع بينها في إخراج من نوع خاص

تلك هي حصيلة افتراءات العلمانيين حول أصل الإسلام أو الإسلام المحمدي كما يعبر طيب تيزيني.

وكما قال نصر حامد أبو زيد: فالإسلام نفسه لم ينبثق من فراغ، بل له جذور (1).

وإن الكثير مما هو إسلامي أصله غير إسلامي، كما يرى عبد المجيد الشرفي (2).


(1) العلمانية مفاهيم ملتبسة (238) وقدر العلمانية في العالم العربي (52).
(2) تحديث الفكر الإسلامي (30).

وعند أركون «إن الإسلام جزء من التراث الإغريقي السامي وليس من أيّ تراث معرفي آخر» (1).

وإن القرآن أعاد صياغة الميتافزيق التوراتي على حد تعبيره (2)، والقصص القرآني مأخوذ من التراث اليهودي والمسيحي (3).

إن القرآن كما الأناجيل ليس إلا مجازات عالية تتكلم عن الوضع البشري، إن هذه المجازات لا يمكن أن تكون قانونا واضحا (4).

وذكر أركون أن القرآن استعار قصصه من غيره، ووظفها ضمن منظوره وغيَّر وجهتها وغائيتها لكي تتطابق مع وجهته هو (5).

هذا هو القرآن الكريم في نظر مؤرخ الفكر الإسلامي (!!): توظيف وتغيير وجهة قصص من غيره.

وزاد مؤكدا أن القرآن دمج في الدين الجديد بعض شعائر الدين العربي الجاهلي السابق عليه كشعيرة الحج مثلا، أو قانون العِرض والشرف، كما يأخذ العديد من التعاليم والوصايا والحكايات عن التوراة والإنجيل على الرغم من أنه يتهم أصحابهما بممارسة التحريف.

إذن هو قرآن ملفق حسب أركون.

والقيم المدعوة إسلامية ليست سوى قيم جاهلية تم توظيفها ودمجها في الدين الجديد.


(1) قضايا في نقد العقل الديني (269).
(2) الفكر الإسلامي (77).
(3) نحو نقد العقل الإسلامي (78).
(4) تاريخية الفكر الإسلامي (2
(5) نحو نقد العقل الإسلامي (149).

وحسب عزيز العظمة: «الواقع التاريخي أن الإسلام لم يولد جاهزا، بل الأصح أن أكثر عناصره تسربت إليه، وطوعت معاني القرآن، وعملت على تشكل الحديث بموجب الأوضاع السائدة في الشام والجزيرة والعراق وفارس وخراسان» (1).

أو كما قال سيد القمامة: فالمعلوم لكل باحث في الإسلام أنه قد استمد معظم شرائعه إن لم يكن كلها من شرائع العرب قبل الإسلام بعد أن هذب بعضها القليل جدا وشذبه (2).

أو كما قال هاشم صالح: إن القرآن متأثر أيضا بالإنجيل وليس فقط بالتوراة على عكس ما يظن البعض (3).

وقال محمود إسماعيل: بل إن الإسلام نفسه اعتمد الكثير من التقاليد والنظم الجاهلية في صياغة شريعته (4).

أو كما قال طيب تيزيني: بحيث يمكن القول بأن الإسلام أخذ الكثير من الأعراف العربية الوثنية والمسيحية والنصرانية واليهودية إلخ ... التي كانت سائدة في المرحلة السابقة عليه (5).

وقال عن الموروث الإغريقي والهليني والفارسي والهندي والصيني وغيره: بل يمكن القول إن النص القرآني نفسه كان قد تأثر بذلك الموروث (6).


(1) التراث بين السلطان والتاريخ (140).
(2) أهل الدين والديمقراطية (79).
(3) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (169).
(4) العلمانية مفاهيم ملتبسة (96).
(5) مقدمات أولية (226).
(6) النص القرآني (80).

وأكد أن القرآن وإن نفى تعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوم أجانب فلم ينف الاتصال معهم، ليخلص من بعدها إلى ما يلي: كما أن تعبير (قوم آخرون) والذي يتبادر إلى الذهن أن الكفار لم يكونوا ليقولوا ما قالوه مما حكته الآية، لو لم يروا أو يعرفوا أنه كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - حلقة أو رفاق يجتمعون إليه ويجتمع إليهم، ويتحدثون في الأمور الدينية، وليس من المستبعد إن لم نقل من المرجح أن هذا كان قبل البعثة ثم امتد إلى ما بعدها .... إلى أن قال: ما أتى به محمد، ما هو إلا استنساخ لما قدم سابقوه ومعاصروه: {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} الجاثية 29 (1).

وزاد مؤكدا أن الإسلام المحمدي تبنى الألفاظ والأفكار التي كانت في الجاهلية، ومثل لذلك بـ: القرآن والسورة والآية، والتيمم والفسق وتحريم الخمر وقطع يد السارق وتحريم القمار والحج والاغتسال والصلاة إلى القبلة (مكة والقدس) وصوم عاشورا والدعاء والإيمان بالله الواحد والختان وحف الشارب مع ترك اللحية، والإيمان بالشياطين والجان والإيمان باليوم الآخر والحساب ... إلى آخر كلامه (2).

وزاد في مكان آخر: تقبيل الحجر الأسود والاهتمام به، والطواف حول الكعبة وصوم عاشوراء وذبح الأضاحي والعمرة (3).

إذا فالإسلام نسخة كربونية للجاهلية في نظر طيب تيزيني.

ليس هذا فقط، فقد ذكر أن الإسلام خرج من اليهودية والمسيحية (4).


(1) نفس المرجع (246).
(2) مقدمات أولية (36).
(3) نفس المرجع (154).
(4) نفس المرجع (313).

ويتحاشى ذكر أية علاقة لهذا الدين بقوى غيبية أو بالله والوحي ونحو ذلك.

إنه حركة سياسية ذات منزع ديني، استوعبت الحركات الدينية المعاصرة لها والأفكار والمعتقدات السائدة في بيئتها، بل بتخطيط وتدبير وإشراف نصراني كما سيأتي عن طيب تيزيني وآخرين.

يريد العلمانيون من هذا كله إثبات تاريخية الإسلام، وكونه نبع من الأرض لا نزل من السماء، أي: هو بشري المنشأ والمصدر، ابن بيئته الحجازية، نشأ فيها وتأثر بأوضاعها وبمحيطها، بل هي ولدته، ومن رحمها خرج.

ونصل بعد كل هذا إلى متولي كبر هذه الفرية: إنه مفتي الماركسية الشيخ الأحمر خليل عبد الكريم، فقد ألف كتابا خاصا لبيان الاستنساخ الإسلامي للجاهلية وباقي الديانات، سماه: الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية.

قال: إن الإسلام ورث الكثير من عرب الجزيرة واستعار العديد من الأنظمة التي كانت سائدة بينهم في شتى المجالات: الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية (= الحقوقية) والسياسية واللسانية.

وزاد: فالكثير من القراء قد يدهش عندما يعرف أن الإسلام قد أخذ من الجاهلية كثيرا من الشؤون الدينية أو التعبدية (1).

وذكر منها الحج والعمرة وتعظيم الكعبة وتقديس شهر رمضان وحرمة الأشهر الحرام وثلاثة حدود الزنا والزنا وشرب الخمر والقصاص والدية والقسامة والعاقلة (2).

وزاد: وتعظيم إبراهيم وإسماعيل والاجتماع العام يوم الجمعة (3). 


(1) الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية (14).
(2) نفس المرجع.
(3) نفس المصدر (23).

ثم قال: هذه بعض الشعائر الدينية أو التعبدية التي استعارها الإسلام من القبائل العربية (1).

وقال: .. يدل دلالة أكيدة على أن التقاليد العربية التي كانت سائدة في الفترة السابقة على البعثة المحمدية تركت آثارا واضحة لا على النصوص المقدسة فحسب، بل سلوكيات المسلمين من ذوي السابقة (2).

وذكر أن الإسلام ورث كذلك من ديانة الحنيفية: النفور من عبادة الأصنام، وتحريم ما ذبح عليها، وتحريم شرب الخمر وحد شاربها، وتحريم الزنا، وحد مرتكبيه، والاعتكاف في غار حراء، وقطع يد السارق، وتحريم أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، والنهي عن وأد البنات، والصوم، والاختتان، والغسل من الجنابة، والإيمان بالبعث والنشور، والحساب، والإيمان بالله وحده والدعوة إلى عبادته (2 - 25 - 26) ومنها صلاة الخوف وصلاة الكسوف والخوف (194)، والعتق والولاء (194).

وأما تقاليد العرب القديمة، فقال الشيخ الأحمر مفتي الماركسية: يمكننا أن نؤكد ونحن على ثقة شديدة بأن الإسلام ورث من العرب الشيء الوفير، بل البالغ الوفرة في المناحي كافة التعبدية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحقوقية .... الخ (3).

فأما الشعائر الاجتماعية فمنها الرقى والتعاويذ (29)، والعناية بالإبل والأنعام (32)، وتعدد الزوجات (34)، والتفرقة بين العرب والعجم (43) والتمييز بين العرب والأعراب (46)، والنظرة إلى الزراعة وأهلها (49) والجزية (50)، وأكل العشور أي: الزكاة (53)، والاستجارة والجوار (56)، وحرمة النسب (59) والاسترقاق (64) وأن الإسلام تأثر بتقاليد العرب وأنه ورث منهم هذا التقليد أو العرف (65).


(1) نفس المصدر.
(2) نفس المصدر (39).
(3) نفس المرجع (16).

وأما الشعائر الجزائية: فالعاقلة (69) والقسامة (72).

وأما الشعائر الحربية: خمس الغنائم (77) والسلب (79) والخمس (80).

وأما الشعائر السياسية: الخلافة (83)، ولهذا لم يعين النبي - صلى الله عليه وسلم - خليفة لأنه متبع للتقاليد العربية القديمة، والشورى (94)، نسخها الإسلام ونقلها بنفس الصورة والملامح، وقال: هل بعد ذلك شك في أن الشورى هي ميراث من القبائل العربية السابقة على الإسلام (98).

بل زاد وأكد أن الجاهلية المسودة للأنظمة الإسلامية (1).

وما عليك إذا أردت أن تفهم عبارة في المبيضة (أي: الإسلام) إلا أن ترجع للمسودة (2).

وكرر هذه التهم في كتابه الآخر الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية، فذكر أن الإسلام ورث مجموعة من الطقوس والشعائر من الجاهلية، مثل الحج والعمرة، وتقبيل الحجر الأسود، وصلاة الاستسقاء (185).

وبيّن أن صلاة الاستسقاء تعلمها النبي - صلى الله عليه وسلم - من جده عبد المطلب لما أقامت قريش طقوسا تشبه صلاة الاستسقاء، وهو غلام (182 - 183).

وطبعا لا يهم العلمانيين هذه القصة صحيحة أم لا، لأن المهم هو تأديتها للغرض، وإذا ما احتججت بأحاديث البخاري ومسلم والمجمع على صحتها قالوا آحاد وربما شككوا فيها جملة وتفصيلا.


(1) نفس المرجع (14).
(2) نفس المرجع (15).

وزاد كذلك أن صلاة الكسوف والخسوف طقوس وشعائر ورثها النبي من عصره، قال: إذا راقبنا أثر كسوف الشمس وخسوف القمر على محمد صاحب الشريعة (1) وما يلم به أو يعتريه خلالهما، وما كان يقوم به من طقوس وشعائر لانجلائهما يتوثق لدينا أنه ابن مجتمعه الذي تربى فيه وعاش في تلافيفه أربعين عاما قبل البعثة واثني عشر بعدها (186).

يريد أن يقول لنا: إن الإسلام ليس إلا نسخة معدلة من الجاهلية.

فلماذا كل هذا الضجيج والشغب أيها المسلمون؟ ها هو أبو جهل القرن العشرين التقدمي قد بين لنا أننا نسخة كربونية لأبي جهل القرن السابع.

ولا بأس أن نجيب هنا ولو باختصار شديد عن هذه الشبهة التافهة: كان دين إبراهيم عليه السلام الذي هو الإسلام نفسه عقيدة وشريعة مع اختلافات بين شرائع الأنبياء، لكنها متفقة في أصول العقيدة والأخلاق الفاضلة وكثير من العبادات والفضائل. كانت موجودة في الجزيرة العربية.

وكانت تنتشر اليهودية والمسيحية فيها وفي أطرافها، والتي تشترك مع الإسلام في عدة أمور.

تركت هذه الأديان آثارا واضحة على سكان الجزيرة، وبقيت كثير من دين إبراهيم باقيا حتى بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - كالحج والعمرة وتعظيم الكعبة والأضحية والختان وغيرها كثير.

ولهذا كان يقال لمن اتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بداية الدعوة: صابئ، أي: صبأ وعاد لدين إبراهيم.

ودين إبراهيم وكافة الأنبياء هو الإسلام كما قرر القرآن الكريم: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} آل عمران67.


(1) تنبه!!.

وبالتالي فلما بعث الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - أرسله بتجديد الدين الذي كانت بعض بقاياه موجودة في جزيرة العرب وغيرها كالشام واليمن. فطبيعي جدا أن يتفق الشرع الجديد مع الشرائع السابقة التي بقيت موجودة في المجتمعات.

ومفتي الماركسية يعرف بعض هذا لكنه يتجاهل فقد نقل بنفسه (19) عن ابن الكلبي قوله في كتاب الأصنام: كان العرب يعظمون الكعبة ويسيرون على إرث أبيهم إسماعيل من تعظيم الكعبة والحج والاعتمار.

فالإسلام لم يرث من الأديان السابقة بل من الوثنيات القديمة أو غيرها شيئا (1).

ولم يخرج العروي عن السياج العلماني فقد قرر أن النبي جاء العرب بما عهدوه وألفوه مثل الختان والتضحية وتقديس البيت والتبرك بزمزم، ولو أقدم على تجاهلها لكذبوه (2).

فمحمد في نظر العلمانيين ليس صاحب رسالة يبلغها عن الله، وإنما هو زعيم سياسي يستثمر التناقضات المختلفة لتأسيس مشروعه العربي.

وسيأتي معنا مزيد بسط لهذه المسألة في المبحث الخاص بموقف العلمانيين من النبوة، فقرة: «الإسلام ليس إلا نسخة معدلة من اليهودية والنصرانية، خطط لها مسيحيون وحنفاء».

الإسلام حزب هاشمي أسسه جد النبي عبد المطلب وأكمله محمد.

الإسلام في نظر العلمانيين ليس إلا وحدة سياسية عربية، تحت غطاء ديني، وهو مركب من الأديان السابقة، وقف خلفها مجموعة من المسيحيين، أو حسب تعبير القمني الإسلام حزب هاشمي.


(1) تنبيه: نقل خليل عبد الكريم عن كفار قريش زعمهم بأن بعض الناس يمدون النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمعلومات ليصوغ منها آيات وسور. وأطال في بيان الخلاف فيمن هو، ثم ذكر أنه بسبب هذا نزلت: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} النحل103. الجذور التاريخية (44).
وسكت ولم يفند ولم يضعف ولم يبد رأيا ما، مما يدل على أنه وراء الأكمة ما وراءها.
(2) السنة والإصلاح (101).

والحزب الهاشمي عنوان كتاب للقمني بين فيه أن هذا الحزب الوحدوي العربي أسسه عبد المطلب، وأكمله النبي - صلى الله عليه وسلم -. وسيأتي معنا الحديث عنه عند حديثنا عن الأنبياء في نظر العلمانيين.

وقال حسن حنفي: وبيَّن (أي: القمني) أن هناك محاولات عديدة قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الرسول ربما هو آخر صياغة ناجحة لتأسيس وحدة العرب بعد شعراء الصعاليك وقصي بن كلاب الذي وضع له فصلا خاصا، ومثل كثير من المتنبئين ومن الذين خاطبوا السماء، لذلك فإنه في بعض النصوص التي يأتي بها نص لعبد المطلب وهو يخاطب السماء، يسجعه ويشبه نصوص القرآن الكريم، ونجد بالفعل أن الخلاف بين ما أتى به الرسول وبين ما كان سابقا عليه كان خلافا في الدرجة وليس في النوع. وهذا فتح وكشف كبير (1).

ولم يكن -في نظر نصر أبي زيد- ظهور الإسلام إلا تجاوبا مع واقع عربي يبحث عن إيديولوجيا لتوحيد العرب (2). والنبي محمد شخصية تجسدت فيها أحلام العرب (3).

واعتبر طيب تيزيني أن شخصيات كبرى نصرانية أثَّرت فيه عن كثب مثل ورقة بن نوفل (4).

وأكد على أن زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بخديجة كان زواجا سياسيا خطط له على نحو محكم أكثر من عشرين سنة (5).


(1) مداخلة لحنفي في آخر كتاب القمني الأسطورة والتراث (280).
(2) مفهوم النص (65).
(3) مفهوم النص (65).
(4) مقدمات أولية (292).
(5) نفس المرجع (300).

وبيّن أن بحيرى الراهب من الشخصيات التي أثرت في تكوين خديجة ومحمد (1).

ينثر الجابري سموما بطرق بالغة في الغور، فلنقرأ مثلا عند حديثه عن فرقة الأبيونية النصرانية المناهضة للتثليث: بعد هذا التحديد الذي كان لا بد منه (خصوصا وقد ذهب بعض الكتاب العرب المعاصرين إلى حد القول بأن هذه الفرقة هي التي حضرت لظهور محمد عليه السلام في صورة نبي بتخطيط وتدبير من القس ورقة بن نوفل عم خديجة زوج الرسول، الشيء الذي يضعنا إزاء نظرية المؤامرة مرة أخرى!) (2).

ثم تحدث عن عبد الله أريوس وفرقته الأريوسية، وهي فرقة نصرانية حسب زعمه مناهضة لألوهية المسيح، ثم قال: ونحن إذا كنا هنا نولي أهمية كبرى لهذا الرجل وفرقته فلأننا نجد في السيرة النبوية ما يدل بالقطع على أن الرسول عليه السلام كان مهتما بأتباع هذه الفرقة كما سنرى لاحقا (3).

وكل هذه أباطيل ومغالطات وتحميل للنصوص ما لا تحتمل.

ومن سمومه التي نفثها أن تبشير بعض الرهبان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والحديث عن العودة إلى دين إبراهيم ليست إلا دعاية سياسية ضد الإمبراطوريتين المتحاربتين، والتبشير بقرب سقوطهما موظفة الدين (4).

ولفرط عشق العلمانيين للسلطة صاروا لا يرون في أيّ نشاط يقوم به غيرهم إلا أنه يندرج في الصراع عليها.


(1) نفس المرجع.
(2) مدخل إلى القرآن الكريم (32).
(3) مدخل إلى القرآن الكريم
(4) نفس المرجع (38).

هكذا يرون النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما تقدم قريبا وسيأتي قريبا كذلك عن أركون ونصر أبي زيد، وسيأتي عنهم وعن غيرهم في الفصل الذي خصصته لطعنهم في النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة.

وزعم الجابري أن النجاشي كان على مذهب الأريوسية، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم ذلك ولذلك أرسلهم إلى هناك (1).

وهكذا يتم نسج شبكة بتلفيقات من هنا وهناك، ثم يزعمون أن هذا هو البحث العلمي.

بل ذهب أبعد من هذا فجعل أنه كان لأجداد النبي - صلى الله عليه وسلم - علاقة بملوك الحبشة (2).

وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أخواله من اليمن (3).

وأنه كانت هناك مراسلات بين النبي - صلى الله عليه وسلم - والنجاشي (4).

وذكر قبل هذا حركة الحنفاء الذين يبحثون عن دين إبراهيم كزيد بن عمرو بن نفيل وغيره.

ليخلص من كل هذا إلى أن الأمر ليس تبشيرا بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، «بل إن المسألة كانت تتعلق في الواقع بوجود تيار ديني توحيدي قام في وجه نظرية التثليث التي رسمته المجامع الكنسية برعاية أعلى السلطات في الامبراطورية البيزنطية، تيار توحيدي اكتسى طابع المعارضة الفكرية والسياسية، وبالتالي الدينية لدولة الاحتلال البيزنطي ومذهبها الديني، من طرف شعوب الضفة الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط» (5).

هذا هو المصرح به، والمسكوت عنه في خطاب الجابري هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به من قرآن وإسلام هو امتداد لهذا التيار المعارض لا أقل ولا أكثر.


(1) نفس المرجع (52).
(2) نفس المرجع (52 - 53).
(3) نفس المرجع (55).
(4) نفس المرجع (55).
(5) نفس المرجع (62).

إنها معارضة سياسية تتقمص الدين كغطاء، إنه التفسير الماركسي الطبقي الكامن في لاشعور الجابري، وقد كان يوما ما من أبرز دعاته في المغرب.

ونختم هذه التحليلات العلمانية التي تصب في نفس الاتجاه بقول نصر حامد أبي زيد وقول أركون.

أما نصر أبو زيد فقال: إن العقائد الدينية ليست في الحقيقة سوى صياغة إيديولوجية للصراع الاجتماعي الذي يخوضه البشر على الأرض (1).

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - خاض صراعات إيديولوجية مع خصومه فولدت هذه الصراعات عقائدَ دينية معينة. وواضح أن هذا الطرح يندرج في الإطار الماركسي كذلك.

يقصد الماركسيون أن الطرح الديني بأن إلها بعث نبيا، وهذا النبي دعا قومه فعارضوه، من تفاهات القرون الوسطى، وأن الأمر لا يعدو دعوات سياسية إيديولوجية تتقمص الدين غطاء.

وأما أركون فقال: كان الشيعة والسنة قد تنافسوا في صراعهم المتبادل على الإخراج المسرحي للتراث الذي خلفه محمد، وذلك من أجل تحديد وإيجاد سلطة مقبولة من قبل كل المسلمين، ثم ممارسة هذه السلطة. إن دراسة تركيباتهم الإيديولوجية وألاعيبهم واعتبارها بمثابة إخراج سينمائي أو مسرحي، وليس نقلا أمينا وصحيحا للحقائق المؤسسة هو شيء أساسي جدا من أجل القيام بنقد فلسفي وبالتالي تاريخي لمفهوم السلطة في الإسلام (2).

إنها السلطة وليس هناك غير السلطة، وما التراث الإسلامي إلا ألاعيب ومسرحية بإخراج سينمائي بامتياز!!


(1) مداخلته في آخر كتاب الأسطورة والتراث (290).
(2) تاريخية الفكر العربي (268).

ثم بين أركون كيف أن ظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنشاءه للدولة ليس إلا تجسيدا للصراع على السلطة بين عائلته (بنو هاشم) وعائلة بني سفيان، ثم تعقد الصراع أكثر لظهور طرف ثالث هم الأنصار ولهم طموحاتهم السلطوية أيضا حسب تعبير أركون (1).

والصراع بين السنة والشيعة حسب أركون ليس دينيا، وإنما صراع على السلطة بين هذين العائلتين المتصارعتين: عائلة النبي وعائلة أبي سفيان، لتحسمه عائلة بني سفيان لصالحها (الدولة الأموية) لتعود عائلة النبي مرة أخرى في عهد العباسيين (2).


(1) تاريخية الفكر العربي (282).
(2) نفس المصدر (282 - 2

  • الجمعة AM 12:57
    2022-08-05
  • 1025
Powered by: GateGold