ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
ما أبعاد النشاط الإجتماعي للمرأة على ضوء الاجتهاد الفقهي؟
في النشاط الإجتماعي للمرأة يمكن أن نعرف أبعاد هذا النشاط إذا ذكرنا أن قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشمل الرجال والنساء على سواء، وذلك ظاهر قوله تعالى: {وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ} [التوبة: 71].
إن الأمر والنهي والصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله ليست حكراً على أحد الجنسين، والزعم بأن المرأة تصلي وتزكي وتسكت في ميدان النصيحة زعم باطل..
والذي حدث في القرون الأخيرة، في قرى كثيرة أن المرأة سقطت عنها هذه التكاليف كلها، فلا تصلي أو تزكي، إلا قبل الوفاة بفترة تطول أو تقصر بحسب الملابسات!..
على أن حراسة المجتمع تنقل من ميدان النظر إلى ميدان التطبيق، وهنا تبتعد المسافة بين أقوال الفقهاء في الإمكانات التي تعطاها المرأة، ويبلغ الاختلاف حد التضاد..
فابن جرير الطبري يجيز للمرأة القضاء في كل شيء يجوز للرجل أن يقضي فيه دون استثناء!.
ويقول الأحناف – كما جاء في البدائع – إن الذكورة ليست شرطاً شرطاً لتقليد منصب القضاء في الجملة، لأن المرأة من أهل الشهادة في الجملة، إلا أنها لا تقضي في الحدود والقصاص لأنها لا شهادة لها في ذلك، وأهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة!
وهنا نسأل: ما قيمة شهادة المرأة في الحدود والقصاص؟ والجواب أن جمهور الأئمة يردها!.. جاء عن الزهري رضي الله عنه، مضت السنة من رسول الله والخليفتين بعده أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود والنكاح والطلاق، وفي رواية أخرى والدماء!.
ويرفض ابن حزم هذا الكلام كله! ويجيز شهادة النساء في كل ما ذكر! ويقول في حديث الزهري: إنه بلية، وإن إسناده منقطع، وهو من طريق إسماعيل بن عياش – وهو روا ضعيف – عن الحجاج بن أرطاة – وهو هالك – تلك قيمة حديث الزهري عنده..
ويرى ابن حزم قبول شهادة المرأة في كل قضية بعد مضاعفة النصاب، فيقبل في حد الزنا ثماني نساء بدل أربعة رجال!.
والدليل الذي يعتمد عليه ابن حزم هو العموم الظاهر في حديث مسلم عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ" وما رواه البخاري عن ابي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث: "أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَا بَلَى"..
فقطع رسول الله بأن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل.. قال ابن حزم فوجب ضرورة أنه لا يقبل – حيث يقبل رجل لو شهد – إلا امرأتان، وهكذا ما زاد..
ويفسر ابن حزم قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا ٱلْأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِٱلْعَدْلِ} [النساء: 58].
فيقول: هذا متوجه بعمومه إلى الرجل والمرأة والحر والعبد، فيستثنى من عموم إجمال الدين!..
وقبل ذلك يقول ابن حزم: وجائز أن تلي المرأة الحكم، وهو قول أبي حنيفة، وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه ولي الشفاء – امرأة من قومه – السوق..
فإن قيل: قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إِلَى امْرَأَةٍ" قلنا: إنما قال رسول الله في الأمر العام الذي هو الخلافة.
برهان ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى مَال زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا". وقد أجاز المالكيون أن تكون وصية ووكيلة ولم يأت نص يمنعها من أن تلي بعض الأمور..
والفقهاء متفقون على أن شهادة المرأة مقبولة في المعاملات المالية لقوله تعالى: {وَٱسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَٰهُمَا ٱلْأُخْرَىٰ} [البقرة: 282].
وقد نقلت في أحد كتبي كلاماً للأطباء عن اعتلال مزاج المرأة وبدنها عند الدورة الشهرية وقلت: لعل ذلك سر توكيد خبرها بأخرى معها، والضلال هنا يعني الذهول والشرود.
وأبادر إلى القول بأني لست ظاهرياً، لكني أتبع الدليل حيث كان، وكثيراً ما أرفض اجتهادات لابن حزم ولغيره من أئمة الفقه، لأن وجهات نظر أخرى بدت لي أرجح.
وغايتي خدمة الإسلام بما يناسب المرحلة التي بلغتها الإنسانية كلها في هذا العصر الخطير..
إن تعاليم الإسلام قسمان، قسم مقطوه به، لا مكان لخلاف فيه..
وهذا القسم هو صلب الدين ومعقد أموره، ولا أثر لاختلاف الأمكنة والأزمنة فيه، والدعوة عامة إنما تكون إليه، والمفاضلة بيننا وبين غيرنا إنما تكون عليه..
أما القسم الأخر فهو القضايا الظنية والمسائل الخلافية.
إن المجال رحب هنا للأخذ والرد والفعل والترك
وقد رفض أولو الألباب أن يكون رأي مجتهد ما بمنزلة الوحي المعصوم في الأخذ به والتعويل عليه.
ومن ثم يجب ترك الناس أحرارا في التحول إلى غيره لسبب أو لآخر.
ولتوضيح ما أعني أريد – وأنا أعرض الإسلام في بلاد أخرى – ألا أغير سلوكاً في هذه البلاد يرى بعض فقهائنا ألا جرح فيه..
فإذا كانوا يقتنون الكلاب فليفعلوا فمالك بن أنس يرى الكلاب طاهرة الريق والعرق، وقد كان للفتية المؤمنين من أهل الكهف كلب يلازمهم في أحلك الأوقات.
وإذا كانوا يسمعون الموسيقى فليفعلوا، فالغزالي وابن حزم وغيرهم يرون سماعها ولا مساغ لزجرهم عن أمر ليس لدينا قاطع في منعه..
وإذا كانوا يولون النساء بعض المناصب المهمة فليفعلوا فما أستطيع باسم الإسلام أن أحظر عليهم ذلك، إن الحظر عندنا رأي مجتهد، وليس وحياً حاسماً.
الشيء الذي أتشبث به فعلاً وتركاً ما انعقد إجماعنا عليه.
أما عرض بعض المذاهب السائدة أو الشاذة، وعرض بعض التقاليد البدوية أو الحضرية على أنها الإسلام، فهذا ظلم للإسلام، وربما كان صدّاً عن سبيل الله..
وما أقوله هو ما كان عليه سلفنا الأول الذي نشر الدين عقائد وعبادات وأخلاقاً وقيماً جوهرية.. وقلما اكثرت بالتوافه والأشكال..
وأمر آخر أريد التنبيه إليه. أرى مع سير الزمن أن نغلغل النظر في الاجتهادات الفقهية لنعرف بدقة نتائجها التطبيقية.
إن الأئمة الأربعة أمضوا الطلاق الثالث ثلاثاً ولو بكلمة واحدة، وغبرت على ذلك قرون، ثم جاء ابن تيمية وغيره فجعلوا الثلاث واحدة..
وكنت في مصر أرقب أثر الطلاق على كيان الأسرة فوجدت صدوعاً رهيبة في هذا الكيان جعلتني أوثر فقه ابن تيمية وغيره، وأؤيد تحول المحاكم الشرعية عن رأي الأئمة.
لقد تركوا اجتهاداً إلى اجتهاد، ولا حرج، فالعصمة للوحي وليست لبشر ما..
وما يقال في قضايا الطلاق يقال في معاملات أخرى تجارية وزراعية، كانت مسرحاً رحباً لأنصار الفقهاء الأقدمين، أنه لا قداسة لاجتهاد، والخلود لكتاب الله وسنة رسوله.
وبديه أننا ندع اجتهاد فقيه لاجتهاد مثله، ولا نفتح الباب للأدعياء والدجالين ومن لا قدم لهم في علوم الشريعة..
وبديه أيضاً أننا نضاعف الأسوار حول المقطوع به، ونستميت دور أن يمسه أحد..
وقضايا المرأة فيها نصوص قطعية، وفيها اجتهادات فقهية اكتنفها الخطأ والصواب.
ويؤسفني القول بأن الجراءة على النصوص المستيقنة كان سببها تشبث المقلدين البله بأفكار رديئة عن حقوق المرأة العادية والعبادية..
إن الله أمر بالغض من البصر، ووجه هذا الأمر للمؤمنين والمؤمنات، فجاء من أمر بمنع النظر أصلاً..
فلا يجوز للمرأة أن ترى أو تُرى، ولتحقيق ذلك ثم حبسها أبدا في البيت..
ونشأ عن ذلك الغلو قتل إنسانية المرأة وإضاعة حقوقها الدينية والمدنية.,
ثم جاء من يعالج هذا العوج ينقل تقاليد أوربا وأمريكا، أي استبدال داء بداء..
ونحن نأبى غباوة هؤلاء وانحلال أولئك!!.. ونريد الأوضاع التي عرفها العهد النبوي والفقه الذكي الذي يدرك هذه الأوضاع..
إن محدثاً جليل القدر كأبي عبدالله البخاري نظر إلى السنن الصحاح ثم استنتج منها دون تكلف ولا تخوف أحكاماً يرفضها اليوم بعض الناس، ففي كتاب المرضى يذكر إمام المحدثين هذا العنوان "باب عيادة النساء الرجال، وعادت أم الدرداء رجلاً من أهل المسجد من الأنصار.. إلخ".
وفي مكان أخر يثبت عنواناً آخر "باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال" و "باب غزو المرأة في البحر".. إلخ.
ولو أن امرأة طلبت شيئاً من ذلك في بعض البيئات التي تحترف التديم لضربت حتى الموت، إنهم يقرءون البخاري للبركة لا للفقه..
وقد يبسطون ألسنتهم فينا بالقدح، لأننا أحيينا هذه الحقائق من ديننا السمح..
ومع ما ذكرنا فنحن نؤكد أن نشاط المرأة لا يحوز أن يكون على حساب أسرتها، وأن حق زوجها وولدها أسبق من شتى الحقوق الأخرى، وقد قرأت لوزيرة فرنسية، وأخرى إنكليزية أن عمل المرأة في بيتها هو رسالتها الأولى.. وهذا تفكير جيد. فإن منصب "رية البيت" منصب كبير وهو في نظري يحتاج إلى مؤهلات رفيعة..
وإنشاء الحياة وفق المقررات الإسلامية يتطلب حظوظاً مضاعفة من العلم والخبرة، فكيف توائم بين شتى الأوضاع والغايات؟.
ذاك ما يتطلب حسن التفكير والتنسيق..
-
الخميس AM 10:51
2022-03-24 - 1389