ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
هل نجح الإسلام في تحقيق أهدافه خلال تاريخه الطويل؟
عندما قرأت هذا السؤال أسرعت بالقول: لماذا لا يوجه هذا السؤال إلى الدينين السابقين عليه من الناحية التاريخية؟ هل أحدهما أو كلاهما حقق أهدافه، وفرض على العالم صبغته؟..
سكان العالم الآن أربعة مليارات ونصف تقريباً، فيهم مليار مسلم، ومليار نصراني، ومليار وثني، والباقي شيوعيون! ذلكم هو الانتماء الظاهر الذي يمكن إحصاره..
غير أني أنظر في الإجابة من ناحية أخرى، أن الإسلام لا يمثل نفسه عندما يفشل في سوق الأحياء جميعاً تحت لوائه! إنه يمثل الأديان كلها في الحقيقة، فمعنى أني مسلم أني أؤمن بموسى كأحد أتباعه الذين عاصروه وأيدوه، وأومن كذلك بعيسى كواحد من حوارييه الذين يحبونه وينصرونه! كل ما هنالك أني لأضم إلى الإيمان بهذين الرجلين الصالحين! إيماناً برجل آخر هو أخ لهما ومحيي لتعاليمهما، رجل تلقى عن ربه هذه العبارة {مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} [فصلت: 43].
فإذا لم ينجح أتباع محمد في بسط دعوته على الناس، فمعنى ذلك فشل الدين كله والرسل جميعاً!..
هذا عندما يكون الرفض لحقائق الرسالة المعروضة! أما إذا كان الرفض لسوء خلق العارض وفقدانه الوعي الصحيح، فإن اللوم أو التساؤل لا يوجه إلى الإسلام، بل إلى الأمة التي أساءت البلاغ، وشانت المبادئ التي تحملها! ويبدو أن ذلك هو المقصود من السؤال..
وإذا كان الأمر كذلك فإن السؤال يجب أن يصاغ على هذا النحو: هل نجح المسلمون في خدمة رسالتهم خلال القرون الأربعة عشر، أم كان فشلهم أغلب؟..
ومع أني شديد اللوم لأمتي، دائم التقريع لها فإنني لا أستطيع أبداً الزعم بأن اليهود أو النصارى كانوا خيرا منها حالاً، ولا تخدعني الهزائمم السياسية المعاصرة عن تقرير الحقيقة.. فلا يزال المسلمون برغم جراحاتهم الخطيرة أولى بالله، وأعرف برسالاته، وأملك لأسباب العافية، وأحق بالبقاء..
وما قدموه للعالم، وما ينتظر منهم تقديمخ يرجح كفتهم، ويعلي حجتهم..
إن الإسلام انتقل بالحياة البشرية نقلة حاسمة في عدة مجالات:
(أ) نقى عقيدة الوحدانية من كل شوائب الشرك.
(ب) رفض أي عنصر في الإيمان يناقض العقل.
(جـ) أقر المساواة في الحقوق والواجبات على اختلاف الألوان والأديان..
(د) خفف من ويلات الحروب وحرم الدمار الشامل.
ومع ما تعرض له التاريخ الإسلامي من مد وجزر، وذبول وازدهار، فإن الأمة الإسلامية فرضت طابعها المتميز على الفكر البشري، وجعلت خصومها يراجعون أنفسهم، ويجمدون بعض مواريثهم أو يتخلون عنها..
كانت صورة الألوهية مفزعة في كلمات بعض المتحدثين عن الله إذ يبدو رب العالمين وكأنه شخص حاسد ذاهل يخطيء ويندم ويجهل ويتراجع، ويفتقر إلى من يرشده ويصحح له عمله..
تأمل في هذه العبارات: لما قرر الله الانتقام من بني إسرائيل بعد عبادتهم للعجل قال موسى له: ارجع عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك! فندم الرب على الشر الذي قال: إنه يفعله بشعبه!..
وفي مكان آخر: فندم الرب واغتاظ لما أغضبه بنوه وبناته..
فندم الرب على أنه ملك "شاول" على إسرائيل!.
الرب كجبار يبرز، وكرجل قتال يثير غيرته، ويهتف، ويصرخ ويظفر على أعدائه..
سطع دخان من أنفه، ومن فيه نار آكلة جمر متقد، طأطأ السموات والضباب تحت قدميه، ركب على كروب وطار، وخطف على أجنحة الرماح.. إلخ..
وقد يعجب المرء عندما يرى أن الله أخرج آدم من الجنة غيرة منه أو خوفاً من مزاحمته له..
والنص الوارد أنه حظر على آدم الأكل من شجرة المعرفة خشية أن يكون مثله..
إن عقيدة الوحدانية والكمال المطلق لله سبحانه وتعالى كما عرضها المسلمون، قهرت وبهرت وجعلت العالمين يستكينون إليها ويتجاهلون ما عداها أو يذكرونه بحياء وإغماض!..
وهذا أثر إسلامي لا مثيل له..
وقد غالى المسلمون بالحكم العقلي، وقرروا أن ما يرفضه العقل يستحيل أن يكون دينا.. بل هو أهواء البشر.. وهذه النزعة الإسلامية شقت طريقها إلى مستقبل الإنسانية، وتخاذلت أمامها الملل والنحل.
ويسوؤنا أن نتهم الحضارة الحديثة بأنها لا تزال تحترم التفرقة العنصرية، وتتعامل مع الأجناس الملونة، ومع معتنقي الإسلام خاصة بمشاعر الضغن والزراية!..
إن القوانين – من الناحية النظرية – تلغي هذه التفرقة، أما من الناحية العملية فالحيف ينزل بالضعاف من المسلمين والزنوج دون حرج، وقد أصدرت هيئة الأمم المتحدة 250 (مائتين وخمسين) قراراً لمصلحة أهل فلسطين، لم ينفذ منها قرار واحد!
ولم يعرف المسلمون بتة حروب الإبادة الجماعية، ولم يعرف العالم فاتحاً أرحم من العرب، بل إن الأكراد والأتراك المسلمين كانوا أعف ألف مرة من الدوول الأوربية الغابرة والحاضرة على سواء.
وطيبة المسلمين إلى حد الغفلة المعيبة هي التي تجعلهم ينسون ما حل بآبائهم وإخوانهم في أيام نحسات..
لقد غزا "نابليون" مصر والشام فقتل في الشام أربعة آلاف أسير بعد ما أمنهم على حياتهم.
واستحر القتل بسكان مصر في الوجهين البحري والقبلي والعاصمة نفسها حتى اهتز عدد السكان، ولا يريد أن يذكر هذا أحد.
ويظهر أن اغتيال الأسرى على كثرتهم داء قديم، فإن صلاح الدين الأيوبي أرسل إلى "ريتشارد" ملك إنجلترا – وكان على رأس حملة صليبية تقاتل المسلمين في الشرق – أرسل إليه بفدية كبيرة ليفك قيود هؤلاء الأسرى فماذا حدث؟..
إليك ما كتبه "ستيفن رنسيمان" في الجزء الثالث من "تاريخ الحروب الصليبية" بعد ما شرح مراوغات "ريتشارد" وتعنت مفاوضيه قال: أضحى "ريتشارد" حريصاً على أن يغادر عكا وأن يزحف على بيت المقدس، وصار الأسرى المسلمون مصدر حيرة له ثم انشرح صدره للخلاص منهم بعد ما دبر اعتذاراً رآه مقبولاً، قال: إن صلاح الدين نقض عهده معه، ومن أجل ذلك فقد أمر بالإجهاز على 2700 ألفين وسبعمائة أسير من الذين بقوا على قيد الحياة من حامية عكا!.. قال المؤلف: ".. واشتد حماس عساكره للقيام بهذه المجزرة، وحمدوا الله في جزل وسرور.. حسبما يروي المدافعون عن ريتشارد – فقد هيأ لهم فرصة للانتقام لرفاقهم الذين سقطوا أمام المدينة أثناء الهجوم عليها، ولقي زوجات الأسرى وأطفالهم مصارعهم إلى جوار رجالهم!..
ولم يبق الصليبيون إلا على بعض رجال يستفيدون منهم في أعمال السخرة، وبعض الأعيان، أما الباقوت فقد فنوا جميعاً، وشهد المسلمون المرابطون في أقرب المعاقل إلى عكا ما قد حدث فاندفعوا لإنقاذ إخوانهم وأهليهم، وعلى الرغم من أنهم ظلوا يقاتلون حتى حلول الظلام فقد عجزوا عن الوصول إليهم..
ولما انتهت المذبحة غادر الإنجليز البقعة بما تناثر عليها من الجثث المشوهة، وأضحى بوسع المسلمين أن يقدموا للتعرف على أصدقائهم الذين استشهدوا..
لندع هذا المشهد الكئيب، ولنترك دلالاته البينة، ولننتقل مع "ستيفن رنسيمان" إلى مشهد آخر ذكره في الجزء الثاني من كتابه بعد ما انتصر صلاح الدين في حطين.. قال: "وقبل صلاح الدين أن يضع شروط الصلح، فعرض بأن بوسع كل مسيحي أن يفتدي نفسه، على أساس عشرة دنانير للرجل، وخمسة دنانير للمرأة، ودينار للطفل، وعندئذ أشار باليان إلى أن بالمدينة حوالي عشرين ألفاً من الفقراء، ليس بوسعهم أن يؤدوا هذا المبلغ، أفلا يجوز للسلطات المسيحية أن تدفع مبلغاً إجمالياً، لافتدائهم ورضي صلاح الدين بأن يقبل مائة ألف دينار عن جميع العشرين ألفاً، غير أن باليان أدرك أنه ليس من المستطاع تحصيل هذا المبلغ الضخم، فتقرر إطلاق سراح سبعة آلاف مقابل دفع ثلاثين ألف دينار وبناء على أوامر باليان، ألقى العسكر السلاح. وفي يوم الجمعة 2 أكتوبر سنة 1187م، دخل صلا ح الدين بيت المقدس، ويوافق هذا التاريخ السابع والعشرين من رجب، الذي يجري فيه الاحتفال بعيد الإسراء، حين أسرى النبي إلى بيت المقدس، ثم ارتقى إلى السماء..
والواقع أن المسلمين الظافرين اشتهروا بالاستقامة والإنسانية، فبينما كان الفرنج منذ ثمان وثمانين سنة يخوضون في دماء ضحاياهم، لم تتعرض الآن دار من الدور للنهب، ولم يحل بأحد من الأشخاص مكروه. إذ صار رجل الشرطة، بناء على أوامر صلاح الدين، يطوفون بالشوارع والأبواب يمنعون كل اعتداء يقع على المسيحيين. وفي تلك الأثناء حرص كل مسيحي على أن يلتمس المال اللازم لافتدائه. وأخذ باليان كل ما في بيت المال من الأموال لدفع ما وعد به من أموال الافتداء، وقدرها ثلاثون ألف دينار. ولم يخرج الاسبتارية والدواوية عن شيء من أموالهم إلا بصعوبة، ولم يحفل البطريرك وهيئة الكنيسة إلا بأنفسهم، ودهش المسلمون حينما رأوا البطريرك هرقل يؤدي عشرة دنانير، مقدار الفدية المطلوبة منه، ويعادر المدينة، وقد انحنت قامته لثقل ما يحمله من الذهب، وقد تبعته العربات التي تحمل ما بحوزته من الطنافس والأواني المصنوعة من المعادن النفيسة. وبفضل ما تبقى من منحة الملك هنري الثاني، تقرر إطلاق سراح سبعة آلاف من الفقراء.
وقد كان يصح أن ينجو من الاسترقاق ألوف عديدة من المسيحيين لو أن الاسبتارية والدواوية والكنيسة كانوا أكثر سخاء، ولم يلبث أن تدفق من أبواب المدينة طابوران من المسيحيين، تألف الأول من أولئك الذين افتدوا أنفسهم، أو تم افتداؤهم بفضل جهود باليان، أما الطابور الثاني فشمل أولئك الذين لم يستطيعوا افتداء أنفسهم، ولذا توجهوا إلى الأسر. ومن المناظر التي تدعو للأسي والحزن، ما حدث من التفات العادل إلى أخيه صلاح الدين يطلب منه إطلاق سراح ألف أسير، على سبيل المكافأة عن خدمته له، فوهبهم له صلاح الدين، فأطلق العادل على الفور سراحهم. وإذا ابتهج البطريرك هرقل لأن يلتمس هذه الوسيلة الرخصة لفعل الخير، لم يسعه إلا أن يطلب من صلاح الدين أن يهبه بعض الأرقاء ليعتقهم، فبذل له صلاح الدين سبعمائة أسير، كما جعل صلاح الدين لباليان خمسمائة أسير. ثم أعلن صلاح الدين أنه سوف يطلق سراح كل شيخ، وكل امرأة عجوز. ولما أقبل نساء الفرنج اللائي افتدين أنفسهن، وقد امتلأت عيونهن بالدموع، فسألن صلاح الدين أين يكون مصيرهن، بعد أن لقي أزواجهن أو آباؤهن مصرعهم أو وقعوا في الأسر، أجاب بأنه وعد بإطلاق سراح كل من في الأسر من أزواجهن. وبذل الأرامل واليتامي من خزانته العطايا كل بحسب حالته. والواقع أن رحمته وعطفه كان على نقيض أفعال الغزاة في الحملة الصليبية الأولى"..
إن الأمة الإسلامية – برغم تعاسة الظروف التي ألمت بها – أرست قواعد خير كثير في هذه الحياة، وما يبقى لها بعد معادلات الحذف والإضافة يزينها ولا يشينها...
وأعرف أن خصومها أصفق وجوها وأقدر على فعل المناكر ودفنها فلا تعرف، وأجرأ على تلمس العيوب للبرآء، والإصرار عليها حتى تثبت..
وفي عصرنا هذا أمر رجل دين أحمق في غيانا بأمريكا الوسطى ألف شاب بالانتحار الجماعي، فماتوا كلهم في صمت! ولو فعل شيخ مسلم واحد في المائة من هذه المأساة لدمغت الأمة الإسلامية بعار لا تقدر على الإفلات منه! ولنسب للإسلام كل شر!..
وما ننكر أن هناك منصفين صارحوا بفضل الأمة الإسلامية على العالم وآخر ما قرأنا لهؤلاء كتاب "شمس العرب تسطع على الغرب" لأستاذة ألمانية طاهرة الذمة..
صحيح أن المسلمين اليوم في أوضاع بالغة السوء! وصحيح أن فساد الحكم حقباً طويلة من وراء هذا الانحدار، بيد أن الأمة الجريحة لا تزال أنبل من قاتليها، ولا تزال ثروتها الروحية أجدر بالتقدير، وأحق بالتقديم..
إن الذكاء الأناني في أوربا وأمريكا سيجر الويل على أصحابه وقد يجره على العالم كله، ما لم يرحمنا الله..
-
الخميس AM 11:00
2022-03-24 - 1607