ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
رحلة العقول من الإلحاد إلى الإيمان
إن عرض بعض النماذج لمشاهير تحولوا من الإلحاد إلى الإيمان مفيد لشبابنا الحائر، الذي تتعرض أصول معتقداته الدينية للاهتزاز والشكوك بسبب ضعف مناعتهم الفكرية، وبنيتهم العقائدية، وهو ما يقود في العديد من الحالات إلى الوقوع في مستنقع الضياع الفكري القاتل نتيجة لسيل الشبهات التي تغزوا عقولهم من اتجاهات عديدة دون أن يكون لديهم المناعة التي تدفع عنهم غائلة هذه الشبهات.
ولما كان من الصعب، أو المستحيل استعراض جميع حالات المفكرين والعلماء الذين تحولوا من الإلحاد إلى الإيمان عبر العصور والأوطان، فسأكتفي بذكر بعض النماذج لهؤلاء المشاهير ومنهم:
أنتوني فلو:
“أنتوني ريتشارد فلو” فيلسوف بريطاني ولد عام 1923م كان واحداً من أكبر الملاحدة في العصر الحالي وعرف باسم “شيخ الملحدين”، وهو ينتمي إلى تيار الفلسفة التحليلية (1)، واشتهر بكتاباته عن فلسفة الأديان، وقد قام بتأليف أكثر من (30) كتاباً، أغلبها يحاول فيها دحض فكرة الدين، واشتهرت عنه مقولته: إن على المرء أن يظل ملحداً حتى يجيء الدليل التجريبي على وجود الإله”.
لقد غير” أنتوني فلو” في أواخر حياته قناعاته الشخصية، ففي عام 2004م، وخلال مناظرة فلسفية أعلن عن تحوله إلى الإيمان بالله، وتخليه عن الإلحاد، وقام بتأليف كتاب نسخ به كتبه السابقة، وهو كتاب “هناك إله”.
وعلى إثر إعلانه عن تحوله إلى الإيمان بالله تعرض (فلو) لحملة تشهير ضخمة من المواقع الإلحادية العالمية، وذلك لأنه ولخمسين عاما كان يعتبر من أهم منظري الإلحاد في العالم، وقد شكل خبر تحوله إلى الإيمان بالله صدمة قوية وسط الفكر الإلحادي في العالم .
توفي الفيلسوف (أنتوني فلو ) عام 2010 م عن عمر يناهز السبع والثمانين عاماً.
يقول (فلو) عن نفسه: منذ أن أعلنت عن تحولي إلى الألوهية، طلب مني في مناسبات كثيرة جداً بيان أسباب تغيير وجهة نظري، لكنني لم أبين وجهة نظري في ذلك .
أما الآن فقد انتهيت إلى القناعة بأن أعرض ما يمكن تسميته وصيتي، وشهادتي الأخيرة باختصار، وكما يدل عنوان الكتاب: أنا أعتقد الآن بأن هناك إلها “(2).
ثم يقول: لقد صرت على قناعة كاملة بأن هذا الكون ظهر إلى الوجود عن طريق خالق (ذكي)، وأن ما في الوجود من قوانين ثابتة متناغمة تعكس ما يمكن أن نسميه (فكر الإله)، كما أومن بأن نشأة الحياة والتنوع الهائل للكائنات الحية لا ينشأ إلا عن مصدر سماوي”(3).
ولا شك أن تجربة فلو التي استمرت أكثر من خمسين سنة في الإلحاد، وكتابته العديد من المناظرات التي تدافع عن ذلك، ثم تحوله بعد كل هذه السنين إلى الإيمان بالله لا بد أن يضيف مصداقية كبيرة للمتحولين من الإلحاد إلى رحاب الإيمان.
منير شفيق:
ولد شفيق في القدس لأبوين مسيحيين عام 1934م ثم انخرط في العمل السياسي في الحزب الشيوعي الأردني .
ثم صار من كبار منظري ومناضلي الفلسفة الماركسية الإلحادية في الشرق الأوسط حتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي.
شكل مع بعض المنظرين الشيوعيين ما سمي باللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الشرق الأوسط، على غرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي سابقا، وكان شفيق من أبرز أعضائها. وكان لهذه اللجنة المكونة من تسعة أعضاء دور فعال في تربية قيادات الأحزاب الشيوعية في كل من العراق، وسوريا، ولبنان، والأردن وفلسطين .
وقد زارت اللجنة موسكو في بداية السبعينيات بدعوة من السفارة الروسية للاطلاع على تجربة الاتحاد السوفيتي في تطبيق النظرية الماركسية، لكن اللجنة عادت بخيبة أمل كبيرة لما رأوا أن الاتحاد السوفيتي لا يطبق الأفكار الماركسية في جانبها الاجتماعي والاقتصادي كما وضعها (كارل ماركس) المؤسس، وقررت اللجنة أن تتابع عملها بعيداً عن موسكو وتطبيقاتها الماركسية المزعومة.
ومن أهم مؤلفات شفيق في حقبته الماركسية، والتي لا يزال يحتفى بها في أروقة الفصائل الماركسية، ومنها يستلهمون معينهم الفكري إلى الآن:
1- الماركسية اللينينية والثورة الملحة .
2- الماركسية اللينينية ونظرية الحزب الثوري .
3- في علم الحرب.
تحول شفيق من الشيوعية الملحدة إلى الإسلام
أما عن تحوله إلى الإسلام فيروي شفيق (4) أن أعضاء اللجنة المركزية قررت تنويع مصادر ثقافتهم الماركسية بالاطلاع على مصادر الثقافات الأخرى بهدف إثراء ثقافتهم وتعضيدها.
وكان قرار اللجنة الاجتماع على قراءة ودراسة الكتب المقدسة بدءا بـ(الويدا) الكتاب المقدس عند الهندوس، ثم (توراة ) اليهود، ثم (إنجيل) النصارى، ثم (قرآن) المسلمين، والاستعانة بمفسرين لهذه الكتب من كل ملة، يشرح لهم معانيها ويجيب على تساؤلاتهم، واستفساراتهم.
ثم يحكي الأستاذ منير شفيق عن هذه التجربة فيقول: وبعد قراءة هذه الكتب المقدسة لدى أهل الديانات المختلفة تبلورت لديهم قناعة راسخة بعد التحليل والمقارنة أن ما جاء في القرآن الكريم من قيم إنسانية، وأحكام عملية، وإجابات شاملة على كافة تساؤلاتهم يعتبر قمة في الثقافة، والفكر، والنهج الحضاري الإنساني، لا يماريه في ذلك كتاب مقدس آخر، أو فكر آخر .
ويقول: ثم تولدت لدى أعضاء اللجنة المركزية فكرة محاولة تطبيق أوامر القرآن وتعاليمه، والالتزام بفضائله وآدابه حتى تتحقق الاستفادة منه، وعند ذلك بدأ التفكير الجاد بالتحول نحو الإيمان بالإسلام .
وبعد تحول الأستاذ منير شفيق من الشيوعية والإلحاد إلى الإسلام، كتب عددا من الكتب والمقالات التي تميزت بثقافة واسعة، وتأصيل منهجي وآفاق فكرية شمولية، ومن أهمها:
1- الإسلام في معركة الحضارة.
2- الإسلام وتحديات الانحطاط المعاصر.
3- بين النهوض والسقوط .
4- قضايا التنمية والاستقلال.
5- في نظريات التغيير .
6- النظام الدولي الجديد وخيارات المواجهة.
إلى غير ذلك من المؤلفات والمقالات والأبحاث في مجال الفكر والسياسة. ويعتبر الأستاذ شفيق منير اليوم من أبرز المفكرين الإسلاميين بدراساتهم، وتحليلاتهم، وآرائهم، خصوصاً تلك التي تعرضت لمفرزات الحضارة الغربية من مدارس فكرية، وتيارات سياسية بالنقد والتحليل.
جيفري لانج:
بروفسور في الرياضيات ولد عام 1954م في مدينة برديجبورت الأمريكية، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة “بوردو” وهو الآن أستاذ في قسم الرياضيات في جامعة كنساس وجامعة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية .
يقول جفري عن نفسه: ولدت مسيحياً من أبوين مسيحيين، ثم تابع تعليمه حتى الثانوية العامة، وفي هذه المرحلة كان جفري كثيراً ما يعترض على معلم اللاهوت في تقرير وجود الخالق، وفق عقيدة التثليث النصرانية، وبسبب تكرار اعتراضات جفري ومناقشاته طرده المعلم من الدرس واصفاً إياه بالإلحاد، حتى شاع ذلك بين أسرته وزملائه ولم يكن هذا الوصف مستنكراً عند جفري، بل كان يعترف بإلحاده، وإنكاره لوجود الخالق ودفاعه عن ذلك .
وبقي جفري ملحداً عشر سنين تالية، وكان قد أتم دراسته الجامعية العليا، وعين أستاذا في جامعة سان فرانسسيسكو، وفي هذه الجامعة تعرف على طالب عربي كان يدرس عنده وتوثقت علاقته به، ثم أهداه الطالب نسخة مترجمة من القرآن الكريم، وكان ذلك سبباً لإسلامه .
يقول جفري: فلما قرأته لأول مرة شعرت كأن القرآن هو الذي يقرؤني، وشعرت أنني أمام أستاذ علم النفس، يسلط الأشعة على كل مشاعري المخبأة، وكنت عند مناقشة بعض المشاكل أجد القرآن أمامي بالمرصاد، يغوص في أعماقي فيجعلني عارياً أمام الحقيقة”. ثم يقول: “لقد وجدت في القرآن إجابات عقلية ومنطقية لكل ما يدور في نفسي من تساؤلات، وهذا الأمر دفعني للإيمان بالله عن طريق الإسلام، وهكذا أصبحت مسلماً(5).
ولم يكتف جفري باعتناق الإسلام، بل كتب كتابات وصفت بالعمق والشمولية لاسيما في مسيرته الشخصية من الإلحاد إلى الإيمان ومنها:
1- الصراع من أجل الإيمان انطباعات أمريكي اعتنق الإسلام (6). عرض فيه تجربة تحوله من الإلحاد إلى الإيمان.
2- حتى الملائكة تسأل.
- ضياع ديني صرخة المسلمين في الغرب (7).ويعتبر د.جفري لانج الآن من أبرز الفقهاء المشهورين والدعاة والمفكرين في الولايات المتحدة الأمريكية.
* المصدر: رابطة العلماء السوريين.
الهوامش:
(1)هي فلسفة راجت في الغرب في القرن العشرين خصوصاً في إنجلترا، وهي تهتم بإرجاع الفلسفة إلى اللغة، وتحليل التراكيب اللغوية لاستكشاف عالم الواقع بوصفها حاكية عنه، ومن أبرز رموز هذه الفلسفة برناردرسل،، ثم ظهرت من هذه الفلسفة مدارس متعددة منها الفلسفة المنطقية التي كان من أبرز أعلامها رودلف كارناب (1970)م هذه المدرسة_ التي اندثرت تقريبا _ كانت لا تؤمن بما وراء الطبيعة كالإله مثلا، وترى يأن أي جملة تتحدث عن موضوع ينتمي إلى ما وراء الطبيعة إنما هي جملة لا معنى لها لأنها لا تشير إلى واقع .
(2) عن مقدمة مؤلف كتاب (هناك إله) ص/3 ترجمة صلاح الفضلي، الطبعة الثانية 1438م.
(3) المصدر نفسه.
(4)وقد سمعت منه هذا العرض المفصل الشيق لقصة تحول الأستاذ منير من الشيوعية إلى الإسلام في لقاء ضمنا في عمان عام 2000م بحضور بعض المفكرين العرب، وكان عرضاً رائعاً مفصلاً جديراً بأن يسجل كتجربة تاريخية لرحلة من الإلحاد إلى الإيمان، ليكون في متناول الجيل الباحث عن الحقيقة في معترك الصراعات الفكرية والإيديولوجية.
(5) انظر حتى الملائكة تسأل ص/ 272 ترجمة د/ منذر العبسي، دار القلم دمشق .
(6) ترجمة د/ منذر العبسي، دار القلم دمشق
(7) ترجمة وتحقيق إبراهيم يحيى الشهابي، دار الفكر المعاصر.
-
الاربعاء PM 12:34
2021-08-25 - 1808