المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417534
يتصفح الموقع حاليا : 248

البحث

البحث

عرض المادة

فليكس أدلر (1851-1933) - اليهودية المتمركزة حول الأنثى

فليكس أدلر (1851-1933(
Felix Adler
فيلسوف يهودي أمريكي وتربوي ومؤسس حركة الحضارة الأخلاقية. وُلد في ألمانيا وهاجر إلى نيويورك وهو بعد في السادسة حينما عُيِّن أبوه، أحد رواد اليهودية الإصلاحية، حاخاماً لمعبد إيمانو ـ ريل الإصلاحي.


درس أدلر في جامعة كولومبيا وفي جامعات برلين وهايدلبرج وفي مدرسة علْم اليهودية (في ألمانيا) حيث درس الأدب المكتوب بالعبرية والفلسفة الكانطية ونقد العهد القديم. وقد بدأت بعض الاتجاهات الإصلاحية تأخذ شكلاً متطرفاً في فكره، فقد بدأ يؤكد الجانب العقلي في الدين وإمكانية معرفة الخالق عن طريق العقل وحسب. وبدأ يرفض الجوانب الجمالية والشعائرية في اليهودية، وأية اتجاهات ذات طابع يهودي خاص، أي أنه اتجه اتجاهاً عقلياً أخلاقياً ربوبياً. حتى أنه كان يلقي مواعظ في المعابد لا تَرد فيها كلمة «الإله».

ويشبه أدلر في هذا الفيلسوف الأمريكي إمرسون الذي رفض العقيدة الموحدانية وأصبح ترانسدنتالياً، أي يؤمن بقوة ما متجاوزة للطبيعة (كان يسميها إمرسون الروح الكلية «أوفرسول Over-Soul») وبمقدرة الإنسان على معرفة الخير والحق بنفسه دون حاجة لوحي إلهي أو ميتافيزيقا. وقد تأثر أدلر بإمرسون ولانجه وكانط والأخلاقيات (دون العقائد) المسيحية (أي أنه أصبح نسخة يهودية من إمرسون).

وقد رفض أدلر فكرة الإله الشخصي الذي يرعى البشر وبدلاً منه طرح فكرة العنصر الأخلاقي المركب الذي يتكون من ذواتنا الداخلية في أعلى تحقُّق لها. فهو يؤمن بأن كل إنسان يحوي داخله «طبيعة نبيلة سامية» تود أن تتحقق، ولكل إنسان فرديته، ولكن العلاقة الإنسانية الحقة هي التي تساعد هـذه الطبـيعة النبيــلة الكامــنة فينا على التحــقق في العالم الخارجي. وكان أدلر يؤمــن بأن إدراك هـذه الطبـيعة النبيلة سيتزايد كلما ازدادت علاقة الناس بعضهم ببعض. وهذا الإدراك المتزايد سيتحقق في المجتمع الديموقراطي والعلمي الحديث، ومن ثم فالإنسان لا يحتاج إلى تعويض في الآخرة ولا يحتاج إلى ميتافيزيقا، ولا يحتاج إلى أية مؤسسات أو عقائد أو شعائر دينية. وقد استفاد أدلر بما سماه «رسالة الأنبياء الأخلاقية» ولكنه رفض المنظومة العقائدية اليهودية، فهو يُصر على العام والعقلي، ويرفض الخصوصية.

ولا يوجد شيء جديد أو أصيل في فكر أدلر فهو تطبيق لفكر حركة الاستنارة في عالم الدين والأخلاق الذي يترجم نفسه إلى منظومة ربوبية يوجد داخلها إله شاحب أو مطلق أخلاقي غير متجاوز.

وقد كتب أدلر عدة مؤلفات أهمها العقيدة والفعل (1877)، وسيرة ذاتية بعنوان فلسفة أخلاقية للحياة (1918)، وإعادة تجديد المثل الأعلى الروحي (1934(.

اليهودية المتمركزة حول الأنثى
Feminist Judaism
كلمة «فيمنست feminist» الإنجليزية في تَصوُّرنا مختلفة تماماً عن عبارة «ويمنز ليبريشياون موفمنت Women's Liberation Movement». فالعبارة الأخيرة، يمكن التعبير عنها بعبارة «حركة تحرير المرأة» أما الأولى فنحن نؤثر التعبير عنها بعبارة «حركة التمركز حول الأنثى» (لأسباب سوف نوردها فيما بعد). ومن هنا قولنا «اليهودية المتمركزة حول الأنثى» (الأنثى اليهودية بطبيعة الحال). وقد ظهرت حركات سياسية واجتماعية وفكرية تدور حول موضوع المرأة في المجتمع. ويمكن أن نقسم هذه الحركات إلى اتجاهين: حركات تحرير المرأة، وحركات التمركز حول الأنثى. والحركات الأولى حركات اجتماعية سياسية فكرية تهدف إلى تحقيق العدالة في المجتمع بحيث تنال المرأة ما يطمح إليه أي إنسان من تحقيق ذاته إلى الحصول على مكافأة عادلة (مادية أو معنوية) لما يقدم من عمل. وعادةً ما تطالب مثل هذه الحركات بحقوق المرأة سواء السياسية (حق المرأة في الانتخاب والمشاركة في السلطة)، أو الاجتماعية (حق المرأة في الطلاق وفي حضانة الأطفال)، أو الاقتصادية (مساواة المرأة بالرجل في الأجور). وبرغم أن حركات تحرير المرأة تَصدُر عن مفهوم تعاقدي للمرأة (باعتبارها فرداً مستقلاًّ بذاتها لا باعتبارها أماً وعضواً في أسرة)، فإن حركات تحرير المرأة تدور في إطار بعض القيم الاجتماعية المستقرَّة، وتَقَبل المفهوم التقليدي لدور المرأة في المجتمع والمفهوم التقليدي للطبيعة البشرية.


أما حركات التمركز حول الأنثى فهي رؤية معرفية أنثروبولوجية اجتماعية تقف على طرف النقيض من كل هذا، فهي تَصدُر عن مفهوم أساسي هو أن تاريخ الحضارة البشرية إن هو إلا تعبير عن هيمنة الذكر على الأنثى، وهي هيمنة تمت إثر معركة أو مجموعة من المعارك حدثت في عصور موغلة في القدم حينما كانت المجتمعات كلها مجتمعات أمومية تسيطر عليها الأنثى أو الأمهات، وكانت الآلهة إناثاً، وكان التنظيم الاجتماعي نفسه يتصف بالأنوثة، أي بالرقة والوئام والاستدارة (التي تشبه نهود الإناث وعضو التأنيث). ثم سيطر الذكور وأسسوا مجتمعاً مبنياً على الصراع والسلاح (الذي يشبه عضو التذكير) وعلى الغزو (الذي يشبه اقتحام الذكر للأنثى). وانطلاقاً من هذه الرؤية للتاريخ، يطرح دعاة التمركز حول الأنثى برنامجاً إصلاحياً يدعو إلى إعادة صياغة كل شيء؛ التاريخ واللغة والرموز، بل الطبيعة البشرية نفسها. فالتاريخ في تصورهم سرد للأحداث من وجهة نظر ذكورية، ولابد أن يعاد السرد من وجهة نظر أنثوية، والرموز التي فرضها الذكور لابد أن تضاف إليها رموز أنثوية. واللغات، التي عادةً ما تفضل صيغة التذكير على صيغة التأنيث، لابد أن يعاد بناؤها بحيث تستخدم صيغاً محايدة أو صيغاً ذكورية أنثوية. وهذا البرنامج الإصلاحي يهدف في نهاية الأمر إلى إعادة صياغة الإدراك البشري نفسه للطبيعة البشرية كما تحققت عبر التاريخ وتجلت في مؤسسات تاريخية وأعمال فنية، فهذا التحقق وهذا التجلي إن هما إلا انحراف عن مسار التاريخ الحقيقي بعد استيلاء الذكور عليـه!

إن ما تُنادي به حركة التمركز حول الأنثى يختلف تماماً عما تنادي به حركة تحرير المرأة. فالرجل يمكنه أن ينضم إلى حركة تحرير المرأة، ويمكنه أن يدخل في حوار بشأن ما يُطرَح من مطالب لضمان تحقيق العدالة للمرأة ولضمان ألا تتحول الاختلافات بين الجنسين إلى أساس بيولوجي للتفاوت الاجتماعي والاقتصادي بينهما (وكأن المرأة تعادل الرجل الأسود في المنظومة العنصرية الغربية البيضاء). ويمكن أن يتبنى المجتمع الإنساني بذكوره وإناثه برنامجاً للإصلاح في هذا الاتجاه، ومن الممكن أن يؤيد الرجال والنساء ذلك. أما حركة التمركز حول الأنثى فلا يمكن أن ينضم لها الرجال، فالرجل باعتباره رجلاً لا يمكنه أن يشعر بمشاعر المرأة، كما أنه مُذنب يحمل وزر هذا التاريخ الذكوري، رغم أنه ليس من صنعه. ولا يوجد برنامج للإصلاح وإنما يوجد برنامج للتفكيك يهدف إلى تغيير الطبيعة البشرية ومسار التاريخ والرموز واللغات.

وفي تَصوُّرنا أن الرؤية الكامنة وراء حركة التمركز حول الأنثى رؤية حلولية تستند إلى رؤية واحدية كونية إذ تحاول اختزال الكون بأسره إلى مستوى واحد، فتدمج الإله والطبيعة والإنسان والتاريخ في كيان واحد وتحاول أن تصل إلى عالم جديد تماماً تتساوى فيه الأطراف والمركز، عالم لا يوجد فيه قمة وقاع ولا يمين ويسار (ولا ذكر وأنثى)، وإنما يأخذ شكلاً مسطحاً تقف فيه جميع الكائنات الإنسانية والطبيعية على أرضية واحدة وتَمَّحي فيها كل الثنائيات.بل إن تحقُّق هذا النمط يتم عند نقطة الصفر حين تصبح كل الكائنات شيئاً واحداً. وبينما تعترف حركة تحرير المرأة بالاختلافات بين الرجل والمرأة، وتحاول ألا يكون هناك تفاوت اقتصادي أو إنساني نتيجة هذا الاختلاف، فإن حركة التمركز حول الأنثى لا ترفض التفاوت وحسب وإنما ترفض الاختلاف نفسه. وبينما تعترف حركة تحرير المرأة بأن هذا الاختلاف يؤدي إلى اختلاف في توزيع الأدوار وتأمل ألا ينجم عن هذا الاختلاف ظلم أو تفاوت اجتماعي، فإن حركة التمركز حول الأنثى ترفض توزيع الأدوار وتطالب بأن يصبح الذكور آباء وأمهات، وأن تصبح الإناث بدورهن آباء وأمهات. بل إن الأمر يمتد ليشمل الأحاسيس نفسها. فالمرأة يجب أن تشعر مثل الرجل، والرجل يجب أن يشعر مثل المرأة. ويمتد الأمر لرؤية الإنسان للإله. فحركة التمركز حول الأنثى ترى أن كل التاريخ يدور حول مركز، وهذا المركز هو الرجل؛ عضو التذكير، السلطة، الإله الذكر. ويجب أن يحل محل هذا شيء محايد بحيث ينظر للإله باعتباره ذكراً وأنثى، أو ذكراً ثم أنثى، أو ذكراً في أنثى، أو لا ذكر ولا أنثى (وهذه هي مرحلة ما بعد الحداثة حين تسقط كل الحدود ويضمُر المركز ثم يختفي).

والمفارقة الكبرى تكمن في أن حالة السيولة الحلولية الكونية ينتُج عنها حالة تفـتُّت ذري وازدواجيــة صلبة. وتظهــر الازدواجيـة الصلبة في تأكيـد حركة التمــركز حول الأنثى أن ما تحس به الأنثى لا يمكن أن يحس به الذكر، ومن ثم فالتجربة التاريخيــة للأنثى مغــايرة تماماً للتجـربة التاريخية للذكر. أما التفتت الذري فيظهر في مطالبة مساواة الذكر بالأنثى بشكل مطلق. وحينـما نصل إلى هذه المرحلة، فإننا لا نتحدث عن برنامج للإصلاح وإنما عن برنامج تفكيـكي تختـفي فيه كل المقولات الثــنائية التقلـيدية، مثل: إنسان/طبيعة، إنسان/حيــوان، ذكــر/أنثــى، ويختـفي المركــز تماماً، ويصــبح التمييز مستحيلاً. ولذا، تلتحم حركة التـمركز حول الأنثى بحركات حلولية مماثلة كالدفاع عن السحاق، وعــبادة الأرض، فهي جميــعاً حركــات تفـترض أن ما هو مطــلق لا يتجاوز المادة وإنما يكمن ويحل فيها، فهو الأرض بالنســبة لعبدة الطبيــعة، وهو الأنثــى بالنــسبة لحركــات التمــركز حول الأنثى، وهو الطبقة العاملة بالنسبة للفكر الشيوعي، والمنفعة واللذة الفردية بالنسبة لليبرالية. وهذا المطلق الحال هو الذي يحرك التاريخ ويساوي بين كل الكائنات ويسويها الواحدة بالأخرى.

ويبدو أن المرأة اليهودية كانت مرشحة أكثر من غيرها لأن تنخرط في صفوف حركات تحرير المرأة ثم حركات التمركز حول الأنثى في الغرب لأسباب عديدة، من بينها:

1 ـ ارتفاع معدلات العلمنة بين الإناث اليهوديات في الغرب بنسبة تفوق مثيلتها لا بين أعضاء المجتمع وحسب وإنما بين الذكور اليهود أنفسهم (ولعل هذا يعود إلى أن الأنثى اليهودية كانت لا تتلقى تعليماً دينياً، كما أنها كانت غير ملزمة بأداء كثير من الشعائر الدينية اليهودية).

2 ـ لابد أن الفكر الحلولي اليهودي ولَّد لدى الإناث اليهوديات قابلية عالية للغاية لتَقبُّل نزعة التمركز حول الأنثى والدعوة إليها. ويُلاحَظ أن مقولة يهود/أغيار تقابل تماماً مقولة أنثى/ذكر. كما أن التمركز حول الأنثى يشبه التمركز حول الهوية اليهودية. ورؤية تاريخ البشر كتاريخ ظلم وقمع واضطهاد (لليهود وللإناث)، هو الآخر، عنصر مشترك. ويشترك الفريقان في البرنامج التفكيكي العدمي.

ويعود تاريخ حركة تحرير المرأة بين أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب إلى عصر التنوير في ألمانيا، حيث عبرَّت عن نفسها في ظاهرة صالونات النساء الألمانيات اليهوديات، مثل راحيل فارنهاجن، وفي ظهور أديبات يهوديات مثل إما لازاروس، ونساء يهوديات في الحياة العامة مثل روزا لوكسمبرج (في الحركة الشيوعية) وهنريتيا سيزولد (في الحركة الصهيونية). ويمكن القول بأن الحديث عن حركة مستقلة لتحرير المرأة اليهودية أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً، إذ أن حركة تحرير المرأة هي مسألة متعلقة بحقوق المرأة في المجتمع، وهو أمر يقع داخل رقعة الحياة المدنية العامة (وكفاح المرأة اليهودية للحصول على حقوقها لا يختلف في الواقع عن كفاح النساء غير اليهوديات، بل هو جزء عضوي منه). وقد تركت حركة تحرير المرأة أثرها في المؤسسات الدينية اليهودية التي بدأت تفتح أبوابها للنساء. وبدأت اليهودية الإصلاحية والمحافظة تحث النساء اليهوديات على المشاركة في الصلوات التي تُقام في المعابد اليهودية التي لا يُفصَل فيها الجنسان. كما أصبح هناك احتفال ببلوغ البنات سن التكليف الديني (بَتْ متْسفاه) على غرار احتفال البرمتسفاه، أي بلوغ الصبيان هذا السن.

أما حركة التمركز حول الأنثى، فهي أمر مختلف تماماً. فهذه الحركة، كما أسلفنا، ليست مسألة حقوق، وإنما هي قراءة للتاريخ، وموقف من اللغة والرموز والجسد، ومن ثم يمكن الحديث عن حركة يهودية للتمركز حول الأنثى تركت أثراً جذرياً في الجماعات اليهودية وفي العقيدة اليهودية، ولَّدت يهودية متمركزة حول الأنثى وُصفت بأنها حركة تحاول تركيب بنية دينية جديدة، تتكون من عناصر يجمعها مفكرو وقيادة الحركة لإعادة بناء اليهودية بطريقة تُرضي الإناث وتفي بحاجاتهن الأنثوية الخاصة. وهذه العناصر مجموعة من الأساطير الشعبية والأفكار الوثنية التي تراكمت داخل التركيب الجيولوجي اليهودي (مثل أسطورة ليليت)، وهو تركيب جعل دعاة اليهودية المتمركزة حول الأنثى قادرين على توليد نسقهم من داخل النسق الديني نفسه، ذلك لأن هذا التركيب يحوي كل شيء تقريباً، كما أنه يولِّد قابلية عالية لليهودية للتغير حسب الأوضاع والملابسات التاريخية. وقد وصفت جوديت بلاسكو، إحدى مفكرات حركة اليهودية المتمركزة حول الأنثى تلك الحركة بأنها تسعى إلى توسيع نطاق التوراة، ومن ثم فهي تثير الشكوك بشأن نهائية النص التوراتي ومطلقيته، فهي يهودية معادية للمطلق الديني المتجاوز للطبيعة والإنسان، وتطرح بدلاً منه نسقاً يتغيَّر بتغيُّر الملابسات التاريخية والرغبات البشرية، الجماعية والفردية. وهي في هذا لا تختلف كثيراً عن لاهوت موت الإله، حين يموت الإله ويصبح المطلق الوحيد هو حادث الإبادة النازية ليهود أوربا وإنشاء الدولة الصهيونية. وقد صرحت إحدى مفكرات الحركة بأن إعادة النظر في وضع المرأة في سياق العقيدة اليهودية أمر جوهري يُشبه إعادة دراسة المسألة اليهودية في سياق التاريخ العام.

وكانت اليهودية الإصلاحية أول فرقة استجابت لحركة التمركز حول الأنثى اليهودية إذ رُسِّمت سالي برايساند حاخاماً في يونيه 1972. وفي عام 1973، وافقت اليهودية المحافظة على أن تحسب النساء ضمن النصاب (منيان) اللازم لإقامة الصلاة في المعبد، كما سُمح لهن بالقراءة من التوراة في المعبد، وهذه أمور كانت مقصورة على الذكور البالغين. ثم وافقت اليهودية المحافظة على ترسيم الإناث كحاخامات محافظات في 1985، وكمنشدات (حزان) عام 1987، وقد اتسع النطاق بطبيعة الحال ليشمل كل الشعائر.

وقد أسَّست بعض النساء الأمريكيات اليهوديات من المدافعات عن التمركز حول الأنثى جماعة «نساء الحائط» التي تطالب بحق تلاوة التوراة أمام حائط المبكى، وارتداء شال الصلاة (طاليت) وهو حق مقصور على الرجال. كما بدأ بعض المؤمنات باليهودية المتمركزة حول الأنثى بارتداء شيلان صلاة (طاليت) حريمية ذات لون وردي وطاقيات للصلاة موشاة بعناصر حريمية مثل الدانتلا، وتمائم صلاة (تيفلِّين) مزينة بالشرائط (وإن كان بعضهن يرفضن الشيلان والطاقيات والتمائم لأنها ذكورية أكثر من اللازم وتُذكِّرهن بآبائهن!). ومنذ عام 1983، بدأت بعض المعابد اليهودية غير الأرثوذكسية بتعديل الصلوات حتى تتم الإشارة إلى الآباء (باتريارك) وزوجاتهن الأمهات (ماتريارك).

وتحـاول بعـض المعابد تغـيير صيغة الإشـارة إلى الإله باعتباره ذكراً، فيُشار إليه باعتبار أنه ذكر وأنثى في آن واحد، حتى تتحقق المساواة التامة بين الجنسين! فيُقال على سبيل المثال "إن الخالق هو الذي/ هي التي، وضع/وضعت... إلخ"، بل يُشار إليه أحياناً بالمؤنث وحسب، فهو «ملكة الدنيا»، و«سيدة الكون» و«الشخيناه». كما أن بعض دعاة حركة التمركز حول الأنثى يستخدمن كلمات لا جنس لها (بالإنجليزية: أن جندرد ungendered») مثل: «فريند friend» (صديق) و«كومبانيون companion» (رفيق) و«كو كريتور co-creator» (المشارك في الخلق). وهذا الاسم الأخير يدل على الجذور الحلولية لليهودية المتمركزة حول الأنثى. فالتراث القبَّالي يرى أن الإنسان شريك للإله في عملية الخلق إذ أن عملية إصلاح الخلل الكوني (تيقون) التي يستعيد بها الإله وجوده ووحدته، لا يمكن أن تتم إلا من خلال أداء اليهود للأوامر والنواهي.

كما تحاول الحركة اليهودية المتمركزة حول الأنثى تطهير الخطاب الديني تماماً من أية صور مجازية قد يُفهَم منها الانقسام إلى ذكر وأنثى مثل صورتي الزواج والزفاف المجازيتين المتواترتين في العهد القديم. ولعل من أهم التغييرات في عالم الرموز ظهور ليليت (نسبة إلى الليل والظلمة) بديلاً لحواء، وهي حسب الأساطير التلمودية زوجة آدم الأولى قبل حواء، وقد تمردت على وضعها كأنثى (فرفضت مسألة أنها تنام تحت الرجل لا فوقه!) كما تمرَّدت على الإله. وأصبحت تنتقم من الرجال والنساء المتزوجات بأن تقتل الأطفال المولودين. فليليت ليست عكس حواء وحسب، بل هي عكس الأنوثة والأمومة والحالة البشرية نفسها، فهي شخصية تفكيكية من الطراز الأول تنتمي إلى عالم ما بعد الحداثة الذي لا يوجد فيه مركز ولا معنى (وقد صدرت عام 1976 مجلة ليليت لتعبِّر عن فكر حركة التمركز حول الأنثى أسستها سوزان وايدمان شنايدر إحدى أهم مفكرات الحركة).

ومن التعديلات الأخرى التي أُدخلت على العبادة اليهودية، الاحتفال بعيد «روش هحوديش»، أي «عيد القمر الجديد» باعتباره عيداً أنثوياً. وتشير بعض مفكرات الحركة اليهودية للتمركز حول الأنثى إلى علاقة القمر بالعادة الشهرية، وإلى أن في التلمود عبارة تقول إن القمر سيصبح يوماً ما مساوياً للشمس، ويفسر كل هذا على أنه إشارات إلى المساواة المطلقة بين الذكر والأنثى واختفاء أي اختلاف بينهما. ويقيم دعاة حركة التمركز حول الأنثى احتفالات خاصة بالعادة الشهرية والاجهاض والولادة. وقد وصفت إحداهن الاحتفال بالمخاض وإنجاب الطفل وقالت إنها عثرت عليه في كتاب يُسمَّى سيفر هاتشبِّي (وقد ذكره أحد الحاخامات ليحذر أعضاء الجماعة اليهودية من الانغماس في الخرافات الشعبية الوثنية). ويأخذ الطقس الشكل التالي:

تُرسَم دائرة بالفحم الأسود على حوائط الغرفة التي تجلس فيها الأنثى التي ستنجب، ثم تكتب على الحائط عبارة: آدم وحواء بدون ليليت، ثم تكتب على الباب أسماء ثلاثة ملائكة هم: سانوي وساتسوني وسامنجالوف (وأسماؤهم هي أيضاً سانفي وسانسافي وسامن جاليف)، ثم تحضر صديقات الأنثى التي ستلد ويجلسن في دائرة حولها وهكذا.

وقد أعد دعاة حركة التمركز حول الأنثى هاجاداه لعيد الفصح خاصة بالنساء (وكتبتها الأمريكية إستير بروند والإسرائيلية نعومي نيمرود). ويبدأ الاحتفال بعيد الفصح بالنساء جالسات على الأرض وقد فرشن أمامهن مفرشاً وتوجَّه الأسئلة لأربع بنات، بدلاً من أربعة أولاد، أما كأس النبي إلياهو فيصبح كأس الكاهنة مريم. وقد كُتبت كتب مدراش خاصة متمركزة حول الأنثى. وقد أدخلت الحركة أيضاً تعديلات عديدة ذات طابع سطحي بعضها يكاد يكون كوميدياً. فمثلاً هناك احتفال يُسمَّى «بريت بنوت يسرائيل» بدلاً من «بريت ميلاه (الختان)» تُتلى فيه صلاة خاصة تؤكد أهمية الأمهات: أولاهن بطبيعة الحال ليليت ثم حواء وزوجة نوح وسارة ورفقه وليئة وراحيل. ويُقام احتفال التشليخ (بعد عيد رأس السنة) حيث تقوم النساء بإلقاء خطاياهن في الماء. وتأكل النساء طعاماً مستديراً (فطائر) علامة الخصوبة والأنوثة، ويشعلن شموعاً يوم السبت على أن تُوضَع الشموع في طبق مليء بالماء حتى تشبه القمر. وتجمع النساء الصدقة فيما بينهن ولا ينفقنها إلا على حركة التمركز حول الأنثى. وكما أسلفنا، رُسِّمت نساء حاخامات كما توجد الآن معابد يهـودية إصـلاحيـة ومحافظـة للسحاقيات، وقد رُسِّـمت لهـا (حاخامات) من النساء السحاقيات أيضـاً، وتوجـد الآن مدرسـة تلمودية عليا (يشيفا) تسمح بالتحاق الشواذ جنسياً والسحاقيات.

وقد يكون من الأفضـل تصنـيف اليهودية المتمركزة حول الأنثى على أنها من بين العبادات الجديدة، أكثر من أن تكون استمراراً لليهودية الحاخامية، وهـي من ثم محـاولة أخــيرة للإنسان العلماني اليهودي في الغرب أن يحل مشكلة المعنى والأزمة الروحية الناجمة عن تصاعُد معدلات العلمنة في المجتمعات التي يُقال لها «متقدمة».

وحركة التمركز حول الأنثى تشبه تماماً في بنيتها الحركة الصهيونية التي تذهب إلى أن الأغيار لا يمكنهم أن يشعروا بشعور اليهود، وهم يحملون وزر تاريخ قام باضطهاد اليهود جيلاً بعد جيل، والبرنامج الإصلاحي الصهيوني لا يهدف إلى تحسين أحوال اليهود باعتبارهم أقلية دينية في أوطانهم وإنما هو برنامج تفكيكي يطالب بسحب اليهود من مجتمعات الأغيار (مثلما تُسحَب المرأة في المنظومة المتمركزة حول الأنثى من مجتمع الرجال(.

ولنا أن نقول الشيء نفسه بالنسبة لما يحدث في الدين فما يحدث في حالة اليهودية المتمركزة حول الأنثى ليس إصلاحاً دينياً يهدف إلى تطوير بعض الشعائر حتى يتمكن اليهودي من أن يصبح إنساناً عصرياً، وإنما هو عملية تفكيك للدين تُغيِّر هويته وملامحه وتوجُّهه حتى يصبح من العسير تسميته ديناً على الإطلاق؟ فإذا كان النص المقدَّس نصاً زمنياً تاريخياً وإذا كانت العقائد مسائل اجتماعية اتفاقية، وإذا كانت الشعائر تدور داخل نطاق كل هذا، فما الفرق بين النص المقدَّس ومجلة نيوزويك مثلاً؟

لقد دخل الإنسان الغربي عالم ما بعد الحداثة: وهو عالم حلولي وثني دائري عبثي (مثل «صمت الحملان») عالم يحكمه إله مجنون ويعيش فيه بشر لا يمكن الحكم عليهم من منظور أية منظومة قيمية، فهم خليط من الذئاب والأفاعي والأميبا. ومن أهم مفكرات حركة التمركر حول الأنثى: بتي فريدان، وإريكا يونج (وكلتاهما أمريكية يهودية(.

  • الاربعاء AM 06:34
    2021-04-28
  • 1154
Powered by: GateGold