المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417552
يتصفح الموقع حاليا : 228

البحث

البحث

عرض المادة

الموحدانيـــة - جماعـة الحضـارة الأخلاقيـة

الموحدانيـــة
Unitarianism
«الموحدانية» عقيدة مسيحية تنكر عقيدة التثليث ولاهوت المسـيح (أي كونه إلهاً أو ابن الإله)، وهي نتـاج حـركة الاسـتنارة والعقلانية. ويمكن القول بأنها شكل من أشكال الربوبية، أي صيغة شبه علمانية للمسيحية، ولذا فإن أتباع هذه العقيدة لا يعتبرونها عقيدة وإنما مجرد أسلوب في الحياة!


وعقيدة الموحدانية نتاج بعض التيارات داخل المسيحية نفسها. وأولى هذه العقائد الإيمان بأن سقوط الإنسان لم يكن كاملاً وأنه يحوي داخله عناصر من الخير، ومن ثم فهو قادر على العمل من أجل الخلاص والوصول إليه من خلال جهده وأعماله الخيرة. وقد حارب القديس أوغسطين ضد بيلاجيوس، الراهب البريطاني (المُتوفي عام 420م) الذي ركز اهتمامه على إمكانيات الخير الكامنة داخل النفس البشرية وفي إمكانية خلاص الفرد المسيحي. أما العنصر الثاني فهو رفض التثليث، كما فعل الراهب الإسباني سيرفيتوس الذي لم يرفض عقائد التثليث وحسب بل رفض مقولة الحمل بلا دنس، وأكد أن عقيدة التثليث لا أساس لها في الكتاب المقدَّس وأن الآباء الأوائل لا يعرفون هذه التمييزات وأن مصدرها هو السوفسطائيون اليونان. ومثل هذه الأفكار شجعهتا حركة الاستنارة التي هاجم مفكروها فكرة التثليث وأكدوا أن الإنسان (لأنه كائن طبيعي) لا يحوي داخله شراً، فهو خيِّر بطبيعته.

وقد كانت عقيدة الموحدانية في بدايتها حركة دينية عقلانية جافة، ويمكن تلخيص مبادئها الأساسية فيما يلي:
1 ـ يؤكد الموحدانيون أُبَّوة الإله بدلاً من مقدرته، فالإله أب لكل البشر. وهو يكاد يكون مبدأ عاماً مجرداً كامناً في الطبيعة والإنسان غير مفارق لهما، أي أن الموحدانية تدور في إطار الواحدية الكونية.


2 ـ ينكر الموحـدانيون التثليث ولاهـوت (ألوهية) المسـيح (مقابل الناسوت)، فالمسيح ليس ابن الإله وإنما هو بشر، مجرد قائد عظيم، وصَلْبه هو الثمن الذي يدفعه أي قائد عظيم دفاعاً عن مُثُله.

3 ـ الكتاب المقدَّس كتاب كتبه بشر ومن ثم فهو ليس كتاباً معصوماً ولا يُقرأ باعتباره كتاباً مقدَّساً وإنما باعتباره كتاب موعظة.

4 ـ خَلَق الإله الإنسان في صورته، ولذا فإن الإنسان يشارك في الخير الإلهي. ولا توجد خطيئة عميقة ولا توجد خطيئة أولى، بل إن الخطيئة هي خطأ أخلاقي ضد البشر وليست خطيئة ضد الإله. ولا يوجد شر مطلق أو خلاص مطلق وإنما يوجد بشر يتطورون يحققون الخلاص بالتدريج من خلال أعمالهم وشخصياتهم، يبدأ تطورهم مع ميلادهم ولا يتوقف بعد موتهم. وفكرة التطور اللانهائي لكل البشر فكرة أساسية في عقيدة الموحدانيين. وقد آمن الموحدانيون بأخوة كل البشر ومساواتهم الكاملة.

5 ـ القوة الأخلاقية العظمى في العالم هي المثل الذي يضربه عظماء الرجال: المسيح مثلاً. ولذا، لا توجد حاجة إلى كنيسة تحتكر طرق الخلاص. فالكنيسة إن هي إلا مجموعة من المؤسسات الاجتماعية لا توجد وراءها كنيسة روحية، كما يدَّعي اللاهوت المسيحي في إحدى صوره. كما لا توجد حاجة إلى الشعائر التي تربط هذا العالم بالعالم الآخر. ولذا، فإن شعائر التعميد وعشاء الإله هي مجرد طقوس تُذكِّر الإنسان بما حدث في حياة المسيح دون تحولات أو أسرار. ولذا، قامت بعض الكنائس المواحدانية بإلغاء كل هذه الشعائر لأنها تُذكِّر المرء بالمفاهيم اللاهوتية.

وقد صنَّف الكالفنيـون عقـيدة الموحـدانيين باعتبارها ليست مسيحية، وهم محقُّون تماماً في ذلك إذ أنها عقيدة أنكرت كثيراً من العقائد المسيحية الأساسية، بل يمكن القول بأنها عقيدة شبه علمانية أو تكاد تقترب من العبادات الجديدة، إذ لا توجد فيها فكرة الإله المفارق المتجاوز للإنسان والطبيعة. فالإله قد حل في مخلوقاته وتوحَّد معها وشحُب تماماً وتحوَّل إلى ما يشبه مبادئ الطبيعة والضرورة التي لا شخصية ولا وعي لها، وأصبحت كل الأمور متساوية ونسبية (وقد لخص أحد المفكرين المسـيحيين موقـف الموحـدانيين من الإله بقوله إنهم يؤمنون «بأنه يوجد إله واحد على الأكثر»، وأنهم «يصلون لمن يهمه الأمر»). ويمـكن القول بأن فكرة الإلـه الواحـد المتجاوز يمكن أن تختفي عن طريقين: أن يزداد الإله (المبدأ الواحد) في حلوله واقترابه حتى يتحول الحلول والكمون إلى وحدة وجود روحية ثم مادية، حيث يتعرف المخلوق إلى الخالق في مخلوقاته وحسب، وهذا هو النمط الأكثر شيوعاً. ولكن هناك نمطاً آخر وهو أن الإله (المبدأ الواحد) هذه القوة اللامتعينة الدافعة للمادة، الكامنة فيها التي تضبط جوهرها، تزداد تجريداً ومفارقة للمخلوقات. وهنا يظهر في البداية إله كالفن الذي لا يُسبَر له غور، والذي يُختار دون منطق واضح. وتزداد درجة التجريد والمفارقة إلى أن تصل حد التعطيل ويصبح الإله مفارقاً تماماً لا علاقة لنا به (إله الغنوصيين مثلاً)، أي أن الكالفينية نفسها إن هي إلا حلقة أولى تؤدي إلى الموحدانية (هذا على عكس الفكر التوحيدي الحقيقي حيث يوجد الإله القريب البعيد: ليس كمثله شيء وهو أقرب إلينا من حبل الوريد(.

وقد اعتنق هذه العقيدة كثير من أعضاء الشرائح العليا للطبقات الوسطى، وخصوصاً العناصر المحافظة والثرية، وأصبحت معظم كنائس بوسطن تؤمن بالعقيدة الموحدانية هذه. فقد أعفتهم الكنيسة من القيام بأية شعائر وأنهت عملية البحث المضنية داخل الذات الآثمة والمحاولة الذاتية للتأكد من إشارات الخلاص وهما عملية ومحاولة اتسمت بهما العقيدة الكالفنية التي سادت بين المستوطنين البيض الذين سُمُّوا «البيوريتان»، أي المتطهرين، إذ أكدت الموحدانية للذات الإنسانية أن الخلاص متيسر وأن النعمة حلت. كما أن الإيمان بالتطور المستمر قد أعطى إحساساً إمبريالياً عميقاً لتجار بوسطن، إذ كان هذا يعني أن بوسعهم التحرك بصورة دائمة وغزو العالم بشكل مستمر وأن بوسعهم أيضاً أن يراكموا الثروة أبداً ويقدموا الشكر لله على النعمة الإلهية والاختيار.

والكنيسة الموحدانية، كما أسلفنا، تعبير عن حلولية مرحلة وحدة الوجود، ولكنها كانت ذات طابع عقـلاني جـاد وجــاف (وكـادت العبــادة تكوـن مـثل البحــث العلمي والبحث الصارم عن البراهين). ولــذا، قـام وليـام أليري تشـانينج بإدخال عنصر من العاطفـة فانتقـل بالعبــادة من النمـوذج الآلي العقلاني الجاف إلى النموذج العضـوي العاطفــي، إذ قرَّر أن الإله محب للبشر يملك العالم بأسره، كما قرَّر أن وجود (حلول) هذا الإله في كل البشـر والطبيـعة يجـعلهم مقدَّسين وأن العبادة الحقيقية للإله تكمن في إظهار حسن النـية للبــشر، أي أن الإلـه قد شحُب تماماً ثم اختفى.

وحركة الحضارة الأخلاقية تشبه الموحدانية اليهودية التجديدية في كثير من النواحي، ويُلاحَظ أن كثيراً من اليهود، وخصوصاً من أعضاء الشرائح العليا من الطبقة الوسطى الذين يودون تحقيق الانتماء الكامل للمجتمع الأمريكي، ينضمون لهذه الكنيسة (تماماً مثلما تنضم أعداد أخرى من اليهود للحركة الماسونية والعبادات الجديدة). وقد أصبح هذا أمراً ميسوراً بشكل أكبر بعد أن «تطورت» الكنائس الموحدانية وتحولت شعائرها إلى أي شيء يقرره أعضاء الكنيسة، فيمكنهم لإقامة الشعائر الموحدانية أن يحضروا قصائد شعرية يقرأونها، وبوسعهم أن يلعبوا أية لعبة تحلو لهم (ومن ذلك حل الكلمات المتقاطعة) تعبيراً عن إيمانهم الديني! وقد أوردت الصحف الأمريكية مؤخراً أن إحدى العاملات في مقهى ليلي أرادت أن تؤدي صلاتها الموحدانية بالطريقة التي تروق لها وتعبِّر عن ذاتها الحقيقية، فوجدت أن الطريقة المثلى هي خَلْع ملابسها أمام المصلين كما تفعل في محل عملها بحكم وظيفتها. وقد قَبل راعي الكنيسة ذلك وإن كان قد علَّق على هذا الحدث بأن صلاتها كانت غير تقليدية بعـض الشـيء، ولكنـه حضر الصلاة الراقصة من أولها إلى آخرها. ويبلغ عدد المواحدانيين حوالي 100.000 ويبدو أن كثيراً من أعضاء النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة من الموحدانيين.

جماعـة الحضـارة الأخلاقيـة
Society for Ethical Culure
جماعة أسسها فليكس أدلر عام 1876 اجتذبت عدداً لا بأس به من المثقفين الأمريكيين (وخصوصاً اليهود) الذين كانوا قد بدأوا يرفضون كثيراً من الشعائر والعقائد الدينية اليهودية ولكن لم يكن بوسعهم بعد التخلي عن العقيدة الدينية تماماً، ولذا كانت الجمعية بنزعتها الربوبية مناسبة تماماً لهم. وتنطلق الجمعية من الإيمان بوجود إنسانية عامة وبضرورة دراسة ما سمته «الحق» وتطوره في كل مجالات السلوك. وقد اهتمت الجمعية بالجانب التربوي، فأسست حضانة للأطفال استخدمت وسائل تقدمية في التربية. كما أن الجمعية ركزت نشاطها على الجهود الاجتماعية مثل الكفاح ضد الفساد في الحكومة ومحاولة إصلاح المساكن.


ورغم عدم أصالة فكر أدلر، إلا أن أهميته تكمن في أنه يعطينا فرصة لرؤية كيفية علمنة العقيدة اليهودية من الداخل، وكيف تتحول من عقيدة تؤمن بالإله المتجاوز إلى عقيدة يتوارى فيها الإله تدريجياً (اليهودية الإصلاحية التي كان يؤمن بها والده) إلى عقيدة ربوبية دون إله (الحضارة الأخلاقية) إلى عقيدة دون إله ودون مطلقات ودون أخلاق (الصهيونية) إلي عقيـدة عدمـية مـدمرة (لاهـوت موت الإله). وبطبيعة الحال، يمكن اعتبار أدلر يهودياً ويمكن تصنيف فكره وجماعة الحضارة الأخلاقية على أنه من العبادات الجديدة.

 

  • الاربعاء AM 06:33
    2021-04-28
  • 972
Powered by: GateGold