المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 417528
يتصفح الموقع حاليا : 255

البحث

البحث

عرض المادة

تقســـيم بولنـــــدا

تقســـيم بولنـــــدا
Partition of Poland
من أهم الأحداث التاريخية التي تقع خارج نطاق ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي»، والتي أثرت في الجماعة اليهودية في شرق أوربا (يهود اليديشية) تأثيراً عميقاً، تقسيم مملكة بولندا في الفترة 1772 ـ 1795. كان التقسيم الأول عام 1772 والثاني عام 1793 والثالث عام 1795. واستغرقت العملية خمسة وعشرين عاماً ثم مرت خمسة وعشرون عاماً أخرى حتى تم تثبيت الحدود.


التقسيم الأول (1772):

ضمت روسيا المنطقة التي تعرف باسم روسيا البيضاء (بيلوروسيا) في شمال شرق بولندا. أما الأجزاء الجنوبية الغربية المعروفة باسم جاليشيا (أو روسيا الحمراء)، فضُمَّت إلى النمسا. كما ضمت بروسيا أجزاء من غرب بولندا، ففقدت بولندا بذلك ثُلث أراضيها وخُمس سكانها. وكان هذا يعني أن ثُلث يهود بولندا أصبحوا تحت حكم كل من النمسا وروسيا وبروسيا، وكانت أغلبيتهم في جاليشيا (التابعة للنمسا).

التقسيم الثاني (1793):
زادت كل من روسيا وبروسيا ممتلكاتهما، فقسمتا نصف بولندا تقريباً فيما بينهما.


التقسيم الثالث (1795):
تم تقسيم البقية الباقية من بولندا بين روسيا وبروسيا والنمسا. وأدَّى التقسيمان الثاني والثالث إلى توزيع 800.000 يهودي بين النمسا وبروسيا وروسيا.


التقسيم الرابع (1815):
ظهر نابليون عام 1806 وأسس دوقية وارسو التي اقتطعها من الجزء الذي كان قد ضُمَّ إلى بروسيا عام 1793، ثم ضم إليها أجزاء من المنطقة التي كانت النمسا قد ضمتها. ولكن، في مؤتمر فيينا عام 1815، رُسمت الخريطة السياسية فيما يعتبر التقسيم الرابع، فأبقت النمسا على جاليشيا، وضمت بروسيا ثورن والمناطق المجاورة التي اتحدت مع بقية المناطق البولندية التي ضمتها بروسيا وسميت دوقية بوزنان، وظهرت دولة كراكوف الحرة واستمرت حتى عام 1846 حيث ضمتها النمسا إلى جاليشيا. أما روسيا، فاحتفظت بغنائمها التي حصلت عليها في التقسيمين الأول والثاني وضمت المقاطعات الجنوبية والغربية. أما الجزء الأوسط من بولندا، أي مقاطعة وارسو، فأصبح مملكة بولندا، وهي كيان سياسي شبه مستقل كان يتبع روسيا إلى أن أصبح مقاطعة روسية بعد عام 1831.


التقسيم الخامس (1939):
بعد الحرب العالمية الأولى، والحرب الروسية ـ البولندية (1920 ـ 1921) ثم معاهدة ريجا بين روسيا وبولندا (مارس1921)، تقررت حدود بولندا وأصبحت مضمونة بموجب معاهدة عدم الاعتداء السوفيتية البولندية (1932) التي تم تجديدها سنة 1934 لعشرة أعوام. ويرى بعض المؤرخين أن تقسيم بولندا بين ألمانيا وروسيا هو التقسيم الخامس، وهو التقسيم الذي تقرر بناءً على البنود السرية للاتفاق الألماني السوفيتي المؤرخ في 23 أغسطس 1939. وفي أعقاب هذا الاتفاق، غزت القوات الألمانية الأراضي البولندية في الأول من سبتمبر 1939، وغزت القوات السوفيتية شرق بولندا خارقة بذلك معاهدة عدم الاعتداء المجددة عام 1934.


بـوزنــان
Poznan
مدينة في بولندا الكبرى، وبوزنان عاصمة مقاطعة تحمل الاسم نفسه. وفي الألمانية، يشار لكل من المقاطعة والمدينة بكلمة «بوزن». وقد استقر فيها اليهود منذ أواخر القرن الرابع عشر حيث كانت أحد أهم المراكز اليهودية. وقد نشأت صراعات بين أعضاء الجماعة اليهودية (10% من مجموع سكان المدينة) وبقية السكان الذين حاولوا أن يقفوا ضد تجارة القطاعي اليهودية وأن يحددوا عدد منازل اليهود ويطردوا القادمين الجدد منهم. واستمرت هذه المحاولات حتى بداية القرن السابع عشر. ومع هذا، كانت أحوال الجماعة جيدة بشكل عام، فكانوا يقومون بوظيفة مهمة في المجتمع وكانوا موضوعين تحت حماية الملك.


ومع القرن السابع عشر، بدأ التدهور الحقيقي؛ إذ زادت الضرائب، وبدأ يتوافد تجار ألمان من سيليزيا ليشكلوا منافسة قوية للتجار اليهود، وغرق القهال في الديون (ولم تُحل هذه المسألة إلا في منتصف القرن الـ 19)، وواجه التجار اليهود صعوبات غير عادية في الأسواق التجارية في فرانكفورت وبراندنبرج وغيرها. وازداد حال اليهود سوءاً خلال الحرب السويدية (1655ـ 1660)، إذ أدَّى التدهور الاقتصـادي إلى زيادة حـدة الصراعات الاجتماعيـة وتَناقُص عـدد السكان، وإهمال التعليم الديني.

ولم يختلف الوضع كثيراً في القرن الثامن عشر، فقد ترك اليهود المدينة بأعداد متزايدة، ولم يتمكن من تَبَقَّى منهم أن يفعل أي شيء. وظل هذا الوضع إلى أن ضُمت بوزنان (المدينة والمقاطعة) إلى بروسيا عام 1793. وبذا، كانت بروسيا تضم عام 1807 نحو 200 ألف يهودي. ثم ضمت بوزنان إلى دوقية وارسو التي أسسها نابليون ثم أُعيدت إلى الحكم البروسي عام 1815.

وطبَّقت بروسيا، في بداية الأمر، القوانين الصادرة عام 1750 التي كانت تهدف إلى الحد من عدد اليهود والإبقاء على الأثرياء مهنم فقط. ولكن، بعد ذلك، تم التخلي عن هذه السياسة، وتبنت البيروقراطية الألمانية سياسة ممالئة للعنصر اليهودي الذي يتحدث اليديشية باعتباره عنصراً ألمانيا يمكن الاعتماد عليه مقابل العنصر البولندي السلافي.

وتسبَّب ذلك في عزل أعضاء الجماعة عن العناصر البولندية. وحينما أُلغي الاستقلال الشكلي لدوقية بوزنان الكبرى وأصبحت مقاطعة بروسية، أصبح سائر اليهود مواطنين بروسيين لعبوا دوراً أكثر نشاطاً في الحرب الدائرة بين الاتجاه الداعي إلى ألمنتها والاتجاه الداعي إلى صبغها بالصبغة البولندية. وبطبيعة الحال، كان أعضاء الجماعة ضمن مؤيدي الاتجاه الأول. لكل هذا، كانت الحركات البولندية تهاجم اليهود باعتبارهم عناصر ألمانية معادية. وعندما ظهرت المحاولات البولندية القومية للاستقلال الاقتصادي التي أخذت شكل تعاونيات ومصارف ومشاريع اقتصادية أخرى، كان لها اتجاه معاد لليهود. ونتج عن ذلك هجرة يهودية من المدن الصغيرة إلى المدن الكبيرة، وصاحب ذلك انتقال من التجارة المحلية إلى العمل في المصارف والصناعة والمهن. ثم اتجهت الهجرة نحو بروسـيا، وخصـوصاً برلين وبرسـلاو، وأخيراً نحو الولايات المتحدة. وقد تناقص عدد سكان بوزنان اليهود من 76.757 (5.7%) عام 1849 إلى 26.512 (1.26%) عام 1910. وكانت نسبة كبيرة من يهود المدن الألمانية الكبرى من يهود بوزنان. وبعد ضم بوزنان إلى بولندا، بعد الحرب العالمية الأولى، هاجرت البقية الباقية إلى ألمانيا ولم يبق سوى بضعة آلاف.

وتسبَّب وضع بوزنان الحدودي في مشكلتين:

1 ـ فصل العنصر البولندي اليهودي عن الحركة القومية البولندية، وهو ما جعلها معادية لليهود لتعاونهم مع الألمان.

2 ـ تسببت هجرة يهود بوزنان، إلى المدن الألمانية الأساسية، في إعادة صبغ يهود ألمانيا بصبغة شرق أوربية. فيهود ألمانيا الأصليون كانوا مندمجين في محيطهم الحضاري تماماً، وكانوا لا يتحدثون سوى الألمانية، كما كانوا يدافعون عن القومية العضوية الألمانية ويتبنون أسلوب الحياة الألماني. أما يهود شرق أوربا، فلم يتم صبغهم بالصبغة الألمانية إلا في مرحلة متأخرة، ولذا كانت هويتهم الألمانية سطحية وضعيفة، بل واحتفظوا بكثير من ملامح شخصيتهم الشرق أوربية اليديشية. كما كانت تنتشر بينهم الأفكار الصهيونية.

تزايد عدد المهاجرين من يهـود بوزنان، ويهود اليديشـية بشـكل عام، حتى أصبح لهم وزن عددي كبير. وأدَّى ذلك إلى إعادة تعريف كلمة «يهودي» في العقل الألماني بحيث تمت المساواة بين يهود اليديشية الغرباء ويهود ألمانيا المندمجين، وأصبح الجميع يهوداً غرباء. ولكن الأهم من ذلك أنهم لم يكونوا غرباء وحسب وإنما كانوا أيضاً «إيست يودين»، أي يهوداً شرق أوربيين من أصل سلافي. والشعوب السلافية، بحسب النظرة النازية، كانت تُعتبَر المجال الحيوي لألمانيا، كما كانت هدفاً للعنصرية النازية. فكأن هجرة يهود اليديشية، وضمنهم يهود بوزنان، ساهمت في إعادة تصنيف يهود ألمانيا من « العنصر الغريب الذي لابد من دمجه » إلى «العنصر الغريب الذي لابد من نبذه »، فهو إذن ليس « الغريب» وحسب وإنما هو، أيضاً « الغريم ».

  • الثلاثاء PM 06:25
    2021-04-20
  • 1227
Powered by: GateGold